نحو استراتيجية عربية ضد الإرهاب
29-10-2014

د. وحيد عبد المجيد
* مستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام
لا توجد استراتيجية أميركية لمواجهة الإرهاب. هناك سياسة مرتبكة تهدف إلى اصطياد بعض الإرهابيين وتدمير مواقعهم هنا أو هناك في العراق وسوريا. وشتَّان بين استراتيجية متكاملة لمواجهة الإرهاب، وعمليات عسكرية لقتل بعض الإرهابيين. لذلك فعندما دعت واشنطن إلى اجتماع في 14 أكتوبر الجاري لبحث ما أسمته مراجعة استراتيجية لمواجهة الإرهاب، كان هذا مؤشراً على أن المشكلة ليست في غياب مثل هذه الاستراتيجية فقط بل في مفهوم سطحي يختزلها في عمل عسكري ذي طابع تكتيكي في أفضل الأحوال.
 
وربما يفسر ذلك المفهوم الخاطئ فشل الولايات المتحدة في حربها الطويلة على الإرهاب بعد 14 عاماً على إعلانها. لذلك لم يكن الرئيس أوباما إلا حالماً عندما بشّر بنهاية الإرهاب عقب نجاح قواته في قتل بن لادن زعيم تنظيم «القاعدة». لذلك لم تمض سنوات قليلة على ما بدا أنه «خطاب نصر» في مناسبة مقتل بن لادن حتى اعترف أوباما بأن إدارته وأجهزته الاستخباراتية أساءت تقدير خطر الإرهاب. غير أن هذا الاعتراف لم يغير شيئاً، فهناك ثغرة خطيرة في الجهود المبذولة لمواجهة الإرهاب ينبغي سدها لتفعيل هذه المواجهة.
 
وبإمكان الدول العربية المشاركة في «التحالف» الدولي إزاء هذه المهمة الضرورية، فهي لديها خبرات في مواجهة الإرهاب. وفي سجلاتها نجاحات لم تحقق الولايات المتحدة مثلها. ولو كانت واشنطن استمعت إليها حين قررت غزو العراق عام 2003، أو حتى بعيد هذا الغزو، لصار المشهد في المنطقة الآن مختلفاً.
غير أن الظروف تغيرت، ولم تعد الولايات المتحدة في وضع يسمح لها بأن تصم أذنيها مجدداً في حالة مبادرة الدول العربية المعنية لبلورة استراتيجية تفتقدها الحرب الراهنة ضد الإرهاب.
 
وفي هذا السياق يتعين البدء بتحديد معالم الاستراتيجية المطلوبة بإثارة السؤال البسيط والمنطقي: كيف يمكن مواجهة إرهاب وصل إلى هذا المستوى من التمدد والتسلح والتمول، اعتماداً على غارات جوية ومعارك برية محدودة تخوضها وحدات عسكرية كردية وميليشيات شيعية متطرفة، أي عبر طرفين يثير كل منهما استفزاز البيئة الشعبية المجتمعية التي قد يجوز اعتبارها صاحبة القول الفصل في الحرب على الإرهاب؟ فهذه حرب تتوقف نتائجها على حماس القوى السُنية العشائرية والسياسية من عدمه. وقد تتفاقم مشكلة هذه القوى في حالة تدخل القوات التركية أيضاً، إذا أدى ذلك إلى مفارقة لا يجوز استبعادها رغم أنها قد تبدو عبثية، وهى أن يزعم تنظيم إرهابي أنه يدافع عن «العروبة»! فإذا كان صدام حسين بدا لقطاع غير محدود من العرب في وقت ما أنه رمز «العروبة»، وهو الذي لم يكن إلا وجهاً آخر للإرهاب، فليس لدينا اليوم ترف الرهان على استحالة أن يبدو «داعش» كذلك. فإذا تخلي من يجدر بهم رفع لواء العروبة عن هذه المهمة، فليس مستبعداً أن تجد لها رأساً «داعشياً» بعد أن فقدت رأسها «البعثي»، علماً بأن التنظيم يضم عناصر ليست قليلة من حزب صدّام وجيشه.
 
وتتطلب معالجة هذه المشكلة وقفة عربية مع الولايات المتحدة لإعادة ترتيب بعض الأوضاع في العراق وسوريا. فليس ممكناً التطلع إلى حرب مجدية ضد الإرهاب دون تغيير في السياسة الأميركية تجاه القوى المهيمنة في بغداد، انطلاقاً من المعطيات التي لمسها منسق التحالف جون آلن في زيارته إلى العراق مطلع الشهر الجاري. فقد وجد جيشاً مهلهلا تغلغلت ميليشيات متطرفة فيه واستولت على قراره، وخطة تختزل الدفاع عن العراق في بغداد وسامراء، ونفوذاً إيرانياً مستشرياً يحول دون توفير أدنى المقومات الضرورية لوقف تمدد الإرهاب وأهمها وجود حلفاء محليين فاعلين في المناطق التي يسيطر عليها. وحتى بالنسبة للوضع في الأنبار قد لا يكون الاعتماد على العشائر التي شاركت من قبل في «الصحوات»، مجدياً إذا لم يتيسر كسب قلوب الأهالي الذين قد لا يرتاحون لتحرير مناطقهم من «داعش» على أيدي قوات كردية وشيعية.
 
فلا جدوى لمواجهة تفتقد استراتيجية لتحصين المناطق التي يُطرد الإرهاب منها لتصبح هي نفسها طاردة له فلا تعود إلى أحضانه مجدداً. ولا يتيسر هذا التحصين إلا بوضع حدود لهيمنة إيران وأتباعها، بدءاً بتذليل العقبات التي تضعها أمام حصول السنة على ضمانات حقيقية تعيد إليهم حقوقهم المهدرة وتمكّنهم من المشاركة في تقرير مستقبل بلدهم.
 
وهذا هو ما ينبغي أن تطرحه الدول العربية المشاركة في التحالف على الإدارة الأميركية، بحيث تضعها أمام مسؤوليتها إذا أرادت أن تكون قائدة لحرب فاعلة تحقق نجاحاً في مواجهة الإرهاب، علماً بأن تداعيات الإخفاق هذه المرة ستكون أفدح.
 
أما في سوريا، فمن الضروري أن تفكر الدول العربية في مبادرة لتطوير دعوة تركيا إلى إقامة منطقة حدودية عازلة. فمادام إعلان هذه المنطقة عبر قرار من مجلس الأمن صعباً بسبب رفض روسيا، فلا سبيل إلى إقامتها إلا بالقوة. وعندئذ يحسن اعتبارها منطقة محرَّرة تقيم فيها المعارضة الوطنية المعتدلة حكومة مؤقتة وتنطلق منها قواتها للمشاركة في مواجهة الإرهاب ومواصلة تحرير سوريا، الأمر الذي يُرجح أن يفرض على من بقي لديهم عقل من أركان النظام كسر الجمود المترتب على تمسك الأسد بالسلطة وتجاوزه للذهاب إلى حل سياسي. وفي هذه الحالة فقط يمكن أن تكتسب الدعوة، التي وجهها رئيس أركان «الجيش السوري الحر»، الشهر الماضي، إلى الضباط والجنود العلويين في جيش الأسد للانشقاق، حين يصبح هناك هدف محدد قابل للتحقيق.
 
وليس صعباً بأي حال توفير حماية لهذه المنطقة المحررة وتستطيع طائرات «التحالف» القيام بهذه المهمة التي أدت الطائرات الأميركية والبريطانية مثلها في شمال العراق بعد حرب الخليج الثانية ووفرت لها الحماية لمدة 12 عاماً.
 
لكن المهم هو أن تبادر الدول العربية المعنية بتقديم محتوى استراتيجي للعمليات العسكرية ضد الإرهاب يساهم في تحقيق النصر عليه وفي فتح الطريق أمام تسوية للأزمة السورية التي كانت أحد أهم عوامل انتشاره وتوحشه، وستظل كذلك ما لم تجد حلا عبر مبادرة عربية.
 
-------------------
* نقلا عن الاتحاد الإمارتية، 22/10/2014.

رابط دائم: