مزاعم حول البرنامج النووى المصرى
11-3-2012

محمد منير مجاهد
*

أدركت مصر مبكرا الدور الذى يمكن أن تلعبه الطاقة النووية فى حل مشكلتين مهمتين من المشاكل التى تواجه الجنس البشرى، وهما توفير الطاقة الكهربية والماء العذب، وشرعت منذ الستينيات من القرن الماضى فى إنشاء أول محطة نووية لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر، وقد تصدت إسرائيل للبرنامج النووى المصرى منذ بداياته بكل الوسائل بما فيها العدوان العسكرى عام 1967، الذى كان من أهم أهدافه إيقاف البرنامج النووى وغيره من البرامج المتقدمة، ففى الضوء العقيدة النووية الإسرائيلية بأنه «توجد طاقة نووية واحدة لا اثنتين» فإن أحد المحاور الإستراتيجية الإسرائيلية هو منع أى دولة فى الشرق الأوسط ــ خاصة مصر ــ من تنمية قدراتها النووية السلمية، وفى هذا الإطار وطبقا لما أعلنه أمنون شاحاك رئيس الأركان الإسرائيلى الأسبق «كل الوسائل مقبولة لحرمان الدول العربية من القدرات النووية».

لتحقيق هدف حرمان مصر من تنمية قدراتها النووية السلمية تتحرك إسرائيل على المستوى الدولى (الخارجى) وعلى المحلى (الداخلى)، ويمكن أن نلاحظ على المستوى الخارجى نمطا متكررا تمارسه إسرائيل كلما أبدت مصر الرسمية أو الشعبية اهتماما باستئناف برنامج المحطات النووية لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر المجمد منذ عام 1986 يتمثل فى حملة تشويه شرسة تحركها مزاعم صهيونية ــ أمريكية بسعى مصر لتطوير سلاح نووى، أو أن البرنامج السلمى المعلن ما هو إلا غطاء لبرنامج عسكرى، وهو ما فندناه فى عدة مقالات منشورة فى الصحف منذ عام 1998، ومنها مقال «الحملة الإسرائيلية ــ الأمريكية على البرنامج النووى المصرى»، الذى نشرته جريدة «المصرى اليوم» العدد رقم فى 28 يناير 2005 قبل التفكير فى استئناف البرنامج بأكثر من عام ونصف العام.

وفى هذا الإطار نشرت جريدة الوفد (2/9/2010) ما يلى: «أصدرت منظمة السلام الأخضر الإسرائيلية بيانا أدانت فيه بشدة إقدام مصر على بناء مفاعل نووى لتوليد الطاقة الكهربائية بمنطقة الضبعة على ساحل البحر المتوسط، وأذاعت القناة السابعة بالتليفزيون الإسرائيلى بيان المنظمة وأوضحت أنها تعمل ضد بناء أى مفاعلات نووية فى العالم، وتعتزم التحرك ضد مصر، وكانت منظمة «الحفاظ على البحر المتوسط»، وهى أحد فروع المنظمة قد عارضت بشدة قرار الحكومة المصرية ببناء محطة للطاقة النووية على ساحل البحر المتوسط، وأكد التليفزيون الإسرائيلى أن المعارضين لتطوير الطاقة النووية يعتبرونها أمرا خطيرا ومكلفا، كما يعتبرون أن بناء أى مفاعل نووى يعتبر تهديدا خطيرا للمنطقة وتهديدا مباشرا لأمن إسرائيل. وطالب البيان بإحباط أى مبادرة لتطوير الطاقة النووية لخطورتها على البيئة، واعتبرت المنظمة أن البرنامج النووى المصرى الوليد يشكل خطرا داهما على إسرائيل والمنطقة، ويسبب أضرارا خطيرة بالبيئة وشككوا فى أن يكون البرنامج النووى المصرى سلميا».

على المستوى الداخلى تتحرك إسرائيل معتمدة على شبكة من المصالح المباشرة وغير المباشرة من مافيا الأراضى، وكتاب مرتبطين بمصالح خليجية، وما يسمون بالخضر والمعنيين بالبيئة، للهجوم على البرنامج النووى المصرى على ثلاثة محاور رئيسية هى:

1- الهجوم على الطاقة النووية والزعم بأنها ملوثة للبيئة وأن دول العالم تتراجع عن استخدامها، وإثارة المخاوف من وقوع حوادث نووية والزعم باستحالة التشغيل الآمن المحطات النووية، ومن إمكانية التخلص الآمن من النفايات النووية، والزعم بوجود مخاطر من التعرض الطويل للإشعاع منخفض الشدة، والتشكيك فى اقتصادياتها... إلخ.

2- التشكيك فى صلاحية موقع الضبعة لإنشاء محطات نووية رغم الدراسات المستفيضة التى أجريت عليه من أواخر السبعينيات، بزعم أن أى تسرب فى المحطة النووية سيؤدى إلى فناء مصر كلها، أو أن التربة غير مناسبة، وأنه من الأفضل نقل المشروع النووى إلى مكان آخر على ساحل البحر الأحمر (النشط زلزاليا) أو شرق العريش (منزوعة السلاح)!

3- التشكيك فى نزاهة وأمانة العاملين فى الهيئات النووية باتهامهم بالعمالة للشركات المنتجة للمحطات النووية دفاعا عن مكتسبات مادية، أو بالتربح بالاستيلاء على أراضى البدو الذين كانوا مقيمين فى موقع المشروع بالضبعة وبيع منتجاتها لحسابهم الشخصى، أو إقامة منتجعات فاخرة بالموقع كمصايف لكبار العاملين بوزارة الكهرباء... إلخ.

الهدف باختصار هو التشكيك فى الاختيار الذى اتجهت إليه مصر منذ الستينيات، وإثارة الشك فى سلامة اختيار الموقع، وتشكيك المصريين فى أنفسهم وفى قدرتهم على إنشاء وتشغيل وصيانة وتكهين المحطات النووية فهاهم أبناؤه الذين كانوا رأس حربة فى الوقوف أمام مافيا الأراضى منذ عام 2004، ليسوا إلا أناس عديمى النزاهة، وفى نفوسهم غرض، ويروجون لمنتجات الشركات المنتجة للمحطات النووية لأنهم عملاء لها، وأنهم يدعون الوطنية لكسب الأنصار... إلخ. وهو الأمر الذى يستوجب الرد عليه وتفنيده ليس فقط دفاعا عن البرنامج النووى المصرى وعن حق المصريين فى امتلاك مستقبلهم، وإنما أيضا لتأكيد ثقة المصريين فى أنفسهم وفى قدراتهم.

يعتمد المشككون فى الطاقة النووية ــ رغم تاريخها الطويل فى التشغيل الآمن منذ عام 1954 ــ على المخاوف الناتجة عن الآثار والعواقب المروعة للقنبلتين الذريتين اللتين ألقيتا على مدينتى هيروشيما ونجازاكى باليابان خلال الحرب العالمية الثانية، والاعتقاد الخاطئ بعدم اكتمال نضج الطاقة النووية حتى الآن، والمخاوف من تكرار حوادث كتلك التى وقعت فى جزيرة ثرى مايلز آيلاند بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1979، وفى تشرنوبيل فى أوكرانيا بالاتحاد السوفيتى «سابقا» عام 1986، وأخيرا فى فوكوشيما باليابان عام 2011.

وحقيقة حادثة ثرى مايلز آيلاند هى وقوع خطأ ميكانيكى بأحد الصمامات تلاه خطأ بشرى ساهم فى نقص مياه التبريد، وهو ما أدى لانصهار قلب المفاعل، ولم ينتج عن الحادث أى وفيات أو إصابات، كما تم احتواء كل المواد المشعة المتسربة بمبنى الاحتواء وعدم تسربها خارج المحطة، ومن ثم لم يتم تهجير أى من السكان الملاصقين للمحطة النووية.

أما بالنسبة لحادثة تشيرنوبيل فطبقا لتقرير (Chernobyl’s Legacy: Health Environmental and Socio-Economic Impacts) الذى يتضمن نتائج دراسة أجراها 100 عالم متخصص برعاية الأمم المتحدة وصدر بمناسبة مرور 20 عاما على كارثة تشيرنوبيل فإن عدد الوفيات الناجمة عن الكارثة حتى منتصف عام 2005 تقل عن 50 حالة وفاة وكل هذه الحالات تقريبا هى لعمال الإنقاذ الذين تعرضوا بشكل مكثف للإشعاع وماتوا فى غضون شهور من الحادثة، وحتى تاريخ صدور هذا التقرير تم رصد 4000 حالة إصابة بسرطان الغدة الدرقية ومعظمهم من الأطفال، تم شفاؤهم جميعا باستثناء تسع حالات وفاة، ومن الجدير بالذكر أن محطة تشيرنوبيل كانت تتكون من أربعة مفاعلات وقعت الحادثة فى أحدهم فقط وتم إغلاقه عام 1986 أما بقية المفاعلات فقد ظلت طواقم التشغيل تديرها حتى تم إغلاق آخرها عام 2000 أى لمدة 14 سنة بعد الحادثة.

أما عن فوكوشيما، فقد تعرضت اليابان فى الحادى عشر من مارس 2011 لكارثة طبيعية مروعة حيث ضرب زلزال بقوة 8.9 على مقياس ريختر (تعادل 1000 مرة زلزال 1992 فى مصر) شرق اليابان ــ (وهى قوة تتجاوز أسس تصميم مفاعل محطة فوكوشيما-1)، ونتج عنه موجات عاتية من المد الزلزالى المعروفة باسم «تسونامى»، وقد أدى الزلزال والتسونامى إلى مصرع نحو عشرة آلاف شخص وفقدان ما يقرب من عشرين ألف شخص، ومسحت من على وجه الأرض مدن بأكملها بها آلاف المنازل، كما أدت الكارثة أيضا إلى وقوع حادثة فى محطة فوكوشيما-1 النووية والتى تضم ستة مفاعلات نووية قدرتها الإجمالية 4700 ميجاوات وتعد واحدة من أكبر 15 محطة نووية فى العالم، ورغم أن الحادثة النووية لم ينتج عنها أى وفيات فقد سارع أعداء البرنامج النووى المصرى لتسليط الضوء عليها والمبالغة فى آثارها متجاهلين الكارثة الإنسانية المروعة الناجمة عن الزلزال والتسونامى، أما هذه الحادثة التى أصابت أربعة من مفاعلات المحطة الستة فقد واجهها مشغلو محطة فوكوشيما ببسالة نادرة، حيث ظلوا موجودين فى أماكنهم داخل المحطة النووية ولا يغادرونها إلا لفترة مؤقتة حينما ترتفع حدة الإشعاع فى المحطة ويعودون بعد أن تنخفض حتى سيطروا تماما على الحادثة فى المفاعلات الأربعة وأعلن رسميا فى 16 ديسمبر 2011 أن المفاعلات قد وصلت لحالة الإيقاف البارد الآمن.

لا أجد ما ألخص به دور الطاقة النووية فى إنقاذ عالمنا المضطرب سوى كلمات باتريك مور أحد مؤسسى منظمة السلام الأخضر المعنية بشئون البيئة فى مقال له بجريدة واشنطن بوست بتاريخ 16 إبريل 2006، حيث يقول: «فى أوائل السبعينيات حينما شاركت فى تأسيس منظمة السلام الأخضر كنت أعتقد أن الطاقة النووية مرادف للمحرقة النووية.. ولكن بعد 30 سنة فقد تغيرت رؤيتى.. فالطاقة النووية قد تكون مصدر الطاقة القادر على إنقاذ كوكبنا من كارثة أخرى محتملة وهى تغير المناخ».

------------------------
* نقلا عن الشروق المصرية, 11 مارس 2012.


رابط دائم: