أكراد العراق بين الالتزامات القومية والوطنية
29-10-2014

حسين حافظ
*
خول البرلمان الكردي العراقي الأسبوع الفائت مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان العراق صلاحية إرسال مقاتلين من البيشمركة الى سوريا لمقاتلة التنظيمات الإرهابية فيما يعرف بتنظيم "داعش" الذي يحاصر عين العرب (كوباني) ذات الأغلبية الكردية، وعلى خلاف قواعد الدستور العراقي الذي لا يسمح بإرسال قوات مسلحة خارج الحدود العراقية إلا بموافقة الحكومة المركزية، في الوقت عينه تخوض القوات المسلحة العراقية حرباً ضروساً ضد ذلك التنظيم الذي من المحتمل وفي وقت قريب أن يهاجم العاصمة بغداد في محاولة لإسقاط الدولة العراقية بالكامل وفرض سيطرته عليها مثلما فعل ذلك في الموصل، وأن النزر اليسير من المشاركة الكردية في بعض العمليات المشتركة مع القوات العراقية لا يعني التملص من الواجب الوطني لحساب القومي فقط، إنما لأسباب ومهام ذات طبيعة استراتيجية .
 
يبدو أن للأكراد التزامات قومية ومهام دولية تفوق في طابعها وتوجهها الالتزامات الوطنية المفروضة على كل المواطنين المتواجدين في الدول التي يعيشون فيها وينعمون بخيراتها، ويبدو كذلك ان الشعور السائد لدى أكراد العراق بأن إسقاط بغداد إذا ما حصل فهو سيوفر بيئة محلية وإقليمية ودولية ممتازة لتحقيق الحلم الذي طالما تغنوا به ودفعوا الغالي والنفيس من أجله وهو إنشاء الدولة الكردية الكبرى أولاً بفعل ما يتمتع به إقليم كردستان العراق من ثروات قادرة على تمشية أمور الدولة المعاشية واللوجستية الأخرى فضلاً عمّا توفره البيئة الإقليمية والدولية من دعم استثنائي كان بائناً في الأشهر الفائتة للدفاع المستميت عن الإقليم في العراق وعين العرب في سوريا، وهي دالة من دلالات التهيئة لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد .
 
والأخطر من ذلك ستكون دواعي الانفصال عن العراق مشروعة من الناحيتين الواقعية والقانونية ، فالعراق وفقاً لذلك لم يعد دولة سوية يصح التعامل معها من الناحية القانونية بل دولة مفككة يسيطر عليها تنظيم إرهابي لا يجوز الانخراط والتعامل معه على قاعدة الدولة المركزية والإقليم، وهذا الجانب هو الأكثر مقبولية لدى المجتمع الدولي للتعامل مع الواقع الجديد في العراق، وهو الهدف الذي تسعى إليه ليس الحركة الكردية بذاتها، بل معظم المشاريع التدميرية في الوطن العربي، وسيكون للأكراد الدور المركزي في إدارة ذلك المشروع لأسباب من أهمها:
 
* أولاً: أن الخريطة الجديدة للدولة الكردية لن تستثني الدول الأربع التي يتواجد فيها الأكراد بنسب متفاوتة وأن ذلك الدور تحكمه عوامل موضوعية لإنشاء الدولة الكردية، ولا بد أن يتحقق وفقاً لمتطلبات إعادة رسم خرائط المنطقة، وأن هذه المواجهة ينبغي أن تنظم تراتبياً وتقنن وفق إمكانات الدول وقدرتها على الصمود والمواجهة، صحيح أن نواة تلك الدولة ستكون في العراق وهي الخطوة الاولى في موضوع التفتيت وأن المعركة الإقليمية والدولية ستحسم فيه وليس في مكان آخر، وأن محدوية الدور الكردي في مواجهة "داعش" في العراق وسوريا واختصاره على أماكن تواجد الأكراد هو دالة ذات منحيين في الأقل الأولى تمثل مقدمات لمركزية قيادة الحركة الكردية سواء في تركيا أو سوريا والمسؤولية الجمعية عن حماية الاراضي الكردية فقط، أما الدالة الأخرى فهي التملص من المسؤولية الوطنية خدمة للهدف الأول وتوفير الجهد لمواجهات قادمة وهو في الوقت نفسه يتماهى مع الرغبة الأمريكية لإبقاء "داعش" فاعلة وقوية لأن مشروعها لم يستكمل بعد لا في مواجهة ايران لاحقاً ولا حتى في مواجهة تركيا لاحقاً والتهيئة لمواجهة روسيا في النهاية .
 
* ثانياً: أن استبعاد إيران وروسيا عن الحشد الدولي لمواجهة "داعش" له من الدلالات الواضحة من أن أطراف المواجهة في الحرب العالمية الثالثة هي بائنة وأن إيران وروسيا هما الطرفان الاساسيان في المعركة النهائية القادمة . وأن الضغائن القومية والدينية المدفونة في الضمائر الإنسانية سيكون لها الدور الحاسم في شدة المواجهة المقبلة، صحيح أن الأكراد قد عانوا اضطهاداً قل مثيله في التاريخ إلا أن أمماً وقوميات أخرى عانت ذلك والعرب ربما أكثر الشعوب معاناة في هذا الجانب وأن ذلك كله لا يعطي الحق في بناء الذات على قاعدة تدمير الآخر .
 
* ثالثاً: أن الخطأ الجسيم الذي ارتكبته أطراف العملية السياسية في العراق يتمثل أولاً في إقرارها النظام الدستوري الذي فكك العراق وحوّله من دولة موحدة إلى فيدرالية وهم على إدراك تام أن المشروع الكردي لن يتوقف في حدود النظام الفيدرالي إنما الانطلاق منه ومن خلاله إلى مشروع دولة كردستان الكبرى، كذلك في إطلاق يد الولايات المتحدة للتخلي عن مسؤولياتها الدولية في تحمل مسؤولية ما تؤول إليه الأمور في العراق بعد الاحتلال، ولا سيما في موضوع الاتفاقيتين الأمنية والإطار الاستراتيجي، ومن ثم وصول قيادات بائسة أسهمت إسهاماً كبيراً في تغذية الفرقة الطائفية وأوجدت بيئة حاضنة ليس للإرهاب الدولي فقط، بل لكل القوى الإقليمية الرافضة لسلوك النظام السياسي في العراق، وهو ما أسهم إسهاماً فاعلاً في إطلاق يد الأكراد في تنفيذ مشروعهم الإقليمي ووفر للولايات المتحدة النصيب الأكبر في تنفيذ مشروعها الكوني .
 
-------------------
* نقلا عن دار الخليج، 28/10/2014.

رابط دائم: