قمة الكويت مهدت لعودة الاستثمارات العربية إلى أفريقيا
1-12-2013

هدى الحسيني
*
فكرة عقد مؤتمر قمة عربي - أفريقي جاءت من الرئيس المصري الراحل أنور السادات، وانعقد أول مؤتمر من هذا النوع عام 1977 في القاهرة، ثم مرت 33 سنة قبل أن ينعقد المؤتمر الثاني عام 2010 في سرت، والذي نسفه المضيف العقيد الليبي معمر القذافي بخطابه الذي اتهم فيه يومها العرب بأنهم وراء العبودية في أفريقيا، وأن الدول العربية الغنية كانت تخطف البشر، و«أنا باسم العرب أقدم لكم اعتذاري عن الأعمال المشينة التي قام بها العرب تجاهكم».
 
لم يأخذ الجانب الأفريقي تلك القمة بجد. شعروا بأنهم شهود على مسرحية هزلية لا يرغبون في أن يكونوا جزءا منها. يومها أقدمت الكويت وجالت على الزعماء الأفارقة الموجودين في سرت واقترحت عليهم قمة على مستوى القمم الرفيعة، فوافقوا جميعا لثقتهم في جدية دولة الكويت.
 
جرت العادة في القمم على أن يستحوذ ضيف على أضواء المؤتمر فتتركز الأنظار عليه وعلى تصرفاته وتصريحاته. في القمة العربية - الأفريقية الأخيرة، الذي سرق الأضواء كان المضيف نفسه، أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، الذي استوعبت حكمته وابتسامته وطول باعه كل الزعماء الذين شاركوا في القمة، إذ فاق عدد الوفود 93 وفدا، وأمضى الشيخ صباح يومين في مطار الكويت يستقبل الضيوف، ومن المطار مباشرة إلى ترؤس جلسات المؤتمر والإصغاء بأناة إلى كلمات ألقيت، منها الطويلة ومنها المختصرة. وعندما أعلن عن مبادرته الأولى بتقديم ملياري دولار أميركي كقروض ميسرة للدول الأفريقية على مدى 5 سنوات وللاستثمار وضمان الاستثمار في القارة الأفريقية، جعل هذا الإعلان القادة الأفارقة لا يتوقفون عن التصفيق امتنانا. وفي وقت لوحظ فيه أن الجانب الأفريقي يتطلع إلى استثمارات القطاع الخاص، كان الجانب العربي يتطلع إلى الأمن الغذائي.
 
يرى الجانب الأفريقي أن أفريقيا توفر الكثير من الفرص للاستثمارات، ويعتقد الأفارقة أن قارتهم توفر بيئة صالحة للاستثمار، رغم أن أسئلة كثيرة طرحت عن استعداد المال الخاص للمغامرة في دول تعاني حكوماتها من فساد، وتعاني أوطانها من حروب واضطرابات وإرهاب. كما أن تجارب بعض المستثمرين العرب في بعض الدول الأفريقية بدأت واعدة، وانتهت بأن أغلقوا مكاتبهم وتركوا كل شيء وراءهم (مصنع سكر «كنانة» في السودان، وشركة «زين» للاتصالات رغم الأرباح التي حققتها).
 
يقول مشارك أفريقي: «لقد انتظرت الدول الأفريقية والعربية 33 عاما قبل أن تكرر اجتماعها منذ عام 1977 حتى عام 2010. إلا أن ضرورة التنسيق على مستوى القضايا المشتركة، ورفع مستويات التمثيل لدى المنظمات العالمية، ومناجم الاستثمار في أفريقيا، تجعل العرب متأخرين في الاستثمار في هذه القارة. ثم إن الدور الاقتصادي والتنموي يمهد الطريق لدور سياسي فاعل في المنطقة وفي العالم».
 
وجهة النظر الكويتية أن الاستثمار يجب أن يوجه بفكر جديد، لأن بعض الاستثمارات ذهبت هباء في السابق.
 
وجهة نظر عربية من المؤتمر: «إذا اجتمعت القدرات العربية والإمكانيات الأفريقية فيمكننا أن نبني ما نعبر عنه سياسيا: هم يتضامنون معنا في القضية الفلسطينية ومع قضايانا، ونحن نتضامن في ما يشغلهم. نبني إضافة إلى التشاور ودعم المواقف السياسية، شراكة حقيقية على مستوى التنمية».
 
المعروف أن القروض الميسرة التي تتميز بفترات سداد طويلة، وشروط ميسرة، هي الميزة التي تتمتع بها المؤسسات التنموية العربية مثل الصندوق الكويتي للتنمية، والمصرف العربي للتنمية، والبنك الإسلامي، والصناديق السيادية العربية التي مولت حتى الآن ما يزيد على ثلاثة آلاف و700 مشروع تنموي، فضلا عن المنح التي أعطيت لأفريقيا.
 
في القمة أشار بعض القادة الأفارقة إلى أن دولهم لا تطلب المساعدات، بل تريد استثمارات لديها.
 
كررت القمة أن أهمية أفريقيا أن فيها ثلث الثروات المعدنية الطبيعية في العالم، كما أن لديها ثلث إمكانات الطاقة، ولديها 60 في المائة من الأراضي الزراعية.
 
بالنسبة للاستثمارات هناك حاجة إلى مجموعة من الإجراءات المهمة جدا من أجل تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار. رجال الأعمال يرغبون في بنية ثابتة ومضمونة تسهل وتؤمن عمليات الاستثمار.
 
خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد الصباح مفتتحا القمة، توالت الأسئلة من الصحافيين حول الفساد في بعض الدول الأفريقية، وحول الإرهاب، وكلها أمور تثير مخاوف القطاع الخاص العربي الذي لم يقم حتى الآن باستثمارات كبيرة في أفريقيا، مع العلم بأن «زين» للاتصالات كسبت في أفريقيا صفقة تجاوزت 7 مليارات دولار. وحسبما تردد فإن أفضل مردود لـ«زين» والمساهمين فيها كان من أفريقيا، لكنها خرجت لأسباب متفاوتة.
 
ما ركزت عليه القمة ألا تبقى الاستثمارات مرتكزة على الحكومات وما تقرره. حاولت القمة تشجيع رجال الأعمال في القطاع الخاص، بإعطائهم الفرص عبر قوانين جاذبة، وضمانات تبعث الثقة في نفوسهم بأن أموالهم لن تذهب سدى.
 
الصين من أكبر الدول المستثمرة في أفريقيا، لكن طريقتها تثير حنق الأفارقة، إذ تحمي استثماراتها بوسائل وإمكانيات ووظائف صينية بالكامل. أما أوروبا فإن رجال أعمالها يخاطرون ويستثمرون.
 
وبالنسبة إلى القطاع الخاص العربي فإنه يشعر بتوتر نتيجة عدم الاستقرار السياسي في أفريقيا. شعار القمة في الكويت كان «شركاء في التنمية والاستثمار».
 
يذكر أن اللجنة الدائمة التي انبثقت عن القمة العربية - الأفريقية عام 1977 أوصت بعمل صندوق عربي - أفريقي لضمان الاستثمارات، لكن الاقتراح لم ينفذ مثل كل التوصيات التي اتخذت سابقا.
 
تعمل أفريقيا على تأسيس «صندوق أفريقيا 50»، والهدف ضمان الأنشطة المتعلقة بالاستثمارات في أفريقيا. بالنسبة إلى الجانب العربي هناك إشارة إلى أن البنك الإسلامي للتنمية يضمن الاستثمارات وعائد المال، ويضمن خروج الأموال بالنقد الأجنبي (هذه مشكلة عانى منها الكثير من المستثمرين العرب في أفريقيا). ويقول أحد المشاركين إن البنك الإسلامي للتنمية يضمن الأموال «حتى ولو تأخر في السداد».
 
المشكلة في كل القمم توالد اللجان تلو اللجان مما يغرق العمل في بيروقراطية قاتلة، وكذلك الحال بالنسبة إلى التوصيات، فتخبو فعالية القمم.
 
الدول الغربية تجاوزت كل اللجان وانطلقت بقطاعها الخاص تستثمر في مجالات مختلفة وتحقق عوائد كبيرة.
 
لم تتضح في القمة آلية تمويل المشاريع المقترحة، كما لم توضع على طاولة المناقشات على المستوى التفصيلي لمعرفة كيفية الاستثمار في المشاريع التنموية في أفريقيا، وهي من أبرز التوصيات المهمة للقمة. لكن الكويت وضعت حلا سريعا لآلية تمويل المشاريع المقترحة وذلك عبر استغلال خبرات وروابط الصندوق الكويتي للتنمية في أفريقيا، فالصندوق هناك منذ 1962، لذلك قرر أمير الكويت دعم الصندوق بمليار دولار كقروض ميسرة للدول الأفريقية.
 
كما أعلن أمير الكويت عن عزم بلاده استثمار وضمان استثمار مليار دولار أخرى في البنية التحتية في أفريقيا بالتعاون مع البنك الدولي والمؤسسات الدولية الأخرى.
 
لقد سبق انعقاد القمة منتدى اقتصادي بحث في الأساسيات الاقتصادية الصحيحة التي يمكن أن توفر سبل التعاون الاقتصادي وبالتالي التنسيق السياسي.
 
نجاح الكويت في عقد هذه القمة يزيد من ميزات تلك الدولة الجادة في طروحاتها. في الكويت توافرت الفرص للاستثمار في القارة السوداء، سواء كان ذلك عن طريق المؤسسات والصناديق العربية المتعددة، أو عن طريق القطاع الخاص. المهم أن تنجح هذه الدول في الانطلاق للتلاقي رغم الصعوبات التي برزت حتى أثناء انعقاد القمة كفشل مصر وإثيوبيا في الاتفاق على مياه النيل.
 
---------------------------
* نقلا عن الشرق الأوسط اللندنية، الخميس، 28/11/2013

رابط دائم: