العلاقات التركية - الإيرانية وتداعياتها العربية
22-4-2015

خليل حسين
* أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
تتسم العلاقات التركية - الإيرانية بواقعية سياسية، تمكن الطرفان من خلالها رسم حدود برغماتية سياسية واقتصادية وأمنية واضحة، في مختلف حقبة العلاقة بين البلدين، ورغم بعض المتغيرات الدراماتيكية في منطقة الشرق الأوسط احتفظ الطرفان أيضاً بهوامش واسعة أتاحت لكلا السياستين توفير بيئة أمان فعالة، منعت التصادم والتوتر، الذي لم يصل يوماً إلى حدود الانفجار رغم وقائعه وعوامله الكثيرة . 
 
فالحدود التركية - الإيرانية تميزت باستقرارها وهدوئها اللافت منذ ثلاثة قرون ونيف، رغم التنافس العثماني - الصفوي واسع المجالات في المنطقة، وما عزز ذلك التاريخ الحافل بالتعاون الاقتصادي، ولم يكن ثمة تأثير يذكر خلال التحولات الحديثة لجهة نشأة الدولة التركية العلمانية أو طبيعة النظام الثيوقراطي في طهران، كما لم يؤثر الاعتراض الإيراني على منظومة الصواريخ الأطلسية التي نشرت على الأراضي التركية، ولا تدخل الطرفان في التحولات العربية الجارية على منظومة المصالح المشتركة. 
 
التباين بين البلدين ظهر بشكل واضح في أساليب العمل مع قضايا المنطقة، ورغم حدة التباين الذي وصل في بعض مفاصله إلى حد التوتر، احتفظ الطرفان بمسافة كافية لكبح الصدام . دخلت طهران إلى المنطقة من البوابة العربية والفلسطينية تحديداً حيث ظروف لبنان وسوريا والعراق متوفرة، وحاولت أنقرة منافسة طهران بدخولها في الوساطة السورية - "الإسرائيلية"، ودخلت بعدها بشكل فاعل في وقائع وأحداث الحراك العربي، فدعمت وراهنت على "الإخوان المسلمين" . وتمكنت طهران من التمدد وكسب أوراق نفوذ في المنطقة العربية، فيما أنقرة لم تتمكن من كسب ود الأوروبيين والدخول إلى الاتحاد . وفيما تمكنت طهران حتى الآن من مفاوضة الولايات المتحدة والغرب على برنامجها النووي، ظلت أنقرة في المساحة الهامشية لمركز القرار الشرق أوسطي، وانتقلت من استراتيجية "صفر مشكلات" إلى "صفر علاقات" مع محيطها الأقرب والأوسع . 
 
وتمكن البلدان أيضاً من احتواء القضية الكردية وهي قضية مركزية في السياستين الداخلية والخارجية لكليهما، وغريب المفارقات في الأمر أن الطرفين استفادا أيضاً إلى أقصى الحدود من وقائع وأحداث هذه القضية خلال العقود الماضية، وباتت القضية الكردية وتداعياتها موقعاً ومكمناً لتنسيق السياسات في عز التباينات بين البلدين، وبخاصة في زمن الاحتلال الأمريكي للعراق وزمن التحولات العربية الجارية . وبالتالي اعتمدت السياستان التركية والإيرانية نهجاً نموذجياً حدوده برغماتية دقيقة يصعب اختراقها، فلم يقتربا من شعارات التحدي والاستفزاز، وتمكنا من فصل الخلافات السياسية عن الاقتصادية، ثمة توازن رعب في المصالح، بعكس علاقاتهما مع الدول العربية التي تأثرت بشكل كبير في السنوات القليلة الماضية، اصطدمت طهران مع مصر إبان حكم أنور السادات وتقربت من مصر أيام حكم "الإخوان"، فيما أنقرة وطدت علاقاتها مع الرئيس السوري بشار الأسد ثم اصطدمت معه . ومن الواضح أن سياسة البلدان وجدت ساحة عربية خصبة للتجاذب في وقت لم يعد لدول عربية مركزية قوية على حدودهما المباشرة .
 
في أي حال من الأحوال، تبقى تداعيات سياسة البلدين هي الأدق على النظام الإقليمي العربي بوجود خطر "إسرائيلي" جاثم ودائم في قلبه ومركزه . والأخطر من ذلك كله، انتقال أنقرة لاستنساخ التجربة الإيرانية في برنامجها النووي، وهي فكرة تمَّ التداول بها في بعض الفترات، وعندها تكتمل صورة الضغط على ما تبقى من نظام إقليمي عربي الذي لم يعد قادراً حتى على حماية أوضاع بلدانه الداخلية من صور الضغوط الإقليمية .
 
في المحصلة، تمكنت طهران وأنقرة من الاستفادة بشكل بارع من السياسات الواقعية المنتهجة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة اليوم متعلق بقدرة العرب تحديداً على نسج علاقات ندية متوازنة مع الأطراف الإقليمية الفاعلة في المنطقة . وهو أمر يبدو متعذراً في هذه الظروف التي تبدو فيها الدول الفاعلة في النظام الإقليمي العربي الأكثر قوة على تركيب التوازنات والحفاظ عليها في عالم دائم التغير . والسؤال البديهي الآخر يتعلق بما ينتظره العرب في المديين المنظور والمتوسط بعد ظهور عوامل تشكل نظماً إقليمية جديدة، يبدو أن العرب قد استثنوا منها، وفي أحسن الأحوال يجلسون على مقاعد المتفرجين، ينتظرون لحظة التصفيق المناسبة لمن ستكون سطوته عليهم!
 
------------------------
* نقلا عن دار الخليج، الأربعاء، 22/4/2015

رابط دائم: