بريطانيا و«الإخوان» كمنظمة إرهابية
16-2-2014

د. سالم حميد
* كاتب إماراتي
سقطت آخر أوراق التوت عن الحكومة البريطانية بإعلان وزارة خارجيتها عدم استطاعتها إدراج جماعة «الإخوان» ضمن لائحة المنظمات الإرهابية وفقاً للقانون البريطاني، والتي تضم حالياً 52 منظمة منها، «الجماعة الإسلامية» في مصر، إلا في ضوء الحوار والتشاور مع الشركاء الأوروبيين، وفي إطار جماعي لدول الاتحاد الأوروبي وليس قراراً منفرداً. ومع احترامنا الكامل للقانون البريطاني، وقوانين كل الدول، إلا أن الدكتور مصطفى الفقي، المفكر السياسي والرئيس السابق للجامعة المصرية البريطانية في مصر، والتي وجهت الدعوة للوفد البرلماني البريطاني لزيارة مصر، أكّد أن «بريطانيا لن تتخذ هذا القرار إلا بعد وجود ضوء أخضر من الولايات المتحدة الأميركية، وأن المبررات التي تسوقها الخارجية البريطانية غير مقنعة، خاصة أن قانون الإرهاب البريطاني الصادر عام 2000 يسري على جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية»، وهو رأي منطقي لا يختلف عليه اثنان، لكن الأمر الذي استغربه الكثيرون هو مواقف بريطانيا التاريخية من تنظيم الإخوان المتأسلمين، وادّعائها بأن قرارات من هذا النوع لا تتم بغير التشاور والحوار مع دول الاتحاد الأوروبي، ناسية أنها اتّخذت قرارها بالحرب في أفغانستان والعراق دون هذا الاتحاد، واتخذت موقفها من إيران بعيداً عن هذا الاتحاد، وتدخلت في العراق قبل موافقة الاتحاد الأوروبي، وكان موقفها حيال سوريا بعيداً كل البعد عن وجهة نظر الاتحاد الأوروبي، فلماذا تذرّعت به الآن حينما بلغ السيل زُبى التنظيم الإخواني المتأسلم؟! فالتنظيم كان بالأساس مولوداً شرعياً من رحم الاستخبارات البريطانية التي صنعته ليكون مصادماً للثورات التحررية والتحريرية التي نشأت في مصر، وهدفت لطرد المستعمر البريطاني منها، وقياساً على الخدمات العسيرة والكبيرة التي قدّمتها الجماعة لبريطانيا فيما بعد، تتضح عرى العلاقة بين الاثنين، فنهاية الإخوان المتأسلمين تعني فتح ملفات الأسرار الاستخباراتية البريطانية عبر تاريخها الطويل، وبريطانيا التي أنجبت التنظيم الإخواني المتأسلم بمصر، وربّته على يديها، تعلم جيداً أنها ربّت قادته على عدم الوفاء بالعهود، وعدم ترددهم في فضح كل الأسرار حال إحساسهم بالوحدة والعزلة، لذلك فهي دائماً تقف إلى جانبهم في أكثر من مناسبة، حتى بعد أن تخلصت من أعباء إعالتهم بعدما تعهدتهم عنها الاستخبارات الأميركية، ومكّنتهم من هندسة علاقات مريبة مع عدد من أجهزة الاستخبارات الغربية، فقد وقفت بريطانيا بسلبية واضحة من أحداث الجحيم العربي، وتخلّت عن أقوى حلفائها لمصلحة الإخوان المتأسلمين، وأمدتهم بمختلف الأسلحة التي تمكنوا عبرها من زعزعة المنطقة، وخلق حالة من عدم الاستقرار فيها.
 
وبلغ الأمر ببريطانيا لترضية جماعة «الإخوان»، أن أبلغت وزارة خارجيتها، السفارة المصرية في لندن مؤخراً بأن قرار الحكومة المصرية باعتبار جماعة «الإخوان» منظمة إرهابية، لا يعني قيام بريطانيا بإدراجها على لائحة المنظمات الإرهابية، متجاهلةً ومتنكرةً لكل البروتوكولات والعهود الموقعة بين الدولتين، فالمملكة المتحدة تنظر للتنظيم الإخواني كجماعة سياسية، ولهذا الاعتبار تبعات تحتّم على الدولة المصرية تحقيق الكثير من الاستحقاقات، وتعرّضها للعقوبات حال عدم الوفاء بها، ولابد لها إن أرادت الحفاظ على المصالح المشتركة، من إشراك تنظيم الإخوان المتأسلمين في العمل السياسي الدائر على أرض مصر، حسب مفهوم الخارجية البريطانية، ما يعد تدخلا سافراً في السياسة الداخلية لمصر، وعدم احترام قوانينها، وإرادة شعبها الذي صوت بنسبة حقيقية غير مسبوقة على الدستور الجديد، كما أعطى تأييداً كبيراً للقانون الذي تم بموجبه تجريم التنظيم الإخواني المتأسلم، وإدراجه ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية... وكأنما بريطانيا لا تتابع وسائل الإعلام، بما فيها وسائل إعلامها الرسمية، التي تنقل في كل يوم صوراً مأسوية لتحدّي الإخوان المتأسلمين إرادة الشعب، وتنقل باستمرار صور جثث أفراد الشرطة، والتفجيرات التي طالت أبرياء لا ناقة لهم ولا جمل في كل الأحداث، وتجبر الطلبة المراهقين، وأيضاً القصّر على إحداث فوضى يومية بهدف تعطيل عجلة الحياة في البلاد، إضافة لمعلوماتها الاستخبارية التي نقلت لها دون شك كل أفعال الإرهاب والترهيب الإخواني، ومحاولته التمدد إلى دول أخرى، وإحداث الفتنة والقلاقل في المنطقة عموماً، وكأنما صنّاع القرار البريطاني لم يسمعوا بالإرهاب الاقتصادي في دول «الإخوان»، ولا الفتن والحروب الأهلية التي درجوا على إشعالها أينما وجدوا، وكأنهم أيضاً لم يسمعوا عن الاغتصابات التي تمت في ميادين مصر، ولا الإعدامات الفظيعة التي تناقلتها وسائل الإعلام، وحفظتها مواقع الإنترنت، لكل من وقع بين أيديهم من مخالفيهم في مختلف مناطق تواجدهم خاصة أفغانستان وسوريا والعراق، وكأنهم أيضاً لم يعلموا بتكدس من يٌطلق عليهم الجهاديين من الفصائل الإخوانية المقاتلة والمتقاتلة في سوريا والعراق واليمن والسودان وغزة وليبيا وغيرها من الدول التي خلق فيها «الإخوان» حالة الانفلات الأمني العام لينعموا بالبقاء فيها، والسيطرة على شئونها متى تمكنوا من ذلك، فالأدلة الدامغة على ارتباط الجماعة الإخوانية بالإرهاب لا تحتاج لتفكير أو عناء، ويكفي أن نلقي نظرة سريعة على أية بقعة يتواجد فيها التنظيم الإخواني أو يتولى زمام أمورها، لنجدها تشتعل فقراً وحروباً وانفلاتاً أمنياً، وتحدياً لإرادة المجتمع، وأخونة كل مفاصل الحياة، والتضييق على المعارضين، واستخدام كافة صنوف الإرهاب المجتمعي والفئوي والنفسي، غير أن الإمبراطورية العظمى التي كانت لا تغيب عنها الشمس لكثرة مستعمراتها، لم تترك مستعمراتها يتيمة عندما أجبرتها الشعوب على القبول بغروب شمس الأمس، فتركت الإخوان المتأسلمين بعدما أتقنت صناعتهم، وبعدما أوجدت لهم شعبية تحميهم، وبعدما تمكنت من فرض وجودهم في مختلف الدول ليكونوا العين الساهرة على مصالحها، والحامي الأول لنفوذها، والمنفّذ الأصلح لكافة مخططاتها المعروفة في المنطقة، ومنحتهم شرعية إقامة المنظمات التي تهاجم شعوبها ودولها من داخل عاصمة الضباب، وطوّعت لمصلحتهم مختلف التّهم التي طالت محاربيهم تحت مسمى الإرهاب الذي يحمل معنى مختلفاً ومضاداً حينما يتعلق الأمر بدولة من دول المنطقة، خاصة الدول الرافضة للتنظيم الإخواني المدلل، لذلك ليس من المتوقع أن تقوم بريطانيا بالتفريط في الجماعة، حتى ولو كان ثمن التّمسّك بها هو فقدان العلاقة مع كامل الشعب المصري، بل مع كل شعوب المنطقة، والأنكى من ذلك وفي تحدٍ استفزازي للشعب المصري، قالت بريطانيا إنها «تعتبر تنظيم الإخوان تنظيماً سياسياً»، وكأنما اعتبارها هذا سيجعل الشعب المصري يعيد حمل الرئيس المخلوع محمد مرسي العياط على الأكتاف إلى كرسي السلطة لأن المملكة العظمى التي لا يعلو رأي على رأيها، أرادت للتنظيم الذي رعته لقرابة قرن أن لا يكون إرهابياً، فالإرهابي في نظرها هو كل شعب يحارب الإخوان!
 
وتزامن القرار البريطاني مع زيارة وفد مجلس العموم واللوردات الذي زار مصر مؤخراً وأجرى سلسلة من اللقاءات مع كبار المسؤولين المصريين في حوار حول هذا الموضوع وضرورة مساندة بريطانيا لحرب مصر على الإرهاب، خاصة أن تصاعد الأعمال الإرهابية في مصر سيؤثر في المصالح البريطانية، غير أن مصلحة بريطانيا في وجود «الإخوان» تتقدم كل المصالح الأخرى.
 
-----------------------------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الأحد، 16/2/2014.

رابط دائم: