حماس والسلطة.. من يسقط أولاً؟
28-9-2015

عاصم عبد الخالق
*
أعادت الهجمات «الإسرائيلية»الحالية على المسجد الأقصى التذكير بحقيقتين مهمتين تتعلقان بالقضية الفلسطينية كادتا تتواريان تماماً بفعل الإيقاع السريع للأزمات التي تعصف بالمنطقة. الحقيقة الأولى هي الوجه القبيح للاحتلال «الإسرائيلي» باعتباره المشكلة الرئيسية وما عداه نتائج مترتبة على وجوده. 
 
الحقيقة الثانية هي أن الشعب الفلسطيني لا يجد من يدافع عنه، وأنه بات يعاني من أزمة قيادة حقيقية. فلا وجود لحكومة فاعلة ومؤثرة، وليس هناك من حلول للمشاكل أو رؤية للمستقبل، مع استمرار الانقسام بين الضفة وغزة.
 
بالنسبة ل«إسرائيل» ليس فيما تفعله شيء جديد ولا مفاجئ. فهي تريد أن تحقق حلمها القديم بتقسيم الأقصى زمانياً ومكانياً بين المسلمين واليهود، وترى حكومة نتنياهو المتطرفة أن هذا هو أفضل الأوقات لتحقيقه. وتبني «إسرائيل» حساباتها على أساس أن الدول العربية خاصة المؤثرة منها مستغرقة تماماً في أزماتها الداخلية، وبالتالي ليس لديها رفاهية الاهتمام بقضايا خارجية. الغرب أيضاً لا يلقي بالاً بما يحدث في القدس لأنه بدوره مشغول بصد موجات المهاجرين، وأعاصير التطرف والإرهاب القادمة من الشرق الأوسط. 
 
وللأسف تبدو حسابات «إسرائيل» صحيحة لاسيما أنه لم تظهر حتى الآن أي علامات على وجود ضغوط خارجية جادة عليها لوقف عدوانها. غير أن الصمود الفلسطيني والاستبسال في مواجهة هجمات المتطرفين اليهود المدعومة من الحكومة هو العامل الوحيد الذي يمكن أن يعرقل الخطة «الإسرائيلية».
 
نفس هذا الصمود هو ما بدأ يلفت اهتمام العالم إلى أن المشكلة أكبر من اقتحام مسجد حتى لو كان له مكانة خاصة في قلوب المسلمين، وأن المشكلة الحقيقية هي القضية الفلسطينية نفسها التي كاد العالم أن ينساها. ولأنه رب ضارة نافعة فإن مأساة العدوان على الأقصى كان لها أكثر من تأثير نافع. من ذلك إيقاظ روح المقاومة الفلسطينية، والتأكيد على أن إرادة هذا الشعب لم تقهر رغم كل المعاناة التي يكابدها. النتيجة الإيجابية الأخرى هي إعادة طرح القضية الفلسطينية مجدداً على جدول أعمال المجتمع الدولي، وتذكيره بأنها كانت وما زالت قضية العرب المركزية.
 
الحقيقة الأخرى التي أظهرها العدوان (ولم ينشئها بالطبع) هي أزمة القيادة التي يدفع ثمنها الشعب الفلسطيني في ظل استمرار الانقسام بين الضفة وغزة. الأزمة الحالية وما قبلها وما سيليها تثبت أنه ليس هناك من يقدم حلولاً عملية لمشاكل الشعب. ولا يوجد من يترجم طموحاته الوطنية إلى واقع على الأرض. 
 
الحركتان المتناحرتان أي «فتح» في الضفة، و«حماس» في غزة لم تحققا نجاحاً يذكر في هذه المهمة. كما أن كلاً منهما تواجه مشاكل داخلية جذرية تقوض قدرتها على العمل والإنجاز. هذه الحقيقة دفعت أحد الباحثين الأمريكيين الكبار وهو دانيل بيمان لتوقع سقوط الحركتين معاً في نهاية المطاف.
 
الكاتب الذي يتولى إدارة الأبحاث في مركز دراسات الشرق الأوسط في معهد بروكنغز الأمريكي المعروف أعد تقريراً حمل العنوان الذي اخترناه لمقالنا هذا، وهو أيهما يسقط أولاً «فتح» أم «حماس»؟. والمعنى الذي قصد إليه هو أن سقوط الحركتين أمر مفروغ منه. والسؤال الآن هو متى يتحقق هذا، وليس هل تسقط الحركتان أم لا. يبني الكاتب توقعاته على أساس أن كلتيهما تحملان عوامل فنائهما في داخلهما. ولأن الحركتين لم تقدما الكثير للشعب وليس لديهما ما تقدمانه في المستقبل. 
 
الرئيس محمود عباس وهو زعيم «فتح» ورئيس السلطة الفلسطينية لديه أزمة حقيقية هي عدم تحقيق أي هدف رئيسي من الأهداف القومية الفلسطينية. وسواء حدث هذا بسبب ضعف قيادته أو لتعنت «إسرائيل» أو للسببين معاً فإن النتيجة تبقى واحدة.
ولن يكون أمام عباس متسع من الوقت لتعويض ما فاته بعد أن بلغ الثمانين من عمره في مارس/آذار الماضي. ونتيجة لتقدمه في العمر فإن قضية خلافته فرضت نفسها على الساحة. وهي مشكلة أخرى توشك أن تفجر صراعات حادة سواء داخل «فتح» أو السلطة. ويواجه أبو مازن مشاكل مالية مستعصية، ومشكلة مزمنة تتعلق بالفساد داخل السلطة. وقد خذله الأمريكيون فلم يقدموا له مساعدة تذكر ولم يعينوه على مواجهة التعنت «الإسرائيلي» رغم تعاونه الكامل فيما يتعلق بالملف الأمني. بعد ذلك تظل قضية الانقسام الوطني هاجساً مؤلماً. 
 
«حماس» ليس في جعبتها هي الأخرى ما تقدمه للشعب الفلسطيني. وفي ظل الحصار والعزلة تقوضت سلطتها وإمكانياتها حتى أصبحت عبئاً على القطاع، وأصبح القطاع عبئاً عليها في الوقت ذاته. وفي تقرير أصدره البنك الدولي في مارس/آذار الماضي تبين أن معدل البطالة في غزة هو الأعلى على مستوى العالم ويبلغ 43% في حين يتلقى ما يقرب من 80% من سكان القطاع نوعاً من المساعدات الاجتماعية، بينما يعيش 40% من السكان تحت خط الفقر.
ليس في مقدور «حماس» علاج هذا الوضع البائس. وإدراكها لعجزها هو ما دفعها لإبداء مرونة في التصالح مع «فتح» على أمل أن تتولى السلطة إدارة القطاع وحل مشاكله المعيشية من خلال المساعدات الدولية التي تحصل عليها. 
من شأن استمرار ذلك الوضع المأزوم في الضفة وغزة صعود قوى محلية أخرى مستفيدة من عجز «فتح» و«حماس»، وتراجع شعبيتهما. وعلى أساس محاولة حل ما عجزت الحركتان عن علاجه. والأرجح أن تكون هذه القوى أكثر راديكالية وتطرفاً، وهو احتمال يبدو كارثياً ولكنه متوقع جداً. وهذا يعني أن الأسوأ لم يحدث بعد.
 
-------------------------------
* نقلا عن دار الخليج، 28-9-2015.

رابط دائم: