نحو حكومة لبناء تونس جديدة
9-11-2014

د. وحيد عبد المجيد
* مستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام
لن يكون صعباً بالنسبة لحركة «نداء تونس»، الفائزة بالأكثرية في الانتخابات التشريعية، أن تشكِّل حكومة جديدة بقيادتها. فالأحزاب والحركات التي تشاركها اتجاهها المدني العلماني تحظى بأغلبية. وإذا استثنينا أحزابا محسوبة على هذا الاتجاه، لكنها قريبة من حركة «النهضة» مثل «المؤتمر» و«التكتل» و«التيار الديمقراطي» وربما «الجمهوري»، تستطيع «نداء تونس» أن تتحرك في حدود 50 مقعداً إضافة إلى 85 حصلت عليها. وهي تحتاج إلى 24 مقعداً فقط لكي تحقق الأغلبية المطلقة (50% + 1) وهي 109 مقاعد من أصل 217.
 
فالتحدي الذي يواجه «نداء تونس» إذن ليس في تشكيل حكومة جديدة، بل في أن تلبي هذه الحكومة تطلعات الشعب في بناء تونس جديدة تستطيع المحافظة على مسارها الديمقراطي مع إنقاذ الاقتصاد الذي يعانى تدهوراً شديداً نتيجة تراجع الاستثمار والسياحة، وازدياد العجز في التجاري وفي ميزان المدفوعات، وارتفاع التضخم والأسعار والبطالة، وانخفاض معدل النمو الذي لم يحقق سوى 2.1% فقط في النصف الأول من العام الجاري. وهذا فضلا على متطلبات مواجهة الإرهاب الذي قد يكون خطره في تونس أقل من بلاد أخرى في المنطقة حتى الآن، لكنه مرشح لأن يتنامى إذا لم تخرج البلاد في مجملها من «عنق الزجاجة».
 
ويبدو تشكيل حكومة منسجمة تضم أحزاباً وحركات تشارك «نداء تونس» توجهاتها الأساسية هو الخيار الأفضل من زاوية تجنب خلافات في داخل هذه الحكومة تعطل عملها، فضلا على أنه الأكثر منطقية. فالميزة الوحيدة لخيار حكومة وحدة وطنية تضم حركة «النهضة» تتوقف على مواصلة هذه الحركة النهج الذي اتبعته منذ قبولها تشكيل حكومة أخرى مستقلة في يناير من العام الجاري وحتى مبادرتها بتهنئة «نداء تونس» لفوزها قبل أيام. ولكن إذا حدث ذلك، ولم يتغلب المتشددون في «النهضة» مجدداً، لن يكون وجودها في المعارضة، وهي تملك «الثلث» المعطل، عائقاً يعرقل عمل الحكومة.
فإذا واصلت «النهضة» منهجها المعتدل الراهن، سعياً لأن تكسب قلوب التونسيين الذين خسرتهم في فترة حكمها، تتساوى مشاركتها في الحكومة وقيادتها للمعارضة طالما أنها لن تعمد إلى التعطيل في الحالتين.
 
ولذلك يبدو خيار تشكيل حكومة تضم أطرافاً قريبة من توجهات «نداء تونس» هو الأرجح، وخاصة في ظل موقف قطاع واسع من قواعدها يرفض ائتلافاً مع «النهضة». ومن الطبيعي أن يكون هذا الموقف ضمن حسابات زعيم «نداء تونس» باجي قائد السبسي، وخاصة أنه يقود حركة جديدة لم يمض عليها سوى عامين وبضعة أشهر، ولم تكمل بناءها التنظيمي، فضلا على أنها تضم أطيافاً كثيرة متنوعة. لذلك يمثل الحفاظ على وحدة هذه الحركة أولوية قصوى. ويبدو تجنب خيار الائتلاف مع «النهضة» أحد أهم سبل هذه الوحدة.
 
غير أن الطابع الفضفاض لحركة «نداء تونس»، والذي يجعلها معرضة لخلافات داخلية بشأن قضايا أخرى، يعني احتمال فقدها بعض المقاعد نتيجة هذه الخلافات. وينطبق ذلك أيضاً على الحركتين اللتين يرجح أن تكونا في مقدمة الأطراف المشاركة في الحكومة الجديدة، وهما «الاتحاد الوطني الحر» الذي حصل على 16 مقعداً، وحركة «آفاق تونس» التي نالت 8 مقاعد. فقد تكوّن الاتحاد الوطني أصلاً من اندماج عدة أحزاب مثل «الخيار الثالث» و«الليبرالي التونسي» و«اليسار الحديث». أما حركة «آفاق تونس» فهي تضم خليطاً من مجموعات وحركات عدة معظمها شبابية.
 
ويعني ذلك أن الطرفين الرئيسيين الأقرب إلى «نداء تونس» يعانيان، مثلها، المشكلة التي تترتب على الطابع الفضفاض لأية حركة سياسية. ويتطلب التعامل مع هذا الوضع توسيع نطاق الحكومة الجديدة لتشمل مختلف القوى المدنية، بما فيها اليسار، لتكون أكثر قدرة على الاستمرار إذا حدثت خلافات في داخل أي من مكوناتها يترتب عليها تناقص عدد مؤيديها في البرلمان.
 
وفضلاً على أن انضمام «الجبهة الشعبية» و«حركة الشعب» اللتين حصلتا على 17 مقعداً يدعم الحكومة الجديدة عددياً، فهو يوفر لها حائط صد نوعيا في البرلمان إذا غيرت «النهضة» منهجها الراهن وسعت إلى التعطيل لأن خبرة اليسار في خوض معارك سياسية وبرلمانية أقوى من قدراته الانتخابية. كما أن التنوع الذي يضفيه وجود اليسار في حكومة تقودها «نداء تونس»، باتجاهها الأقرب إلى اليمين، يجعلها أكثر تمثيلا للمجتمع واهتماماً بالقضايا الاجتماعية التي تشتد حاجة تونس الجديدة إلى معالجتها.
 
-------------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الأربعاء، 5/11/2014.

رابط دائم: