‬قوى جزئية:|هل يمكن أن تهيمن القوة الصينية على العالم؟
10-7-2014

ديفيد شامباو
* أستاذ العلوم السياسية- جامعة جورج واشنطن
عرض : مروة منتصر صبحي - معيدة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة
 
China Goes Global: The Partial Power,(New York: Oxford University Press, 2013)
 
ناقش العديد من الأدبيات احتمال أن تعود الصين قوة عالمية كما كانت من قبل عدة قرون،‮ ‬استنادا إلى قاعدة القوة الاقتصادية والعسكرية والديموجرافية لها، وربما تكون المنافس الأكبر للولايات المتحدة الأمريكية خلال العقود القادمة من القرن الحادي والعشرين‮.‬وفقا لذلك، يقدم كتاب ديفيد شامباو،‮ ‬أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة جورج واشنطن،‮ ‬مدير برنامج السياسات الصينية،‮ ‬المعنون‮ "‬الصين تمضي عالميا‮ .. ‬قوى جزئية‮"‬،‮ ‬طرحا ناقدا للمقولة السابقة‮.

وقد جاء العنوان الفرعي للكتاب‮ "‬قوى جزئية‮" ‬ليدل على طرحه البديل بأن الصين بالرغم من إنجازاتها وحضورها متعدد الأبعاد على الساحة العالمية،‮ ‬فإنها وإلى الآن لا تزال قوة جزئية،‮ ‬وهو بذلك يدحض الرأي القائل‮ "‬إن الصين كلاعب عالمي قريبا سيحكم العالم‮". ‬وقد تبنت ذلك الرأي مارتين جاك، الباحثة البريطانية، في كتابها‮ "‬عندما تحكم الصين العالم‮ .. ‬نهاية العالم الغربي وولادة نظام عالمي جديد‮"‬، الصادر في عام‮ ‬2012.

يقر شامباو منذ البداية بأن كتابه قد تمت ولادته من أجل الخروج من حالة الإحباط الأكاديمي المتعلق بحقل الدراسات الصينية، إذ رأي ذلك الإحباط بمنزلة الوقود للعديد من الأسئلة الأولية، هل صحوة ونهضة الصين تهز العالم الآن حقا،‮ ‬أم هل يفترض أن الصين إنما هي لاعب دولي ذات نفوذ أجوف؟، هل نحن حقا نفهم الأبعاد المختلفة وتعقيدات الآثار المترتبة على أن تصبح الصين قوة عالمية؟ وما نوع قوة الصين؟

لقد تم توجيه كل فصل من فصول الكتاب لأجل فهم الأبعاد البارزة للمشاركة العالمية للصين، والتصورات الصينية المحلية لأدوارها العالمية، والدبلوماسية الصينية ودورها في نظام العولمة، وحضورها الاقتصادي العالمي، وتأثيرها الثقافي،‮ ‬ووجودها الأمني العالمي‮.‬

فهم التأثير الاقتصادي العالمي للصين‮:‬

يعترف شامباو بأن الصين هي قوة اقتصادية عالمية، إذ إن الصين، في جميع الاحتمالات، هي أكبر ثاني اقتصاد على مستوى العالم‮. ‬يبدأ شامباو نقاشه حول الوجود الاقتصادي للصين على مستوى العالم،‮ ‬حيث سرد قائمة رائعة تدل على البراعة الاقتصادية للصين، بما في ذلك امتلاك الصين أعلي أربعة بنوك على مستوى العالم‮ (‬من حيث القيمة الرأسمالية‮)‬، والنمو المتصاعد لاستثمارات الصين الخارجية‮. ‬ومع ذلك، يري أن تلك الأدلة على حضورها الاقتصادي، في الوقت ذاته، لا تستطيع سوي أن تخبرنا قليلا عن نوعية جودة الهيكلية الاقتصادية،‮ ‬وليس استدامة النمو الاقتصادي‮.‬

ففي‮ ‬2009،‮ ‬علي سبيل المثال، أوضحت سجلات منظمة التجارة العالمية أن‮ ‬93‭.‬6٪‮ ‬من صادرات الصين الكلية هي مما يسمي‮ "‬المنتجات رديئة الجودة‮"‬، وهي المنتجات التي تعد واحدة من الأرخص في قائمة منتجات السوق،‮ ‬ولم تنجح في الوصول إلى إنتاج‮ "‬منتجات عالية الجودة‮". ‬ويلاحظ شامباو أنه ما لم تخرج الصين من نموذج النمو الذي تقوده في تصدير المنتجات منخفضة القيمة، فمن المرجح أن يجنح الاقتصاد الصيني نحو الهبوط الحاد‮. ‬

أيضا،‮ ‬لا‮ ‬يزال يسيطر على الصين النمط السوفيتي لاحتكارات الدولة الذي كان سائدا في عقد الخمسينيات، إذ تتميز أكبر ثلاث شركات نفط في الصين بأنها تحت سيطرة الحزب الشيوعي الصيني‮. ‬كذلك، تحتاج الصين للطاقة بشكل مذهل،‮ ‬فهي أكبر مستهلك للطاقة على مستوى العالم، وهو ما يمثل ما يقرب من نصف الاستهلاك العالمي للطاقة خلال العقد الماضي‮.‬

الحضور الأمني العالمي للصين‮:‬

ومن خلال تلك الاحتياجات من الطاقة،‮ ‬تتم إعادة تعريف المصالح الأمنية للبلاد،‮ ‬إذ تعد الضرورات الاقتصادية عاملا جوهريا في صياغة الاستراتيجية الأمنية الخارجية للصين‮. ‬علي سبيل المثال، أكثر من‮ ‬90٪‮ ‬من ورادات النفط والغاز تتم حركتها من خلال البحر‮. ‬وبالرغم من قوتها العسكرية،‮ ‬فلا تملك القدرة على فرض سيطرتها أكثر من‮ ‬300‮ ‬ميل بحري خارج حدودها‮.‬

على هذا النحو، فإن الصين ستكون في حاجة متزايدة لتطوير قدراتها البحرية،‮ ‬وتأمين المجاري المائية الدولية‮. ‬وفي ذلك الشأن، يري شامباو أنه إذا كان هناك عنصر أمني يساعد الصين على أن تكون قوة عالمية،‮ ‬فسيكون تطوير قواتها البحرية، والذي هو عنصر مهم في تأمين تجارتها الدولية‮.‬

الجانب الأكثر أهمية بشأن الوجود الأمني للصين عالميا هو بيع الأسلحة للبلدان المشكوك في مكانتها الدولية،‮  ‬وفقا لتعبير شامباو‮. ‬وقد كشف محققو الأمم المتحدة الأسلحة الخفيفة الصينية في مناطق النزاع في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وساحل العاج، والصومال، والسودان‮. ‬والأسوأ من ذلك، كشفت بعض الأدلة سعي الدبلوماسيين الصينيين مرارا لتخويف وتهديد خبراء الأسلحة الدوليين التابعين للأمم المتحدة من أجل محاولتهم لمنع التقارير السنوية المطلوب تقديمها لمجلس الأمن‮.‬
يري شامباو في ذلك أن الصين على الرغم من أنها عضو دائم في مجلس الأمن،‮ ‬فإنها تميل دوما إلى اللعب بعيدا عن القواعد العالمية،‮ ‬وهو تصرف يدل على حالة الانفصام التي تعانيها الصين في أحسن الأحوال‮.‬

القوة الناعمة‮ .. ‬الحضور الثقافي العالمي للصين‮:‬

في التحليل النهائي، يري الكاتب أن الديناميات الاقتصادية والأمنية هي فقط جزء من الصورة،‮ ‬عندما يتعلق الأمر بفهم دور الصين في النظام العالمي‮. ‬إذ تكتمل تلك الصورة عند الحديث عن حضورها الثقافي العالمي، كانتشار المعاهد الكونفوشيوسية الممولة من الحكومة الصينية حول العالم لنشر المفاهيم الصينية، وتوافر المحطات الفضائية الناطقة بالعديد من اللغات والصحف الصينية،‮ ‬مثل الشينه دايلي نيوز، وانتشار ما يقرب من‮ ‬1‭.‬2‮ ‬مليون طالب وطالبة صينية خارج البلاد، بل وخمس هؤلاء فقط عادوا إلى الصين‮.‬

يرى الكاتب أنه بالرغم من بذل الصين دوما جهودا لتطوير قوتها،‮ ‬فإنها قوضت بشدة من قبل النظام السياسي الصيني‮ "‬البالي‮". ‬إذ تنتقد الأمم المتحدة دوما السياسات الصينية الرسمية في مجال حقوق الإنسان،‮ ‬مثل عمليات الاعتقال المتكررة للمعارضة مثل آي ويوي، والأحكام بالإعدام، وعمليات تعذيب بالسجون، وانتهاك حقوق الأقليات في إقليم التبت، وعدم رغبتها في الإسهام بشكل متماسك في نظام العولمة،‮ ‬ذلك المفهوم الذي يثير العديد من الشكوك لدي الصينيين‮. ‬ويري شامباو في ذلك المجال أن التركيز الصيني على التطور الاقتصادي ليس إلا وسيلة لتجنب الخوض في الموضوع الأهم،‮ ‬وهو حقوق الإنسان‮.‬

خاتمة مختلفة‮:‬

حاول شامباو، خلال صفحات كتابه، أن يثبت نتيجة مختلفة،‮ ‬مفادها أن الصين أمامها طريق طويل لتقطعه لكي تصبح قوة عالمية على قدم المساواة مع الولايات المتحدة الأمريكية‮.‬

ووفقا لكلماته،‮ ‬فإنه يري أن‮ "‬الصين ليس لديها فكرة واضحة عماذا تريد فعلا من العالم، وما نوع القوة الذي تريده، وما ينبغي أن تكون عليه في الشأن العالمي‮".‬
ويستعير الكاتب عبارة روبرت زوليك،‮ ‬الرئيس السابق للبنك الدولي،‮ "‬الصين ليست شريكا مسئولا‮"‬،‮ ‬إذ إن الصين أيدت النظام العالمي،‮ ‬ولكنها تتردد في الاندماج في مؤسساته بشكل يتناسب مع نفوذها كثاني أكبر اقتصاد في العالم‮. ‬وبالرغم من أهمية هذا الكتاب،‮ ‬فإنه يترك شعورا عميقا بالحذر،‮ ‬عندما يتعلق الأمر بإغراء إصدار أحكام واسعة حول‮ "‬صعود الصين‮"‬،‮ ‬إذ أبدي الكاتب تحيزا واضحا للعالم الغربي‮.‬


رابط دائم: