لماذا تميز أمريكا بين “إرهاب” و”إرهاب”؟
17-7-2014

عاطف الغمري
*
لا تزال التسريبات التي تخرج من المناقشات السرية داخل أجهزة إدارة أوباما، تكشف عن ازدواجية المعايير في التعامل مع الإرهاب، وكأن هناك إرهاباً خبيثاً ، وإرهاباً مرغوباً فيه! . . كما تكشف عن الارتباك والتناقضات التي تمكنت من طريقة تعامل الإدارة الأمريكية مع الإرهاب . وبعد أن ظلت الإدارة الأمريكية تعلن أنها في حرب ضد الإرهاب العالمي، فقد تبين حسب ما صرح به مسؤولون بإدارة أوباما، أن الفريق القانوني المعاون لأوباما، منقسم حول المدى الذي تصل إليه الولايات المتحدة في التعامل مع الإرهابيين، وقتلهم، في دول أخرى بعيدة عن الولايات المتحدة . وقد وصفت المصادر المسؤولة هذا الانقسام، بأنه يمكن أن يضع قيوداً على الحرب ضد تنظيم القاعدة، والمنظمات الإرهابية الأخرى المتحالفة معه . 
 
وكان مايكل هايدي مدير وكالة المخابرات المركزية السابق قد طلب في عام 2007 من البيت الأبيض، الموافقة على القيام بغارات ضد منازل وسيارات الإرهابيين، التي ينطلقون منها في شتى هجماتهم الإرهابية . 
 
بعد ذلك كتب الصحفي شارلي سافيج في الصفحة الأولى من جريدة "نيويورك تايمز"، تقريراً عن الانقسامات داخل إدارة أوباما حول كيفية التصرف إزاء المنظمات الإرهابية، وفي اليوم التالي لنشر تقرير سافيج ألقى جون بيرنان كبير مستشاري أوباما لعمليات مكافحة الإرهاب، خطاباً في مؤتمر بجامعة هارفارد، قال فيه إن البعض في المجتمع الدولي، بمن فيهم أقرب حلفائنا وشركائنا، لهم وجهة نظر مختلفة بشأن المدى الجغرافي الذي تصل إليه عمليات مكافحة الإرهاب وإنهم يرون تضييق هذا المدى بحيث يشمل فقط "ميادين الحرب الساخنة" . وبناء على ذلك، فإن الولايات المتحدة يمكن أن تتصرف فقط حسب قاعدة الدفاع عن النفس، ضد تنظيم القاعدة، عند إقدام التنظيم على تدبير هجمات مسلحة، أو تهديد المصالح الأمريكية، وفي الحالة التي يكون فيها هذا التهديد "وشيكاً" .
 
ثم اختتم بيرنان خطابه بجملة أثارت الحيرة والتساؤل من الحضور، حين قال: ولكي يكون الكلام واقعياً، فإن السؤال في هذه الحالة هو: كيف يمكن تعريف كلمة "وشيك" . 
 
إن المعنى الذى تشير إليه التسريبات عن الانقسام في البيت الأبيض، ومناقشات إدارة أوباما القانونية، وما شرحه مستشاره لمكافحة الإرهاب، كل هذا يعكس الطريقة التي تتعامل بها إدارة أوباما مع المنظمات الإرهابية، وخاصة تلك التي انتشرت خلال العامين الماضيين بشكل وبائي في الدول العربية، وهي تقود حرب قتل، وتدمير، وتخريب، بطريقة تهدد استقرار هذه الدول، وسلامة مواطنيها، فإدارة أوباما تميز بين إرهاب القاعدة إذا كان يهدد مباشرة المصالح الأمريكية، وبين إرهاب المنظمات الإرهابية في أي مناطق أخرى، مع إنها جميعاً ترتبط بالقاعدة وتنسق معها . 
 
وهذا السلوك ظهر في إيقاف الولايات المتحدة، تسليم طائرات أباتشي لمصر، والتي تستخدم في مكافحة الإرهاب في سيناء . وظهر كذلك في التغاضي طويلاً عن التدفق الكبير لأجانب يرتبطون بالقاعدة، إلى سوريا، ومنهم من قاموا بعمليات إرهابية، في سيناء، والعراق، وبلاد المغرب . ولم تبدأ دول أوروبية على وجه الخصوص، في اتخاذ موقف من سفر مواطنين من شبابها إلى سوريا، إلا بعد أن اتفقت أجهزة المخابرات الأوروبية والأمريكية، على أن ميادين القتال في سوريا، قد تحولت إلى منطقة تدريب لشباب أوروبيين وأمريكيين، - من أصول شرق أوسطية - على الأعمال الإرهابية . وأن الاحتمال كبير في ارتكابهم نفس الأعمال، في بلادهم عندما يعودون إليها من سوريا . 
 
وهو نفس ما حدث في غرب إفريقيا - وخاصة في مالي - عندما حشدت الولايات المتحدة وفرنسا قوتهما العسكرية، ومن بينها الطائرات من دون طيار، في توجيه ضربات مدمرة وقاتلة ضد المنظمات الإرهابية هناك . واستطاعت القضاء عليها، ومطاردة من تبقوا من أفرادها، إلى الصحراء التي هربوا إليها . 
 
إن الدولتين أقدمتا على إعلان الحرب على هذه المنظمات في غرب إفريقيا، لأنها كانت تهدد مصالحها مباشرة . 
 
وهذا ما يؤكد ازدواجية المعايير في مواجهة الإرهاب، الذي أصبحت منظماته تشكل مع بعضها، شبكة دولية مشتركة . وهذا التمييز بين منظمات الإرهاب، يعد سلوكاً خطراً، حتى على دول الغرب نفسها، لأن القتل، والتدمير أصبح بالنسبة للمنظمات الإرهابية مثل الإدمان، والذي يزيد من سطوته عليهم، تسهيل وصول المال والسلاح إلى أيديهم . 
 
وإذا كان الإرهابيون يخربون ويقتلون مواطنين في بلادهم، فلن يكون هناك شيء في حالة تضييق الحلقة الأمنية عليهم، يمنعهم من تحويل عملياتهم نحو دول الغرب، التي تستثنيهم هذه الأيام من حربها على الإرهاب . 
 
وليس ببعيد ما كان قد جرى من إعلان تنظيم القاعدة، الحرب على الولايات المتحدة وأوروبا، وهو التنظيم الذي كانت قياداته وأفراده، تحت رعاية المخابرات المركزية في أفغانستان، وهي التي تدربهم، وتزودهم بالسلاح والمال .
 
------------------------------
نقلا عن دار الخليج الأربعاء، 16/7/2014.

رابط دائم: