جذور التشدد الديني
4-6-2015

السيد يسين
* مفكر سياسي مصري، ومستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام.
يسود هذه الأيام الحديث المكرر عن تجديد الخطاب الديني، خصوصاً بعد أن دعا الرئيس «السيسي» في خطاب شهير له إلى ضرورة القيام بثورة دينية تصحح الأفهام الخاطئة عن الإسلام في الغرب، وتقوم التفسيرات المنحرفة للآيات القرآنية والأحاديث النبوية، التي أدت إلى بلورة عقائد دينية متطرفة، تقوم على عدم الاعتراف بالآخر غير السلم باعتباره كائناً كافراً يستحق قتاله، بالإضافة إلى صياغة شبكة معقدة من التحريمات التي تقيد سلوك المسلمين بشكل عام في مجال السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، على غير أساس من فهم صحيح الدين.
 
والدعوة إلى تجديد الخطاب الديني موجهة في المقام الأول إلى الفقهاء والمشايخ الذين يحتكرون الخطاب الديني باعتبارهم - كما يقولون- متخصصون في الدين حتى يتحرروا من إرث التفسيرات التقليدية للنصوص الدينية، والتي لم تعد تصلح للزمن الحاضر، بحكم تغير الظروف السياسية والثقافية والاجتماعية، ليس ذلك فقط بل إنها دعوة لهم للدخول بجسارة في مجال تجديد الفكر الديني، وذلك بالتخلي عن التفسيرات القديمة البالية وفتح الباب بجسارة للاجتهاد الذي يلائم العصر الحاضر.
والخطاب أيضاً موجة إلى عامة المسلمين سواء كانوا مثقفين أو مواطنين عاديين حتى يبذلوا الجهد لفهم دينهم على أساس مبدأ مسلم به حتى بين أشد الفقهاء غلوا، وهو أنه «لا كهانة في الإسلام». بمعنى أنه لا يجوز أن يكون هناك وسطاء بين النصوص الدينية وعامة الناس، بشرط أن يتسلح المسلم بأدوات البحث الإسلامية المتفق عليها، وأهمها على الإطلاق علم أصول الفقه.
 
وإذا كانت الاعتبارات السابقة تتعلق بمن يقع عليه عبء تجديد الفكر الديني أفراداً كانوا أو مؤسسات عريقة لها احترامها البالغ كالأزهر الشريف، إلا أنه من الضروري بمكان الحفر العميق في التربية الدينية التقليدية لكي نعرف ما هي جذور التشدد الديني. ونستطيع أن نرجع إلى كتب «المراجعات»، التي كتبها مجموعة من قيادات «الجماعة الإسلامية» و«جماعة الجهاد» اللتان مارس أعضاؤها الإرهاب ضد المصريين والأجانب، وقاموا بالتفجير والاغتيالات قبل أن تسيطر الدولة المصرية على الموقف، وتعتقل أعضاء هذه الجماعات وخصوصاً بعد حادثة ذبح السياح في الأقصر.
 
في هذه الكتب -لو فحصناها بدقة - سنجد أنها تتضمن تراجعات «تكتيكية» عن تبرير القتل والاغتيال، غير أن العقيدة التكفيرية الأساسية التي قامت على أساسها هذه الجماعات الإرهابية مازالت تمثل في نظرهم التفسير الصحيح للقرآن والحديث. وقد قمت بدراسة شاملة لكتب «المراجعات» لأكتشف الآليات الأساسية التي لجأ إليها هؤلاء الإرهابيون في تسويغ وتبرير إرهابهم، فوجدت أنها ما أطلقت عليه «آلية القياس الخاطئ والتأويل المنحرف»، وقد نشرت الدراسة في كتابي «شبكة الحضارة المعرفية»، القاهرة (دار نشر ميريت، 2005) بعنوان مراجعة الفكر الإسلامي المتطرف.
 
الوثيقة التي حللناها عنوانها «ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم». وتقول الوثيقة إنها تحاول تفسير ما تم ارتكابه من أفعال إرهابية باعتبارها «صدامات» بما دار فيها من نسف وقتل واستباحة للأموال، باعتبارها حلالاً صافياً. وتقول الوثيقة إن هذه المخالفات الشرعية تمت نتيجة إما جهل بالدين أو عن تعمد!
 
غير أن أخطر ما في الوثيقة أنها عرضت بشكل متكامل لنظرية في التكفير على أساسها يتعامل المتشددون الدينيون مع غير المسلمين ومع المسلمين أنفسهم، وهذه النظرية لها مقدمات تُبنى عليها نتائج خطيرة. المقدمات تتمثل في ما سجله قلم الدكتور «فضل» محرر الوثيقة في الصفحة الثانية تحت بند أولاً: دين الإسلام. يقول الإسلام ملزم لجميع المكلفين من الإنس والجن من وقت بعثة النبي وإلى يوم القيامة. وبالتالي فالبشر جميعهم منذ البعثة النبوية وإلى يوم القيامة هم أمة الدعوة (المدعوون لاعتناق الإسلام)، فمن استجاب منهم لذلك فهم «أمة الإجابة».
 
وتسترسل الوثيقة فتقول: «ومعنى إلزام دين الإسلام أن الله سبحانه لن يحاسب جميع خلقه المكلفين منذ بعثة النبي وإلى يوم القيامة، إلا على أساس دين الإسلام». والنتيجة هي «فمن لم يعتنق دين الإسلام أو اعتنقه ثم خرج عن شريعته بناقض من نواقض الإسلام، فهو هالك لا محالة إن مات على ذلك».
 
واستند الدكتور «فضل» في هذا الحكم الخطير على آية قرآنية هي «ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين» (آل عمران، الآية 85) وأيد كلامه باقتباس من كلام الشيخ «ابن تيمية» و«معلوم بالاضطرار من دين الإسلام وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام أو اتبع شريعة غير شريعة محمد فهو كافر». وفي تقديري أنه ينبغي التحليل النقدي البصير لهذا التأويل لخطورته العظمى في مجال العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين واعتبارهم جميعاً هالكين وكفاراً لأنهم لم يعتنقوا الإسلام.
 
---------------------------
*نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الخميس، 4/6/2015.

رابط دائم: