متى يبدأ الانشقاق عن «داعش»؟
19-3-2015

د. وحيد عبد المجيد
* مستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام
في الوقت الذي يفك عدد متزايد من الجماعات المتطرفة الارتباط بتنظيم «القاعدة»، يُحقق «داعش» توسعاً متزايداً كانت محطته الأخيرة حتى الآن في نيجيريا عبر إعلان جماعة «بوكو حرام» مبايعتها لزعيمه، وبالتالي إلغاء ما سبق أن أعلنته عن إقامة «خلافة» في شمال شرق نيجيريا في أغسطس 2014 بعد سيطرتها على 20 مدينة في ولايات آداماوا وبورنا ويوبي.
 
ويثير ذلك سؤالاً مهماً في إطار فهم حركية «ديناميكية» عمل تنظيمات الإرهاب بوصفه عاملاً رئيسياً في المواجهة ضدها، وهو: لماذا يبدو تنظيم «داعش» عصياً على صراعات في داخله بهذا الحجم، ومتى تصله حالة الانشقاق التي تضرب تنظيم «القاعدة» الآن؟ فلم ينج أي تنظيم إرهابي من هذه الحالة، التي كان «داعش» نفسه أبرز تجلياتها حين تعرض «تنظيم القاعدة» إلى أكبر انشقاق في تاريخه حتى الآن بانتظار ما سينتهي إليه الخلاف داخل «جبهة النصرة» التي تُعد أكبر فروعه حالياً.
 
ولا يكفي قصر الوقت الذي مضى منذ تأسيس «داعش»، في صورته الراهنة في أبريل 2013، لتفسير تماسكه حتى الآن، فكم من تنظيم إرهابي تعرض للانشقاق في مهده، أو في وقت مبكر، بما في ذلك تنظيم «القاعدة» الذي خرج عليه خلال شهوره الأولى بعض من وقعوا بيان تأسيس «الجهة العالمية للقتال ضد الصليبيين واليهود» عام 1998.
 
لذلك ينبغي الانتباه إلى ثلاثة عوامل مهمة تساهم في تماسك «داعش» حتى الآن. أولها، إمكانات كبيرة لم تتوافر لأي تنظيم إرهابي آخر على مستوى الموارد المالية والبشرية، وثانيها، الظروف التي تُتيح له دغدغة عواطف الشباب المسلوب العقل، من خلال توظيف «حلم الخلافة»، الذي مازال محتفظاً بوهجه لدى قطاعات من المسلمين.
 
فقد أتاح تدهور الأوضاع في العراق، وتحول ثورة السوريين إلى حرب أهلية، فرصة لسيطرة «داعش» على مساحات كبيرة من أراضي البلدين، وصارت الأوضاع مواتية لتوظيف «حلم الخلافة»، انطلاقاً من رقعة جغرافية تحت سيطرته، بخلاف الظروف التي فرضت على بن لادن و«القاعدة» البحث عن «قاعدة» ينطلق منها «الجهاد»، فاضطر لمبايعة الملا عمر زعيم حركة «طالبان» التي كانت تحكم أفغانستان، بدلا من تنصيب نفسه خليفة.
 
أما العامل الثالث، فهو الطابع الفتي لتنظيم «داعش»، والذي يتوجه إلى أجيال جديدة من الشباب المغَّيب كان كثير منهم أطفالاً حين تم تأسيس «القاعدة» قبل 17 عاماً.
 
وإلى جانب منظمات وحركات عدة بايعت زعيم تنظيم «داعش» بكاملها، وكان بعضها تابعاً لتنظيم «القاعدة»، خرجت مجموعات من الشباب على تنظيمات أصر قادتها على استمرار الولاء للظواهري، وأسست حركات جديدة بايعت البغدادي، مثل مجموعة «جند الخلافة» المنشقة على «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». وأصبح التكوين الجيلي هو أحد أهم الفروق بين «داعش» و«القاعدة»، وبات «داعش» أكثر «إلهاماً» للشباب والأجيال الجديدة التي تأخذ على تنظيم «القاعدة» شيخوخته وتقوقع قيادته في جبال أفغانستان.
 
غير أن طبيعة تنظيم «داعش» تحمل في طياتها بذور انشقاقات محتملة في المدى المتوسط اعتماداً على خبرة الانشقاق عن «القاعدة»، فهذه الخبرة تفيد بأنه عندما يجد قادة تنظيم يتبع «القاعدة» أنهم باتوا مسيطرين على مساحة كبيرة من الأرض، يصبحون مستعدين للتخلي عن التزامهم تجاهها. وهذا ما حدث حين انشق «داعش» على «القاعدة»، ووفق هذه الخبرة، يبدو «داعش» معرَّضاً للانشقاق مستقبلا بدرجة أكبر من غيره، لأنه يقيم استراتيجيته أصلا على أساس السيطرة على مناطق والتمركز فيها أملاً في تحقيق استقرار جغرافي، فقد اختلف «داعش» منذ تأسيسه عن أي تنظيم إرهابي آخر في سعيه للهيمنة، وليس مجرد زعزعة استقرار المنطقة وبلادها.
 
ويبدو هذا الميل إلى التمركز في أوسع مناطق ممكنة، والذي يُعد أحد مظاهر قوة «داعش» الآن، أهم عوامل إضعاف تماسكه مستقبلاً، عندما يمتلك قادة محليون تابعون أو موالون له القدرة على الاستقلال عنه، خاصة في ظل المؤشرات الدالة على الصعوبات التي تواجه محاولة توحيد من ينتمون إلى أصول كثيرة مختلفة رغم البريق الزائف لراية «الخلافة».
 
--------------------------
نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الخميس، 19/3/2015.

رابط دائم: