احتمالات مفتوحة:|هل تلحق الجزائر بموجة الصعود الإسلامي في الانتخابات؟
11-5-2012

باحث في شئون الشمال المغربي- مساعد رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية.
* باحث في شئون المغرب العربي - مساعد رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية.

الثلاثاء 8 مايو 2012

تنطلق في العاشر من مايو 2012 انتخابات " المجلس الشعبي الوطني " في الجزائر، وهي الأولى بتلك الدولة بعد موجة ربيع الثورات العربية ، حيث يتنافس 44 حزبا سياسيا على 462 مقعدا . فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: بعد صعود التيار الإسلامي في كل من مصر وتونس والمغرب في الانتخابات البرلمانية التي تلت تلك الثورات في هذه الدول، هل تستطيع الأحزاب الدينية في الجزائر حسم تلك الانتخابات لصالحها ، خاصة أن الإصلاحات السياسية التي قام بها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في أبريل الماضي توصف بأنها محدودة ولا ترضى تطلعات الشعب الجزائري؟ .

أولا - خريطة الأحزاب الدينية في الجزائر:

يبلغ عدد  الأحزاب الإسلامية في الجزائر ثمانية أحزاب منها  ثلاثة أحزاب إسلامية جديدة تم اعتمادها لممارسة العمل السياسي منذ شهور قليلة لتتمكن من المشاركة في الانتخابات البرلمانية والمحلية المقبلة ، ومن أهم هذه الأحزاب «حزب الحرية والعدالة»، الذي يتزعمه محمد السعيد، المرشح للانتخابات الرئاسية عام 2009، وهو إسلامي معتدل، والحزب الإسلامي الثاني هو "جبهة الجزائر الجديدة " مؤسسه رئيس حركة الإصلاح الوطني سابقاً، جمال عبد السلام ، وحزب  "جبهة العدالة والتنمية " المنبثق من حركتي  «النهضة» و«الإصلاح»، مؤسسهما عبد الله جاب الله.

كما أن هناك أربعة أحزاب كبرى مؤسسة قبل التعديلات الدستورية الأخيرة، وهي حركة «مجتمع السلم»، و«النهضة» ، و«التجديد»، و«الإصلاح»، بالإضافة إلى جبهة «الإنقاذ» المحظورة منذ مطلع 1992 . وبالاضافة إلى الاحزاب الثلاثة الإسلامية الكبرى المعروفة باسم " الجزائر الخضراء"، وتشارك في الانتخابات أيضا جبهة التغيير، ورئيسها وزير الصناعة الأسبق عبدالمجيد مناصرة المنشق عن حركة مجتمع السلم ، وجبهة العدالة والتنمية، ورئيسها عبدالله جاب الله .

تحليل الخريطة الحزبية ومظاهر الدعاية الانتخابية في الشارع الجزائري يشير إلى أن الأحزاب الدينية ستخوض معركة انتخابية قوية لجذب غالبية أصوات الناخبين من الأحزاب الليبرالية والأحزاب الموالية للنظام المتمثلة في جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي المتحالفين منذ 2004 لدعم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، على الرغم من أن حزب جبهة التحرير الحائز على الأغلبية في المجلس الشعبي الوطني البرلمان المنتهية ولايته، يسعى إلى تثبيت مكانته في الانتخابات المقبلة، رغم خلافاته الداخلية. أما التجمع الوطني الديمقراطي- 62 نائبا الذي يقوده رئيس الوزراء أحمد أويحيى- فقد دعا إلى التصويت المفيد لمواجهة أي مد إسلامي محتمل.

ثانيا- تحالفات وتكتلات الأحزاب الدينية:

يعد أقوى التحالفات الإسلامية المعلنة رسميا، والتي تخوض الانتخابات بقائمة موحدة هى التحالف الثلاثي بين  «حركة مجتمع السلم» و«حركة النهضة» و«حركة الإصلاح الوطنى» . وتلتزم الأحزاب المؤتلفة هذه بالتداول السلمي للسلطة، واحترام خيار الشعب مهما يكن الطرف الفائز، والعمل مع جميع الجزائريين في حال الفوز، واحترام دستور البلاد. وقد أطلق هذا الائتلاف على نفسه اسم «الجزائر الخضراء» بدلا من التكتل الإسلامى، تفاديا لرفض وزارة الداخلية قوائمه الانتخابية بحجة أن قانون الأحزاب والدستور يمنع استخدام الدين لأغراض انتخابية.

ومن مبادئ هذا التكتل، والتي نادى بها في حملاته الانتخابية هي (1) أن الاسلام دين الدولة، (2) العروبة والأمازيغية، وهما صلب الهوية الوطنية في إطار المبادئ الإسلامية،(3) اعتبار بيان أول نوفمبر 1954 هو الإطار المرجعي للدولة الجزائرية، (4) تطبيق النظام الديمقراطي الجمهوري، (6) التداول السلمي للسلطة،(7) تحقيق الحريات الفردية والجماعية،(8) احترام العهود والمواثيق الدولية القائمة على أساس توازن المصالح.

وتسبب الخوف من نجاح هذا التكتل في مواجهته والهجوم عليه من باقي التيارات، خصوصا التيار العلماني، باعتبار أن تكتل هذه الأحزاب الاسلامية فى قوائم موحدة سيصعب من تصنيف نوابها وفق انتماءاتهم الحزبية، ورفض المعارضون من الأحزاب الليبرالية أن يطلق على هذه الأحزاب تسمية «الإسلامية»، لأن الإسلام دين الجميع، ورأوا أن هذه الأحزاب تحالفت من أجل تقاسم المناصب فى البرلمان.

وعلى هذا المسار نفسه من مهاجمة الأحزاب الإسلامية المتحالفة،  سار حزب التجمع الديمقراطي وجبهة التحرير الوطني، بإطلاق  التصريحات الهجومية ضد وصول التيارات الإسلامية إلى حكم البلاد، معتبرين أن تقدمهم في الانتخابات المقبلة سوف يعيد البلاد إلى أجواء مطلع التسعينيات، عندما اندلعت مواجهات مسلحة بين الجيش من جهة ومسلحي الجبهة الإسلامية للإنقاذ والسلطة .

واستكمالا للتحالفات الاسلامية المتوقعة، والتي قد تحدث في الوقت الضائع، فقد تلجأ التيارات الإسلامية لكسب المعركة الانتخابية من التيارات الليبرالية والأحزاب المساندة للنظام إلى توحيد صفوفها، واقناع التيار السلفي بالمشاركة في الانتخابات ، خصوصا أن جميع المراقبين في الجزائر يتوقعون أن التيار السلفي قد يدخل على خط الانتخابات البرلمانية المقبلة، وأنه لن يبقى على الحياد اقتداء بنظيره المصري (حزب النور).

لكن على الرغم من قوة تحالف الجزائر الخضراء ، وقدرته على حسم الأكثرية من أصوات الناخبين لصالحه، فإن هناك أصواتا من الإسلاميين ستوجه من تكتل القائمة الخضراء إلى أحزاب دينية أخرى، مثل حزبي عبدالله جاب الله ، وجبهة التغيير التي يرأسها عبدالمجيد مناصرة ، وجبهة الجزائر الجديدة التي يقودها جمال بن عبد السلام.

يذكر أنه في مقابل تكتل جبهة الجزائر الخضراء، رفضت أحزاب " جبهة العدالة والتنمية ، وجبهة التغيير، وجبهة الجزائر الجديدة " اللحاق بالتكتل الإسلامي القديم "الجزائر الخضراء "، بل دخلت الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة على خط الداعين إلى مقاطعة الانتخابات ، وشكل موقفها مادة دسمة لتشكيلات تتبنى المرجع الوطني الراديكالي هاجمت " الإنقاذيين " طوال أيام الحملة الانتخابية .

ثالثا- تحديات مقلقة للتيار الإسلامي:

هناك عدة تحديات قد تواجه التيارات الدينية في الانتخابات المقبلة وهي:

(1) ما يتعلق بالخوف من تزوير الانتخابات، رغم الإعلان عن مشاركة الاتحاد الأوروبى بوفد يتكون من 120 مراقباً فى الانتخابات التشريعية، فبعض المحللين يشككون فى قدرة المراقبين الأوروبيين على لعب دور حاسم فى منع عمليات التزوير التى تكررت فى انتخابات سابقة.

(2) يواجه المرشحون صعوبات كبيرة لجذب انتباه الناخبين. وبحسب الصحف الجزائرية، فإن التجمعات الانتخابية التى تنظمها الأحزاب لا تجذب جماهيرية كبيرة، حتى إن حزب جبهة التحرير الوطنى، صاحب الأغلبية فى المجلس الحالى، اضطر إلى إلغاء مهرجان انتخابى فى إحدى المدن الجزائرية لقلة الحاضرين، وتخشى السلطات من أن يؤدى هذا الفتور فى الحملة الانتخابية إلى نسبة مشاركة ضعيفة، رغم النداءات المتكررة من جميع المسئولين، وعلى رأسهم بوتفليقة، للمشاركة المكثفة فى الانتخاب.

(3) احتمالات انعكاس ما يجري في مصر وتونس بعد صعود التيارات الاسلامية هناك، وهو ما يؤدي إلى غياب واضح للتيار الإسلامي في الجزائر، وتراجع الإقبال عليه، وتفرق أتباعه لأسباب عديدة، أهمها، على الإطلاق، أحداث ووقائع عايشتها الجزائر في عقد التسعينيات (1991 – 2001) هذا من جهة، والعمل على الدفع بالقوى الوطنية الديمقراطية لتحل محل التيار الإسلامي على الأقل في السنوات العشر القادمة - بداية من الانتخابات التشريعية وانتهاء بالانتخابات الرئاسية- (2012/ 2014) من جهة أخرى.

رابعاً- احتمالات الصعود والهبوط:

1- سيناريو تحقيق الفوز، رغم توقع قلة نسبة المشاركة في التصويت ، فإن الاحتمال الأكثر توقعا هو تحقيق الإسلاميين للأكثرية دون الحصول على الأغلبية، فقد أظهر استطلاع نشرته أخيرا صحيفة الشروق الجزائرية أن الأحزاب الإسلامية قد تحصل على أكثر من 60 في المائة من أصوات الناخبين. فوفقا لعمومية النتائج التي أكدها الاستطلاع، فإن الأحزاب الإسلامية الخمسة قد تحقق فوزا كاسحا بنسبة 62 في المائة من الأصوات ، فيما قد تتراجع جبهة التحرير الوطني التي تعد أكبر أحزاب البرلمان المنتهي إلى المركز الثالث. ويأتي التجمع الوطني، وفقا للاستطلاع، والذي يعد ثاني أكبر الاحزاب في البلاد، والذي يتزعمه رئيس الوزراء أحمد أويحي ، في المركز التاسع .

ويرجع تحقيق هذا الاحتمال إلى :

- أن بعض الأحزاب الإسلامية في الجزائر لها تاريخ عريق، وبعضها يعد من الأحزاب الناشئة التي سمحت بها الحكومة تحت وطأة الربيع العربي الذي وصلت شرارته إلى الجزائر حتى قبيل اندلاع الثورة التونسية. ومن أقدم الأحزاب وأعرقها "حركة مجتمع السلم" (حمس) التي يتزعمها أبو جرة سلطاني، والتي تمثل التيار الإخواني الرئيسي، وهي الحركة التي خرج من رحمها حزب "جبهة التغيير" الذي يتزعمه عبدالمجيد مناصرة، بعد أن انشق هو وعدد من مؤيديه عن "حمس"، بعد صراع طويل شق صف الإخوان بسبب مشاركة "حمس" في تحالف رئاسي قبل ثماني سنوات.

- إنه من بين الحركات الإسلامية المتنافسة والمتحالفة "حركة النهضة" التي يقودها الآن فاتح ربيعي، وهي الحركة التي خرج منها حزب "حركة الإصلاح الوطني" التي يقودها حملاوي عكوشي. ومن حركة الإصلاح، تكون تياران فكريان منفصلان، هما "جبهة العدالة والتنمية" بقيادة سعد عبدالله جاب الله، و"جبهة الجزائر الجديدة" التي أسسها جمال عبد السلام. وبالتالي فإن جميع الاحزاب الدينية القديمة والجديدة منها ستصب في النهاية لصالح التيار الاسلامي بوجه عام .

2- سيناريو الإخفاق والحصول على أقلية، حيث هناك شكوك كبيرة حول قدرة التيار الإسلامي على تحقيق نتائج، مثلما حدث في كل من مصر وتونس، وذلك يرجع إلى :

- تمكن الأحزاب الإسلامية من ملامسة احتياجات المواطنين في برامجهم الانتخابية، إلى جانب انتشار دعوات المقاطعة للانتخابات في عدة أوساط إسلامية.

- الخلافات والانشقاقات داخل التيار الإسلامي في الجزائر ستؤدي حتما إلى تقليل حصة الإسلاميين ، بالاضافة إلى احتمالات عدم خوض التيار السلفي الجزائري الانتخابات بشكل قوي، بل قد يكتفي تيار ضيق داخله بالتصويت فقط.

- إن الانتخابات الجزائرية القادمة قد لا توفر فرصة لخروج الجزائر من حالة الاحتقان السياسي التي تعانيها الجزائر من 1992م، وذلك لأن الإصلاحات السياسية التي قام بها الرئيس بوتفليقة في أبريل الماضي توصف بأنها محدودة .

- احتمالات حدوث العزوف الانتخابي، واستمرار حالة التشكيك من قبل أحزاب المعارضة في ضمانات شفافية الانتخابات، بالإضافة إلى ضعف التجربة، وخصوصا الجديدة، في استعمال التقنيات الجديدة، والتواصل مع الناخبين، مما يفقدها أعدادا كبيرة من الجزائريين قد لا تقتنع بالبرامج الانتخابية لهذه الأحزاب .

-  ضعف الحملات الانتخابية للأحزاب الإسلامية، بالإضافة إلى اعتقاد فئة من الناخبين بأن الانتخابات هي مسابقة توظيف لشغل مناصب برلمانية، أو للهاربين من العدالة الباحثين عن الحصانة. هناك أيضا قناعة رسختها المعارضة بأن اللعبة حسمت مسبقا، أو أن التزوير سيكون لا محالة.


رابط دائم: