الحوار الليبي والاستقطاب الإقليمي
11-6-2015

الحسين الزاوي
*
تكشف جولات الحوار المتعددة بين مختلف الأطراف الليبية المتصارعة، عن مدى حدة التنافس بين دول شمال إفريقيا ودول الجوار الإقليمي من أجل التأثير في المشهد الليبي، فقد استضافت كل من مصر والجزائر والمغرب جولات حوار متعددة جمعت أطرافاً مختلفة من مكونات المجتمع الليبي المنقسم ما بين حكومتي طرابلس وطبرق.
 
ويخشى المراقبون للمشهد الليبي أن يؤدي هذا الاستقطاب الحاد بين هذه الدول إلى تبديد الجهود المبذولة من أجل التوصل إلى صيغة توافق قابلة للتنفيذ من طرف مختلف الأطراف. ويذهب المحللون إلى أن توحيد الجهود ما بين الدول الراعية للحوار الليبي، من شأنه أن يسهم بشكل حاسم في التأثير بطريقة إيجابية في مختلف الأطراف المؤمنة بأهمية الحوار من أجل التوصل إلى حل سياسي للصراع حول السلطة، وبخاصة أن ليبيا بدأت تشهد في الآونة الأخيرة انتشاراً غير مسبوق للجماعات الإرهابية المتطرفة، التي باتت تشكل خطراً داهماً على النسيج الاجتماعي الليبي وتهدد في اللحظة نفسها استقرار دول المنطقة برمتها.
 
عملت القاهرة في سياق متصل، على استضافة جولة حوار ليبي - ليبي، جمعت أهم الشخصيات الممثلة للقبائل الليبية اعتقاداً منها أن القبيلة والانتماءات المناطقية لها تأثير حاسم في رسم وتحديد رهانات القوى الليبية، نتيجة للتركيبة التقليدية والمحافظة للمجتمع الليبي، الذي يلعب فيه زعماء القبائل دوراً مفصلياً يؤثر بشكل لافت في خيارات وتوجهات الدولة الليبية، لكن لقاء القاهرة كان ناقصاً في نظر بعض الملاحظين ولم يستطع أن يحقق كل الأهداف المرسومة، لأن زعماء بعض القبائل التي توصف بأنها كبيرة، لم يحضروا إلى القاهرة، بالرغم من الأجواء والظروف الملائمة التي وفرتها السلطات المصرية لكل الأطراف المشاركة. ويبدو أن وقوف القاهرة إلى جانب الشرعية المتمثلة بحكومة طبرق وقوات اللواء حفتر كان له تأثير واضح في قرار بعض الزعماء، المناوئين لهذه الحكومة المعترف بها دولياً، في عدم المشاركة في جولة حوار القبائل في القاهرة.
 
أما جولات الحوار التي احتضنتها المملكة المغربية في «الصخيرات»، فقد جمعت من جهتها ممثلين مباشرين تابعين لحكومتي طبرق وطرابلس، ولم تفلح أجواء التفاؤل التي تم التعبير عنها عبر وسائل الإعلام في تقريب وجهات النظر بين طرفي الحوار نظراً لتباعد المواقف حول المسائل الجوهرية، ولم يفض الحوار بالتالي إلى بلورة اتفاق نهائي بالرغم من الجهود المضنية التي بذلها ممثل الأمم المتحدة والراعي المغربي للمفاوضات من أجل التوصل إلى صيغة توافقية. ومن غير الواضح حتى الآن إلى أي مدى ستصل إليه الجهود المغربية من أجل حمل الفرقاء الليبيين على تقديم تنازلات متبادلة يمكنها المساعدة على بلورة حل سياسي للأزمة. وتنبع الجهود المغربية، في نظر بعض المحللين، انطلاقاً من قناعة الرباط بأنها أكثر «حيادية» من بقية الدول المهتمة بالشأن الليبي، لأنها غير معنية بالحسابات السياسية التي تجريها الدول التي تجمعها حدود مشتركة مع ليبيا، ومن ثمة فإن حظوظها من أجل إنجاح الحوار الليبي، هي أكبر من حظوظ منافسيها.
 
وكانت الجزائر قد احتضنت في السياق نفسه 3 جولات حوار جمعت مسؤولي الأحزاب والناشطين السياسيين وبعض ممثلي المجتمع المدني، وانتهت آخر جولة حوار يوم الخميس 4 يونيو/حزيران الماضي، وصدر عنها بيان دعا فيه المشاركون كل أطراف المعادلة السياسية في ليبيا إلى العودة إلى المصالحة والسلم في ليبيا، وذلك من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية، قادرة على تجسيد تطلعات كل الليبيين في الأمن والاستقرار. وعلى الرغم من التفاؤل الذي أظهره معظم المشاركين في لقاء الجزائر الأخير، بشأن إمكانية التوصل إلى حل يرضي كل الأطراف المتصارعة؛ إلا أن عبدالله غثامنة المستشار السياسي لرئيس البرلمان في طبرق، أظهر في تصريح له لوكالة الأنباء الجزائرية تخوفه من مستقبل الصراع في ليبيا، وأكد أن الأطراف الليبية ليست كلها على درجة عالية من الوعي بخطر الإرهاب، ودعا إلى إيجاد حل سريع بالنظر إلى تزايد التهديد الأمني في ليبيا والذي يمكنه أن ينعكس على دول الجوار. وأضاف عثامنة بشأن مستقبل الحوار أن التفاؤل موجود، ولكن مستوى التنازلات التي تقدمها الأطراف الليبية ليست بحجم ومستوى التهديدات الإرهابية الذي تواجهها ليبيا اليوم.
 
ويمكن القول بالنسبة لتونس، التي كانت أول من احتضن أهم ممثلي الطبقة السياسية في ليبيا بعد سقوط نظام القذافي، أنها لا تريد أن تدخل في تنافس مع جيرانها، وتسعى بالتالي إلى المشاركة بشكل فعّال في دعم الجهود الإقليمية التي تقودها الجزائر ومصر من أجل التوصل إلى حل سريع للأزمة الليبية، لأن انعدام الاستقرار في هذا البلد الجار يؤثر بالدرجة الأولى في تونس، نتيجة لعوامل تاريخية وجيوسياسية متعددة. 
 
وإضافة إلى صراع دول الجوار الإقليمي من أجل استقطاب الفرقاء السياسيين في ليبيا، فإن هناك أطرافاً دولية أخرى تسعى إلى التأثير في المشهد الليبي، مثل تركيا وقطر وإيطاليا وفرنسا، حتى وإن كان بعضها يعمل من أجل مساعدة أحد الأطراف الثلاثة المتنافسة من أجل إنجاح مسيرة الحوار السياسي في ليبيا، بهدف سحب البساط من بين أرجل الطرفين الآخرين.
 
--------------------------------
* نقلا عن دار الخليج، الأربعاء، 11/6/2015.
 

رابط دائم: