إلى أين تتجه المنطقة؟
2-5-2012

عبدالعزيز التويجري
* أكاديمي سعودي.

ماذا يجري في العالم الإسلامي اليوم؟ انه وضع غريب ومريب. ففي الوقت الذي تفاقمت فيه حدة المأساة الإنسانية، المروعة في سورية ويستمر النظام القمعي في سفك دماء شعبه، تهاجم قوات جنوب السودان حقل اهليلج النفطي الواقع في أراضي جمهورية السودان، وتحتله بالقوة مهددة بنشوب حرب جديدة في المنطقة، ويقوم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، بزيارة مفاجئة، هي الأولى من نوعها من زعيم إيراني، إلى جزيرة أبو موسى الإماراتية المحتلة من طرف إيران مع جزيرتين أخريين، ويتفاقم الوضع الأمني في ليبيا على نحو يهدد باتساع رقعة المعارك القتالية التي تنشب بين أطراف ليبية يناصب بعضها بعضاً العداء، ويزداد الوضع سوءاً وتدهوراً في اليمن، وتدخل مصر نفقاً مظلماً لا أحد يعرف له مخرجاً، وتشتد النزاعات المسلحة في الصومال الذي لم يعد أحد يعرف هل هو دولة لها سيادة أم مجرد مناطق متناحرة لا تملك مقومات الدولة، ويصر بعض مواطني البحرين من الشيعة على استمرار التوتر في بلدهم رغم كل المبادرات الجادة التي قامت بها الدولة، سائرين في مخطط يخدم أطماعاً خارجية أضحت واضحة لكل منصف.

أما في العراق الجريح الكسيح، فإن التغلغل الإيراني في تسيير دفة الحكم فيه، بات مكشوفاً بعد أن كان يتوارى خلف بعض السياسات المموهة الخادعة، التي كانت تقتضيها ضرورات الوفاء ببعض المتطلبات الطارئة، مثل التمهيد لعقد القمة العربية في بغداد، التي ما إن انفضت حتى بادر رئيس الحكومة السيد نوري المالكي بالإدلاء بتصريحات يهاجم فيها المملكة العربية السعودية وقطر، ويبدي فيها انحيازاً كاملا ً للنظام السوري القمعي الاستبدادي الطائفي، ما يفتح الباب أمام احتمالات كثيرة ليست في مصلحة دول المنطقة، ولا هي في مصلحة الأمة العربية الإسلامية. وفي كل الأحوال فإن الأمور في العالم العربي لا تسير في الاتجاه الصحيح، وما كان يعرف بالربيع العربي - وهي تسمية مستوردة تلقفها العرب دون وعي ورددوها دون فهم - أصبح خريفاً عاصفاً مزمهراً مكفهراً.

وتأتي الأحداث القلقة التي تقع في جمهورية مالي لتزيد من حالة التوتر التي تسود هذا الجزء من العالم العربي الإسلامي؛ لأن مالي ترتبط بحدود مع دول عربية من شمال أفريقيا، ومع دول إفريقية كلها دول أعضاء في منظمة التعاون الإسلامي. ولذلك فإن اضطراب الوضع في هذه الدولة الأفريقية التي تضم قبائل ذات أصول عربية يتجاهلها العرب مع الأسف، بل يكاد جلهم لا يعلمون شيئاً عن صلة هذه القبائل بأصولهم العربية، كما تضم مالي جزءاً من جماعة الطوارق التي يمتد وجودها إلى أكثر من دولة في الإقليم، والتي لها مطالب مكبوتة منذ عقود ولها طموح إلى الاستقلال عن الدول التي تنتمي إليها، كل ذلك يحمل على الشك في أن أطرافاً أجنبية تحرك خيوط الأحداث، وتسعى إلى إشعال نيران الفتنة العنصرية والقبلية التي سيكون لها انعكاسات خطيرة على العالم الإسلامي كله. ذلك أن ما يحدث في شرق العالم العربي يتماثل، من نواحٍ عدة، مع ما يحدث في غربه، في تلازم مطرد يوحي بأن الجهات التي تحرك الأوضاع هنا وهناك، تملك خريطة طريق ترسم في ضوئها الخطط، وتعرف ما تريد أن تنفذه، على حساب استقرار المجتمعات العربية الإسلامية، واستمرار حركة التنمية الشاملة المستدامة في المسار الذي يلبي احتياجات الشعوب ويستجيب مطالبها المشروعة.

فليس صحيحاً أن نفصل بين ما يقع في سورية والعراق واليمن ومصر والخليج، وبين ما يحدث في السودان والصومال وليبيا ومالي وتونس. فهذه خريطة واحدة مترابطة الأجزاء جغرافياً وبشرياً وأمنياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً، أو من المفروض أن تكون كذلك؛ لأن منظومة الأمن العربي الاسلامي لا يمكن أن تنفصل إلى أجزاء متفرقة. ولكن يبدو أن جامعة الدول العربية لا تعي هذه المعادلة التي يتوجب أن تكون إحدى قواعد العمل العربي المشترك.

إن هذه القلاقل التي تهدد الأمن العربي الإسلامي، وهذه الأزمات التي لا تزيدها الأيام إلا تفاقماً بشكل مرعب، يجب ان تدفعنا الى العمل السريع لمواجهة من يحركها ويستفيد من تداعياتها. فالخطر كبير جداً لا ينبغي التهاون في كشفه وكشف من هو ضالع في حدوثه من القوى الإقليمية الطائفية والقوى الدولية الاستعمارية التي تخدم في نهاية المطاف، مصالح اسرائيل ومطامعها. كما لاينبغي أن تصرفنا هذه القلاقل والأزمات عن الاهتمام بقضايا التنمية وتطوير الواقع وإصلاحه إصلاحاً شاملاً متكاملاً، وتحسين ظروف الحياة للشعوب العربية الإسلامية والمشاركة في بناء المستقبل الآمن، في إطار عمل عربي إسلامي مشترك متضامن ومتماسك، يستند إلى رؤية شفافة، ويرتكز على قاعدتي التضامن الإسلامي والوفاق العربي القائمتين على الحقائق لا على الأوهام.

فهل سنظل غارقين في بحر الأزمات المتلاحقة في منأى عن ساحة العمل الجدّي الهادف لإصلاح الأحوال وللنهوض بالمجتمعات العربية الإسلامية من النواحي كافة، ننتظر الذي يأتي ولا يأتي، بينما شعوبنا تتطلع إلى حياة جديدة في ظل الحرية والعدالة والكرامة والحكم الرشيد.

---------------------
* نقلا عن الحياة اللندنية، الأربعاء 2/5/2012.


رابط دائم: