الانتخابات السورية: تعددية في إطار الهيمنة
8-5-2012

حسين عبدالعزيز
* كاتب وإعلامي سوري

ليست الانتخابات التشريعية في سورية شأناً عاماً كما هو الحال في الدول الديموقراطية أو تلك السائرة في الطريق الديموقراطي، فلم تستطع العملية الانتخابية نقل القوة الاجتماعية-الاقتصادية الكامنة في الأفراد والجماعات إلى قوة سياسية تعبر عن نفسها بأدوات ديموقراطية.

لقد كانت تلك الانتخابات -وما زالت- مجالاً للحيز الخاص، أي للشأن الخاص، حيث ظلت محصورة باهتمام المرشح والمقربين منه، سواء كانوا من العائلة ذاتها أو من الأصدقاء أو من المستفيدين في محيط عمله، ولم تدخل في يوم من الأيام في دائرة اهتمامات الجمهور الواسع.

لم يتحول مجلس الشعب على مدار العقود الماضية إلى مؤسسة تشرع القوانين وتسهر على مراقبة اداء الحكومة، واقتصرت مهام المجلس على أداء دور إداري وممارسة الرقابة، وأقصى سقف يمكن البرلماني فعله هو جذب انتباه الوزير إلى قضية هنا أو قضية هناك. إنه مجلس أقرب إلى مجلس الشورى، حيث قراراته غير ملزمة على المستويات التشريعية والسياسية والاقتصادية.

ومع غياب الأحزاب الفاعلة وغياب التمثيل السياسي الحقيقي أضحى مجلس الشعب عبارة عن ساحة للتنافس على المكانة والنفوذ ورعاية الاستزبان، بحيث أصبح التملق والولاء مدخلين للوصول إليه، ثم حدث تحول مهم في مسار المجلس خلال العقدين الماضيين مع دخول رجال أعمال حديثي النعمة معظمهم من صنيعة النظام، والنتيجة أن المجلس لم يعد ساحة للمكانة والنفوذ فحسب، بل أصبح سوقاً للبازار السياسي تتم عبره الملاءمة بين رأس المال الاقتصادي ورأس المال السياسي.

اليوم تمر سورية في منعطف خطير، ويفترض بأي خطوات سياسية أن تعكس المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد، لا أن تأتي الحلول على منوال السنوات السابقة مجرد عمليات تجميلية لا تصيب الجوهر بأي تغيير، ولا تغير قيد أنملة في المشهد السياسي، بقدر ما تعيد إنتاج الهيمنة السابقة بأشكال جديدة.

تجري انتخابات مجلس الشعب في بيئة سياسية واجتماعية مأزومة وفي ظل انقسام خطير في صفوف المجتمع السوري، ووسط استمرار العنف ومقاطعة المعارضة للعملية الانتخابية (هيئة التنسيق وتيار بناء الدولة والمجلس الوطني وبعض القوى)، في وقت استحوذت أحزاب الجبهة على المشهد مع بعض الأحزاب الناشئة التي أنشأها النظام بشكل أو بآخر، أو في أحسن الأحوال أحزاب شُكلت لتكمل تزيين المشهد الانتخابي ليس إلا، فهي لا تملك أي وزن على الأرض وتفتقد لرؤية سياسية-اقتصادية واضحة المعالم.

لقد طرحت هذه الأحزاب شعارات فضفاضة لا تلامس ماهية الأزمة السياسية في سورية، أو بالأحرى لا تجرؤ على تناولها، حيث ركزت برامجها على سيادة الشعب، ومبدأ تكافؤ الفرص، ومكافحة الفساد، وتحقيق الأمن الغذائي، واختيار المواطن المناسب في المكان المناسب... إلخ.

والمفارقة أن حزب البعث أدار ظهره لهذه الأحزاب، حيث جاءت تحالفاته (قائمة الوحدة الوطنية) استمراراً للتحالفات السابقة. إنها قائمة الجبهة الوطنية التي تنجح دائماً، الأمر الذي دفع بعدد من هذه الأحزاب إلى الانسحاب من الانتخابات، حيث كان يوجد توجه من المستوى السياسي بحسب شخصيات من داخل هذه الأحزاب، أن يقوم البعث بالتحالف معها من أجل ضمان وصولها إلى قبة البرلمان وإحداث واقع حزبي جديد وإن كان شكلياً في مجلس الشعب، لكن البعث فضل تحالفاته التقليدية، وهذا يعني أن الدورة الجديدة للمجلس ستكون امتداداً للدورات السابقة... إعادة إنتاج الزبائنية.

إن هذه الانتخابات تؤكد أن النظام لم يدرك بعد مرور سنة ونيف من الاحتجاجات حقيقة الأزمة في سورية، إنه يحاول فقط تخفيف الضغط السياسي عبر إدخال شركاء جدد موثوقين ومطالبهم محدودة، وليس إجراء تحول يؤدي إلى خلق تعددية سياسية حقيقية قادرة على تحقيق مجتمع سياسي فاعل يشارك فيه الجميع باختلاف انتماءاتهم السياسية والأيديولوجية والطائفية.

----------------------
* نقلا عن الحياة  اللندنية، الثلاثاء، 8/5/2012.


رابط دائم: