حقبة روحاني:| حدود التغيير في السياسة الخارجية الإيرانية ( ملف)
3-5-2014

محمد عباس ناجي
* باحث بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام
لا تبدو إيران كما كانت قبل‮ ‬4‮ ‬أغسطس‮ ‬2013،‮ ‬تاريخ تسلم الرئيس حسن روحاني مهام منصبه الجديد‮. ‬فقد تغيرت ملامح المشهد بشكل ملحوظ‮. ‬من سيطرة مطلقة للمحافظين الأصوليين إلي صعود تدريجي للمعتدلين من المحافظين والإصلاحيين في الداخل،‮ ‬ومن تشدد وراديكالية إلي مرونة وصفقات في الخارج‮. ‬لكن رغم ذلك،‮ ‬لا يمكن الحديث عن‮ "‬إيران جديدة‮"‬،‮ ‬بل عن‮ "‬إيران متجددة‮". ‬فالتغير الذي حدث يكمن في الأدوات،‮ ‬لا في الثوابت‮.‬
 
فقد اعتاد نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، منذ نجاح الثورة الإسلامية عام‮ ‬1979،‮ ‬أن يجري تحولات ملموسة، سواء في بنيته،‮ ‬أو أدوات تنفيذ سياساته، في حالة تعرضه لمخاطر أو تحديات ما، إن لم يكن للقضاء عليها، فعلي الأقل لتقليص تداعياتها السلبية‮. ‬لذا،‮ ‬وعندما ارتفع سقف العقوبات ومعه خيار الحرب، كان القرار إبداء مرونة في السياسة النووية،‮ ‬انتهت بالوصول إلي اتفاق نووي‮ "‬مرحلي‮" ‬في‮ ‬24‮ ‬نوفمبر‮ ‬2013،‮ ‬ربما يتطور إلي تسوية شاملة، يمكن أن تفرض تداعيات ملموسة على سياسات إيران تجاه الملفات الإقليمية، التي تحولت إلي رقم مهم فيها، وعلي الأخص في سوريا،‮ ‬والعراق،‮ ‬ولبنان،‮ ‬واليمن،‮ ‬وفلسطين‮.‬
 
لكن ذلك لا يعني في المجمل أن إيران، في عهد روحاني، سوف تنجح في تسوية كل أزماتها،‮ ‬وتقليص تداعيات التحديات التي تواجهها‮. ‬إذ إن‮ "‬كلمة السر‮" ‬لا تكمن في اعتدال روحاني ومرونته، رغم أهمية ذلك، بل في قبول النظام،‮ ‬وعلي رأسه المرشد الأعلي للجمهورية على خامنئي،‮ ‬ومن خلفه المؤسسات الموالية له،‮ ‬وفي مقدمتها الحرس الثوري‮.‬ لهذه السياسة،‮ ‬بما يعني أن حدود الحركة وهامش المناورة المتاح أمام الرئيس الجديد ليسا واسعين بالشكل الذي يجعله رئيسا مطلق الصلاحيات، في نظام لا يحوز فيه هذا المنصب المركز الأول‮.‬
 
وربما يؤكد ذلك دخول كل من إيران والولايات المتحدة الأمريكية في محادثات سرية، ليس قبل الوصول إلي الاتفاق النووي‮ "‬المرحلي‮" ‬فحسب، بل قبل تولي الرئيس روحاني نفسه مهام منصبه، مما يشير إلي أن النظام الإيراني كانت لديه رغبة، حتي قبل الانتخابات الرئاسية، في اختبار خيارات أخري للتعامل مع الغرب‮.‬
 
بدون شك، هناك خلافات شاسعة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية حول العديد من تلك الملفات، وعلي رأسها الأزمة السورية، وهو ما بدا جليا في الرفض الأمريكي لمشاركة إيران في مؤتمر‮ "‬جنيف‮ ‬2‮" ‬الذي عقد في‮ ‬22‮ ‬يناير‮ ‬2014،‮ ‬والإصرار الإيراني على دعم نظام الرئيس السوري،‮ ‬بشار الأسد،‮ ‬رغم كل الضغوط التي تتعرض لها طهران‮. ‬لكن ربما لا يكون ذلك نهاية المطاف، إذ إن تلك الأزمة،‮ ‬تحديدا، لن تشهد تسوية محتملة إلا في حالة الوصول إلي توافق إقليمي ودولي بين القوي المعنية بها، بما يعني أنها ربما تمثل، للمفارقة، بوابة العبور إلي توافق أمريكي‮ - ‬إيراني في المنطقة، يبدو الطرفان في أمس الحاجة إليه، وهو ما ينعكس في تركيز إيران على تأسيس شراكة دولية وإقليمية لمكافحة الإرهاب، يبدو الهدف الأساسي منها أن تكون مدخلا لنمط جديد من العلاقات مع‮ "‬الشيطان الأكبر‮".‬
 
ورغم تزايد الحديث عن توجهات روحاني وميوله الإصلاحية، فإن ذلك لا ينفي أنه قادم من‮ "‬عباءة‮" ‬النظام الإسلامي‮.‬ فقبل وصوله إلي رئاسة الجمهورية، تولي مناصب رفيعة منذ فترة طويلة،‮ ‬كلها تشير إلي أنه شخص موثوق فيه بالنسبة للقيادة العليا، بدليل أنه مثلها لسنوات عديدة في المجلس الأعلي للأمن القومي، بل إنه أدار أزمة الملف النووي مع الغرب خلال فترة صعبة،‮ ‬تعرضت فيها إيران لتحديات ليست هينة،‮ ‬وبالتحديد بعد تصاعد ما يسمي‮ "‬الحرب على الإرهاب‮" ‬التي انتهت باحتلال الدولتين الجارتين لإيران من الشرق والغرب، وضم إيران إلي ما يسمي‮ "‬محور الشر‮"‬، مع كل من العراق وكوريا الشمالية، الذي أعلنته إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش‮.‬
 
وهنا،‮ ‬تجدر الإشارة إلي ملاحظة مهمة‮(❊) ‬تتمثل في أن سيطرة اليمين المحافظ المتشدد على مراكز صنع القرار داخل إيران، بدءا من عام‮ ‬2005،‮ ‬كانت في أحد أسبابها نتيجة لتزايد وتيرة التحديات الخارجية التي واجهتها إيران خلال تلك الفترة،‮ ‬ولتصاعد حدة الاستقطاب الدولي مع وصول إدارة جمهورية متشددة في واشنطن،‮ ‬سيطر عليها المحافظون الجدد الذين تبنوا سياسات راديكالية سعوا إلي تنفيذها عبر الأداة العسكرية‮. ‬وتغيرت تلك الحال إلي العكس، مع وصول الرئيس روحاني إلي السلطة عام‮ ‬2013،‮ ‬والذي كان في أحد أسبابه أيضا استجابة للتغير الحادث في البيئة الدولية، التي بدت أقل قابلية للسياسات اليمينية المتشددة التي تبنتها واشنطن، خاصة في ظل وجود إدارة أمريكية سعت أكثر من مرة، بداية من الفترة الرئاسية الأولي للرئيس الأمريكي،‮ ‬باراك أوباما، إلي الدخول في حوار مع إيران للتوصل إلي تسوية للخلافات المعلقة، وهو ما يبدو جليا في الرسائل العديدة التي وجهها أوباما إلي القيادة العليا في إيران،‮ ‬ممثلة في خامنئي‮.‬
 
وعلي ضوء ذلك، يمكن القول إن المسألة تتجاوز منصب الرئيس إلي حد ما، وتبقي مرتبطة بوجود اتجاه عام في إيران يدعو إلي تبني مسار جديد في التفاعل مع الخارج، بعد الأزمات والضغوط القوية التي تعرضت لها إيران بسبب السياسات المتشددة التي تبنتها في عهد الرئيس السابق،‮ ‬أحمدي نجاد‮.‬
 
ومن هنا،‮ ‬ربما يمكن تفسير أسباب تزايد الحديث عن‮ "‬الخطوط الحمر‮" ‬التي وضعت لحكومة الرئيس روحاني وفريق التفاوض النووي، بل إن حديث المرشد خامنئي المتكرر عن ضرورة تبني ما يسمي‮ "‬الاقتصاد المقاوم‮" ‬يشير إلي أن الصفقة لم تحسم بعد مع الغرب في رؤية إيران، وأن كل الجهود التي بذلها الرئيس روحاني وفريقه التفاوضي يمكن أن تذهب بلا جدوي،‮ ‬في حالة رفع الدعم عنها من قبل خامنئي، الذي لا‮ ‬يزال حتي الآن قادرا على تقييد حركة المؤسسات المتحفظة على التقارب مع الغرب،‮ ‬وعلي رأسها الحرس الثوري، كما لا‮ ‬يزال فاقدا الثقة في رغبة الغرب في الوصول إلي تسوية للقضايا الخلافية المعلقة بين الطرفين‮.‬
 
كما يمكن، في هذا الإطار، أيضا تفسير أسباب عدم تغير السياسة الإيرانية، في ظل حكم روحاني، تجاه بعض القضايا،‮ ‬وعلي رأسها الأزمة في سوريا التي دخلت عامها الرابع، إذ لم تقبل إيران ببنود مؤتمر‮ "‬جنيف‮ ‬1‮"‬، مما أدي إلي تغيبها عن نسخته الثانية‮ "‬جنيف‮ ‬2‮". ‬كما أنها لا تزال مصرة على مواصلة دعمها لنظام الرئيس السوري بشار الأسد‮.‬ بل إن روحاني نفسه بدا حريصا على منح الأولوية لمحاربة الإرهاب على تشكيل حكومة انتقالية ليس للأسد دور فيها، بما يعني أنه ليس بعيدا عن الاتجاه العام الذي يتبناه النظام الإيراني إزاء الصراع في سوريا‮.‬
 
وفق هذا المنظور، يتناول هذا الملف حدود التغير المتوقع حدوثه في إيران،‮ ‬عقب وصول الرئيس روحاني إلي رئاسة الجمهورية، من خلال عشرة موضوعات رئيسية‮. ‬في الموضوع الأول، يتناول الدكتور محمد السعيد عبد المؤمن المحددات الداخلية التي تؤثر في اتجاهات السياسة الخارجية الإيرانية، ويقسمها إلي نوعين‮: ‬محددات سلبية تضيق من مساحة الحركة المتاحة أمام إجراء تغييرات رئيسية في السياسة الخارجية، وأخري إيجابية تسمح بإجراء تعديلات تكتيكية تخدم الاتجاه العام الذي يتبناه النظام‮.‬
 
ويبحث الدكتور محمد السعيد إدريس، في الموضوع الثاني، اتجاهات ومسارات التفاعلات بين كل من إيران،‮ ‬وتركيا،‮ ‬وإسرائيل، من خلال التركيز على مواقع القوي الإقليمية الثلاث داخل موازين القوي الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط التي تتعرض لتحولات عديدة بفعل الثورات والاحتجاجات العربية‮.‬
 
ويدرس الأستاذ على حسين باكير، في الموضوع الثالث، ما يمكن تسميته‮ "‬الخيارات الضيقة‮" ‬المتاحة أمام الرئيس الإيراني،‮ ‬حسن روحاني،‮ ‬لإجراء تغييرات في السياسة الإيرانية تجاه الأزمة السورية، سواء بسبب محدودية موقع الرئيس داخل النظام السياسي الإيراني، أو فيما يتعلق بأهمية سوريا في خدمة الطموحات الإقليمية الإيرانية‮.‬
 
ويتعرض الأستاذ محمد جمعة، في الموضوع الرابع، إلي المسارات المحتملة للتفاعلات بين إيران وبعض الفاعلين من‮ ‬غير الدول، حيث يميز في هذا السياق بين نمط من العلاقات ترسخ على أساس عقائدي، مثل العلاقات بين إيران وحزب الله اللبناني، ونمط ثان تأسس على مصالح براجماتية،‮ ‬علي‮ ‬غرار علاقات إيران وحركة فتح الفلسطينية، ونمط أخير يقع في منطقة وسط، مثل العلاقات بين إيران وحركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين‮.‬
 
بينما يتناول الدكتور أشرف محمد كشك، في الموضوع الخامس، العوامل التي تفسر السياسات الإيرانية تجاه دول مجلس التعاون الخليجي، والمتغيرات الحاكمة للرؤيتين الإيرانية والخليجية تجاه قضية أمن الخليج، خاصة فيما يتعلق بمشاركة أطراف دولية ضمن ترتيبات مستقبلية لتلك القضية الحيوية‮.‬
 
ويبحث الدكتور مدحت حماد، في الموضوع السادس، في آفاق العلاقات بين إيران وكل من باكستان وأفغانستان، خاصة بعد الاهتمام الملحوظ خلال الفترة الأخيرة من جانب الأولي بتطوير العلاقات مع الدولتين الأخريين، لاسيما في ظل التطورات العديدة التي طرأت على الساحة الإقليمية‮.‬
 
أما الدكتورة أمل كامل حمادة، فتتناول، في الموضوع السابع، المسارات المحتملة للعلاقات الأمريكية‮ - ‬الإيرانية، خلال المرحلة القادمة، من خلال دراسة القضايا الخلافية المعلقة، علي‮ ‬غرار البرنامج النووي الإيراني، والأزمة السورية، إلي جانب التداعيات المحتملة التي يمكن أن يفرضها الوصول إلي اتفاق نووي دائم على العلاقات بين الطرفين‮.‬
 
وتدرس الدكتورة نورهان الشيخ، في الموضوع الثامن، آفاق العلاقات الإيرانية‮ - ‬الروسية، عبر تناول المحاور الأساسية للشراكة الاستراتيجية المتنامية بين الدولتين، وحدود التوافق في التعامل مع العديد من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك،‮ ‬وعلي رأسها الأزمة السورية، وأمن الخليج، فضلا عن الملف النووي الإيراني‮.‬
 
ويشرح الأستاذ أشرف عبد العزيز عبد القادر، في الموضوع التاسع، احتمالات التوصل إلي اتفاق نووي دائم بين إيران ومجموعة‮ "‬5‮+‬1‮"‬، عن طريق دراسة محاور وقضايا هذا الاتفاق المحتمل، والإشكاليات العديدة التي تواجهه، والتي تفرض مسارات ثلاثة رئيسية يمكن أن ينتهي إليها ما بين الفشل،‮ ‬والنجاح،‮ ‬والتمديد‮.‬
 
وأخيرا، يتناول الأستاذ أحمد خليل الضبع، في الموضوع العاشر، تأثير التغير السياسي في إيران في أداء الاقتصاد، من خلال بحث التداعيات المحتملة التي يمكن أن يفرضها الوصول إلي اتفاق نووي‮ "‬مرحلي‮" ‬أو‮ "‬دائم‮" ‬مع الغرب على تحسن الأداء الاقتصادي في المرحلة القادمة، خاصة في القطاعات التي تضمنها الاتفاق‮.‬
 
باختصار، يمكن القول إن وجود الرئيس حسن روحاني في السلطة كفيل بدعم احتمالات الوصول إلي صفقات مع الغرب، وزيادة مساحة التوافق مع قوي دولية عديدة علي‮ ‬غرار روسيا،‮ ‬والولايات المتحدة الأمريكية، وتقليص حدة الأزمة الاقتصادية التي تواجهها إيران بسبب العقوبات المفروضة عليها، وتحسين العلاقات مع بعض دول الجوار،‮ ‬ولاسيما دول مجلس التعاون الخليجي‮. ‬لكن ذلك في مجمله لا ينفي أن روحاني في الوقت نفسه لا يمثل كل النظام الإيراني، الذي يشبه‮ "‬جبل الجليد‮"‬،‮ ‬يبطن أكثر مما يظهر‮.‬
 
طالع أيضا:
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

رابط دائم: