التقارب الخليجي الإيراني... ما له وما عليه
9-12-2013

د. سلطان محمد النعيمي
* أكاديمي إماراتي
تأتي التحركات الدبلوماسية لحكومة روحاني في الآونة الأخيرة بدءاً من مساعيها لترطيب الأجواء مع الجوار الخليجي، مروراً بالتصريحات الإيجابية لوزير الخارجية الإيراني، وانتهاءً بالجولة الخليجية لهذا الأخير إلى عدد من العواصم الخليجية، لتعيد الوعود التي قطعها روحاني على نفسه إلى الواجهة من جديد والمتمثلة في تعزيز علاقات الصداقة مع جميع دول الجوار وخاصة دول الخليج العربي بوصفها من أولويات السياسة الخارجية لحكومته.
 
هذا الانفتاح الذي تبديه حكومة روحاني، لا يعتبر في حقيقة الأمر سابقة في حد ذاته في السياسة الخارجية لإيران. فحكومة الرئيس السابق محمد خاتمي سارت على نفس هذا النهج من الانفتاح على دول الخليج وما لبثت أن تكسرت أمواج ذلك الانفتاح أمام راديكالية حكومة أحمدي نجاد التي أعادت التوترات بين دول الخليج العربي وإيران من جديد.
 
 
 
 
 
ومن هذا المنطلق فإننا نلتمس العذر لأولئك المتشائمين الذين لا يجدون نفعاً في الخطوات التي تقوم بها حكومة روحاني على اعتبار أنها لن تدوم طويلاً وسرعان ما سيتغير النهج.
من هنا يُطرح السؤال، هل نسلم بهذا الأمر ونعتبر أي خطوة قادمة من إيران لا جدوى منها، أم أن الأمر مبالغ فيه ومتأثر بفترات سابقة، ربما تكون الظروف قد تغيرت، وتؤدي بدورها إلى ظهور انفراجة؟
 
يقول ظريف في إحدى تغريداته «مشتركاتنا مع دول المنطقة أكثر من خلافاتنا». وأدعو القارئ هنا أن ننطلق في تحليلنا من حيث انتهت تغريدة وزير الخارجية الإيراني.
 
بداية وبالنظر إلى القواسم المشتركة بين دول الخليج العربي وإيران، فإن العلاقات التاريخية، والجوار الجغرافي والتبادل التجاري، وغيرها من تلك القواسم، تؤكد ما ذهب إليه ظريف. فالمشتركات بين دول الخليج وإيران والتي تضرب بجذورها إلى أقدم الأزمنة، ظلت على الدوام داعماً لأي تحرك إيجابي من شأنه أن يساعد الحكومة الإيرانية للتعامل إيجابياً مع دول الخليج.
 
على الجانب الآخر من تغريدة وزير الخارجية الإيراني، هناك خلافات ولكنها أقل بكثير من القواسم المشتركة بين إيران ودول الخليج العربي كما يرى ظريف. النظرة التفاؤلية لوزير الخارجية الإيراني لاشك أنها أمر إيجابي، غير أنه في الوقت ذاته يحتم الأمر إسقاط تلك النظرة التفاؤلية على الشواهد الموجودة حالياً لمعرفة مدى واقعية تلك النظرة.
 
ولنبدأ بمملكة البحرين التي ظلت على الدوام تؤكد على حسن الجوار وعلى السعي لخلق علاقات طبيعية مع الجار الإيراني وفق الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. والنتيجة تدخل سافر من النظام الإيراني في شؤون مملكة البحرين وتوظيف إعلامي يساهم في تأجيج الوضع الداخلي، ومطالبات واهية من بعض المسؤولين الإيرانيين بضم البحرين لإيران بوصفها جزءاً منها كما يدعي أولئك. وتأتي قوات "درع الجزيرة" المتواجدة في البحرين لتوصف بالقوات المحتلة من قبل النظام الإيراني.
 
«مشتركاتنا مع دول المنطقة أكثر من خلافاتنا»، فإذا كان الأمر على هذه الشاكلة فلماذا لم يتوقف ظريف في زيارته لدول الخليج في البحرين، أو يعرب عن رغبته في ذلك؟
 
وإذا انتقلنا مع القارئ إلى قضية الجزر الإماراتية المحتلة، فسياسة دولة الإمارات واضحة ولم تتغير. سياسة قائمة على الوصول إلى حل سلمي إما بالحوار المباشر أو الاحتكام إلى محكمة العدل الدولية. وفي المقابل تعنت إيران ورفض لتلك المساعي.
 
«مشتركاتنا مع دول المنطقة أكثر من خلافاتنا». هذه المشتركات لا تجعل قضية الجزر الإماراتية المحتلة مجرد «سوء فهم» واختزالها في جزيرة أبوموسى الإماراتية المحتلة دون جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى.
 
خلايا تجسس يتم إلقاء القبض عليها في عدد من دول الخليج والمؤشرات تؤكد ارتباطها بالنظام الإيراني. التدخل في اليمن وتأجيج الوضع عن طريق دعم الحوثيين، بالإضافة إلى محاولة النظام الإيراني الظهور بوصفه الوصي على شيعة العالم، وبالتالي ظهور احتقان طائفي لدى البعض يؤثر سلباً على الوحدة الوطنية.
 
«مشتركاتنا مع دول المنطقة أكثر من خلافاتنا»، وتأتي مثل هذه الخطوات لتؤجج من الوضع الذي يعمق من الخلافات والتباين.
 
نعم مشتركاتنا كثيرة مع إيران ولكن يظل للخلافات وقعها العميق على ذلك التقارب الذي لا تزيله مجرد تصريحات وزيارات، وإنما لابد من خطوات عملية لتحقيق ذلك التقارب.
 
نعم مشتركاتنا كثيرة غير أن موقع الرئيس الإيراني في مجرة النظام الإيراني، يجعل العديد من تلك التصريحات الإيجابية مصدر تمحيص من دول الخليج، ذلك لأن مؤسسات مؤثرة في إيران من شأنها أن تـُـفرغ تلك التصريحات من محتواها.
 
الإشكالية الحقيقية التي تحول دون الوصول إلى تفاهمات جذرية من شأنها ردم فجوة الخلافات تكمن في منظور النظام الإيراني لإيران ودول الخليج. ففي الوقت الذي ينظر فيه النظام الإيراني إلى إيران بوصفها قوة إقليمية ومؤثرة في المنطقة، يذهب هذا النظام إلى ما هو أبعد من ذلك ليجعل من إيران القوة الإقليمية الوحيدة في المنطقة. وبالتالي تصبح تصريحات جواد ظريف فيما يتعلق بخلق منظومة أمنية مقصورة على دول الخليج مغايرة لما ذهب له. فالمتتبع لتصريحات مسؤولي النظام الإيراني ولاسيما العسكريين منهم يستشف أن هذه المنظومة ستقوم على أن تكون إيران قائدة لها والبقية تابعين.
 
لا شك أن إيران قوة إقليمية مؤثرة، غير أن هذا الأمر لا يجب أن يُغيب وجود دول إقليمية أخرى مؤثرة كذلك مثل المملكة العربية السعودية. وتأتي بقية دول الخليج العربي بوصفها دولاً مؤثرة لديها من الأدوات التي لا تجعلها مجرد دول منقادة من الآخر.
 
قد تكون هناك بعض القضايا التي تحتاج إلى مقاربات بين الطرفين مثل الحالة السورية بما يؤدي إلى وقف حمام الدم هنالك. غير أن هناك قضايا جوهرية لا يوجد سبيل سوى أن يدرك النظام الإيراني أن الاستمرار في هذا النهج لن يؤدي إلى الاستقرار والسلم في المنطقة. فالتدخلات في شؤون دول المنطقة تحت أي غطاء أو مبرر وتأجيج الطائفية وقراءة القضايا العالقة من منظور أحادي، جميعها تصب في خانة استمرار التوتر.
 
دول الخليج العربي وبناءً على نهجها الساعي إلى تحقيق الاستقرار والسلم لن تألو جهداً في تحقيق ذلك، وستبقي الأبواب مفتوحة على حكومة روحاني ووزير خارجيته قادمان بأجندة النظام الإيراني، وليس مجرد توجهات حكومية تعود إلى إيران لتصطدم بمؤسسات تحول دون تحقيق مساعيها.
 
وتظل المشتركات بين دول الخليج العربي وإيران قاعدة أساسية من الممكن توظيفها لردم الفجوات التي تحول دون الوصول إلى تفاهمات تساعد بدورها في تحقيق السلم والاستقرار ونبذ التوتر وبالتالي تحقيق حلم التنمية المستدامة التي تعود بالنفع لشعوب المنطقة.
 
-----------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الإثنين، 9/12/2013

رابط دائم: