السيناريوهات المستقبلية لليمن والموقف الخليجي
29-9-2014

د. سالم حميد
* كاتب إماراتي
تزداد مشاكل اليمن تعقيداً يوماً بعد آخر، لكن العنوان الأبرز لكل ما حدث ويحدث هناك يتمثل في هشاشة الدولة اليمنية، وانحسار دورها وضعفها على المستوى المركزي، وعجزها عن ضبط إيقاع الأحداث والتحكم بها. وهو الأمر الذي وفر مناخاً ملائماً لحضور مختلف أشكال الجماعات المتصارعة، كما منح فرصة للتدخلات الخارجية التي تلعب على انقسامات المجتمع وتعدد الولاءات داخل الجيش، في ظل بطء مسار العملية السياسية، وعدم السير وفق الخطوات التي اقترحتها المبادرة الخليجية. هذا بالإضافة إلى التلكؤ الواضح في أداء الفاعلين السياسيين، وعدم جديتهم في إنقاذ بلدهم، والتأسيس لشرعية جديدة تضخ القوة المعنوية في مؤسسات الدولة، لتمارس الدور المطلوب منها في إعادة وضع البلاد على سكة الأمان والاستقرار، بعد الفوضى التي اندلعت عقب سقوط نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
 
يهمنا في هذا التناول السريع استشراف الاحتمالات والسيناريوهات المستقبلية في اليمن، بهدف تنبيه اليمنيين إلى عواقب ومخاطر الاستمرار في استنساخ المتاهات وتغييب الدولة اليمنية، والسماح لجماعات العنف بممارسة العبث والإرهاب دون رادع. كما أن تأمل أحداث اليمن والنظر إلى المخاطر المستقبلية التي قد تنتظره، يستدعي وضع بلدان الخليج في الصورة الحقيقية لما يحدث، لكونها من الناحية الجغرافية تشكل مجتمعةً المحيط الإقليمي الأقرب لليمن، الأمر الذي يفرض على السياسة الخليجية البقاء على أهبة الاستعداد لمواكبة ما يستجد من أحداث، بغية بلورة موقف خليجي موحد يتعاطى مع تقلبات المشهد اليمني، وبما يساعد اليمن على التعافي وتجاوز عثراته من جهة، ومن جهة أخرى ضمان أمن الخليج ووقايته من آثار التداعيات اليمنية المستمرة.
 
ولطالما كرر المبعوث الأممي إلى اليمن، جمال بن عمر، جملة أثيرة، تكتسب دلالة ذات صلة بواقع الأحداث ومجرياتها، لجهة افتقاد النخبة السياسية في اليمن نوايا جادة وعزيمة حقيقية لإنقاذ بلدها وتجنيبه الانهيارات القادمة. يقول بن عمر في تصريحاته المتعلقة باليمن جملته المتكررة، ومفادها أنه ما لم يساعد اليمنيون أنفسهم أولا فلن يساعدهم أحد. ومنطقياً هذا هو لسان حال القادة والمعنيين في الخليج الذين يريدون أيضاً من اليمنيين «أن يساعدوا أنفسهم أولا»، وأن يجنبوا بلدهم الوقوع في المنزلقات الأخطر، رغم خطورة ما وقعوا فيه من منزلقات حتى الآن، وآخرها تمكين الحوثيين من الاستيلاء على أسلحة الجيش ومعداته العسكرية الثقيلة، والتجرؤ على اقتحام مبان سيادية، مما أظهر للمتابعين والمهتمين خطورة الأوضاع في اليمن ومدى الانهيار الذي بلغته الدولة اليمنية ومؤسساتها، الأمر الذي يخدم جماعات العنف والإرهاب ويوفر لها بيئة للتحرك دون رادع يردعها.
إذن، فليساعد اليمنيون أنفسهم أولا، وليعملوا ما أمكنهم لوقف استنزاف ما تبقى من ثقة لدى الآخرين بإمكانية انتشال بلادهم من محنتها المتجددة. ولا يمكن للخليج في كل الأحوال أن يتجاهل ما يحدث في اليمن، سواء لجهة الاحتراز خليجياً من آثار ما حدث وما قد يحدث في المستقبل، أو لجهة العمل على كل ما قد يؤدي إلى استقرار اليمن وتجنيبه المزيد من الفوضى التي بات العالم يراها متفشيةً فيه بالفعل، وتفتح المزيد من الأبواب أمام احتمالات السقوط أكثر في منحدرات العنف الذي قد لا يتوقف قريباً.
 
وبشأن الخيارات المستقبلية الأشد سوءا والتي قد تواجه اليمن إذا ما استمرت وتيرة التداعي بوضعها الحالي، فالكل يعلم بأن تشكيلات «القاعدة» في اليمن تشكل التهديد الأخطر، وقد سبق أن سيطرت على محافظات بأكملها وأخرجتها من سلطة الدولة اليمنية، وتلك كانت أولى التجارب «الداعشية» التي سبقت ما حدث في العراق وسوريا، لكن المجتمع الدولي كان منشغلا حينها بالتفاعل مع تداعيات أخرى في مناطق أكثر سخونة. ويمكن القول إن ضمن الاحتمالات المستقبلية في اليمن خطر سيطرة نموذج «داعش» على مساحات واسعة، خصوصاً في الجزء الجنوبي من اليمن، بالنظر إلى التواجد المكثف للعناصر القاعدية في ذلك الجزء، إضافة إلى خبرة تلك العناصر في التعامل مع التضاريس، وقدرتها على التخفي وتوظيف تجاربها السابقة. والدليل على ذلك الاحتمال أن «القاعدة»، بأفرادها وعتادها، لازالت تصول وتجول في جنوب اليمن. ومما ساعدها على الاحتفاظ بمخزونها من الإرهابيين أن السلطات اليمنية تواجه إشكالات أمنية وسياسية متشابكة تعيقها عن التصدي لـ«القاعدة» في معركة حاسمة تحرمها من الحاضنة الاجتماعية التي تتخفى فيها مستغلة فقر السكان وهشاشة الوضع الأمني.
 
وغير بعيد عن احتمالات سيطرة فصيل الإرهاب القاعدي على مناطق من اليمن، هناك الحوثيون وأطماعهم التي تزداد شراهة كل يوم، بالنظر إلى ضعف الدولة اليمنية. كما أن بروز نفوذ الحوثيين ذاته يمنح الجماعات الإرهابية الأخرى مبررات نظرية من وجهة مذهبية وطائفية لنشر العنف وتعميمه على نطاق واسع، خاصة في البيئة التي يتركز فيها نفوذ الحوثيين، باعتبارهم المنافسين الجدد للإسلام السياسي هناك، مع الوضع في الاعتبار الفوارق الشكلية بين تلك الجماعات، لكن القاسم المشترك بين مثل هذه التيارات هو السباق على توظيف الخطاب الديني، واستمالة عواطف البسطاء وتجنيدهم.
 
ومن السيناريوهات المستقبلية الأخرى المحتملة في اليمن، أن تجد الدعوات لانفصال الجنوب صدى وتفضيلا لدى القوى الدولية التي يهمها تأمين الملاحة في باب المندب. وقد ظل الخليج والمجتمع الدولي حريصاً على وحدة اليمن. وسيظل الخليج كذلك إلى جانب وحدة اليمنيين، لكن لا أحد يمتلك ضمانات كافية للتحكم بالتدخلات العالمية التي تفرض نفسها، وتؤثر على تحولات جيوسياسية تحت مبررات مختلفة، وبالتالي فإن اليمنيين هم الأقدر على ضمان وحدة بلدهم عبر ضمان إيقاف تفشي الإرهاب، والعوامل التي تهدد سيطرة الدولة اليمنية على الأوضاع بشكل عام.
 
تجاه كل ما سبق عرضه من الاحتمالات المستقبلية التي تواجه اليمن، فإن دول مجلس التعاون الخليجي مطالبة بمواصلة التعاطي مع اللحظة الراهنة، وفي الوقت ذاته التيقظ لما قد يحدث في المستقبل، والاستعداد لتبني موقف خليجي موحد تجاه كل جديد يحدث أو ركود يستمر في اليمن. وهذا الموقف الخليجي المطلوب يتأسس على كون اليمن يقع في خاصرة الخليج الذي تعيش دوله في حالة دائمة من الاستقرار، ومن حقها أن تحافظ على هذا الاستقرار بالتوازي مع مساندة اليمن، لكن بعد أن يبذل اليمنيون المزيد من الجهد لمساعدة أنفسهم أولا.
 
---------------------------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الأحد، 29/9/2014.

رابط دائم: