شيلي تناضل لتحقيق الديمقراطية والرخاء
11-1-2015

ريكاردو لاجوس
*
بالتعاون مع‮: ‬بليك أونشيل وإليزابيث ديكنسون
 
وقع اختياري علي هذا الكتاب من تأليف رئيس جمهورية شيلي السابق،‮ ‬ريكاردو لاجوس‮ (‬2000‮ - ‬2006‮) ‬الذي صدر في منتصف عام2012، لأنه يقدم دروسا بالغة الأهمية لأي دولة في عالمنا الثالث، تسعي إلي التغيير والتحول من الحكم الشمولي الديكتاتوري إلي النظام الديمقراطي، ومن نظام فاسد تحكمه القلة القريبة من الحاكم الديكتاتور إلي حكم ديمقراطي يسعي إلي تقريب الفروق بين الأغنياء والفقراء،‮ ‬والقضاء علي الفساد،‮ ‬والتحرر من الخوف،‮ ‬وإتاحة الفرصة لجميع أبناء الشعب للتعبير عن آرائهم.
 
ينتمي الاقتصادي والمناضل ريكاردو لاجدوس إلي الطبقة الوسطي في شيلي،‮ ‬حصل علي الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة ديوك الأمريكية،‮ ‬وبعد أن تقلد عددا من المناصب في المنظمات التابعة للأمم المتحدة،‮ ‬عاد إلي وطنه في عام‮ ‬1979،‮ ‬وكان عمره‮ ‬41‮ ‬سنة، ووجد شيلي تتعذب من قهر وبطش الحكم الديكتاتوري العسكري بقيادة أرنستو بينوشيه‮.‬
 
لم تكن إزاحة الديكتاتور الذي تربع علي حكم البلاد‮ ‬15‮ ‬عاما بالمهمة السهلة، وكان التحدي الأكبر في مواجهة بينوشيه هو مناخ الخوف والرعب الذي انتشر بين الشيليين بمختلف طبقاتهم وانتماءاتهم السياسية‮.‬
 
توحيد التيارات السياسية‮:‬
 
كان المجتمع الشيلي في أول الثمانينيات قد تمزق وانقسم بين عدة أحزاب وجماعات من اليمين واليسار والوسط، وكان بين هؤلاء متطرفون يرون أنه لا بديل عن استخدام العنف في مواجهة مذابح وجرائم‮  ‬بينوشيه الذي تعرض لمحاولتي اغتيال فاشلتين‮.‬ لكن ريكاردو لاجوس لم يكن مقتنعا بالعنف خوفا من أن يجر البلاد لمزيد من الدماء،‮ ‬والانقسام،‮ ‬والصراع بين السياسيين المدنيين والعسكريين الموالين للجنرال بينوشيه‮. ‬
 
فعندما عاد ريكاردو لاجوس إلي شيلي في عام‮ ‬1979، فوجئ بأن هناك نحو‮ ‬22‮ ‬ألف معتقل في السجون،‮ ‬بالإضافة إلي آلاف القتلي والمفقودين من المعارضين‮.‬ وقد هاجر وطلب اللجوء السياسي للولايات المتحد ودول أوروبا‮  ‬200‮ ‬ألف معارض،‮ ‬هربا من الحكم العسكري‮. ‬وكانت خطة لاجوس توحيد جميع الأحزاب والتيارات السياسية في جبهة واحدة ضد بينوشيه لهزيمته في الاستفتاء الذي دعا إليه في عام‮ ‬1988‭.‬ وكان هذا الاستفتاء بداية التحول الديمقراطي،‮ ‬حيث خلف بينوشيه رؤساء مدنيون،‮ ‬كان لاجوس ثالثهم‮. ‬وفور توليه الحكم،‮ ‬وجه نداء إلي الأكاديميين وآلاف الشباب الذين درسوا بالجامعات الأوروبية والأمريكية،‮ ‬وإلي المعارضين الذين هاجروا هربا من قهر بينوشيه ونظامه الديكتاتوري،‮ ‬ليعودوا إلي البلاد،‮ ‬ويسهموا في بناء شيلي الجديدة‮.‬
 
انتهج لاجوس سياسة اقتصادية اشتراكية معتدلة هي الأقرب إلي سياسات أحزاب يسار الوسط في أوروبا‮. ‬لكن اهتماماته بالاقتصاد،‮ ‬وتنمية موارد البلاد لم تصرفه عن وضع أسس لنظام ديمقراطي يعتمد علي التعددية، فيحسب له أنه أعاد بناء مؤسسات الدولة،‮ ‬وسمح للأحزاب السياسية بالعمل بحرية، وشكل لجنة من عدد من خبراء القانون والسياسيين لوضع دستور جديد يحترم حريات المواطن وحقوقه‮.‬
 
رفض لاجوس أيضا دعوات الانتقام والإقصاء لكل من شاركوا بينوشيه في الحكم،‮ ‬والتي طالب بها عدد كبير من أبناء الشعب، ودعا إلي المصالحة بين مختلف الأطراف‮.‬
 
بوش وصدام وأنا‮:‬
 
ابتعد لاجوس سياسيا عن واشنطن،‮ ‬ورفض مساندتها في جرائمها في حق الشعوب، فأفرد الفصل التاسع والأخير من كتابه تحت عنوان‮ "‬بوش وصدام وأنا‮" ‬ليؤكد للعالم استقلال القرار السياسي الشيلي،‮ ‬واحترام سيادة واستقلال الدول‮.‬
 
وقد حذر لاجوس الدول المؤيدة لغزو العراق من أن هذا الغزو سوف يؤدي إلي تدمير دولة مستقلة،‮ ‬والقضاء علي بنيتها الاقتصادية،‮ ‬ومن شأنه أن يؤدي إلي كراهية العالم الإسلامي بصفة عامة للولايات المتحدة،‮ ‬والغرب،‮ ‬وإلي أعمال عنف واضطرابات في الشرق الأوسط‮. ‬وقال لبوش إن صدام حسين لن يكون فقط ضحية هذا الغزو،‮ ‬بل سوف يدفع الثمن كل أبناء العراق‮. ‬ورفض لاجوس كل مراوغات بوش وادعاءاته، واستعرض تفاصيل حواراته مع الرئيس الأمريكي وضغوطه من أجل دفعه للتصويت لمصلحة مشروع القرار الأمريكي الذي يبرر‮ ‬غزو العراق في مجلس الأمن‮.‬
 
أعلن رئيس شيلي أنه ليس هناك دليل واحد علي وجود أسلحة دمار شامل بالعراق، واستمرت المفاوضات بين بوش ولاجوس عدة أيام‮.‬ وكانت واشنطن في حاجة لأصوات الدول الخمس المتأرجحة في المجلس،‮ ‬بعد أن ضمنت أصوات الدول الثلاث،‮ ‬وهي بريطانيا،‮ ‬وإسبانيا،‮ ‬وبلغاريا،‮ ‬بالإضافة إلي الصوت الأمريكي‮.‬ لكن مندوب شيلي في المجلس،‮ ‬بالرغم من ضغوط الولايات المتحدة، أقنع الدول الخمس بالتصويت مع شيلي ضد مشروع القرار الأمريكي،‮ ‬وهي‮: ‬أنجولا،‮ ‬والكاميرون،‮ ‬وغينيا،‮ ‬والمكسيك،‮ ‬وباكستان‮. ‬وكان تصويت هذه المجموعة بـ‮ "‬لا‮" ‬نوعا من التحدي لبوش والسياسة الأمريكية‮.‬
 
يقول ريكاردو لاجوس إنه تلقي خبر‮ ‬غزو العراق أثناء حفل استقباله لملكة هولندا بياتريس التي كانت تقوم بزيارة رسمية لشيلي، ووجد من واجبه أن يشرح ما حدث من مفاوضات سبقت هذا الغزو للشعب الشيلي،‮ ‬وموقف بلاده من هذا العدوان الأمريكي‮.‬ وفي مساء اليوم التالي للغزو،‮ ‬تحدث إلي شعبه،‮ ‬وطالبه بالهدوء، وقال لهم‮ "‬لقد بذلنا كل الجهود الممكنة لمنع الحرب‮ .. ‬بذلنا كل ما تستطيع دولة صغيرة مثل شيلي أن تقوم به، وكان ضميرنا هو المحرك لنا‮ .. ‬وغدا عندما يستيقظ أطفالكم،‮ ‬قولوا لهم أن هناك حربا تقع بعيدا عنكم،‮ ‬لن يكون لها تأثير مباشر عليكم، ولكن يجب ألا تعذبنا ضمائرنا، فقد قمنا بواجبنا لمنع هذه الحرب‮".‬
 
أهم ما يقدمه هذا الكتاب للقارئ هو أنه ليس هناك مستحيل، وأن إرادة الشعب،‮ ‬وتضحياته من أجل وطنه، من المؤكد أن تحول هذا المستحيل إلي ممكن‮.‬

رابط دائم: