التنمية الحضرية المستدامة وأهمية حماية التنوع البيولوجي في مصر
19-12-2025

عائشة غنيمي
* خبير اقتصادي ومسئول برامج وعلاقات دولية

تضع الدولة المصرية  التنمية الحضرية المستدامة  كأولوية استراتيجية  هامة من أجل ضمان تحقيق جودة الحياة لكل مواطن مصري ومواطنة مصرية، وذلك على مستوى كافة محافظات الجمهورية والقرى والمراكز داخل كل محافظة. وفي هذا الصدد، تم إنشاء العديد من المدن الجديدة بما يواكب استيعاب معدل النمو السكاني المتزايد والمطرد. وذلك مع مراعاة التوزيع المُدار بعناية للمناطق الخضراء الحضرية، والحفاظ على التنوع البيولوجي وخدمات النظم البيئية. ويأتي ذلك في إطار تعزيز التنمية الحضرية المستدامة، وترشيد استخدام الأراضي، والتصدي لظواهر الزحف العمراني وتجريف الأراضي غير الرشيد ومخالفات البناء، التي تمثل تهديدًا مباشرًا للبيئة وتؤثر سلبًا على جودة حياة الإنسان على المدى الطويل.

ولا يقتصر الأمر على إنشاء هندسي لمدن جديدة أو إطلاق أنشطة تجارية تهدف إلى تحقيق مكاسب اقتصادية قصيرة الأجل، بل يمتد ليشمل كيفية تصميم المباني والمناطق الحضرية، والتخطيط العمراني الذي يهدف إلى تحقيق استدامة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. وفي هذا السياق، يصبح من الضروري أن يكون المواطنين على وعي بالمخاطر البيئية التي قد تؤدي إلى كوارث طبيعية وصحية واجتماعية وأمنية في المستقبل القريب.الأمر الذي يبرز أهمية انتقال المواطنين إلى المدن الجديدة  التي تضمن لهم المعايير الصحية والبيئة ذات الجودة العالية وتتوافق مع المعايير العالمية بما يوطد من جودة النظم البيئية والصحية وتحقق معايير السلامة والأمن و رفع جودة الاستثمار في الثروة البشرية وبناء مجتمع وأجيال قادرة على الإنتاج والابتكار وخلق قيمة مضافة تبني أجيال قادمة وتعزز من استقرار وأمن الوطن.

وعلى هدى ما تقدم، تبرز أهمية السياسات المتخذة للحفاظ على التنمية الحضرية المستدامة، بما يضمن حماية البيئة، وتعزيز جودة حياة الإنسان، ووقف فقدان التنوع البيولوجي، والحد من الاستخدام غير الرشيد للأراضي والموارد الطبيعية. وقد بذلت الحكومة المصرية، منذ عام 2014، جهودًا دءوبة لضمان مستوى معيشي لائق لكل فرد، وجودة حياة كريمة على مستوى المحافظات وخاصة محافظات الوجه القبلي ، وذلك من خلال توطين خطط وأهداف التنمية المستدامة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، في ظل معدلات النمو السكاني المتُسارعة. ومن ثم، فإن جني ثمار التنمية المستدامة سيعود بالنفع على الأجيال الحالية والمقبلة على المدى الطويل والمدى المتوسط.

وفي إطار تنفيذ استراتيجية التنمية المستدامة: رؤية مصر 2030، تمضي الدولة المصرية قدمًا نحو تعميق التنمية الحضرية المستدامة، بهدف مواجهة ظاهرتي الزحف العمراني ومخالفات البناء المستشرية، اللتين تهددان التنوع البيولوجي ووظائف النظم البيئية.

تجدر الإشارة إلى أن الدولة المصرية تتمتع بتنوع بيولوجي فريد يسهم في تسريع وتيرة التنمية المستدامة  ويدعم جودة حياة الإنسان، نظرًا لموقعها الجغرافي المتميز بين قارتي إفريقيا وآسيا، مما يجعلها موطنًا لمجموعة واسعة من النظم البيئية البرية والبحرية. ويُقصد بالنظام البيئي أي مساحة طبيعية بما تحتويه من كائنات حية نباتية أو حيوانية، إلى جانب المكونات غير الحية.

ورغم أن المناطق الحضرية لا تشغل سوى نحو 4% من مساحة سطح الأرض، فإن تأثيرها البيئي يمتد ليشمل نطاقًا عالميًا. ويُعد فقدان التنوع البيولوجي أحد أخطر التهديدات البيئية على المستوى العالمي، حيث يتحمل الأفراد جزءًا كبيرًا من المسؤولية نتيجة الإفراط في استهلاك الموارد الطبيعية، وتغير استخدامات الأراضي، وانتشار المباني العشوائية المخالفة لأكواد البناء.ويرتبط التنوع البيولوجي ارتباطًا وثيقًا بالنظم البيئية، إذ يُعد عنصرًا أساسيًا لاستدامة وظائفها. ويمكن تعريف التنوع البيولوجي بأنه التباين بين الكائنات الحية من جميع المصادر، بما في ذلك النظم الإيكولوجية البرية والمائية والمجمعات البيئية، ويشمل ذلك الموارد الجينية والكائنات الحية والمجموعات السكانية. أما خدمات النظم البيئية، فهي الفوائد المباشرة وغير المباشرة التي يحصل عليها الإنسان من النظم البيئية، والتي تدعم بقائه وجودة حياته.

الجدير للذكر، إن ارتفاع معدلات النمو السكاني، المصحوب بالهجرة من المناطق الريفية إلى الحضرية، أدى إلى ظهور أنماط من التوسع العمراني غير المنضبط وغير الفعال. إذ يتسم بانخفاض كثافة البناء والاستحواذ على الأراضي الزراعية المُحيطة. ويُعد هذا النمط من النمو غير قابل للاستدامة على المدى الطويل، نظرًا لزيادة استهلاك الموارد والطاقة، وما يترتب عليه من فقدان وتجزئة المواطن الطبيعية، وبالتالي تراجع التنوع البيولوجي.وتُعد النظم البيئية الحضرية أنظمة مفتوحة وديناميكية، لكنها شديدة الاصطناعية ويهيمن عليها النشاط البشري، حيث يؤدي تجريف الأراضي الزراعية والبناء العشوائي وممارسة الأنشطة المخالفة إلى الإخلال بوظائف النظام البيئي الطبيعي. ومن ثم، يتعين تحقيق توازن دقيق بين النظم البيئية الاصطناعية والطبيعية داخل المدن.

في ضوء ما سبق، بات ضروريًا  التمييز بين التنمية الحضرية التقليدية والتنمية الحضرية المستدامة. فالأخيرة تأخذ في الاعتبار الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وتأثير المدن على النظم البيئية المحيطة بها. ويُعد التخطيط المستدام، إلى جانب أهمية الاستثمار في البنية التحتية الخضراء، أحد أهم المحفزات للحفاظ على خدمات النظم البيئية، إذ تسهم هذه البنية في ربط المناطق الطبيعية المجزأة وتحسين الاتصال الوظيفي بينها، بما يعزز رفاهية الإنسان وجودة حياته. كما يُعد تخضير المدن، من خلال ترميم أو إنشاء مساحات خضراء جديدة، عنصرًا أساسيًا في استدامة المدن وحماية التنوع البيولوجي.

وعليه، فإن هناك ضرورة ماسة  للتعزيز وتعميق الوعي المجتمعي لضمان خطة التنمية الحضرية الخضراء ونجاح خطط الاستدامة.حيث تتلخص الأهداف الرئيسية لخطة الاستدامة في الإدارة الكفء  للمدن الحديثة وحماية المساحات الخضراء الحضرية. ويظل رفع الوعي البيئي لدى المواطنين، وتعزيز فرص التعليم والتدريب في مجالات التنمية الحضرية  المستدامة، أمرًا بالغ الأهمية لتوجيه المجتمع نحو الاستدامة، وإبراز أهمية التنوع البيولوجي ووظائف النظم البيئية في البيئات الحضرية.

هذا إلى جانب استمرار تكثيف الجهود للتعزيز من فرص إشراك المواطنين في صنع سياسات الاستدامة وحماية التنوع البيولوجي واستدامته، مع الأخذ في الاعتبار مواصلة  التنسيق المُستمر بين شركاء التنمية المحليين والإقليميين ومختلف فئات المجتمع ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، حيث في صنع ووضع السياساتالعامة ذات الفاعلية  بما يضمن  تنفيذها ونجاحها . فضلًا عن  زيادة الحوافز الاستثمارية الجاذية  للاستثمارات في البنية التحتية الخضراء، بما يتوافق مع أهداف ومستهدفات خطط التنمية المستدامة. الأمر الذي  من شأنه أن يعزز فعالية السياسات العامة الحضرية، ويحافظ على البيئة، ويرفع من جودة حياة المواطن، ويدعم الأمن المائي والغذائي  والبيئي والصحي، ومن ثم نجاح سياسات الاستثمار في الثروة البشرية واستدامتها.


رابط دائم: