آليات التسلل الإسرائيلي في جنوب القوقاز وآسيا الوسطى وإفريقيا
16-12-2025

عمرو أحمد
* مدير وحدة إيران بالمنتدى الاستراتيجى للفكر والحوار

يتحكم منطق "مطاردة الخصوم" في سلوك وتحركات إسرائيل الخارجية، وهو المسار الذي استخدمته في تطويق إيران من خلال توطيد علاقاتها بدول جوار طهران في جنوب القوقاز وآسيا الوسطى.

وفي قارة إفريقيا تسللت إسرائيل من هذا المنطلق، أرادت حصار النفوذ الإيراني وعناصر حزب الله، ومواجهة التأثير العربي الفلسطيني عبر خلق سرديات جديدة تتناسب مع استراتيجية الاحتلال داخل القارة.

وبين جنوب القوقاز، وآسيا الوسطى، وإفريقيا سنحاول في هذا المقال المقارنة بين المتشابهات والمتباينات في استراتيجية دولة الاحتلال، وكيفية التسلل إلى تلك الدول التي تختلف طبيعتها الجغرافية، ومكونها العرقي، وموروثها الشعبي والثقافي والديني عن بعضها بعضا.

مرتكزات السياسة الخارجية لإسرائيل:

تسعى إسرائيل إلى كسر عزلتها الدبلوماسية، عن طريق خلق علاقات قوية مع الدول النامية صاحبة الموارد، تقلل من اعتمادها على التحالفات التقليدية وتكسبها أصواتا داعمة في المحافل الدولية بهدف تقليل العداء الدولي وتحسين صورتها العامة.

تلعب إسرائيل على خلق متشابهات وضروريات وتعظيم المخاوف التي تحتم وجود تعاون أمني واستراتيجي بين تل أبيب وتلك الدول.. هذه الاستراتيجية يمكن اختصارها في أربع نقاط:

  -التشابه بين التجارب التاريخية لتلك الدول في آسيا وإفريقيا من حيث معاناتها من الاستعمار والتمييز العنصري، مثل معاناة اليهود مع الهولوكوست والتمييز في أوروبا.

 -خطر الإرهاب والتطرف الديني الذي يلاحق تلك الدول باختلاف أيديولوجيتها، وقدرة إسرائيل الأمنية والتكنولوجية على مجابهة تلك المخاوف بوصفها مشروعا فرض نفسه على الواقع المحيط به.

-علاقاتها القوية بالولايات المتحدة والدول الأوروبية كورقة يمكن استخدامها لتسهيل العديد من مصالح تلك الدول.

 -الاستثمار في الاقتصادات الناشئة السريعة النمو، وتقديم دورات تدريبية وبرامج تنموية للدول النامية، مقابل الاستفادة من الموارد والدعم الدولي.

جنوب القوقاز وآسيا الوسطى:

منذ انهيار الاتحاد السوفيتي عملت إسرائيل على دعم الجاليات اليهودية في جنوب القوقاز وآسيا الوسطى، واعترفت بالدول المستقلة عن الاتحاد السوفييتي وشرعت في علاقات اقتصادية ودبلوماسية.

وحاليا تعمل في أذربيجان نحو ١٤٠ شركة إسرائيلية، وفي كازاخستان أكثر من ١٦٠ شركة ذات رأس مال إسرائيلي، أما أوزبكستان وهى سادس أكبر منتج للذهب في العالم ولديها احتياطيات كبيرة من اليورانيوم تتعاون مع إسرائيل فى مشروعات تعليمية، وصحية، وزراعية عبر وكالة التعاون الإنمائى الإسرائيلية، وفي تركمانستان افتتحت إسرائيل سفارة على بعد  ١٥ ميلا من الحدود الإيرانية وتتعاون مع تل أبيب فى مجالات الزراعة، والتكنولوجيا المائية، والتعاون الصحى والطبى.

هذه التحركات كانت بمثابة طوق فرض على إيران وتخشى طهران استخدام أراضي تلك الدول في مواجهات قادمة مع إسرائيل.

لكن تلك التحركات الإسرائيلية يقابلها اتساع دائرة التحركات المصرية في منطقة آسيا الوسطى وجنوب القوقاز ودول جوار تلك المنطقة، ومنها عقد قمة مصرية-قرقيزية في القاهرة نوفمبر الماضي، وسبقها مشاركة رئيس جمهورية أذربيجان إلهام علييف في قمة السلام في مدينة شرم الشيخ أكتوبر الماضي، أما أحدث التحركات فكانت زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي إلى باكستان قدم خلالها مقترحا يربط قناة السويس بميناء جوادر الباكستاني، الممتد لأكثر من ٣٠٠٠كم حتى كاشغار (غرب الصين)، وضمن مبادرة الحزام والطريق ويعرف بالممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني (CPEC).

إسرائيل وإفريقيا:

خلال الخمسينيات والستينيات شهدت العلاقات الإسرائيلية الإفريقية تقلبات حادة، لكنها فقدت معظمها بعد حرب أكتوبر عام ١٩٧٣ حين قطعت أكثر من ٢٠ دولة إفريقية علاقاتها معها، لكن تل أبيب عملت على تقديم نفسها بشكل جديد لدول القارة.

عادت إسرائيل في عام ٢٠١٦ بعدما أطلقت "برنامج إفريقيا" للتسلل إلى القارة بوجه جديد، البرنامج أثبت فعاليته من خلال توقيع اتفاقيات تعاون مع دول، مثل كينيا وتنزانيا. وفي العام نفسه زار بنيامين نتنياهو القارة الإفريقية كأول رئيس وزراء إسرائيلي يزور إفريقيا منذ ٥ عقود، شملت زيارته في شرق إفريقيا كينيا، وإثيوبيا، وأوغندا، وسبقه بأعوام وزير خارجيته أفيجدور ليبرمان الذي زار البلدان الثلاثة عام٢٠٠٩.

شارك نتنياهو في قمة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) عام ٢٠١٧، كذلك عملت تل أبيب على افتتاح سفارات جديدة في بلدان، مثل رواندا وغانا.

تنظر إسرائيل إلى إفريقيا ككتلة تصويتية داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة، من أصل ١٩٣ مقعدا تمثل الدول الإفريقية ٥٤ مقعدا، و٣ مقاعد من أصل ١٥ في مجلس الأمن، و١٣ مقعدا من أصل ٤٧ مقعدا على مستوى مجلس حقوق الإنسان. لكن تل أبيب أرادت أيضا مطاردة النفوذ الإيراني في إفريقيا، خاصة خلال فترتي حكم الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد (٢٠٠٥-٢٠١٣)،  تلك الفترة شهدت اهتماما لافتا لخلق شبكات علاقات جديدة خارج الشرق الأوسط، وتنامي حضور طهران في إفريقيا مع تطور الاستثمار السياسي الإيراني في بعض أقطار القارة.

اتبعت إسرائيل الدبلوماسية الناعمة في إفريقيا والتي استندت على مجموعة من الدورات التدريبية والبرامج التنموية التي قدمتها عبر الوكالة الإسرائيلية للتعاون الإنمائيMashav،بخلاف المساعدات الزراعية والمائية للدول التي تعاني من سوء الزراعة أو شح المياه، كما استثمرت في التبادل الثقافي والمنح الدراسية والمؤتمرات.

واقتصاديا تمتلك إفريقيا العديد من المحفزات الجاذبة للاستثمارات الإسرائيلية، حيث تحتوي على عدد من الاقتصادات الناشئة السريعة النمو، مثل نيجيريا، وكينيا، وجنوب إفريقيا، بجانب تمتعها بسواحل شاسعة وتوفر العمالة الرخيصة.

شركة "إنيرجيا جلوبل " (Energiya Global) الإسرائيلية في عام ٢٠١٧ التزمت باستثمار ما يصل إلى مليار دولار خلال السنوات المقبلة لتطوير مشاريع الطاقة الخضراء في ١٥ دولة إفريقية.

وفي عام ٢٠٢١ افتتحت شركة "جيجاوات جلوبل" (Gigawatt Global) ومقرها إسرائيل أول محطة للطاقة الشمسية في بوروندي بما يزيد قدرة التوليد بنسبة ١٠%، قبل أن تعلن عن نيتها مضاعفة حجم المشروع عام ٢٠٢٣، وفي زامبيا شهد العام نفسه اتفاقا إسرائيليا لإنشاء محطة قادرة على توليد ١٧ ميجاواتا من الكهرباء عبر طاقة الرياح في أكبر استثمار من نوعه في زامبيا بقيمة ١٠٠ مليون دولار أمريكي.

وعسكريا تناولت تقارير أممية أن أسلحة إسرائيلية غذت الحرب الأهلية في جنوب السودان بعد استقلاله. واشترت دول، مثل نيجيريا، والكاميرون، وتشاد، وأوغندا أسلحة إسرائيلية خلال العقدين الماضيين.

ومع بداية العدوان على غزة بعد السابع من أكتوبر، تراجعت مكاسب إسرائيل الدبلوماسية مرة أخرى في القارة الإفريقية، الاتحاد الإفريقي أدانها على الانتهاكات في القطاع، وجنوب إفريقيا قادت معركة قضائية أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة، وفي أبريل ٢٠٢٤، طرد السفير الإسرائيلي من فعالية للاتحاد الإفريقي في أديس أبابا، وتعليق صفة المراقب التي حصلت عليها إسرائيل عام٢٠٢١.

وبعد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، تسعى إسرائيل مجددا لاستعادة علاقات بدول إفريقيا، وفى نوفمبر الماضي تصدرت زيارة الرئيس الإسرائيلي، اسحاق هرتزوج، إلى زامبيا والكونغو الديمقراطية عناوين الصحف الإسرائيلية، حيث أشارت إلى أن الهدف الأساسي هو إحياء العلاقات الدبلوماسية مع إفريقيا، في محاولة للبحث مجددا عن تعزيز مكانة إسرائيل في الاتحاد الإفريقي، وحشد الأصوات الإفريقية في المحافل الدولية لصالح بلاده.

تراهن إسرائيل على دول، مثل الكاميرون، والكونغو الديمقراطية، وإثيوبيا، وجنوب السودان، وهي الدول التي امتنعت عن التصويت في الأمم المتحدة على حل الدولتين، وافتتحت إسرائيل سفارة لها نهاية أغسطس في العاصمة الزامبية لوساكا بعد انقطاع دام أكثر من نصف قرن.

من بين أمثلة الدبلوماسية الناعمة، زيارة ملك شعب الخوسا في جنوب إفريقيا، بويليخايا داليندييبو، ٧ ديسمبر ٢٠٢٥، إلى إسرائيل بدعوة من وزارة الخارجية الإسرائيلية، التقى الرئيس الإسرائيلي اسحاق هرتزوج ووزير الخارجية جدعون ساعر، وأثناء زيارته، قال إن أي هجوم يستهدف الأطفال أو النساء أو المدنيين العزل "لو حدث ضد شعبي، لكنت سأمحو غزة".

ختاما، ستظل دول إفريقيا تتأرجح في علاقاتها مع إسرائيل بناء على تحركات الدول العربية في العمق الإفريقي واتخاذ موقف موحد من تل أبيب، وهو ما ظهر تاريخيا في حرب أكتوبر وفي العدوان على غزة، وتتأثر القارة في علاقاتها بدول آسيا وفق الممرات الاقتصادية التي ستصل إليها مستقبلا من الشرق وسوف تحقق مكاسب اقتصادية كبيرة لها، ولم تتخل إسرائيل عن مطاردة الخصوم في جنوب القوقاز، وآسيا الوسطى، وإفريقيا.

 


رابط دائم: