هل تجاوزت الأحداث القياديين في جنوب اليمن
2-11-2015

خير الله خير الله
* إعلامي لبناني
ما يحصل في عدن دليل على الفشل الذي تعاني منه القيادات الجنوبية التي فقدت قدرتها على التأثير على الأرض، كما يبدو أن الأحداث تجاوزتها.
 
في ظلّ التعقيدات اليمنية، تبرز القضية الجنوبية في ضوء إخراج التحالف العربي والدولي القوات التابعة للحوثيين، أي “أنصار الله” والرئيس السابق على عبدالله صالح من كل المحافظات التي كانت تشكّل في الماضي، حتّى العام 1990، “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” سعيدة الذكر.
ما حصل بعد تحرير عدن والمحافظات الجنوبية يطرح سؤالا في غاية الأهمّية: هل من قضية جنوبية؟ هل يمكن العودة إلى الوضع الذي كان سائدا قبل الوحدة كما يطالب عدد لا بأس به من القيادات في الجنوب، بما في ذلك ما يسمّى “الحراك”؟
 
الواقع أنّه كانت هناك فرصة ليثبت قياديو الجنوب أنّهم تعلّموا شيئا من تجارب الماضي وأنّه بات في استطاعتهم تقديم نموذج لدولة حديثة تصلح مثلا يحتذى به في المستقبل. والمستقبل يعني، بين ما يعنى، بقاء اليمن موحّدا أو أن تكون هناك مجموعة أقاليم، كما خرج به مؤتمر الحوار الوطني.. أو أن يتحوّل اليمن دولا عدّة قادرة على التعايش في ما بينها، خصوصا أن هناك من يؤمن بأنّ حضرموت يجب أن تكون كيانا مستقلا يمتلك كل مقوّمات الدولة.
 
المؤسف أن القيادات الجنوبية لم تكن في مستوى المسؤولية في مرحلة ما بعد تحرير عدن. لم يحصل أيّ تطوّر يصبّ في اتجاه تشجيع الانفصال أو الدفع في اتجاه جعل الجنوب مكانا يلجأ إليه اليمنيون الهاربون من ظلم الحوثيين والنظام المتخلّف الذي يسعون إلى فرضه على أهل صنعاء بشكل خاص.
 
ما يحصل في عدن دليل على الفشل الذي تعاني منه القيادات الجنوبية التي فقدت قدرتها على التأثير على الأرض، كما يبدو أن الأحداث تجاوزتها. هناك ما يشير إلى وجود جو عدائي للقوات التي حرّرت عدن والتي استطاعت أن تجد موطئ قدم على أرض اليمن للحكومة الشرعية وللسلطة التي يقف على رأسها الرئيس الانتقالي عبدربّه منصور هادي. جاء عبدربّه في زيارة تفقّدية لعدن في مناسبة عيد الأضحى ثم غادرها. أمّا رئيس الوزراء خالد بحّاح، الذي هو في الوقت ذاته نائب رئيس الجمهورية، فقد مكث مع عدد من الوزراء بضعة أيام في عدن. ما لبث بحّاح أن غادر المدينة بعد الاعتداء ذي الطابع الإرهابي الذي استهدف مقرّ إقامته.
 
لا يمكن وضع كل اللوم على الرئيس الانتقالي أو على نائب الرئيس. هناك مسؤولية تتحمّلها كلّ القيادات الجنوبية التي بات عليها التعاطي مع الواقع القائم والإجابة عن سؤال في منتهى البساطة. هذا السؤال هو: هل في استطاعة هذه القيادات الاعتراف بالواقع والسعي إلى قلبه، أم أن قوى التطرّف ستتحكم في الوضع، وهي التي راحت تنتشر في عدن وكل المحافظات الجنوبية ابتداء من صيف العام 1994، تاريخ فشل المحاولة الانفصالية التي قادها علي سالم البيض. كان البيض وقتذاك نائبا لرئيس مجلس الرئاسة في دولة الوحدة، التي أعلنت من عدن، والأمين العام للحزب الإشتراكي اليمني، الشريك الجنوبي في الوحدة.
 
يبدو من واجب القيادات الجنوبية الإعلان عن موقف صريح من الأحداث، خصوصا من محاولات المتطرّفين الإسلاميين فرض نمط حياة يؤمنون به على عدن. كان آخر دليل على ذلك فوضى السلاح في المدينة وفشل كلّ المساعي الهادفة إلى عودة الحياة الطبيعية إليها. تميّزت الأيام القليلة الماضية بمحاولة المتطرفين منع الاختلاط بين الجنسين في جامعة عدن بقوة السلاح في غياب أيّ سلطة يمكن أن تقف في وجه التخلّف الذي يريدون فرضه على أهل المدينة.
 
عدن.. لا مجال لعودة الانفصال
 
لا شكّ أن العناصر المتطرفة التي شاركت في قمع حركة الانفصال في 1994 لعبت دورا في تغيير طبيعة المجتمع في المحافظات الجنوبية، خصوصا في عدن. هذه العناصر التي شاركت في الحرب أرادت تحقيق مكاسب على الأرض. شملت هذه المكاسب الاستيلاء على بيوت وأراض، بما في ذلك بين البيض وعلي ناصر محمّد في عدن. لا بدّ من الاعتراف أن كلّ المحاولات التي بذلها على عبدالله صالح، بعد 1994، من أجل بقاء عدن منفتحة لم تحقّق النتائج المرجوّة. أراد الإخوان المسلمون والسلفيون، ثمّ “القاعدة” الآن، إيجاد موطئ قدم في عاصمة الجنوب التي كانت في ستينات القرن الماضي متقدّمة حضاريا ومدنيا على معظم مدن شبه الجزيرة العربية. كان طموح السلطان قابوس، قبل أن يتسلّم الحكم في العام 1970، جعل مسقط في مستوى عدن التي كان يتوقف فيها لركوب الباخرة التي ستنقله إلى بريطانيا التي تابع فيها تعليمه.
 
بين الاستقلال في 1967 والوحدة في 1990، كان تاريخ اليمن الجنوبي سلسلة من الحروب الداخلية توجت بما يسمّى “أحداث الثالث عشر من يناير 1986” التي كانت تعبيرا عن حرب أهلية ولا شيء آخر غير ذلك وعن انهيار للنظام القائم.
 
تكشف التطورات التي تشهدها عدن والمناطق الجنوبية الأخرى أن لا مجال لعودة الانفصال. هناك قوى جديدة تتحكّم بالوضع. هذه القوى شنّت عمليات إرهابية استهدفت قوّات التحالف العربي، بقيادة المملكة العربية السعودية، التي قدّمت مع دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين شهداء من أجل تخليص الجنوب من الهيمنة الإيرانية المباشرة التي يعبّر عنها “أنصار الله”.
 
يُفترض في القادة الجنوبيين، جميع القادة، من علي سالم البيض إلى علي ناصر محمّد، مرورا بحيدر أبو بكر العطاس وعشرات آخرين، تحمّل مسؤولياتهم بدل الهرب منها. هل لدى هؤلاء مشروع لليمن الجنوبي أو لليمن كلّه؟ هل في استطاعتهم السيطرة على الأرض وطرح خيارات في شأن كيفية مواجهة “القاعدة” ومن على شاكلتها من “داعش” وأخواته وإخوانه؟
 
في غياب مثل هذه الخيارات يمكن التوصل إلى خلاصة فحواها أن لا أمل من الاستثمار في الجنوب وأن التحوّل الذي طرأ على مجتمعه من النوع الميؤوس منه. أي أن لا أمل في إصلاح الوضع بعدما بات التطرّف في كلّ مكان، بما في ذلك عدن التي تأسّس فيها ناد لكرة المضرب (تنس) في العام 1902 من القرن الماضي، أي قبل ما يزيد على مئة وعشر سنوات!
 
واجب القادة الجنوبيين مصارحة اليمنيين أوّلا هل في استطاعتهم مواجهة التطرّف أم لا؟ واجبهم الإعلان صراحة هل في الإمكان معالجة الوضع القائم أم أنه واقع لا عودة عنه وأن ما فرضه التطرّف ابتداء من العام 1994 بات يمثّل حقيقة الجنوب اليمني. ليقل القادة الجنوبيون هل من أمل في عمل شيء أم لا.. أو على الأصح هل في استطاعتهم عمل شيء، أم المطلوب البحث عن بدائل منهم كي يمكن استكمال الحرب على الإرهاب بكلّ أشكاله؟…
 
-------------------
* نقلا عن العرب اللندنية، 1-11-2015.

رابط دائم: