كيف سيواجه الرئيس الأزمة المركبة؟
6-2-2014

السيد يسين
* مفكر سياسي مصري، ومستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام.
نتحدث عن رئيس الجمهورية القادم الذي ستسفر عنه الانتخابات القادمة أياً كان شخصه، ونتساءل كيف سيواجه الأزمة المركبة التي تواجه المجتمع المصري في الآونة الراهنة؟
 
وقبل أن نحاول الإجابة على السؤال علينا أن نقرر أن الرئيس القادم -وهناك احتمالات قوية لكى يكون المشير «السيسي» لو قرر نزول ساحة الانتخابات- أمامه مهمة جسيمة، وذلك على الرغم من شعبيته الجارفة. وهي أنه بعد الاحتفالات الصاخبة بالنصر باعتباره بطلاً شعبياً عليه أن يبدأ في اليوم التالي لانتخابه بالعمل الجاد لتنفيذ البرنامج الذي طرحه على الشعب.
أما لو كان الرئيس غير المشير «السيسي» -وإن كان احتمالاً بعيداً- فإن مهمته ستكون أصعب، لأنه لن يستطيع أن يحظى بالشعبية التي يتمتع بها السيسي في الوقت الراهن، وقد تكون قدراته محدودة في تحقيق التوافق السياسي المطلوب لإدارة شؤون البلاد.
 
ولكن يثور هنا سؤال مهم ما هي الأزمة المركبة التي ستواجه الرئيس المنتخب وعليه أن يتصدى لمواجهتها؟
 
لقد سبق لي في مقالي الماضي «اغتراب المهاجر» الذي نشر في 29 يناير أن دخلت في حوار مسؤول مع أحد قرائي الكرام وهو الدكتور «علي فرج» أستاذ الهندسة بجامعة «لويزفيل» بالولايات المتحدة الأميركية حول تقييم حكم جماعة الإخوان المسلمين. وأنا انطلقت – باعتباري باحثاً علمياً في المقام الأول- من مؤشرات كيفية وتثبت أن حكم هذه الجماعة الذي جاء نتيجة انتخابات استوفت الشكل الديموقراطي تحول في الممارسة إلى ديكتاتورية صريحة بعد الإعلان الدستوري الباطل الذي أصدره الرئيس المعزول «محمد مرسي» وأعلن نفسه فيه ديكتاتوراً مطلق السراح. أما الدكتور «علي فرج»- ورغم كونه أستاذاً جامعياً مرموقاً- إلا أنه أقل ما يوصف به متعاطف بشدة مع جماعة الإخوان المسلمين، لدرجة أنه ينكر الوقائع الثابتة ويبرر كل الأخطاء التي وصلت لحد الخطايا التي ارتكبها المرشد وجماعته، والدكتور «مرسي» وحزبه «الحرية والعدالة».
 
وقد تنوعت تعليقات القراء على هذه «المناظرة» بين مؤيد ومعارض. إلا أنه لفت نظري بشدة تعليق مهم للأستاذ «ماهر زريق» ذكر فيه أنه لا يجد أي فائدة من هذا الحوار/ الجدال الذي دار بيني وبين الدكتور «علي فرج» لأنه في أحسن الأحوال لا جديد فيه.
 
وأضاف فقرة مهمة وهي «البلد في أشد الاحتياج لتركيز عميق ومستديم في اتجاه البوصلة، واتجاه البوصلة هو حلّ المعضلة. والمعضلة هي تلك التركيبة الجهنمية من مشاكل عميقة ومزمنة ومقترنة في أهم وربما كل أبعاد التقدم والتي لم يواجه هذا البلد مثيلاً لها في تاريخه الحديث ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وتعليمياً وعلمياً وزراعياً وصناعياً وبيئياً وصحياً...».
 
والرسالة الواضحة في هذا التعليق المهم مبناها أنه آن أوان التوقف عن الخلافات السياسية حول الماضي القريب، ولنشرع على الفور في مواجهة الحاضر المتأزم سعياً وراء الحل الجذري للمشكلات المتعاقبة والتي أطلق عليها «التركيبة الجهنمية»، لأنها تشمل في الواقع كل مناحي الحياة بلا استثناء. ومعنى ذلك إعادة صياغة أسلوب الحياة في المجتمع المصري بالكامل من أول تجديد المؤسسات وفق رؤى عصرية مدروسة لتكون فعالة، إلى بعث الدافعية في سلوك المصريين عن طريق التغيير الإيجابي المخطط لملامح الشخصية المصرية التي سادتها في الحقبة الأخيرة بعد 25 يناير، وما شهدته من فوضوية وانفلات سياسي وسلوكي وأمني وتدهور القيم.
 
والواقع أن مصر لا تنفرد من بين دول «الربيع العربي» بهذه السلبيات الواضحة بل إنها موجودة أيضاً في تونس وفي ليبيا على نحو أخطر بكثير بحكم سيادة القبلية وانفلات الميليشيات العسكرية.
 
ويؤكد ذلك أن بعض الباحثين الغربيين الثقات، وعلى رأسهم الخبير الاستراتيجي الأميركي المعروف «أنتوني كوردسمان» لم يكتفوا بالإشارة إلى هذه السلبيات المعوقة للتقدم في البلاد العربية، وإنما نشروا دراسات تحليلية مهمة تعتمد على المؤشرات الكمية في إثبات تدهور مستوى الحياة، والذي يحتاج إلى جهود مخططة ومكثفة لوقفه أولاً وللارتقاء بنوعية الحياة ثانياً، حتى تتماشى مع المعايير السائدة في المجتمعات المتقدمة.
 
وقد نشر «كوردسمان» بحثاً بالغ الأهمية عنوانه «أسباب عدم الاستقرار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: مسح تحليلي» وجعل شعاره الموجه لقادة بلاد هذه المنطقة «ركزوا على شكاوى المواطنين الحادة وتعاملوا معها بكفاءة».
 
ومن وجهة نظره أنه لابد من إعداد المسرح لمواجهة قادة هذه البلاد لهذه المشكلات المزمنة، ونقطة البداية هي رسم خريطة لمعالم المشكلة. وأبرز هذه الملامح أن عدداً من المشكلات الجوهرية التي تواجه المجتمعات العربية هي خارجة عن سيطرة الحكومات وأهمها على الإطلاق المعدلات السكانية، بالإضافة إلى المواريث التاريخية التي خلقت بؤراً متعددة للتخلف.
 
ويلفت «كوردسمان» النظر إلى أن الخبراء يختلفون اختلافات عميقة حول الوزن النسبي لكل مشكلة من هذه المشكلات. وليس هذا غريباً نظراً لتعقد وتشابك المشكلات. ويكفي أن نشير إلى أن نسبة الأمية في مصر 40% من عدد السكان، وهذه الحقيقة كارثة بكل المقاييس لأن آثارها السلبية تمتد إلى كل ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية. فإذا أضفنا إلى ذلك أن من هم تحت خط الفقر يبلغ عددهم 26 مليون مواطن، وإذا نظرنا من ناحية أخرى إلى الملايين من المواطنين الذين يقطنون في المناطق العشوائية بكل ما يترتب على ذلك من تدهور حياتي لأدركنا أن تشابك هذه المشكلات وحدتها تتحدى قدرة صانع القرار، ناهيك عن تدهور مستوى التعليم، وارتفاع معدلات البطالة وخصوصاً بين الشباب، وتدهور مستوى القوى البشرية، وضعف العائد من الإنفاق على البحث العلمي، والاعتماد على الخارج في استيراد التكنولوجيا بل والمعرفة في كل جوانبها لأدركنا أننا في حاجة إلى ثورة شاملة لكي نخرج من دائرة هذا التخلف المزمن. غير أن هذه الثورة لن تنجح أبداً إذا ما ألقى الشعب المسؤولية على عاتق رئيس الجمهورية المنتخب حتى لو كان في شعبية «السيسي».
 
لأن رئيس الجمهورية مهما كانت قدراته لن يستطيع أن يعمل بمفرده، وإنما لابد له من فريق رئاسي على أعلى مستوى، وهو مضطر إلى أن يتعامل مع ما ستفرزه الانتخابات البرلمانية من مجلس نواب يفترض أن يرقى أعضاؤه إلى حجم التحديات الخطيرة التي تواجه البلاد في الوقت الراهن. غير أن المهمة الأولى التي ستقع على عاتق الرئيس المنتخب ستكون هي أن يقدم تقريراً متكاملاً للشعب يشخص فيه المشكلات تشخيصاً دقيقاً، وعليه أن يعمل منذ اللحظة الأولى على مكاشفة الناس بأنه وفقاً للغة التخطيط هناك مشكلات يمكن حلها في المدى القصير، وأخرى يمكن حلها على المدى المتوسط، ومشكلات ثالثة لن تحل إطلاقاً إلا على المدى الطويل. وعليه أن ينظم حواراً مجتمعياً حول رؤية استراتيجية لمصر حتى تلتزم بها الوزارات التي ستتولى التنفيذ.
 
ليس هناك طريقة للعبور إلى التقدم إلا بالتخطيط الطويل المدى والحسم في اتخاذ القرار والجهود الرسمية والشعبية التي ينبغي أن تتكاتف لتحقيق التقدم المتواصل.
 
----------------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الخميس، 6/2/2014.

رابط دائم: