الأمم المتحدة ورهان السلام
19-6-2012

إدريس الكنبورى
* كاتب مغربي

لقد أضحى تحقيق السلام مطلباً ملحّاً في العقود الأخيرة نتيجة لتفاقم الحروب والصراعات وظهور أسلحة أكثر فتكاً بالإنسانية، وبروز عدد من المخاطر الدولية التي تتجاوز في تداعياتها ومظاهرها وأبعادها حدود الدول، والتي ألقت بظلالها وإشكالاتها على مستقبل السلم والأمن الدوليين من قبيل تلوث البيئة، والفقر، وتهريب المخدرات، وندرة مصادر الطاقة وما يتطلبه ذلك من استحداث مصادر بديلة ومستدامة في هذا الشأن، وندرة المياه، وتفشي الجريمة المنظمة، والإرهاب الدولي، وتفاقم الصراعات والنزاعات الإثنية، وانهيار الدول... إلخ.

إن تزايد الاعتماد المتبادل وتشابك المصالح والعلاقات بين الدول، جعل من مواجهة هذه المخاطر أمراً ملحّاً، لما تفرضه من تحديات على المجتمع الدولي برمته في ظرفية لم تعد فيها الحدود الجغرافية والسياسية حصناً منيعاً كافياً للاحتماء من تداعياتها.

وتعاظم خطر الإرهاب بشكل كبير في العقود الثلاثة الأخيرة، سواء من حيث مظاهره أو على مستوى النطاق الذي يتمّ فيه أو بالنسبة لعدد المنظمات التي تمارسه أو العوامل التي تغذيه، ورغم الجهود الدولية التي بذلت في سبيل الحد منه، إلا أنها لم تأت بنتائج كافية. فيما تطورت الجريمة المنظمة العابرة للحدود بشكل ملحوظ في العقود الأخيرة، تبعاً لتطور التكنولوجيا ووسائل الاتصال والتجارة والنقل.

ومما زاد من مخاطر الحروب والعنف غير النظامي (الجريمة المنظمة والإرهاب الدولي) في العقود الأخيرة، وجعل مطلب السلام أمراً ملحاً، وهاجس العنف والحروب خطراً داهماً.

ومع ذلك، فإن الحرب التي تعتبر النقيض الحتمي للسلام، لما تجلبه على الإنسانية من دمار وويلات، شكلت على امتداد التاريخ البشري، محطة للتفكير ومراجعة الذات، باتجاه بلورة حلول ومداخل عمل جماعي أو ثنائي لضمان نوع من الاستقرار الدولي، يكفل التعايش والتعاون، ولعل هذا ما يفسر أصلاً بروز عصبة الأمم المتحدة كإطار دولي تعاوني عقب الحرب العالمية الأولى، ثم إنشاء الأمم المتحدة كمنظمة عالمية عهد إليها بحفظ السلم والأمن الدوليين عقب الحرب العالمية الثانية.

وأمام المعطيات الراهنة من تفشي الأمراض والتلوث البيئي العابر للحدود، صار من الصعب جداً الحديث عن إمكانية تحقيق السلم والأمن الدوليين دون استحضار للأمن البيولوجي الذي يفرض بلورة جهود حقيقية لتنظيم إدارة الموارد الطبيعية وعقلنة استغلالها، والتي غالباً ما يكون التنافس حولها مغذياً للعديد من الصراعات على امتداد أرجاء العالم.

ولما كانت العوامل المؤثرة بالسلب على السلم والأمن الدوليين متعدّدة ومتنوعة، فإن المداخل الكفيلة بتلافي مختلف المخاطر بدورها ينبغي أن يطبعها التنوع والاختلاف، فسياسة الحد من التسلح التقليدي ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل وتعزيز اللجوء إلى السبل السلمية لتسوية المنازعات، والسير قدماً نحو مزيد من تشابك العلاقات وتبادل المصالح والمعطيات والمعلومات بين الدول، والاهتمام بشؤون العلم والمعرفة، كلها عوامل قادرة على المساهمة في بناء عالم يسوده السلم والأمن، كما أن الاهتمام بجانب التنمية في الدول الضعيفة يعد إجراء ناجعاً لتعزيز قدرة هذه الدول على مواجهة مختلف هذه المخاطر.

وتظل مسؤولية الأمم المتحدة جسيمة في هذا الصدد باعتبارها منظمة عالمية، كما أن تطوير قواعد ومبادئ القانون الدولي انسجاماً مع التطورات المتسارعة التي تشهدها العلاقات الدولية، يبقى عاملاً حيوياً على طريق دعم وترسيخ السلام والأمن الدوليين المنشودين.

--------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، 19/6/2012.


رابط دائم: