قضايانا بين أوباما وبوتين
5-10-2015

مصطفى كامل السيد
* أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة.
ماذا سيفعل أوباما وبوتين بقضايانا العربية؟ هل يمكن أن نجد جوابا عن هذا السؤال فى الخطاب الذى ألقاه كل منهما الأسبوع الماضى فى بداية أعمال الدورة السبعين للأمم المتحدة؟ مصائر دول المنطقة أصبحت تتوقف إلى حد بعيد على ما تقرره قيادات الولايات المتحدة والاتحاد الروسى. فتطور الأحداث فى سوريا بعد التواجد الكثيف للقوات الروسية على أرضها ومشاركتها فى العمليات العسكرية الجارية إلى جانب الغارات التى يشنها ما يسمى بالتحالف الدولى لهو أكبر دليل على ذلك.
 
ما يلفت النظر فى خطابيهما ليس ما اتفقا حوله وهو قليل، ولكن فيما اختلفا بشأنه، والخلافات بينهما شديدة الدلالة على مستقبل العلاقات الدولية، وعلى تطور الأحداث فى إقليمنا، ومن ثم فتحليل الخطابين هو بلا شك أمر مهم لصانعى السياسة الخارجية فى دول الوطن العربى والشرق الأوسط، بل وجميع دول العالم المهتمة بهذا الإقليم، وتلك التى تهتم بمعرفة كيف تؤثر العلاقة بين هاتين الدولتين على أمنها ورخائها.
 
 
خذ أولا ما اتفق عليه كل منهما. يثمن كل منهما دور الأمم المتحدة فى تجنيب العالم أهوال حرب عالمية ثالثة، وأشاد كل منهما بالدور الذى ساهمت به دولته فى التأسيس لهذه المنظمة، ولم يفت بوتين تحديدا أن يشير إلى أن قرار إنشاء الأمم المتحدة كان فى الاتحاد السوفيتى السابق فى مؤتمر يالتا فى 1945 والذى حضره الرئيس الأمريكى فرانكلين روزفلت مع ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطانى وجوزيف ستالين الأمين العام للحزب الشيوعى السوفيتى فى ذلك الوقت، ومع ذلك فحتى هذا التقدير المشترك لدور الأمم المتحدة لم يخل من رؤى متباينة، فبينما أكد الرئيس أوباما أن الأمم المتحدة هى مجال للاتفاق بين الدول، شدد الرئيس بوتين على أنها مجال الوصول إلى مساومات أو حلول وسط، والفارق ليس طفيفا بين العبارتين، فالأولى تؤكد على ما هو مشترك، بينما تشدد الثانية على ما هو مختلف.
 
وفيما عدا ذلك لا تكاد تجد أوجه اتفاق بين الاثنين لا فى النبرة الغالبة على الخطاب، ولا فى النظر إلى العلاقات الدولية، ولا فى تحليل الأوضاع السائدة فى الشرق الأوسط.
 
 
خطاب الرئيس أوباما هو أقرب إلى موعظة، تشيد بحكمة الدبلوماسية والتخلى عن القوة والقهر فى العلاقات الدولية والسعى للوصول إلى تسوية للقضايا الدولية بالوسائل السلمية. وهو خطاب يليق بخريج كلية الحقوق بجامعة هارفارد، ولاشك أنه يلقى إعجابا بين دارسى القانون الدولى، وكل من يتحلى بنظرة مثالية للعلاقات فيما بين الدول. صحيح أن أوباما لم ينكر أن الولايات المتحدة طالما استخدمت القوة العسكرية فى التعامل مع الأوضاع الدولية، ولجأت إلى استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية مع الدول التى اختلفت معها فى سياساتها، ولكنه ذكر أنه مع انسحاب القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان فى ظل إدارته، فقد اتبعت الحكومة الأمريكية نهجا جديدا كان من أبرز ملامحه الوصول إلى اتفاقية مع إيران بشأن برنامجها النووى شاركت فيها الدول دائمة العضوية فى مجلس الأمن فضلا عن ألمانيا، وكذلك استئناف العلاقات الدبلوماسية مع كوبا وقرب رفع العقوبات الاقتصادية عليها.
 
ولم يفت أوباما أن يشير إلى أنه لو كان الاتحاد الروسى قد اتبع أسلوب التفاوض لحل مشكلة أوكرانيا لكان الوضع الآن أفضل لأوكرانيا وروسيا والعالم أجمع، ولما اضطرت الولايات المتحدة ومعها دول حلف الناتو إلى توقيع هذه العقوبات الاقتصادية عليها. ولم يكن هناك أى حل عملى يقترحه الرئيس أوباما لكل القضايا المعقدة التى تعرض لها سوى السعى للحل من خلال المفاوضات، أما لماذا لا تنجح هذه المفاوضات فربما يعود ذلك فى رأيه للطبيعة الشريرة للحكام أو القادة المستبدين فى جميع أنحاء العالم والذين يريدون فرض إرادتهم على شعوبهم أو من يسيطرون عليهم بالقوة الغاشمة.
 
وعلى النقيض من ذلك كان خطاب الرئيس بوتين واقعيا، مشفوعا بالاستنكار لمقولات أوباما الرئيسية. فعلى عكس تشديد أوباما على الديمقراطية، شدد بوتين على الحرية أو على الاستقلال الوطنى، وحق كل دولة فى أن تختار نظام الحكم الذى يروق لها، والأوضاع الاقتصادية التى تناسبها، وبين خطورة سعى دول معينة وراء طموحها بأن تسيطر على العالم سواء باستخدام الأسلحة الاقتصادية ليس فقط من خلال العقوبات التى تفرضها على دول أخرى تختلف معها فى سياساتها، بل ومن خلال الاتفاق سرا وبعيدا عن منظمة التجارة العالمية على إجراءات اقتصادية تحد من قدرة الدول الأخرى على التنافس معها أو بقصر تجمعات اقتصادية على دول معينة، واتباعها سياسات تضر بمصالح الدول الأخرى. كما أشار إلى أنه بعد سقوط الاتحاد السوفيتى واختفاء حلف وارسو بقى حلف الأطلنطى بل وتم توسعه، وذلك باشتراط انضمام دول أوروبا الشرقية له إذا ما كانت تريد الدخول فى علاقات اقتصادية مع دول الاتحاد الأوروبى أو الولايات المتحدة، وإلا فلن تكون لها علاقات قوية معها.
 
هذه النظرة الواقعية للعلاقات الدولية والحرص على أمن الاتحاد الروسى ليسا بشىء غريب من ضابط المخابرات السابق الذى لا يتوه فى المثاليات بعيدا عن الواقع والذى يصب جل اهتمامه على درء الأخطار الخارجية عن دولته.
 
 
وقد كان موقف كل من الرئيسين من قضايا وطننا العربى هو ترجمة لرؤيتهما الأساسية للعالم، أو قل للفلسفة السياسية لكل منهما. أوباما الذى يعتز بالديمقراطية والحريات الفردية يرى كل الخطر على أى دولة هوت فى الحكم الاستبدادى ورغبة الحكام فى البقاء فى مناصبهم بأى ثمن، مما سيؤدى بالضرورة إلى ثورة شعوبهم عليهم، ولذلك وقفت الحكومة الأمريكية مع الثورات العربية حتى وإن اعترف أنه فى حالة ليبيا كان الأحكم هو بقاء قوات حلف الأطلنطى فيها فترة أطول حتى تستقر الأمور. أما بوتين فقد لام من شجعوا الشعوب العربية على الثورة على حكامها، وتساءل أين وصلت هذه الشعوب بعد هذه الثورات. صحيح أنه لم يذكر فى هذا السياق بلادا عربية بالاسم، ولكن من الواضح أنه كان يعنى فى المحل الأول ليبيا ثم سوريا واليمن والتى ما زالت غارقة فى حروب أهلية لا تعرف حتى الآن كيف تخرج منها، ولكنه سوف يجد من يشاركه الرأى حتى فى كل من مصر وتونس.
 
كيف يمكن لنا أن نستنتج من هذين الخطابين مسار سياسات الدولتين بالنسبة لقضايانا العربية الملحة. اللافت للنظر أن القضية الفلسطينية، والتى كانت تسمى تقليديا قضية العرب الأولى ولب النزاع فى الشرق الأوسط لم ترد على لسان أى منهما، وذلك فى الوقت الذى شهدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد خطاب الرئيسين بأيام قلائل رفع علم فلسطين، أى أن العرب حققوا كسبا معنويا برفع العلم، ولكن مع تجاهل كامل لقضيتهم الأولى من جانب أقوى دولتين فى العالم. سوف يستمر أوباما فى دعوته للديمقراطية ومع استمرار غارات قوات التحالف على تنظيم داعش والتى لم توقف تقدمه حتى الآن، إلا إنه سيظل يأمل أن تتوافق الأطراف السورية على حل سياسى يستبعد الأسد الحاكم المستبد من أى دور فى مستقبل بلده، بينما سيؤيد بوتين بالقوات الروسية على أرض سوريا بقاء الأسد لأنه من وجهة نظره هو الذى يدافع عن الدولة السورية فى مواجهة الإرهابيين والذين هم فى رأيه كل من يرفع السلاح فى وجه حكومة دمشق. ولا يبدو أن أيا منهما سينجح فيما يريد، لا القضاء على داعش ولا استعادة فاعلية بشار الأسد كحاكم لسوريا.
 
 
خطابا رئيسى أقوى دولتين فى العالم يكشفان مدى الاهتراء فى وضعنا العربى. ومدى الاستباحة للوطن العربى. هناك الكثير مما نختلف فيه فى خطاب هذين الرئيسين. كوارث الوطن العربى هى فى جانب منها نتيجة سياسات الولايات المتحدة بغزوها للعراق وتحيزها الكامل إلى جانب إسرائيل وغموض موقفها من جماعات الإرهاب الدولية إذ تقف مع القاعدة فى اليمن وتحاربها فى العراق. والاتحاد الروسى يغفل أن ثورات الربيع العربى لم تكن استجابة لدعوات من الولايات المتحدة ولكن لأن الشعوب العربية ضاقت باستبداد حكامها السابقين، كما أن الرئيس بوتين لا يميز بوضوح بين التنظيمات الإرهابية فى سوريا وتلك التى تعبر عن رغبة شعبية حقيقية فى الإطاحة بحكم طائفى يتلاعب بشعارات القومية والتحرر. ليس هناك أمل واقعى أن يثمر هذا الاهتمام المتزايد بشئون عالمنا العربى عن خروجه من أزماته الراهنة. الاتفاق الوحيد بين جميع القوى الإقليمية والدولية هو حريتها فى التدخل فى أوضاع دولنا دون حتى أن تتفق فيما بينها كيف تعالج هذه الأوضاع برضا شعوبها أو رغما عنها.
 
---------------------------
* نقلا عن الشروق المصرية، 5-10-2015.

رابط دائم: