بين الفهلوة الشعبية والغوغائية السلطوية!
15-5-2014

السيد يسين
* مفكر سياسي مصري، ومستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام.
اقتبس عنوان المقال مباشرة من قارئي الكريم الدكتور «أحمد الجيوشي» الأستاذ بجامعة حلوان، والذي لم يكتف بأن يغمرني بتقديره البالغ لحرصي على التواصل مع القراء، ولكنه قدم لنا تحليلاً ملفتاً لطبيعة العلاقة بين السلطة والشعب منذ عصر «محمد علي» حتى الآن. ولابد لي أن أعبر أولاً عن سعادتي البالغة لتدفق رسائل القراء على مقالي الأخير، الزاخرة بالتعليقات النقدية والإضافات المهمة.
 
وأبدأ بالتعليق على رسائل القراء الموجزة. وأولها رسالة الدكتور «علي فرج» الأستاذ بجامعة «لويزفيل» الذي –كعادته بعد التحية- يثير قضية بالغة الأهمية تحتاج بالفعل إلى مناقشة مستفيضة. وهو يؤكد أهمية النقاش والتواصل وعبارته بالنص «أن العقل المصري لابد له من ابتكار حلول منطقية للوضع التناحري الراهن الذي لن يتمخض عنه منتصر إذا استمر».
 
وهو في الواقع يشير إلى أن تعقد المشهد السياسي الراهن في مصر وخصوصاً بعد الموجة الثورية في 30 يونيو التي قامت بها الجموع الشعبية لإسقاط حكم «الإخوان»، وما ترتب عليها من مساندة القوات المسلحة، والتي انتهت بعزل الرئيس مرسي وإعلان خارطة الطريق التي تم الانتهاء في ضوئها من وضع دستور جديد والاستفتاء عليه، ونحن على مشارف انتخابات رئاسة الجمهورية التي ستعقبها الانتخابات البرلمانية.
غير أنه صدر قرار باعتبار جماعة «الإخوان المسلمين» جماعة إرهابية وحظر نشاطاتها، إلا أنه أهم من ذلك كله أن قادة الجماعة وأتباعها رفضوا ما حدث في 30 يونيو، وقاموا بمظاهرات غير سلمية سواء في الشوارع أو في الجامعات للاحتجاج على ما حدث، مطالبين بعودة ما أطلقوا عليه «الشرعية»، مع أن الذي أسقطها بالفعل هو رئيس الجمهورية المعزول وجماعته الذين استأثروا بالسلطة، وأعلنوا بالإعلان الدستوري الباطل أنهم قرروا الحكم بالديكتاتورية.
 
وأتفق تماماً مع الدكتور «علي فرج» أن هذا الموقف التناحري يحتاج إلى تحليل ودراسة وابتكار الحلول الثقافية قبل الحلول السياسية، ولذلك لابد لنا من فتح هذا الملف الشائك في الوقت المناسب.
 
ويثير الأستاذ «عثمان خالد» موضوعاً مهماً حين تساءل إذا كنت قد انتقدت تكوين «التنظيم الطليعي» والذي كان تنظيماً سرياً لماذا لم أذكر «منظمة الشباب» التي أنشأتها الثورة، مع أنها كانت إضافة حقيقية في مجال التدريب السياسي للشباب، ولماذا انتهت التجربة مبكراً؟ وهو محق تماماً في ملاحظته وتجربة المنظمة تستحق أن نشير إليها بالتفصيل فيما بعد.
 
ويثير الأستاذ «أحمد سيد علي» المحامي مسألة مهمة وهي أنني أغفلت في المراحل التي ركزت عليها وأنتجت شخصيات مختلفة مرحلة حرب الاستنزاف، والتي أنتجت ما أطلق عليه «الشخصية المتحدية»، وهو يقصد – كما قال- المتحدية لذاتها أولاً ولواقعها ثانياً، والتي كانت الحلقة الأولى في سلسلة النضال التي أدت إلى بروز الشخصية الإيجابية في حرب أكتوبر، وأنا أتفق معه تماماً.
 
أما الأستاذة «سوسن مصطفى»، فهي ترفض أن تكون سيادة نمط «الشخصية الفهلوية» هو الذي أدى إلى هزيمة يونيو 1967، لأن ما حدث كان في رأيها مؤامرة كبرى تحالفت فيها إسرائيل مع أميركا مع الغرب كله ضد مصر لإسقاط «عبد الناصر». والواقع أن سيادة نمط «الشخصية الفهلوية» في الحياة المدنية أو العسكرية في هذا الوقت لا ينفي بالضرورة التآمر الأميركي الإسرائيلي على ضرب مصر في يونيو 1967.
 
ومن ناحية أخرى فالدكتور «محمد الشاذلي» يضيف لنا أنماطاً متعددة من الشخصية فهناك – من وجهة نظره- «الشخصية المنافقة»، وهناك «الشخصية الديكتاتورية»، وهناك «الشخصية الكارزمية» مثل «عبد الناصر» وهناك الشخصية الانتهازية». وهي أنماط موجودة بالفعل بين الشخصيات الفردية، ولكننا كنا نتحدث عن «الشخصية القومية» والتي تعني السمات النفسية والاجتماعية الغالبة على أفراد شعب ما في لحظة تاريخية محددة، ولا نرصد أنماط الشخصيات الفردية. وقد لفت نظري بشدة أن المهندس «عبد الوهاب محمود المصري» قد حلل مقالي الماضي بصورة منهجية رائعة لأنه رصد ثلاث نتائج مهمة توصلت إليها من تحليلي. الأولى أن 23 يوليو 1952- في توصيفها الدقيق- كانت انقلاباً عسكرياً تحول إلى ثورة بحكم تبني الضباط الأحرار للمشروع الإصلاحي الذي وضعته القوى الوطنية المصرية. والثانية أنه بحكم أن الجماهير أحست بفطرتها أنه لا يمكن في الواقع مقايضة العدالة الاجتماعية بالحرية السياسية بما يعني – في رأيه- تهافت مقولة «المستبد العادل»، أو أن القائد «الكارزمي» أو «الزعيم الملهم». والثالثة أن العامل الحاسم الذي أدى إلى هزيمة يونيو 1967 هو العامل العسكري، ويعني بتولية المشير «عبد الحكيم عامر» قيادة القوات المسلحة مع أنه كان غير مؤهل لذلك، وأخطر من هذا تحويله لها إلى مركز قوة سياسي مما أفقد القوات المسلحة قوتها الضاربة.
 
ومن ناحية أخرى يشير الدكتور «مجدي يوسف» إلى أن السبب الحقيقي لفشل المشروع الناصري في النهاية هو انتشار الفساد في إدارة القطاع العام من قبل أعضاء الطبقة الوسطى سواء في الريف أو الحضر.
 
ويلفت نظرنا الدكتور «عبد الرؤوف مصطفى» إلى أنه -وبعيداً عن أنماط الشخصيات القومية في المراحل التاريخية المصرية المختلفة- إن لم تواجه مشكلة البطالة وخصوصاً بين الشباب، فنحن سنواجه خطراً اجتماعياً داهماً. ولذلك يقترح فرض ضريبة على كل أفراد المجتمع وخصوصاً الميسورين منهم، ويسميها «ضريبة البعد الرابع» ويقصد بها ضريبة التغيير الزمني لمصر من زمن التخلف إلى زمن الصعود.
 
وتبقى أخيراً الإضافة القيمة للدكتور «أحمد الجيوشي» الذي يقدم لنا في الواقع نظرية متكاملة تحتاج إلى مناقشة عميقة، وهو يبدأها بقوله «في تصوري الشخصي إن المناخ السياسي السائد في أي حقبة من الحقب هو الذي يحدد ملامح الشخصية المصرية وهو الذي يشكل الدوافع لتبني ثقافة ما لدى جموع المواطنين».
 
وفي ضوء هذه المقولة الرئيسة يتحدث عن العلاقة الأبوية بين السلطة والشعب والتي تتجه من أعلى لأسفل دون أي فرصة للتأثير الحقيقي في الاتجاه المعاكس، ولذلك ساد نمط الفهلوة الشعبية من ناحية وغوغائية السلطة من ناحية أخرى.
 
نظرية متكاملة تحتاج إلى مناقشة مستفيضة!
 
-----------------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الخميس، 15/5/2014.

رابط دائم: