ماذا بعد توافق المعارضة السورية؟
16-12-2015

د. وحيد عبد المجيد
* مستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام
أثبتت قوى المعارضة السورية الرئيسية التي شاركت في مؤتمر الرياض جديتها واستعدادها للتفاوض من أجل حل سياسي، ولم يعد ثمة مجال للتذرع بعدم وجود بديل عن نظام الأسد، بدعوى أن هذه القوى مفتتة ومتحاربة ولا يمكن أن تتفق. فقد أحدث مؤتمر الرياض تغييراً جوهرياً في مسار الأزمة السورية بعد توافق قوى المعارضة على التفاوض مع النظام وفق صيغة بناءة تستند إلى مرجعية بياني جنيف1 وفيينا في الوقت نفسه.
 
لم يكن سهلاً بأي حال التوصل إلى مثل ذلك التوافق الوطني الذي بدا كما لو أنه «معجزة» سياسية. فقد اتسم المؤتمر الذي استضافته الرياض الأسبوع الماضي، بتنوع يشمل مختلف مكونات قوى المعارضة، سياسياً وعسكرياً، ويغطي الخريطة الجغرافية المفتتة. فقد حضره ممثلون لأطياف مختلفة في مواقفها تجاه قضايا عدة أهمها طبيعة المرحلة الانتقالية وبعض تفاصيلها، وموقع بشار الأسد فيها غياباً أو حضوراً، وأسس النظام السياسي البديل، فضلاً عن تشكيل الوفد الذي نص بيان فينا على أن يدخل في مفاوضات مع وفد النظام السوري مطلع 2016.
 
ورغم تداخل مواقف الفصائل المسلحة التي شاركت في المؤتمر (15 فصيلاً) مع توجهات بعض القوى السياسية، فقد كانت هذه الفصائل في مجملها هي الأكثر تشدداً بدرجات متفاوتة في تصورها للحل السياسي وعملية الانتقال التي يمكن أن تقود إليه.
كما أن موقف «الائتلاف الوطني السوري» الذي تربطه علاقة مع بعض فصائل «الجيش الحر» كان أكثر تمسكاً بثوابت بيان جنيف 1 الصادر في 30 يونيو 2012، مقارنة بقوى سياسية أخرى كان أكثرها تمثيلاً في المؤتمر «هيئة التنسيق الوطني للتغيير الديمقراطي» التي مازال بعض أهم قادتها في دمشق، وكذلك «تيار بناء الدولة».
 
وكان هذا الأخير، وبعض المستقلين وبينهم ممثلا مجموعة «إعلان القاهرة»، هم الأكثر مرونة في مداولات المؤتمر، والأكثر ميلاً إلى قراءة بيان فيينا بمعزل عن جنيف 1. لكن من كانوا أكثر تشدداً أبدوا مرونة لافتة، بينما تحلى من كانوا أكثر مرونة بالشجاعة وتوافقوا على مبدأ عدم وجود مكان للأسد وزمرته في النظام السياسي الجديد. وكان التفاهم على تشكيل هيئة عليا تختار الوفد المفاوض وتكون مرجعية له دليلاً قوياً على استعداد حقيقي لحل سياسي.
 
والمهم هو أن هذا كله حدث في مؤتمر كبير ضم الاتجاهات الرئيسية في الساحة السياسية السورية، وقد غطى ممثلو هذه الاتجاهات، بما في ذلك الفصائل المسلحة التي كان سبعة بينها من الشمال وخمسة من الجنوب وثلاثة من الوسط، الخريطة الجغرافبة السورية كلها تقريباً.
 
لذلك تبدو واهية الانتقادات التي ذهبت إلى استبعاد قوى تعبر عن اتجاهات أخرى. فمثلا كان «حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي» الذي يسيطر على «وحدات حماية الشعب» ممثلاً من الناحية الفعلية عن طريق «هيئة التنسيق الوطني»، لأن رئيسه صالح مسلم هو أحد قادتها. لكن الموقف الذي اتخذه ضد المؤتمر كشف علاقته بنظام الأسد. فهذا الحزب ليس هو المعبر الوحيد عن الكرد السوريين، إذ يضم «الائتلاف الوطني» تمثيلاً كردياً معتبراً، وكذلك التيار المنبثق عن «إعلان القاهرة» الصادر في يناير 2015، والذي شارك بعض قادته بصفتهم مستقلين.
 
لذلك كان الكرد مشاركين بفاعلية في مؤتمر الرياض ضمن أهم مكوناتهم السياسية، لأن الدعوة إليه لم تتم على أساس عرقي أو ديني أو جهوي، بل يُعد تصنيف السوريين على هذا الأساس خطاً أحمر لدى كل من يتطلع إلى سوريا موحدة وديمقراطية.
 
وجاء تركيب هذا المؤتمر بمثابة رد عملي على من سبق أن اتهموا الدول المؤيدة للمعارضة المعتدلة منذ البداية بأنها تنحاز إلى فصائل تيار الإسلام السياسي. فقد كان تمثيل هذا التيار هامشياً في المؤتمر، من خلال عضوين في «الائتلاف الوطني» ومشارك مستقل، إضافة إلى ثلاث فصائل فقط (أحرار الشام، وجيش الإسلام، وشباب أهل السنة) من بين 15 فصيلاً مسلحاً.
 
وهكذا نجح مؤتمر الرياض في توحيد صوت السوريين أصحاب القضية التي تتصدر جدول الأعمال العالمي والإقليمي، وأصبح واجباً على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته في تذليل العقبات التي لا يزال نظام الأسد وحلفاؤه يضعونها أمام الحل السياسي حتى بعد أن أثبتت قوى المعارضة استعدادها له.
 
----------------------------------
* نقلا  عن الاتحاد الإماراتية، 16-12-2015.

رابط دائم: