لماذا تتعثر التحالفات البرلمانية في مصر وتتقدم في تونس؟
24-7-2014

باحث في شئون الشمال المغربي- مساعد رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية.
* باحث في شئون المغرب العربي - مساعد رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية.
يطرح التقدم الذي تحرزه التحالفات الانتخابية بين الأحزاب التونسية استعدادا للانتخابات البرلمانية المقبلة، في ظل تعثر وجمود التحالفات الانتخابية في الحالة المصرية، تساؤلات مهمة تتطلب الإجابة عليها ضرورة مقارنة التجربتين الحزبيتين  لبحث أسباب نجاح وتقدم التحالفات الحزبية في الحالة الأولى، وتعثرها في الأخيرة، وأيضا الوقوف على التحالفات الحالية، وخلفيتها، وكيفية تأثيرها فى شكل البرلمان القادم، على أساس أن مصر تبعت تونس في اندلاع ثورات الربيع العربي، وأن تجربة أحزاب ما قبل الثورات، وبعدها في البلدين، تشابهت بعض الشيء في النشأة والتكوين، وأيضا في آليات عملها في سقوط حكومات الإخوان.
 
بداية متشابهة وطريق مختلف:
 
رغم تشابه القوى الحزبية المدنية التي تأسست في كل من مصر وتونس قبل وبعد ثورات الربيع العربي في آليات عملها ضد حكومات الإخوان المسلمين ، فإن الأحزاب المصرية انتهجت طريقا مختلفا بعد سقوط الإخوان. ففي تونس، بدأت محاولات التوحيد بين الأحزاب والقوى المدنية ضد حكومة النهضة محدودة في بدايتها، مقسمة إلى أكثر من ائتلاف وتحالف، لكن سرعان ما توحدت جميعها في تحالف واحد. فتمثل أول تحالف ضد تيار الإخوان المسلمين من القوى المدنية التونسية في حركة الاتحاد من أجل تونس، والتي كان على رأسها حركة نداء تونس، والجبهة الشعبية بقيادة "حمة الهمامي"، وكتلة الحزب الجمهوري.
 
وانتقلت الائتلافات المدنية التونسية من التعددية في حركتها كمعارضة للحكومة إلى كتلة واحدة تحت مسمي جبهة الإنقاذ الوطني التي جمعت بين الائتلافات الثلاثة المذكورة، بالإضافة إلى التيار الإصلاح في حزب التكتل. واستطاع هذا التكتل أن يجبر حكومة النهضة وحليفها المؤتمر من أجل الجمهورية على التخلي عن السلطة. ورغم نجاح القوى المدنية تحت لواء جبهة الإنقاذ في تحقيق ما نشأت من أجله، وهو حل حكومة النهضة، فإنها لم تتوقف عن مواصلة حركة التوحيد فيما بينها، بل طورت من هياكلها بهدف موازنة القوى الإسلامية في الانتخابات البرلمانية المقبلة التي حددت موعد إجرائها الهيئة المستقلة للانتخابات في نهاية أكتوبر المقبل. وتتمثل أهم التحالفات الحزبية التونسية التي تشكلت، والتي هى قيد التشكيل لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، في ثلاثة تحالفات قوية تسعي إلى تكوين قوائم موحدة، بالإضافة إلى تحالفات أصغر لا تزال تبحث عن حلفاء جدد. وتنحصر أهم التحالفات الكبرى في:
 
1. تحالف الجبهة الشعبية، وهو ائتلاف يجمع ما بين الأحزاب اليسارية التي قاطعت تحالف الاتحاد من أجل تونس الذي تشكل من حزب نداء تونس، وبعض الأحزاب اليسارية الموالية له. ويستبعد بعض المراقبين فوز هذا الائتلاف بعدد كبير من المقاعد، نظرا لمحدودية قاعدته الشعبية بالمقارنة بالتحالفين الكبيرين: نداء تونس والإسلاميين.
 
2. تحالف الإسلاميين، متمثلا في حزب النهضة، والمؤتمر من أجل الجمهورية، وهذا التحالف يسعى لتشكيل جبهة انتخابية واسعة.  
 
3. حركة نداء تونس، وهذا الحزب الذي أخذ رئيسه، الباجي قائد السبسي،   قرار أخيرا  بخوض الانتخابات التشريعية منفردا ، منفصلا عن تحالف " الاتحاد من أجل تونس".  وقائمة هذا التحالف ستركز على قاعدة انتخابية  أغلبها من فلول بن على، ومن الوجوه القديمة. وإلى جانب هذه القوى الثلاث، يقترب ائتلاف آخر من التشكيل النهائي، وهو: تحالف الجبهة الوطنية الذي قد يجمع ما بين ثلاثة أحزاب يسارية، هي العمل الوطني، وحزب الحركة الوطنية، وحزب الثوابت. لكن الاستثناء الوحيد الذي لم يتبلور ملامحه حتى الآن في تونس، هو تحالفات القوى الشبابية الثورية. 
 
أما في الحالة المصرية، فالوضع مختلفا تماما. فعلى الرغم من تشابه ملامح طريقة معارضة ومواجهة القوى والأحزاب المدنية لحكومة الإخوان في البلدين، فإن التحالفات الحزبية والثورية المصرية التي تشكلت ضد الإخوان، والتي كان أهمها: جبهة الإنقاذ التي لعبت الدور الأكبر في الحشد المبكر ضد الإخوان، وحركة تمرد التي كانت المحرك الرئيسي في اندلاع ثورة 30 يونيو، أخذت طريقا آخر بعد سقوط الإخوان. فبدلا من أن تقوى تحالفاتها وائتلافاتها لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، تفرقت وفشلت في توحيد قواها المدنية. فحتى الآن، لم نر تحالفا حزبيا مدنيا واحدا أو تحالفا ثوريا، أو حتى من المستقلين، أو من التيار الإسلامي تبلورت ملامحه النهائية لخوض المعركة. فأهم تلك التحالفات التي لا تزال قيد التشكيل هى:
 
1. تحالف القوى المدنية لجبهة 30 يونيو بين عدد من الأحزاب، أهمها: المؤتمر، والحركة الوطنية المصرية، والمصريون الأحرار، والتجمع، والحركة الشعبية العربية "تمرد " تحت التأسيس، وجبهة مصر بلدي، وتيار الاستقلال. 
 
2. تحالف القوى اليسارية والاشتراكية، وهو يجمع بين الأحزاب التي ساندت حمدين صباحي في الانتخابات الرئاسية، ومن أهمها حزب الدستور، والعدل، والحزب الديمقراطي الاجتماعي، والتحالف الشعبي، والكرامة.
 
3. تحالفات القوى الثورية الشبابية، وهي لا تزال تأخذ مسميات مختلفة، لعل أهمها: تحالف شباب بنحب مصر، وتحالف شباب مصر، والتحالف الثوري لبناء الوطن، وتحالف شباب الجمهورية الثالثة، وتحالف حركة تمرد، وتحالف 25 – 30.
  
4. تحالفات أحزاب القوى الدينية التي قد تتشكل من الأحزاب الدينية التي قررت خوض الانتخابات البرلمانية مثل النور، والوطن، ومصر القوية، وأحزاب الحركة الصوفية الثلاثة: التحرير المصري، والنصر الصوفي، ونهضة مصر، وهي أيضا لم تحدد اتجاهات تحالفاتها الانتخابية حتى الآن.
 
تعثر هنا ونجاح هناك: 
 
فمن خلال ملامح التحالفات الانتخابية للبرلمان المقبل في كل من الدولتين، يمكن أن نحدد الأسباب التي أدت إلى تقدمها في تونس، وتعثرها في مصر، في الآتي:
 
بالنسبة للحالة التونسية: يرجع نجاح تحالفاتها الانتخابية إلى إدراك قواها الحزبية المدنية، والثورية لمخاطر ظاهرة تشتيت الأصوات بسبب تعدد القوائم الانتخابية، والتي فقد بسببها في انتخابات 2011 ما يقترب من مليون ونصف مليون صوت، قدرت بنحو ثلث عدد الأصوات الصحيحة في تلك الانتخابات، هذا بالإضافة إلى أن نجاح التكتل الحزبي المتمثل في "جبهة الإنقاذ الوطني" في مواجهة التيار الإسلامي بحل حكومة على العريض، واستبدالها بحكومة مستقلة، جعلها تعيد تحالفاتها البرلمانية مبكرا على أساس التقارب الأيديولوجي، بالإضافة إلى اعتراف وتأكد  الأحزاب اليسارية والصغيرة من استحالة فوزها بمقاعد في البرلمان المقبل في حال خوضها الانتخابات فرادي بسبب حالة الاستقطاب الثنائي التي تسود في أقاليم البلاد بين حركة النهضة وحزب نداء تونس. 
 
أما تعثر التحالفات الانتخابية في الحالة المصرية، فيرجع إلى سيطرة المصالح الشخصية على المصلحة الوطنية على قيادات بعض هذه الأحزاب، التي يشكك معظمها في إمكانياتها التصويتية، وقواعدها الانتخابية، وهو ما أصابها بالحيرة، وجعلها تبحث عن أفراد تنزل بهم على المقاعد الفردية بدلا من أن تُشكل تحالفاتها، بالإضافة إلى التباين الأيديولوجي بين الأحزاب التي تسعى للتحالف فيما بينها.  
 
شكل البرلمان في البلدين:
 
يشير وضوح ملامح خريطة التحالفات في تونس في ثلاث قوى رئيسية، هي حزب نداء تونس، والجبهة الشعبية، وحركة النهضة، بالإضافة إلى كتلة الأحزاب الصغيرة التي يقترب عددها من 120 حزبا، والتي قد تتوحد في تحالفين أو ثلاثة على الأكثر، إلى أن حزب نداء تونس، والنهضة سيحصلان على أغلبية مقاعد البرلمان. فاستطلاعات الرأي العام التونسية تؤكد أن حزب نداء تونس سيحصل على أعلى نسبة من المقاعد، يليه حركة النهضة بنتيجة متقاربة، يليهما تحالف الجبهة الشعبية، مما يعني أن البرلمان التونسي القادم سيواجه صراعا مابين الإسلاميين، وفلول الأنظمة السابقة، حيث إن حزب نداء تونس يجمع ما بين رجال المال والأعمال في حزبي بن على، وبورقيبة.  
 
أما البرلمان المصري المقبل، فقد يجمع- وفقا للمراقبين- بين كافة القوى الحزبية المدنية، والمستقلين من بقايا الحزب الوطني المنحل، والقوى الثورية الشبابية، والتيار الديني بنسبة أقل، ذلك الأمر الذي قد يحدث أزمة في كيفية تشكيل حكومة ائتلافية، أو تنشأ حكومة ضعيفة، حتى لا يحل البرلمان.

رابط دائم: