ماذا يبقى من قضية فلسطين؟
13-9-2015

د. وحيد عبد المجيد
* مستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام
ارتبطت قضية فلسطين لفترة طويلة في الوجدان العربي والإدراك العالمي بمنظمة التحرير. كانت هذه المنظمة هي عنوان القضية على مدى عقود حملت فيها شعلة القضية التي أُنشئت عام 1964 من أجلها. وكان لها دور مشهور في ترتيب الأولويات وتحديد اتجاه العلاقات بين الدول العربية أيضاً. كما حظيت بمكانة لا بأس بها في المجتمع الدولي، وخاصة منذ أن ألقى زعيمها الراحل ياسر عرفات خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي قال فيه عبارته المشهورة: «لا تسقطوا غصن الزيتون من يدي» عام 1974. غير أن تراجعاً تدريجياً حدث في دور منظمة التحرير ومكانتها وتأثيرها منذ بداية العقد الماضي. بدأت مقدمات هذا التراجع منذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993. وبغض النظر عن إيجابيات هذا الاتفاق وسلبياته، وهو ما تختلف فيه وجهات النظر، فالقدر المتيقن أن تأسيس سلطة فلسطينية في الضفة وغزة بموجب هذا الاتفاق أضعف دور المنظمة الذي أخذ في التآكل يوماً بعد يوم. وكان لحركة «حماس» دور في تسريع معدلات هذا التآكل لرفضها الالتحاق بالمنظمة سواء قبيل «أوسلو» حين دُعيت للمشاركة في حوار حول إصلاحها وتوسيع نطاقها عام 1990، أو بعد ذلك. كما أنها تتحمل المسؤولية الأولى عن تكريس الانقسام الفلسطيني عبر بسط سيطرتها بالقوة والعنف على قطاع غزة عام 2007.
 
وأياً كان الأمر، فقد أصبحت منظمة التحرير في وضع خطير لا يفيد في معالجته إجراء انتخابات للجنتها التنفيذية خلال اجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني (من يذكره الآن؟) سيُعقد في العاصمة الأردنية الثلاثاء القادم. فلا جدوى من هذه الانتخابات التي تشبه إعطاء من يعاني مرضاً خطيراً يُقعده عن الحركة مسكنات قد لا تفيد حتى في تخفيف الألم، ناهيك من علاج هذا المرض.
 
غير أن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو عما إذا كان هناك علاج ممكن في مثل هذا الوضع. والحال أنه وضع بالغ الخطر فعلاً، ولكنه لم يستعص على العلاج بشكل نهائي بعد. فالمنظمات من هذا النوع لا تموت وخاصة حين يكون لها رصيد تاريخي كبير. قد يصيبها شلل نتيجة جمود القائمين عليها أو عجزهم أو سوء تقديرهم. ويتطلب ذلك تغييراً في منهجهم سعياً إلى إصلاحها، أو استبدالهم إذا لم يستطعوا.
 
ولذلك ينبغي أن يسبق الإصلاح إجراء أي انتخابات جديدة للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. ويبدأ هذا الإصلاح إما بتنحي القادة الذين يتحملون المسؤولية عن وصول شلل منظمة التحرير إلى هذا المستوى، أو تغيير منهجهم في إدارة العمل الفلسطيني. وأهم ما ينبغي تغييره هو التوجه الإقصائي الذي أدى إلى استبعاد بعض أهم قادة حركة «فتح» وحلفائها، وأكثرهم كفاءة وقدرة على تفعيل العمل الوطني الفلسطيني، فضلاً عن أن لبعضهم مكانة عربية ودولية مرموقة تشتد الحاجة إليها ضمن جهود إخراج هذا العمل من أزمته المتفاقمة.
 
فقد تعرض قادة فلسطينيون كبار للإقصاء والتشويه والملاحقة بسبب اختلافهم مع الحلقة الضيقة المسيطرة على السلطة والمنظمة. وأدى ذلك إلى إضعاف الموقف الفلسطيني في مجمله، وليس تكريس شلل منظمة التحرير فقط. ويبدأ علاج هذا الشلل بإجراء مصالحة حقيقية وانتخاب مجلس وطني فلسطيني جديد يُمثل فيه الشباب. فلا إصلاح يمكن أن يعالج مرض المنظمة من دون ضخ دماء جديدة فيها تضفي حيوية على العمل الوطني الفلسطيني الذي أصابته الشيخوخة.
 
وربما تكون هذه هي الفرصة الأخيرة لإنقاذ منظمة التحرير، التي تشتد الحاجة إلى دورها اليوم في ظل القيود الإسرائيلية المتزايدة على السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وفي الوقت الذي تتواصل وساطات غامضة بين حركة «حماس» وحكومة نتنياهو على نحو يُكرّس فصل قطاع غزة وربما بشكل نهائي عن الجسد الفلسطيني. وفي تاريخ «منظمة التحرير» ما يدل على أن إصلاحها يعيد الحياة إليها إذا اتسم بالجدية. فقد أدى إصلاح المنظمة عام 1969 إلى نتائج فاقت التوقعات حينئذ، وبدت المنظمة بعده كما لو أنها كيان جديد.
 
فليكن اجتماع مجلسها الوطني القديم المنسي «ورشة عمل» جادة لوضع أسس إصلاحها وتحقيق مصالحة تمنع انقساماً محتملاً في داخل حركة «فتح»، وليس مجرد مناورة لتدعيم مركز بعض قادتها على حساب ما بقي من قضية فلسطين.
 
-----------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، 9-9-2015

رابط دائم: