لعبة أردوغان
11-8-2014

هاشم عبدالعزيز
*
اختزل السياسي التركي جم توكر، رئيس الحزب الليبرالي بصورة دقيقة شخصية رجب طيب أردوغان السياسية، المرشح للرئاسة التركية وهو يشغل رئيس الوزراء حين قال: "في رأيي أن أردوغان أشبه برياضي يسمح له باستخدام العقاقير المنشطة المخالفة للقوانين والمشاركة أيضاً بالمنافسة" .
 
وأضاف: "الفترة التي قضاها في السلطة وشعبيته والكاريزما التي يتمتع بها تمنحه ميزة عادلة، لكن استخدامه أموال الدولة ومواردها من دون أي تميز يمنحه ميزة غير عادلة على الإطلاق" .
 
تعليق توكر توافق وخوض أردوغان مباراة كرة قدم لمناسبة افتتاح استاد رياضي في اسطنبول ارتدى خلالها أردوغان قميصاً يحمل الرقم 12؛ في إشارة إلى طموحه أن يصير الرئيس ال 12 لتركيا، والحدث على هذا النحو الدعائي الانتخابي قذف أردوغان لكرة القدم تزامن وما كانت تقذفه آليات الحرب الصهيونية على رؤوس الفلسطينيين في غزة التي حاول أردوغان استغلالها انتخابياً بافتعال الحماس ولغة الابتذال، وفي المحصلة عدم احترام ما صار يعرف بزمن غزة .
 
قد يكون مفيداً القول إن أردوغان ليس في طموح لرئاسة وحسب بل وفي شراهة لإحكام السيطرة على العباد والتهام تركيا .
 
لهذا جاب أردوغان البلاد طولاً وعرضاً بطائرة رئيس الوزراء ليخطب في أنصاره وقد بدأ هذه الحملة الانتخابية قبل موعدها الرسمي، وبعد أن بدأت إشارات منظمة الأمن والتعاون الأوروبية إلى أن "أنشطة رئيس الوزراء في الحملة الانتخابية أحداث من الحجم الكبير وكثير ما يتم الجمع بينها وبين مناسبات حكومية رسمية" .
 
ومع أن الكثير من المراقبين يرجحون كفة فوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية، إلا أن العديد من هؤلاء لا يرون أن الصعود سيكون مفتوحاً على المجهول، ومن غير المستبعد أن يكون إلى الهاوية في حصاد لما زرعه أردوغان في الكثير من سياسته، فالرجل الذي يسعى إلى مزيد من السلطات في رئاسته كان قد بدأ بأخطائه القاتلة بتقسيمه المجتمع التركي على أسس علمانية ودينية مفتوح على الانشطار والحرب الأهلية .
 
ومع أنه تمكن من التغلب على منافسيه في المعارضة التركية باللعب على خلافاتها وقلة إمكاناتها قياساً بما لدى أردوغان وحزبه وسلطاته، غير أن جبهات معاركه داخل السلطة والجيش والأمن وحتى داخل حزبه اختلط فيها الحابل بالنابل حيث إن إضعاف دور الجيش في النفوذ السياسي يحسب لمصلحة الدولة المدنية، لكن تصدى أردوغان وبالحملات القمعية ضد من واجهوا بمسؤولية فضيحة الفساد التي تفجرت وكشفت تورط وزراء وأبنائهم بمن فيهم أردوغان ذاته ألقت بظلالها على المجتمع التركي الذي يواجه ليس سلطة بل وعصابة سرقة نهّابة لثرواته وخيرات بلاده هي في الأغلب من حزب أردوغان ووزرائه وأسرهم .
 
إشكالية أردوغان أن المنشطات التي يتلقاها باتت أقرب إلى التحكم بأعماله، ومن هذه الحالة التحفيزية يتعاطى أردوغان في الداخل التركي على أساس أن حزبه سيد البلاد والعباد لا أن تركيا دولة لأبنائها بما يعني ذلك من حقوق ومسؤولين، والأغرب أن أردوغان منفتح داخل حزبه على أصحابه لا على قياداته وكوادره وقواعده، وأردوغان لا يعير اهتماماً لمنظمات المجتمع المدني والفئات الاجتماعية وبخاصة النساء والشباب وكما لو أنه الآمر لحاله .
 
أما على الصعيد الإقليمي والدولي فأردوغان ليس طموحاً لإعادة تركيا إلى دور يتناسب ومكانتها ومصالحها بل هو في ارتباط وثيق بالحنين إلى طموح عصر الإمبراطورية العثمانية .
 
ما هو دال على هذه الحقيقة أن عودة أي دولة إلى دور في إطار إقليمها وعالمها الدولي يبدأ بعلاقاتها التي تترجم بأوجه من التعاون والتبادل والشراكة، وهذه العملية تكون مثمرة طالما أعطي لها الاهتمام في مجالاتها المختلفة، بيد أن أردوغان ومن حنينه إلى الماضي الاستعماري التركي للمنطقة العربية نسف ذلك المدخل من التفاهم والتعاون والشراكة وقاد سياسة العدائية والتطاول على مصر وتجاه دول عربية عديدة وصار يتحدث بالوصاية التركية التي ما زالت مرارتها ودمارها وإرث فسادها حاضرة في غير بلد عربي .
 
من المؤكد أن أردوغان سيمضي ما بقي حاصلاً على المنشطات التي لا يحتاج المرء إلى مجرد التساؤل عن مصادرها وأهدافها لأن مجرد انكشاف الدور التركي في إعادة الانقسام السياسي الفلسطيني يرتبط بأحد أهداف الحرب الصهيونية على غزة .
 
-------------------------
* نقلا عن دار الخليج، الإثنين، 11/8/2014.

رابط دائم: