تعثر انتقالي:|أوضاع دول الربيع العربي في ضوء مقياس الدول الفاشلة
19-8-2013


*
4 أغسطس 2013
 
لقد شاع في الآونة الأخيرة استخدام مصطلح الدول الفاشلة، خاصةً عند وصف أوضاع دول ما بعد الربيع العربي، وما آلت إليه المراحل الانتقالية التي تمر بها تلك الدول. وقد اجتهدت الكثير من الجهات في تطوير مقاييس ومؤشرات لقياس درجة فشل الدول، ولعل المقياس الأشهر والأكثر انتشارًا هو مقياس الدول الفاشلة الصادر عن وقفية السلام الذي تنشره مجلة "الفورين بوليسي" الأمريكية في عدد يوليو من كل عام.
 
وتعود شهرة هذا المقياس إلى عدة اعتبارات، أهمها: الاستمرارية التي يتسم بها هذا المقياس، فمنذ عام 2005 وتصدر وقفية السلام ترتيب الدول الفاشلة حول العالم كل عام بلا انقطاع، وقدرته على التأثير على دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة خاصة، بالإضافة إلى متابعة النخب السياسية والأكاديمية له كل عام، فضلا عن أن المقياس قد استطاع إدخال تعديلات كثيرة على عمله، بحيث تضمن عددًا أكبر من حالات القياس، واستطاع تقديم توضيحات أكثر دقة لنقاط الضعف وبؤر التوتر السوسيواقتصادية والسياسية الكامنة في الدول والتي قد تفسر حالة عدم الاستقرار في أي دولة بشكل أكثر تفصيلا.
 
تعريف الدولة الفاشلة
 
ويتم تعريف فشل الدولة بشكل نظري باعتباره عدم قدرة الدولة على القيام بوظائفها التي لا يمكن لجهة أخرى القيام بها، أي تعجز عن أن تقوم بإنتاج عوامل استمرارها في إطار حدودها الجغرافية المعترف بها، وغالبًا ما يأتي فشل الدول على أصعدة متوازية، لا يمكن الإمساك بأيهما السبب وأيهما النتيجة، بحيث يصبح الفشل على الصعيد الاجتماعي سببًا لفشل على الصعيد الاقتصادي، وعليه تفشل المؤسسات السياسية في تدارك الفشل المترتب على الصعيدين السابقين، لتتصاعد احتمالات تدخل قوى خارجية في الدولة.
 
وقد تبدأ دائرة الفشل بالعكس، بحيث تكون العوامل الخارجية هي نقطة البداية في حلقة الفشل، فإما أن تتسبب العوامل الخارجية فيه، أو أن تعزز عوامل الفشل الكامنة داخل الدولة فتظهر أعراضها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والمؤسساتية، وتعتبر هذه النظرة نظرة واسعة فضفاضة تتضمن جوانب ومجالات متعددة ومتشابكة مما يضمن الحكم بالفشل على أي دولة، وهو بذلك يصبح لفظًا تحكميًّا غير موضوعي، فظهرت من هنا أهمية أن يتم تصميم مؤشرات قابلة للقياس تستطيع تقديم صورة أكثر تفصيلا لحالة الفشل تسمح بالحكم على شكل ودرجة ونمط الفشل الذي تعاني منه كل دولة.
 
ويتم قياس فشل الدولة وفقًا لحزمة رئيسية من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والتي تنقسم بدورها إلى أكثر من 100 مؤشر فرعي دال عليها، ويتم وفقًا لها تحليل الأحداث التي تشهدها الدول لفترة عام كامل، وتغطي نتائج المقياس المنشورة لعام 2013 الأحداث التي شهدتها الدول محل القياس خلال الفترة من 31 ديسمبر 2012 إلى 31 ديسمبر 2013، وثمة فرق بين ترتيب الدولة على نتائج المقياس وحاصل مجموع المؤشرات، فكلما زاد الرقم الذي حصلت عليه الدولة فإن ذلك يعني درجة أعلى من عدم الاستقرار، الأمر الذي يدفع بها إلى مقدمة قائمة الدول الفاشلة، فقد تشترك أكثر من دولة في نفس المجموع ولكن في كل حالة تختلف الأوزان النسبية للمؤشرات بما يرسم ملامح إخفاق متفردة في كل حالة من حالات الفشل.
 
وتعتمد عملية القياس بشكل أساسي على تجميع ملايين الأخبار والتقارير المنشورة يوميًّا في أنحاء العالم حول الدول محل القياس (178 دولة) باعتبارها قاعدة البيانات الأصلية، والتي يقوم بقياسها وتصنيفها وفقًا لمجموعات المؤشرات ليحصل على مجموع رقمي لكل دولة يعتبر هو أساس ترتيبها في نتائج المقياس، وبهذا الشكل يقوم المقياس بتحويل كم هائل من الأخبار والتقارير حول الأحداث التي تشهدها الدول محل القياس إلى معلومات دقيقة بغية رسم نمط واضح لكل دولة يبرز نقاط الضعف، ويشير بوضوح إلى أكثر القضايا إلحاحًا والقابلة للانفجار.
 
المؤشرات التفصيلية لفشل الدولة:
 
وتتمثل المؤشرات الرئيسية للحكم على فشل الدولة فيما يلي:
 
- المؤشرات السياسية والأمنية: قياس درجة شرعية ومصداقية نظام الحكم، تراجع قدرة الدولة على تقديم الخدمات العامة، تعطيل أو تعليق تطبيق حكم القانون وانتشار ممارسات انتهاك حقوق الإنسان، تنامي حالة من ازدواجية المسئولية الأمنية بحيث تتمتع جهة بسلطة تضاهي سلطة الدولة، وجود حالة من عدم استقرار سياسي خاصة على المستوى المؤسساتي، تزايد حدة التدخل الخارجي سواء من جانب دول أو فاعلين من غير الدول.
 
المؤشرات الاقتصادية: عدم انتظام معدل التنمية الاقتصادية، استمرار تدهور وضع الاقتصاد الوطني بدرجات تدريجية متفاوتة أو حادة، بالإضافة إلى ازدياد معدلات الفساد وانتشار المعاملات العرفية.
 
- المؤشرات الاجتماعية: تصاعد الضغوط الديموجرافية، ويعبر عنه ارتفاع كثافة وحجم السكان في الدولة، وانخفاض نصيب الأفراد في المجتمع من الاحتياجات الأساسية، تزايد حركة اللاجئين بشكل كبير إلى خارج الدولة، أو تهجير عدد من السكان في منطقة داخل الدولة بشكل قسري، وجود إرث عدائي لدى أفراد الشعب، انتشار ظاهرة هروب العقول والكفاءات.
 
ولا يعني اتسام دولة بالفشل ضرورة اتسامها بكل المؤشرات بدرجة عالية، وإلا أنذر وضعها بكارثة أكيدة، ولكن لكل دولة نمط، بحيث يوجد دول تشمل بعض هذه المؤشرات دون الأخرى، وبعض الدول تشمل كل هذه المؤشرات ولكن بدرجات مختلفة، أي لكل مؤشر حدته، وهذه الأنماط المختلفة تجعل كل دولة متفردة في وضعها قياسًا بمؤشرات الفشل، بحيث تقدم كل دولة حالة من الفشل مختلفة عن الأخرى بالنظر إلى منظومتها التاريخية والقيمية.
 
دول الربيع العربي ومؤشر الدول الفاشلة
 
ويعتبر مؤشر الدول الفاشلة الصادر هذا العام هو المؤشر الثاني الذي يصدر بعد اندلاع موجة الربيع العربي في المنطقة (مقارنة بين مقياسي 2013 – 2012)، وقد احتلت كل من تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن المراكز 83- 54-34- 21- 6 على الترتيب.
 
ويجب التفرقة فيما بين فشل الدولة الناتج عن اندلاع صراعات ونزاعات داخلية أو خارجية، وهو ما يمكن اعتباره "الحالة الكلاسيكية للفشل"، ذلك لأن أعلى درجات الفشل هي أول درجات الصراع، وبين الدول التي فشلت وظيفيًّا بحيث أصبح فشلها تطورًا طبيعيًّا لإخفاقات متتابعة لأداء مؤسساتها وسياسات حكوماتها في ظل تنامي متطلبات شعوبها بما يفوق مواردها وقدراتها، وثمة علاقة بين مناطق الأزمات والصراعات أو حتى التهديد بها وبين احتلال أقاليمها ودولها مراكز متقدمة في نتائج مقاييس فشل الدول في أغلب النتائج، وبمعنى آخر: كلما ازداد الوزن النسبي للمؤشرات الأمنية للفشل ازدادت احتمالات فشلها، وهو ما يظهر جليًّا في الحالة السورية واليمنية.
 
وبوجه عام لا يوجد طريق محدد للفشل، ففي بعض الحالات يكون الوصول إلى الفشل بشكل متدرج ومتواصل من خلال استمرار التفكك المؤسساتي، وتضاعف حدة عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وفي حالات أخرى يكون الوصول إلى مرحلة الفشل بشكل سريع ومتلاحق ويعود ذلك إلى حدوث كارثة طبيعية أو أزمة اقتصادية أو سياسية، فضلا عن اندلاع ثورة تطيح بالنظام القائم في مقابل عدم امتلاك الدولة موارد وإمكانات ومؤسسات قادرة على استيعاب الأزمات الناجمة عن هذا الحدث المفاجئ في إطار يتسم بالشرعية والتمثيلية والكفاءة.
 
لذلك يمكن القول بوضوح إن موجة الربيع العربي لم تكن السبب وراء احتلال هذه الدول مراكز متقدمة في نتائج المقياس، ولكنها الشرارة التي ولدت عن الفشل السابق لعام 2011، كما أنها المحفز الذي أظهر مكامن الضعف في هذه الدول والتي تجلت في عجزها عن احتواء أزمات المراحل الانتقالية، أو الأزمات الناجمة عن الثورات والمضي في بناء الدولة بشكل عملي، بمعنى آخر إن بذور الفشل في هذه الدول كانت موجودة قبل اندلاع موجة الربيع العربي، وعليه لا يمكن إعطاء الأمور أكبر من حجمها، وتقييم فشل كل حالة استنادًا فقط إلى مركزها في نتائج مقياس هذا العام. غير أن ذلك لا ينفي مسئولية القائمين على المرحلة الانتقالية عن الخروج من دائرة الفشل المنذرة بالخطرة إلى دائرة أكثر استقرارًا تشوبها بعض الإخفاقات.
 
وبالتالي فإن مصير أي حكومة فاشلة أو إقصائية أو استبدادية جديدة لن تستطيع الوفاء بمتطلبات وطموحات الأفراد في المجتمع؛ يتمثل في أحد سيناريوهين، إما أن تستمر الحكومة على حساب ما تبقى من الدولة إلى أن تدفع بها إلى الانهيار، أو أن تندلع موجة جديدة شعبية ضدها تساندها إحدى المؤسسات القوية في الدولة، وهو ما حدث في مصر في 30 يونيو 2013.
 
ولذلك ترتبط مراكز الدول الفاشلة العربية قبل موجة الربيع العربي بعلاقة طردية مع مركزها بعد إسقاط نظمها، فنجد أن الدول التي كانت تتسم بدرجة فشل أعلى قبل الثورات احتلت مراكز أكثر تقدمًا بعد الثورات بصرف النظر عن درجة وحدة التدهور. وغير خفي أن مؤشرات الدول الفاشلة تنطبق بالكامل على دول الربيع العربي بل وتزيد حدتها عن العام السابق، بما يمكن اعتباره تدهورًا في وضع تلك الدول، وحالات كسوريا وليبيا من الطبيعي أن تتجلى فيها مظاهر الفشل، نظرًا لأنهما ساحات حرب مفتوحة، في حين أن مصر وتونس تمران بمرحلة انتقالية أقل عنفًا.
 
وقد رصد مقياس هذا العام نقاط الفشل وأوزانها في كل حالة، لنجد أن اليمن وسوريا تتشاركان في تصاعد حدة المشاكل المرتبطة بالقضايا الاجتماعية في المقدمة ثم باقي المؤشرات، في حين أن مصر تتمثل أكبر مشاكلها في القضايا المرتبطة بحقوق الإنسان والانشقاقات داخل النخبة السياسية ضمن المؤشرات السياسية للمقياس ثم تدهور الأداء الاقتصادي ثم تأتي الضغوط الديموجرافية، في حين ترجح حزمة المؤشرات السياسية كفة الفشل في كل من ليبيا وتونس بما تثيره من قضايا مرتبطة بتصاعد الانشقاقات داخل النخب السياسية المسيطرة داخل الدولة، وظهور حالة من ازدواجية المسئولية الأمنية، وتزايد حدة التدخل الخارجي، وانتهاك حقوق الإنسان.
 
إن مشكلة دول الربيع العربي أنها على مدار عامين من اندلاع الثورات لم تظهر بوادر لتحسن الأداء الاقتصادي، بل إن حدة الانقسام السياسي وصل مداه في أكثر من مناسبة، فضلا عن تراجع كفاءة الوضع الأمني داخل الدول أو عبر الحدود مع زيادة حدة العنف غير المنضبط وغير المنظم.وقد اشتركت دول الربيع العربي في إشكاليات الفشل التي واجهتها في العامين الماضيين، وقد تمثلت في:
 
الأبعاد السياسية والأمنية:
 
- ظهرت معضلة كتابة وإقرار دساتير في نظم ما بعد الثورات وإجراء انتخابات تمثيلية في ظل انقسام نخبوي واضح، فنجد أزمة دستور 2012 الذي تم إقراره دون توافق فيما بين جميع الأطراف، الأمر الذي انعكس في حالة عدم الاستقرار السياسي التي ظلت تعاني منها مصر بعد الثورة، بل إن مصر ما بعد ثورة يناير قد شهدت عدم استقرار مؤسساتي طال المؤسسة القضائية، وأدخلها كلاعب سياسي، الأمر الذي ظهر جليًّا في قرار القضاء المصري حل البرلمان المنتخب في 2012 والذي تشكلت منه الجمعية التأسيسية التي صاغت الدستور، وصولا إلى إصدار رئيس الجمهورية إعلانًا دستوريًّا يحصن قراراته.
 
وكذلك في تونس، فعلى الرغم من أن الكثير من المراقبين يذهبون إلى أن المرحلة الانتقالية في تونس هي الأكثر سلاسة فيما بين دول الربيع العربي؛ إلا أن الأجواء المشحونة نتيجة افتقاد الثقة فيما بين الإسلاميين والمعارضة العلمانية تثير المخاوف حول وثيقة الدستور التونسي والانتخابات المزمع إجراؤها.
بينما اليمن لم يستطع الوصول إلى مصالحة حقيقية بين الفرقاء الممثلين في الانفصاليين بالجنوب والمتمردين الشيعة والإسلاميين والقبائل والشباب المهمش
وأعضاء الحزب الحاكم السابق، وهو ما لم يوفر مناخًا يسمح بالشروع في كتابة الدستور أو حتى إجراء انتخابات.
 
أما ليبيا فتواجه إشكالية إرساء قواعد الدولة وفرض سيادتها على أراضيها في الوقت الذي تنتشر فيه الميليشيات على الأرض، كما تواجه ليبيا أزمة تقسيم السلطة ما بين مركزية السلطة ولا مركزيتها. أما سوريا فهي لم تبدأ بعد أي خطوة سياسية، فما زال الحديث عن سوريا يحتكم إلى المعارك على أرض الواقع؛ بل إن الحديث عن معارضة منظمة أصبح حديثًا لا جدوى منه في ظل الانقسامات التي تسيطر على المعارضة السياسية أو المعارضة المسلحة، لنجد أن نفس المؤشر الخاص بانقسام النخبة ظاهر بوضوح في الحالة السورية كذلك.
 
ويعكس ذلك جليًّا الانقسام الحاد الذي تشهده دول الربيع العربي على مستوى النخبة والأطراف الفاعلة، بما يعرقل أي محاولة للشروع في إرساء اللبنات
الأولى لأي عملية سياسية.
 
من ناحية أخرى؛ فقد ظهر مؤشر الفشل الخاص بالتدخل الخارجي سواء أكان دولا أو فاعلين مع اختلاف درجة ومجال وحدة هذا التدخل ما بين تدخل صارخ كما في الحالة السورية أو الحالة الليبية، الأمر الذي يترك بلا شك أثرًا كبيرًا وغالبًا سلبيًّا على ميزان القوى الداخلي واتجاهات حل صراعات المجتمع.

الأبعاد الاقتصادية:

ما زالت كل من تونس واليمن تعانيان من معدلات بطالة مرتفعة وبنية اقتصادية هشة، بل إن اليمن تزيد معاناته من ناحية انهيار الخدمات العامة، والارتفاع المتزايد في أسعار المواد الغذائية، بينما في مصر تراجع معدل النمو الاقتصادي في العامين التاليين للثورة، كما انخفض الاحتياطي الأجنبي، وارتفع عجز الميزانية، بالإضافة إلى هروب الاستثمارات الأجنبية والمحلية نتيجة تخبط القرارات الاقتصادية، وهو ما ظهر في تردد الحكومة في صفقة قرض البنك الدولي ما بين تبني إجراءات تقشفية تمهيدًا للحصول على القرض وإلغائها بفترة وجيزة، ناهيك عن تأثر عائدات القطاع الخدمي بشكل عام وقطاع السياحة بشكل مباشر، وفي ليبيا فإن الوضع أكثر تحسنًا نتيجة وجود احتياطات نفطية وفيرة، الأمر الذي قد يسمح لها باجتياز المرحلة الانتقالية بشكل أكثر هدوءًا.
 
الأبعاد الاجتماعية:
 
لا يخفى تقدم حزمة المؤشرات الاجتماعية في أغلب دول الربيع العربي المصنفة في مقياس الفشل إلى تنامي خطر الطائفية والمذهبية والصراعات الفرعية في المنطقة العربية كلها على خلفية قضايا الأقباط والأقليات الدينية في مصر، والعنف السني العلوي في سوريا، والصراعات القبلية المذهبية في اليمن، والمنافسة القبلية في ليبيا، الأمر الذي يبرز أولوية هذا البعد في حلقة الفشل، كما أظهرتها موجة الثورات.
 
فضلا عن تنامي عنف السلفيين في تونس والقضايا المثارة حول التعدي على حقوق المرأة وتنظيم وسائل الإعلام، وقد اشتركت كل هذه الدول في ظاهرة هجرة العقول، وارتفاع معدلات الهجرة، واللجوء والنزوح لدى سكانها، والتي سجلت أرقامًا غير مسبوقة نتيجة ما شهدته هذه الأقاليم من عمليات عسكرية أو أعمال عنف.
 
وبالرغم من أن المؤشرات السياسية هي المؤشرات الأكثر بروزًا والأكثر تعبيرًا عن حالة الفشل التي تمر بها الدول، إلا أنه في الحقيقة تحتل المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية المكانة الأكبر في ترجيح حالة الفشل إلى الحد الذي تصبح معه منذرة بالخطر، فالمؤشرات الاجتماعية هي بالأساس العوامل الكامنة والمحفزة للفشل، والتي يجب البدء بها لكسر حلقة الفشل لتحقيق تقدم ملموس بما يضمن أساسًا قويًّا لأي عملية سياسية لاحقة.
 
وعليه فإن البلاد التي بدأت بالفعل خطوات المرحلة الانتقالية كان أمامها تحدٍّ كبير وهو بناء الدولة على أنقاض ما تبقى من مؤسسات النظام القديم، الأمر الذي واجه أول اختبار له في مراحل إقرار الدساتير وإجراء الانتخابات، فقد أصبحت الانتخابات أداة لتكريس الانقسام والاستقطاب بدلا من أن تكون أحد أدوات بناء نظام سياسي جديد أكثر تمثيلية وأعلى استجابة لتطلعات الأفراد في المجتمع، الأمر الذي أدى إلى تقويض راديكالية الربيع العربي.
 
وفي النهاية وبالرغم من قيام جهات أكاديمية وحكومية أمريكية وغير أمريكية عديدة بتطوير عدد كبير وكافٍ من المقاييس التي تعالج ظاهرة فشل الدول، فمن المتوقع أن تستمر الجهات الأكاديمية والمؤسسات الدولية الاقتصادية والتنموية في تطوير وتحديث هذه المقاييس، ولكن في الوقت ذاته سيظل الاقتراب من المفهوم له طابع انتقائي وخاضع للإرادة السياسية، ما دام التركيز على المفهوم ينصب على الجانب الأمني والسياسي دون الاقتصادي والاجتماعي والتنموي.

رابط دائم: