الدستور وأخطاء “الإخوان”
27-1-2014

عبد الاله بلقزيز
*
ليس مؤكداً، تماماً، ما أشيع من أن شباب الثورة وسلفيي الإسكندرية و"حزب النور" امتنعوا عن المشاركة في التصويت على الدستور المصري، أو شاركوا في الاستفتاء عليه مشاركة هزيلة أو متواضعة، ذلك أن القدرة على رصد ذلك ضعيفة، والشواهد على "النازلة" متباينة . ولكن إن صح ما أشيع من أنباء عن ذلك، فإن معناه الوحيد أن نسبة المؤيدين للدستور أعلى بكثير من نسبة المشاركة في الاستفتاء، لأن شباب الثورة و"حزب النور" هم حكماً من جمهور ثورة الثلاثين من يونيو وخريطة المستقبل المعلنة في الثالث من يوليو 2013 - وبالتالي - هم في حكم المؤيدين للدستور .
 
إن تركنا جانباً هذه الجزئية التي لا تغير كثيراً في المشهد، سنلقى أنفسنا أمام حقائق جديدة أطلقها حدث الاستفتاء على الدستور تتجاوز مجرد ما يقوله الاقتراع من مشاركة كثيفة للنساء، أو من سيطرة ناجحة لأجهزة الدولة على الوضع الأمني في البلاد أثناء عملية الاستفتاء، وتأمينها مراكز الاقتراع تأميناً ناجعاً . ومن أهم هذه الحقائق اثنتان:
 
أولاهما نسبة المشاركة في الاستفتاء على الدستور، وهي - رغم كل ما يقال عنها - الأعلى في تاريخ الاستفتاءات على الدستور في مصر . وهي إذا كانت تعبر، في وجه منها، عن مساحة القوى الاجتماعية والسياسية المؤيدة للوثيقة الدستورية الجديدة المتوافق عليها، فهي تعبر في وجه ثان منها، عن هزيمة شعار المقاطعة الذي حملته جماعة "الإخوان المسلمين"، وحمله معها ما يعرف باسم "تحالف دعم الشرعية" المتحالف معها . ولا يغير من حقيقة هذه النسبة طعن "الإخوان" فيها، لأنه طعن سياسي يبتغي التغطية على هزيمة شعار المقاطعة هزيمة بيّنة لا غبار عليها .
 
وثانيتهما، أن الاستفتاء على الدستور بهذه النسبة العالية من المشاركة، وبالنسبة الأعلى من التأييد والموافقة، سيدشن مسلسل إعادة بناء المؤسسات السياسية للدولة، من خلال انتخابات الرئاسة والانتخابات التشريعية القادمة . وهذا إنما يعني أن برنامج "خريطة المستقبل" دخل حيز الإخراج التنفيذي، بعد أن تجاوز عقدتين: عقدة الأمن الاجتماعي المستباح، طويلاً، من قِبل "الجماعة" وحلفائها، وعقدة التوافق على دستور بين قوى متباينة الخيارات . هكذا تكون "الأزمة المصرية" التي أنتجها حكم "الإخوان" وأخطاؤهم اللامحدودة في إدارة الدولة، قد انفرجت أو دخلت أطوار الانفراج، وفتحت الطريق أمام خروج آمن من اضطرابات، وصعوبات، المرحلة الانتقالية التي أعقبت ثورة الثلاثين من يونيو، نحو إعادة بناء مؤسسات الدولة، والتأسيس للانتقال الديمقراطي .
 
على أن المفارقة الكبرى في موضوع جماعة "الإخوان المسلمين"، وعلاقتها ب"الاستحقاق" الدستوري الأخير وبما سيترتب عنه من مسار سياسي، إنما تكمن (أي المفارقة) في أن الوثيقة الدستورية المتوافق عليها أخذت في الحسبان مطالب "الإخوان" الدستورية، وترجمتها أحكاماً ومواد حتى من دون مشاركتهم في الصياغة في "لجنة الخمسين"، في الوقت عينه الذي لن يكون في وسع "الإخوان" فيه أن يشاركوا في مسلسل بناء المؤسسات على قاعدة الدستور الجديد لأنهم استثنوا أنفسهم بمحض اختيارهم قبل حظر جماعتهم! وهذه مفارقة كبيرة في علاقة "الإخوان" بالدولة وبالحياة السياسية في البلاد .
 
لن يكون في وسع "الإخوان" - بعد إقرار الدستور - الادعاء بأن أحداً من قوى "خريطة المستقبل" استبعدهم سياسياً من المشاركة في كتابة الدستور، فالدستور الذي كتب لم يكتب من الصفر، وإنما هو اعتمد دستور عام 2013 الذي وضعه "الإخوان" وحفاؤهم، وهربوه إلى التصويت قبل التوافق عليه، وقبل استدخال مطالب المعارضة و"جبهة الإنقاذ" فيه . والذين كتبوا دستور 2013 2014 لم يجبّوا دستور 2012 ولم يتجاوزوه، وإنما أضافوا إليه ما تجاهله "الإخوان" من مطالب . ولو أن صدر هؤلاء اتسع في عام 2012 لمطالب المعارضة الشريكة معهم في الهيئة التأسيسية، لأمكن لدستور عام 2012 أن يكون توافقياً، وأن يخرج إلى الوجود على شاكلة الدستور الحالي المستفتى عليه . غير أن إرادة احتكار السلطة عند "الإخوان" حالت دون ذلك!
 
أخطأ "الإخوان" حين رفضوا الانضمام إلى برنامج "خريطة المستقبل"، وتمسكوا بمطلب مستحيل المنال بعد ثورة 30 يونيو ("عودة الشرعية") وهم يدفعون اليوم ثمن ذلك الخطأ بحرمان أنفسهم من المشاركة في مسلسل إعادة بناء مؤسسات الدولة، على الرغم من أن الدستور الذي حاولوا الطعن في شرعيته يستوعب مطالبهم . وأكبر الأخطاء الذي أخرجهم من الحياة السياسية هو إقدامهم على تحدي الدولة والمجتمع بممارستهم عنفاً أطاح الأمن والاستقرار، وفتح مستقبل البلاد على المجهول قبل أن تنجح الدولة في إعادة الإمساك بالأوضاع .
 
---------------------------------
* نقلا عن دار الخليج، الإثنين، 27/1/2014

رابط دائم: