تكرار الخطأ الإيرانى؟:|دلالات التجربة الإيرانية للانتخابات الرئاسية المصرية
14-6-2012

سعيد رهنما
* أستاذ العلوم السياسية، جامعة يورك، تورونتو، كندا. الكاتب كان ناشطا فى التيار اليسارى الإيرانى، و قياديا فى التنظيمات العمالية أثناء الثورة الإيرانية.

الخميس 14 يونيو 2012

فى جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية، يجد المصريون أنفسهم مجبرين على اختيار من يرونه أهون الشرين:  محمد مرسى، أو أحمد شفيق. فمن يختارون؟ إن هذا الوضع  يعيد إلى الذاكرة بقوة النقاش والجدل الذى دار فى إيران خلال الأيام المصيرية للثورة الإسلامية عام 1979. وبينما تتواصل فى مصر التفاعلات بين  المجلس العسكري والإسلاميين، والتيار الثورى، فإن الثوار الذين   أشعلوا فتيل الاحتجاجات قد تم الدفع بهم إلى خلفية مسرح الأحداث.

لقد تم إجهاض الثورة، واستطاع الجيش، الذى  أعلن وقوفه على الحياد منذ البداية، الاستمرار والحيلولة دون الانهيار التام للنظام (التزم الجيش فى إيران بالوقوف على الحياد حتى نهاية ثورة 1979) . أما الإسلاميون، فقد استغلوا الاحتجاجات، مستعينين بقدراتهم التنظيمية والأيديولوجية الهائلة ، للفوز بأغلبية المقاعد فى الانتخابات البرلمانية التى جرى الإعداد لها على عجل. وحتى لا يثيروا مخاوف أغلبية المصريين والرأى العام الغربى، أكدت جماعة الإخوان المسلمين، وذراعها السياسية المتمثلة فى الحزب الجديد " الحرية والعدالة" فى البداية، أنها لا تضع عينها على الرئاسة أو القيادة التنفيذية. وكان الإخوان يأملون فى تطبيق سياساتهم بالتدريج من خلال سلطة التشريع. ولكن بينما كانت الفوضى تعم صفوف  الثوار، والمؤسسة العسكرية منهمكة فى الحفاظ على الوضع القائم، اتخذ الإخوان المسلمون خطوة أخرى إلى الأمام، ودفعوا بمرشحهم لانتخابات الرئاسة.

المصريون مرغمون اليوم على الاختيار بين أقل الضررين، محمد مرسى وأحمد شفيق، أيهما؟ الإجابات التى وردت حول ذلك السؤال، خلال المؤتمر الدولى لجامعة يورك حول الشرق الأوسط، والذى عقد هنا فى تورونتو، أعادت إلى الذاكرة بقوة المناقشات والجدل الذى دار فى إيران خلال الأيام المصيرية لثورة 1979. لقد بدأت الثورة ضد الشاه ونظامه فى إيران أيضا على أيدى المثقفين، والمهنيين، والطلبة، والعمال. وفى إيران أيضا، كان هناك غياب لقيادة علمانية (مدنية) ديمقراطية للثورة. وهنالك، بسط  الإسلاميون سيطرتهم، وبدعم من الثوار أنفسهم.

خيارات صعبة

الاختيار الماثل أمام المصريين الآن هو بحق اختيار بالغ الصعوبة. فالجولة الأولى من الأنتخابات برهنت على أن الأغلبية العظمى من المصريين لا تساند المرشحين الرئيسيين، حيث  لم يحصل أى منهما على أكثر من 25% من أصوات الناخبين. وبرغم كل الادعاءات، فقد اتضح أن الإخوان المسلمين لا يمثلون إلا أقلية فى أوساط المصريين.

قد يعنى التصويت لصالح أحمد شفيق  نهاية الفرصة لتحقيق تغيير حقيقى، وقد يعد، بشكل ما، تبرئة النظام القديم. لكن  انتخاب محمد مرسى فى المقابل يعنى إقرار السياسات الرجعية التى يروج لها الإخوان المسلمون. يطرح البعض خيارا ثالثا يتمثل فى مقاطعة جولة الإعادة برمتها، حتى يتم نزع  غطاء الشرعية عن هذه الانتخابات ، ومرشحيها غير المرغوب فيهما.
لا شك فى أن اللجوء إلى مقاطعة الانتخابات يعد استراتيجية فعالة فى بعض الأحيان، حيث تفتح الطريق أمام خيارات  مستقبلية أفضل. لكن حتى تكون خطوة المقاطعة فعالة، فإنها تتطلب دعم أغلبية الناخبين، حتى تفقد الانتخابات شرعيتها، وهو أمر متروك تقدير نجاحه  للنشطاء  فى مصر. وقد يكون الخيار الأفضل العمل على إبطال الانتخابات التى لم تأخذ نصيبها الوافى من الإعداد. لكن لا يبدو أن هذا السيناريو وارد  حاليا، وأحد المرشحين سوف ينجح ويفوز بالرئاسة.

السؤال المطروح الآن: من هو المرشح الذى سوف يتيح فوزه فرصة أكبر  للعمل من أجل التغيير، وتوفير خيارات  أفضل فى المستقبل؟ بناء على التجربة الإيرانية، فإننى أرى ( ومن الصعب على نفسى أن أقول ذلك) أن مرسى يعد الاختيار الأكثر خطورة. إذا فاز الإخوان المسلمون بهذه الانتخابات، فستتحقق لهم السيطرة على مؤسسات البرلمان، والرئاسة، والحكومة، وقد يسيطرون على القضاء. وبإحكام سيطرتهم على مؤسسات السلطة، سوف يسعى الإخوان المسلمون لتحقيق رؤيتهم عن المجتمع المحكوم بالشريعة على أرض الواقع. ورغم أنهم لن يستطيعوا إقامة دولة إسلامية على غرار النموذج الإيرانى، جزئيا لأن النظام القديم فى مصر لم ينهر كليا، فإن برجماتيتهم الشديدة ستدفعهم لعقد تحالفات مع آخرين فى مواجهة القوى الثورية.

ينصب قلق الغرب( وتحديدا الولايات المتحدة) على السياسة الخارجية للدولة المنتظرة، خاصة فيما يختص بعلاقتها مع إسرائيل، وكذلك سياساتها الإقتصادية. لكن يجب على الغرب عدم  الشعور بالقلق فى هذا الصدد لسنوات مقبلة.  وفيما يخص ملف إسرائيل، فإن  الإخوان لن يقوموا بتغيير اتفاقية كامب ديفيد أو تبنى توجه صدامى، لإدراكهم التبعات المتوقعة لذلك، وإن كانت  العلاقات لن تتسم بالحميمية التى أبداها كل من السادات ومبارك. أما فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية، فإن الإخوان رأسماليون بامتياز. فاختيارهم الأول لمرشح الرئاسة كان خيرت الشاطر، (الذى تم استبعاده لقضاءه فترة عقوبة بالسجن)، وهو مليونير ومؤيد لاقتصاد السوق والخصخصة، وقد يتم اختياره رئيسا للوزراء فى حكومة الإخوان المقبلة. ومن المؤكد أنه سوف يحظى بدعم وثقة صندوق النقد والبنك الدوليين وكافة المؤسسات الليبرالية.

مخاطر محتملة

لكن الخطر الحقيقى يكمن فى سياسات مصر الداخلية، وملف حقوق الإنسان، ووضع المرأة، والحريات الديمقراطية، وحقوق الأقليات، التى ستتأثر بتطبيق القوانين الدينية. وهذه أمور لن تنال اهتماما بالغا من جانب الولايات المتحدة وحلفائها، رغم خطابهما "المنافق". ستعمل جماعة الإخوان المسلمين، بوصفها تنظيما شعبويا، على استغلال التوجه الدينى بين فئات المجتمع،  لحشدهم ضد القوى التقدمية.

بعض الأصدقاء فى مصر، مثلهم مثل البعض فى فلسطين، وباقى الدول العربية ، لديهم الوهم بأن الأصوليين فى مجتمعاتهم ليسوا بنفس سوء  الأصوليين فى إيران، لكنهم مخطئون. فقد ارتدى الأصوليون فى إيران قناعا مسالما قبل أن يسيطروا على السلطة. ولكن كثيرا منهم سرعان ما تخلى عن مواقفه الزاهدة، و بدأوا فى اكتشاف الحياة الرغدة فى أحياء طهران الراقية ومختلف المدن الكبرى.

وبمرور الوقت، اتحدت الأوليجاركية  الدينية  مع العسكرية، ثم الصناعية، ليصبح العديد من جنود المهدى الفقراء غير المتعلمين  من مليونيرات الصناعة الإيرانية وحاملى درجة الدكتوراه. كما أن سياسة القضاء على قوى المعارضة لم تتوقف عند القوى التقدمية، بل شملت أيضا العناصر الدينية النزيهة ، التى تم استهدافها، وإبعادها عن الساحة، أو الزج بها فى السجون.

أما الوهم الثانى الذى يسود أوساط النشطاء التقدميين فى بعض الدول العربية، فهو أن الإسلاميين   سيكشفون عن وجههم الحقيقى عند توليهم السلطة، مما يفقدهم ثقة الرأى العام. لا شك فى أن ذلك سيحدث، كما حدث مع النظام الإسلامى الحالى فى إيران. لكن ذلك لن يجعل إسقاطهم  أكثر سهولة، كما تعلم الإيرانيون، وبثمن باهظ.
إن القوى العلمانية (المدنية) الديمقراطية فى مصر يمكنها الحيلولة دون سيطرة الإسلاميين على  كل مؤسسات الدولة. وقد تكون فرصتهم أفضل مع أحمد شفيق، بوصفه المرشح الأضعف.

ولا مجال لأن تعود مصر فى المستقبل إلى الديكتاتورية العسكرية التى مورست فى عهد الضباط الأحرار، فالمؤسسة العسكرية لم تعد بنفس قوتها السابقة. كما أن صلاحيات الرئيس( التى لم تحدد بعد فى خضم تلك الفوضى الدستورية) لن تكون أيضا بنفس اتساعها السابق. يمكن للقوى التقدمية المحاولة على الأقل لتحقيق الخيار الثالث. لن يكون  القرار سهلا، إلا أن البديل أسوأ بكثير.


رابط دائم: