الاحتواء المشروط:|السياسة الأمريكية تجاه البرنامج النووي الإيراني
2-4-2014

كينيث بولاك
* خبير في العلاقات الدولية

عرض: نسرين جاويش- ‮ ‬باحثة في العلوم السياسية

Kenneth Pollack,Unthinkable: Iran, the Bomb, and American Strategy, (New York: Simon & Schuster, 2013)

يدافع كينيث بولاك، محلل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية السابق،‮ ‬والذي يعمل حاليا بمؤسسة بروكينجز، في كتابه الجديد عن استراتيجية‮ "‬احتواء‮" ‬إيران كبديل عن المواجهة العسكرية‮

وتنبع أهمية الكتاب من لقاءات بولاك بعدد من المسئولين السابقين والبارزين في الحكومة الأمريكية،‮ ‬وخبراء في الشئون الإيرانية في عام‮ ‬2012‮ ‬بمعهد بروكينجز،‮ ‬خلال المشاركة في محاكاة الأزمة الأمريكية‮ - ‬الإيرانية‮.‬

استراتيجية احتواء إيران‮:‬

يستهل بولاك كتابه بعدد من الأسئلة،‮ ‬مفادها‮: ‬هل اقتربنا من إيران النووية؟،‮ ‬ماذا يعني ذلك للسياسة الخارجية الأمريكية؟،‮ ‬كيف وصلنا لهذه النقطة الفاصلة؟،‮ ‬وماذا علينا فعله الآن‮. ‬ويؤكد الكاتب أن الصراع الأمريكي‮ -  ‬الإيراني يعد إحدى المشكلات المستعصية في النظام الدولي،‮ ‬خاصة مع سعي طهران نحو الحصول علي الأسلحة النووية،‮ ‬وتطوير قدراتها النووية‮.‬

ومن ثم،‮ ‬فإن استراتيجية‮ "‬الاحتواء‮" ‬لإيران هي البديل المفضل عن المواجهة العسكرية، حيث تكمن الخطورة،‮ ‬وفقا لبولاك،‮ ‬في حقيقة،‮ ‬مفادها أنه مع الإجراء العسكري ستظل واشنطن‮ ‬غير قادرة عن وقف برنامج إيران النووي، وسوف تجد بدلا من ذلك دولة‮ ‬غاضبة لا قيد عليها،‮ ‬وتملك سلاحا نوويا،‮ ‬وما تريده واشنطن،‮ ‬وفقا لبولاك،‮ ‬هو صورة صارمة بل وعنيفة من الاحتواء،‮ ‬تشتمل علي ضغوط هائلة علي النظام من خلال أعمال خفية،‮ ‬وحرب إلكترونية،‮ ‬وغيرها من الوسائل، للتعجيل بنهاية الجمهورية الإسلامية،‮ ‬وكذلك حماية حلفائها‮. ‬

وبالتالي،‮ ‬يكمن الحل في المشاركة النشطة للغاية للولايات المتحدة في تأمين الخليج،‮ ‬وهذا لا يعني وجود أعداد كبيرة من القوات الأمريكية علي الأرض‮.‬ بل يؤكد بولاك أن الوجود الأمريكي القائم حاليا أكثر ملاءمة للتعامل مع إيران،‮ ‬حتى وإن كانت نووية‮.
‬لكن ذلك يتطلب من الولايات المتحدة أن تصبح أكثر مشاركة، وبالتالي فالاحتواء مشروط ‮بانتهاج واشنطن لسياسة جديدة. ‬فلا يمكنها القيادة من الخلف، ولا يمكنها اتباع سياسة عدم التدخل‮. ‬في أي مرة تبدأ فيها إيران بتهديد أي دولة في منطقة الجوار،‮ ‬سيكون عليها التدخل سريعا،‮ ‬وتحويلها إلى أزمة بين أمريكا وإيران‮.‬

أيديولوجيا الشهادة والمواجهة الوجودية‮:‬

يشير بولاك إلى أنه علي مدي دراسته المتعمقة للتاريخ السياسي الحديث،‮ ‬لم ترغب أي دولة في المخاطرة بخوض حرب نووية‮. ‬ويقول إذا كانت إيران تريد اختبار خطوط واشنطن الحمر، فإنها‮ - ‬في حال إدراكها تجاوز تلك الحدود‮ - ‬تتراجع سريعا‮.‬ وعليه،‮ ‬فإن على الأمريكيين توخي الحذر حقا مع إيران‮. ‬ويقدم في سبيل ذلك جميع الافتراضات بناء على الاستدلال، لذلك يعتمد بحثه على السلوك الفعلي للنظام‮.‬ فعندما تستطيع اكتشاف شيء عن النية الكامنة خلف هذا السلوك، تجد أحيانا أن النية معقدة للغاية،‮ ‬أو أنهم ينظرون إلى الأمور بطرق لا تفهمها جيدا‮.‬

وفيما يتعلق بالسلوك المستقبلي، يطرح الكاتب تساؤلا مفاده‮: ‬ما احتمالية أن تسلك إيران على نحو مفاجئ اتجاها آخر يتناقض تماما مع الاتجاه الذي تسير فيه منذ عام‮ ‬1979؟ وفي رأيه من الواضح أن هذا ممكن،‮ ‬لكنه‮ ‬غير مرجح‮.‬ فإذا كانت إيران سوف تسلك اتجاها‮ ‬غير متوقع، فسوف يكون ذلك المسار على الأرجح إيجابيا للغاية،‮ ‬حيث ستكون الغلبة بطريقة ما للأصوات الكثيرة الراغبة في أن تصبح إيران أقل تعصبا لأيديولوجيتها،‮ ‬وأكثر اندماجا مع بقية العالم،‮ ‬وعلى علاقات جيدة مع دول الجوار والمجتمع الدولي‮.‬

وعليه،‮ ‬ووفقا لبولاك،‮ ‬فقد قرر الرئيس الأمريكي أوباما اعتماد الخيار الواقعي للتعامل مع إيران، وربما بتعاون مستتر مع بوتين، وهو تعاون تجلت أولي صوره في اتفاق الكيميائي السوري،‮ ‬وتوصل مجلس الأمن الدولي لأول مرة منذ أكثر من سنتين إلى إجماع حول سوريا، لأن البديل هو ضرب البنية التحتية النووية الإيرانية،‮ ‬واستفزاز حرب شاملة قد تؤدي إلى اجتياح جديد لأراضي دولة إسلامية،‮ ‬ستكون الثالثة بعد أفغانستان والعراق،‮ ‬وهو ما لا يريده الأمريكيون لتكلفته الباهظة،‮ ‬وهو ما ينقل القارئ للجزء الثاني من الكتاب الحالي،‮ ‬والخاص بسوريا‮.‬

التصعيد ضد سوريا لتقويض إيران‮:‬

يشير بولاك في القسم الثاني من كتابه إلى أن الولايات المتحدة ليست في حاجة إلى ضرب سوريا من أجل التأثير في إيران‮. ‬وكذا،‮ ‬فإنه من‮ ‬غير الملائم الدفع بوجهة نظر،‮ ‬مفادها أن التأثير المعنوي لمثل هذا الدفع‮  ‬قوي أو مباشر،‮ ‬كما يدعي كثير من مناصريه‮. ‬حيث يفترض هذا المنطق أيضا أن الإيرانيين يفكرون مثل الأمريكيين، وسوف يفسرون ما تفعله في سوريا بالطريقة التي تتطلب منهم أن يفسروه بها‮. ‬يعتقد الإيرانيون أنهم أهم وأقوي كثيرا من السوريين‮.‬

أما الأمريكيون،‮ ‬فيعتقدون أنهم أهم وأقوي بكثير من السوريين‮. ‬لذلك،‮ ‬يمكن أن يفكر الإيرانيون بسهولة في أن أي شيء تقوم به الولايات المتحدة ضد سوريا لن يتم اتباعه في التعامل معهم‮. ‬ومن الواضح جليا أن خامنئي والمتشددين قرروا بقاء إيران مع سوريا‮.

ولكن من الواضح أيضا أن الإيرانيين لا يرغبون في محاربة الولايات المتحدة بسبب سوريا‮.‬ فالإيرانيون لديهم الأهم من ذلك، وهم يحترسون بشدة من التورط في صراع مع الولايات المتحدة، فهم يقدرون كثيرا القوة العسكرية الأمريكية،‮ ‬وربما يشعرون بالقلق من أن الولايات المتحدة تسعي إلى فرصة لتدمير برنامج إيران النووي‮.‬

وعليه،‮ ‬لا يعتقد بولاك بأن الإيرانيين يريدون منح مثل هذه الفرصة لواشنطن، غير أنه ليس من المستحيل أن يقرر الإيرانيون حاجتهم إلى اتخاذ إجراء كرد فعل على أي عملية عسكرية أمريكية‮. ‬وفي هذه الحالة، من المحتمل أن تتسبب المواجهة بين أمريكا وسوريا في مواجهة بين أمريكا وإيران‮.‬

وينهي بولاك عرضه بتوضيح وتقييم الخيارات المتاحة أمام صناع السياسة الخارجية الأمريكية، والتي تتمثل في مضاعفة الجهود الأمريكية في نهج الجزرة والعصا التي تجمع بين المفاوضات والعقوبات، ومساعدة المعارضة الإيرانية لإحداث شكل شعبي نحو تغيير النظام، وتوجيه ضربة عسكرية إسرائيلية، والخيار العسكري الأمريكي، وأخيرا احتواء إيران النووية

ويؤكد أن الخيارات السابقة هي الخيارات المطروحة فقط أمام صناع السياسة الخارجية الأمريكية في الوقت الراهن لاتباع أحدها بحسب الموقف،‮ ‬والظروف على الأرض،‮ ‬وليس وفقا لأهواء واضعي وصانعي السياسة الخارجية، حتى لا ينتج عن ذلك أضرار لا يمكن التنبؤ بحجمها‮.
‬ويشير إلى أن إيران تمكنت‮ - ‬وفق ما كشف عنه التقرير السنوي لمعهد الدراسات الاستراتيجية في لندن‮ -‬ من زيادة مخزونها من إليورانيوم المنخفض التخصيب حتى منتصف‮ ‬2013‭.‬‮ ‬وبحلول مايو الماضي،‮ ‬أنتجت‮ ‬960.8‮ ‬كيلوجرام من اليورانيوم المنخفض التخصيب بنسبة نقاء تتراوح ما بين‮ ‬5.3‮ ‬و‮ ‬5٪، وقد استهلك أكثر من ربع هذه الكمية لإنتاج‮ ‬324‮ ‬كيلوجراما من اليورانيوم المخصب بنسبة نقاء ‮91.5 ٪،‮ ‬وهي كمية تكفي لصنع ست قنابل نووية،‮ ‬إذا ما تمت زيادة نسبة التخصيب‮.‬
 


رابط دائم: