أبعاد التعاون العسكري الروسي-الأوغندي..أسلحة قديمة ونفوذ جديد
27-11-2025

رنا محمد عياد
* باحثة في العلوم السياسية

في العقد الماضي تغيرت قواعد اللعبة في أسواق السلاح والتحالفات الاستراتيجية. كما أن اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية في فبراير 2022 لم يكتفِ بتغيير ميزان القوى العسكري في أوروبا، بل أسفر عن تصاعد كبير في القيود والعقوبات على موسكو، وانضغاط أسواقها التقليدية لصادرات الدفاع. هذه الضغوط دفعت صانعي القرار في الكرملين إلى إعادة تقييم سبل بقاء منظومة الصناعات العسكرية الروسية من جهة الاحتفاظ بالقدرات الحربية المطلوبة في أوكرانيا، ومن جهة أخرى إيجاد قنوات لتصريف فائض الإنتاج أو المعدات التي لم تَعد تعتبر حديثة بالنسبة للأسواق الغربية. النتيجة كانت سياسة مزدوجة: الاحتفاظ بالتقنيات الأكثر تقدما لجهود الحرب، وإعادة توظيف الأنظمة المتوسطة والقديمة في أسواق واعدة خارج الدائرة الغربية، مع تحويل مبيعات الأسلحة إلى أدوات نفوذ سياسية واقتصادية.

على مستوى القارة الإفريقية، تحول المشهد كذلك في نهاية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، حيث شهدت تصاعد تنافس متعدد الأقطاب على القارة ما بين نفوذ اقتصادي صيني، ووجود أوروبي-أمريكي معلق بين التعاون والانتقاد، وعودة فعلية لروسيا كمنافس سياسي وعسكري. هنا لم تعد إفريقيا مجرد سوق، فقد باتت أرضا لبناء تحالفات استراتيجية طويلة الأمد، عبر مزيج من المبيعات العسكرية، والتعاون التقني، والاستثمارات الاقتصادية. بالنسبة لروسيا، هذه الاستراتيجية تمنحها منفذا دبلوماسيا ضد عزلة الغرب، وبالنسبة لعدد من الدول الإفريقية -خاصة أصحاب الميزانيات المحدودة أو الذين يسعون لتوسيع خياراتهم الدولية- تصبح هذه العروض مغرية لرفع القدرات الحكومية والعسكرية بتكلفة أقل.

وفي الحالة الأوغندية تحقق هذا التحول بشكل عملي ومعلن خلال عام 2025، في 26 أكتوبر 2025 قدمت روسيا لأوغندا معدات عسكرية وهندسية تقدرها كامبالا بـ53 مليون دولار، وتم خلال فعالية التسليم افتتاح منشأة إصلاح ميكانيكي رئيسية في ثكنات غدافي (Magamaga) وورش في عنتيبي، كما جرت جلسات اللجنة الحكومية الأوغندية-الروسية في أكتوبر 2025 لتسريع تنفيذ مذكرات تفاهم تعود لسنوات سابقة. هذه الخطوات لا تمثل مجرد تبادل معدات، بل انتقالا عمليا من نموذج بائع-مشتري إلى نموذج مزود قدرات على الأراضي، حيث تُقدم روسيا حلولا متكاملة: عتاد، وصيانة، وتدريب، وبنية لوجستية محلية. وخلال هذا المقال سيتم تحليل ذلك تفصيليا بدءا  بدوافع روسيا، مرورا بمكاسب أوغندا، والتداعيات الإقليمية والدولية، وصولا لسيناريوهات الاستدامة والمخاطر، ثم توصيات لصانعي القرار والباحثين.

أولًا- الأساس الاستراتيجي للنهج الروسي.. من فائض السلاح إلى بناء نفوذ طويل المدى:

بعد سنتين ونصف من الحرب في أوكرانيا ابتداء من 24 فبراير 2022، أصبحت روسيا تواجه قيودا مالية ولوجستية على مبيعاتها التقليدية من الأسلحة، بينما في المقابل يتراكم لديها مخزون من معدات متوسطة إلى قديمة يمكن إعادة تدويرها وإدخالها في سوق بديلة. التحول هنا ليس تجاريا بحتا بل يكمن الطموح الروسي في تحويل الصفقة إلى قاعدة نفوذ مستدامة عبر إنشاء مرافق صيانة ومجموعات تدريبية على الأرض بإنشاء نموذج عمل أساسه القدرة على الإدامة وليس مجرد نقل الملكية.

1- الضغط الاقتصادي وتغير خريطة صادرات السلاح الروسية:

بعد عام 2022، سجلت مؤسسةSIPRI-وهي أهم مرجع عالمي لتتبع تجارة السلاح- أن صادرات روسيا من الأسلحة انخفضت بنسبة 31% بين 2019 و2023، وهو أكبر تراجع تشهده موسكو منذ انهيار الاتحاد السوفيتي. هذا الانخفاض ترافق مع عقوبات طالت القطاع الدفاعي بالكامل، مما جعل الشركات الروسية غير قادرة على تنفيذ أكثر من 18 صفقة قائمة مع دول آسيوية وإفريقية.

في المقابل، تقدر تحليلات أوروبية وأمريكية أن روسيا بات لديها فائض يُقدر بعشرات آلاف الوحدات من المركبات، والعربات اللوجستية، وقطع الهندسة العسكرية، نتيجة استبدال منظومات أحدث بها مثلT-90M،وBMP-3،ومركباتMRAP محلية الصنع.

وبدلا من ترك هذا المخزون يتآكل في المخازن العسكرية أو يكلف الدولة مليارات الروبلات في الصيانة، بدأت موسكو في إعادة تدويره عبر أسواق جديدة، أبرزها:

أوغندا، ومالي، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وموزمبيق، وكلها دول تربطها بروسيا مصالح أمنية ورغبة في الحصول على معدات منخفضة التكلفة مقارنة بالمعايير الغربية.

2- تحويل العتاد القديم إلى تمركز النفوذ الروسي داخل الدول الإفريقية:

لا تبيع روسيا معداتها فقط، بل تُرفق كل صفقة بـ 3 مكوّنات رئيسية تؤسس لنفوذ طويل المدى:

أ- إنشاء ورش صيانة روسية داخل أراضي الدولة المستقبلة:

في 26 أكتوبر 2025، افتتحت موسكو وأوغندا أكبر منشأة صيانة عسكرية مشتركة في منطقةMagamaga))داخل ثكنات غدافي، إلى جانب ورشة بحرية في(Entebbe)، هذه المنشآت تخدم ثلاث وظائف:

- إصلاح وتجديد المعدات الموردة.

-توفير قطع غيار روسية (وبالتالي إبقاء الجيش معتمدا على موسكو).

-تدريب الفنيين الأوغنديين على الأنظمة السوفيتية والروسية.

ب- إدخال فرق تدريب وخبراء روس:

مما يعزز قدرة روسيا على متابعة أداء المعدات وتحديثها محليا بدلًا من استيراد بدائل بناء علاقة مؤسسية داخل الجيش الأوغندي، وهو نموذج قُدم سابقا في مالي والنيجر عبر شركة "فاغنر" الروسية قبل 2023، ثم عبر وزارة الدفاع الروسية مباشرة بعد إعادة هيكلة الوجود العسكري في الساحل.

ج- زيادة الاعتماد التقني على موسكو:

تُعد هذه الاستراتيجية حجر الأساس في تكوين سلسلة تبعية طويلة الأمد، حيث تصبح الدولة المستوردة معتمدة على قطع غيار روسية، وخبراء روس، ودورات تدريبية في الأكاديميات الروسية، وتحديثات دورية.

وبالتالي يتحول البيع من صفقة سلاح إلى علاقة دائمة.

3- روسيا شريك تقني وليس مجرد مورد:

واحدة من أبرز المؤشرات على أن النفوذ الروسي طويل الأمد هو حجم التعاون الحكومي الرسمي، ففي 7–9 أكتوبر 2025، انعقدت اللجنة الحكومية المشتركة الثالثة بين موسكو وكمبالا، والتي ناقشت:

تفعيل 23 مذكرة تفاهم مؤجلة منذ 2020، وتطوير التعاون العسكري والاقتصادي، وإنشاء برامج تبادل علمي وتكنولوجي. هذه اللجان ليست شكلية، بل تُستخدم كأداة سياسية للبقاء داخل الدولة عبر مسارات تقنية وقانونية. وبحسب بيانات وزارة الدفاع الأوغندية في 2025، فإن روسيا أصبحت ضمن أفضل 3 شركاء دفاعيين لأوغندا إلى جانب الصين وتركيا.

4- طبيعة المعدات الموردة ودلالاتها الاستراتيجية:

تشمل دفعة 2025 التي بلغت قيمتها 53 مليون دولار معدات ذات طابع هندسي ولوجستي أكثر من كونها معدات قتالية مباشرة، مثل:منظفات العقبات، وآلات حفر الخنادق، وقوارب دعم، وورش متنقلة، ومحطات ساحلية للاتصالات، ومركبات هندسية يُعتقد أنها مبنية على هياكل دبابةT-55 أو شاحناتUral وGAZ، ورغم أن هذه المعدات ليست متطورة مقارنة بما يُقدم في الأسواق الغربية، إلا أنها تلائم طبيعة الجيش الأوغندي الذي يعمل في:عمليات مكافحة التمر(Karamonja& ADF)،وعمليات حفظ السلام تحت راية الاتحاد الإفريقي،والحاجة إلى دعم لوجستي قوي بدل الأسلحة المتقدمة، وهذا يُفسر لماذا تفضل أوغندا هذا النوع من المعدات "العملية" على حساب التكنولوجيا الغربية المكلفة.

5- الرؤية الروسية مقابل العروض الغربية: لماذا تجد أوغندا خيار موسكو أكثر جاذبية؟

عادة ما تربط الدول الغربية صفقات السلاح بشروط سياسية تخص الحوكمة، وحقوق الإنسان، والشفافية المالية على عكس روسيا التي تعتمد نموذج “لا شروط سياسية، فقط تعاون تقني”. لهذا تُعتبر موسكو خيارا جذابا للدول التي تبحث عن سرعة الحصول على العتاد، ومرونة في التفاوض، وأسعار أقل بنسبة تتراوح بين 40–60% مقارنة بالموردين الغربيين، وعدم وجود ضغط سياسي أو اشتراطات دبلوماسية، وبالتالي يصبح الاتجاه نحو روسيا في السنوات الأخيرة جزءا من استراتيجية تحوط أمنية تتبناها عدة دول إفريقية.

ثانيا- المردود الأوغندي لتعزيز القدرة التشغيلية وبناء منظومة صيانة محلية:

منظور أوغندا يركز على قيمة عملية واحدة متمثلة في توسيع قدرة الـUganda People’s Defence Forces (UPDF)التشغيلية داخل البلد وبالمناورات الإقليمية دون الحاجة لانتظار دعم غربي أو شراكات باهظة الثمن. المعدات الهندسية التي وُصفت بأنها مفيدة وفعالة من قبل الرئيس موسيفيني في تصريح 26 أكتوبر 2025، تأتي في وقت تحتاج فيه أوغندا إلى تعزيز قدراتها الهندسية للنشاطات البرية والنهرية وحماية الممرات الحيوية، لكن الفائدة تتعدى ذلك بإنشاء مرافق إصلاح كبرى، ونقل معرفة تقنية، وفرص لتصنيع/تجميع محلي مستقبلا،خطط تتحدث عنمحلياإمكانية تجميع شاحناتUral.

1- تعزيز الجاهزية الهندسية:الآليات الهندسية (مثل في منظفات العقبات وآلات حفر الخنادق) تُسرع العمليات الهندسية بمعدلات قد تفوق العمل اليدوي بنسبة 5:10%في حالات محددة  مما يعني اقتصادًا في الوقت والبدل ومخاطر أقل على الجنود في بيئات متفجرات أو حقول ألغام. إعلانUPDF عن أن آليات الحفر ستقلل العمالة اليدوية والوقت يشير إلى تأثيرٍ عملي مباشر على العمليات البرية.

2- بناء قدرات صيانة وطنية:منشأةMagamagaللإصلاح افتتحت 26 أكتوبر 2025، تهدف لأن تكون مركزا صناعيا للصيانة الميكانيكية الكبرى، ما يتيح إصلاح مركبات مدرعة وشاحنات دون الحاجة لإرسالها بالخارج. هذا يخفض التكاليف اللوجستية من نفقات شحن واستيراد، ويقصر زمن الاستعداد الفني للعتاد من أسابيع/شهور إلى أيام/أسابيع. وأيضا فتح ورشة في عنتيبي يسهل الوصول للسفن والمطارات.

3- البعد الاقتصادي والاجتماعي:استحداث ورش ومرافق يعني وظائف تقنية ومهارات جديدة، وإمكانية إبرام عقود محلية لتوريد قطع غيار وخدمات. التقارير الصحفية المحلية تحدثت عن إمكانية قيام مصانع تجميع لشاحناتUral، إذا تحقق ذلك قد نشهد خلق قيمة مضافة محليا بدل التبعية التامة.

4- التبعات السياسية الداخلية:الرئيس موسيفيني استغل الحدث كإنجاز سياسي، مبرزًا دعمًا لحكومته في ملف الأمن والتنمية. في سياق سياسي داخلي مترهل التحديات، عروض من هذا النوع تُستخدم لتعزيز صورة الاستقرار والأمان (أداة شرعية). تصريح Museveniفي مراسم 26 أكتوبر 2025، يُظهر أن البعد الرمزي مهم بقدر البعد العملي.

ثالثا- التداعيات الإقليمية والدولية وتشكيل شبكات النفوذ:

وجود قاعدة صيانة روسية ومعدات هندسية في أوغندا لا يبقى محصورًا داخل كمبالا، بل يمتد تأثيره عبر الحدود إلى دول البحيرات الكبرى (الكونغو الديمقراطية، وجنوب السودان، ورواندا.. وغيرها). قدرة أوغندا المتزايدة في القدرات الهندسية واللوجستية قد تؤثر في ديناميات التدخل الإقليمي، وفي توازن القوى بين اللاعبين الإقليميين والدوليين الذين لديهم مصالح في المنطقة. كما أن هذه الخطوة تُعد مؤشرًا على رغبة موسكو في تحويل علاقاتها الإفريقية إلى علاقات عمل دائمة وليس مجرد صفقات عابرة.

1- التأثير على دول البحيرات الكبرى:قدرة أوغندا على إجراء إصلاحات سريعة وعمليات هندسية فعالة قد تمكنها من لعب دور أكثر نشاطًا في مناطق نزاعية مجاورة  سواء عبر عمليات حفظ سلام أو عبر تحركات عسكرية متقطعة. في منطقة مثل شرق الكونغو، حيث التهديدات الجماعات المسلحة متعددة، أي تحسين في اللوجستيات الهندسية يمكن أن يغير من معادلات التحرك البري عبر الحدود.

2- ردود فعل القوى الكبرى:الولايات المتحدة: من المحتمل أن تراقب واشنطن عن كثب، أي توسع نفوذ روسي في منطقة حيوية لطرق التجارة ومخاطر الأمن الإقليمي، وقد تدفع لتعزيز برامج التدريب والمساعدة أو لفرض قيود دبلوماسية إن رأت استفزازًا.

الاتحاد الأوروبي: سيضع نصوص الاتفاقيات الأمنية تحت الميكروسكوب، خاصة إذا كانت هناك مخاوف بشأن حقوق الإنسان أو تحويل معدات إلى وحدات داخلية قد تُستعمل في القمع.

الصين: كنظير استثماري، قد تنظر للصورة كفرصة تعاون أو منافسة جزئية، لكن مصالح بكين الاقتصادية قد تقودها لتنسيق وليس اشتباكا بالضرورة مع موسكو في المعاملات الإفريقية.

3- مخاطر التصعيد والاعتماد:اعتماد أوغندا على الدعم الروسي في قطع الغيار والبرامج الفنية والتدريبية قد يتسبب في قيود سياسية لاحقة. كما أن أي توظيف للعتاد في عمليات داخلية ضد خصوم سياسيين قد يثير انتقادات دولية ويعرض التعاون لمراجعات أو قيود. هذه المخاطر تظهر بوضوح في سجلات التعاون الدولي مع روسيا خلال السنوات الأخيرة.

رابعا- سيناريوهات مستقبلية وتوصيات تشغيلية:

يمثل التعاون العسكري بين روسيا وأوغندا نقطة تحول في هندسة النفوذ داخل شرق إفريقيا، خاصة بعد افتتاح منشآت الصيانة والدعم الفني فيMagamagaعام 2024، والتي تُعد أول بنية روسية بهذا الحجم داخل منطقة البحيرات الكبرى. ورغم أن طبيعة التعاون تبدو تقنية ولوجستية، إلا أن استدامتها تعتمد على شبكة واسعة من المتغيرات الدولية من العقوبات الغربية إلى قدرة روسيا على الحفاظ على خطوط التوريد، وصولا إلى قدرة أوغندا على تنويع مصادر تجهيزاتها العسكرية. ولذلك يصبح استشراف السيناريوهات المستقبلية ضرورة أكاديمية لفهم كيفية تطور هذه العلاقة خلال الأعوام الخمسة المقبلة، وتأثيرها على التوازن الأمني في المنطقة.

1- السيناريوهات المستقبلية:

أ- السيناريو الإيجابي المستدام (1–5 سنوات):في هذا السيناريو تتجه العلاقة الروسية-الأوغندية إلى ترسيخ وجود طويل الأمد، حيث تتوسع منشأة(Magamagaافتتحت 2024) لتتجاوز الصيانة الأولية نحو الإصلاح الكامل للمركبات وإدخال تجهيزات جزئية للمحركات، مع احتمال بدء تجميع محدود لشاحناتUral بنسبة مكون محلي قد يصل إلى 20% بحلول 2027. وتتسارع برامج التدريب بحيث يتخرج 300:200فني سنويا، مما يرفع جاهزية الجيش الأوغندي بنحو 30–40% مقارنة بعام 2023. كما تتحول أوغندا إلى مركز إقليمي يمكن لدول مثل الكونغو وجنوب السودان الاستفادة منه.

ويعتمد نجاح هذا السيناريو على توقيع عقود توريد طويلة (5–10 سنوات)، وبناء مخازن قطع غيار، وتحقيق معدل تشغيل يتجاوز 70–90% للمنشأة، بما يجعل التعاون مؤسسيا ومستداما ويخلق نفوذا روسيا ثابتا في شرق إفريقيا.

ب-السيناريو المحدود (1–3 سنوات): هنا يستمر التعاون دون توسع ملحوظ،وتظل الصيانة الأساسية قائمة، لكن دون إدخال تقنيات أعمق أو خطوط إنتاج جديدة. يعتمد الجيش الأوغندي على توريد قطع غيار قد تتأخر 2–4 أشهر بسبب العقوبات، وتنخفض كفاءة المنشأة إلى 45–55% فقط. البرامج التدريبية تُخرج 60–80 فنيا سنويًا، وهو ما يبقي القدرات التشغيلية عند مستوى متوسط يسمح بتأمين الحدود ولكنه لا يمنح أوغندا دورا إقليميا واسعا.

كما تزيد التكاليف بنسبة 10–18% سنويًا بسبب بطء الإمداد، وتظل كامبالا معتمدة على مزيج من الموردين (روسيا–الصين–تركيا)، مما يرفع التكلفة اللوجستية ويحد من قدرة التعاون الروسي على التحول إلى شراكة استراتيجية كاملة.

ج-السيناريو السلبي(3–5 سنوات): في هذا السيناريو تؤثر العقوبات (مثلCAATSA) والضغوط الأوروبية على التعاون بدرجة كبيرة، فتتعطل الإمدادات الروسية، وقد يستغرق وصول بعض المكونات أكثر من 6 أشهر. وينخفض تشغيل منشأةMagamagaإلى 30–40%، وترتفع تكلفة الصيانة 40–55% بسبب الحاجة إلى بدائل مكلفة وغير متوافقة تقنيا.

هذا الواقع يدفع أوغندا إلى تنويع مصادر تسليحها بشكل اضطراري (تركيا، والصين، وباكستان)، مما يؤدي إلى تشظي المنظومة اللوجستية. وتزداد الأزمة إذا ربطت القوى الغربية التعاون بملف حقوق الإنسان، مما يؤدي إلى تراجع جاهزية الجيش وانخفاض مساهمته في عمليات حفظ السلام، وتكبده زيادة في الإنفاق الدفاعي قد تصل إلى 20–30% سنويًا.

2- التوصيات التشغيلية:

أ- التوصيات الموجهة للحكومة الأوغندية:تتمثل في تقليل الاعتماد وتعظيم المكاسب، تحتاج أوغندا إلى تبني مقاربة متوازنة تستفيد من القدرات الروسية دون الوقوع في تبعية تقنية. ويشمل ذلك تنويع مصادر قطع الغيار عبر عقود احتياطية مع الصين وتركيا، وتوسيع القدرات المحلية من خلال إنشاء مركز تدريب وطني قادر على تخفيض الاعتماد على الخبراء الأجانب بنسبة 40% خلال خمس سنوات. كما ينبغي ربط أي توسع في منشأةMagamagaبشروط نقل التكنولوجيا وتكوين مخزون استراتيجي يكفي 12–18 شهرًا. ويمكن لأوغندا تحويل المنشأة إلى مركز إقليمي للصيانة يخدم الكونغو وجنوب السودان، بما يحقق عائدًا اقتصاديًا ويعزز حضورها الدبلوماسي في المنطقة.

ب- التوصيات الموجهة للمجتمع الدولي ومراكز الأبحاث.. تعزيز الشفافية ومنع عسكرة الداخل:

على الشركاء الدوليين متابعة التعاون الروسي-الأوغندي بهدف ضمان الاستخدام الدفاعي للمعدات ومنع انزلاقها إلى الاستخدام الأمني الداخلي. ويمكن للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة اعتماد آليات متابعة دورية مشتركة كل 6–9 أشهر لرصد تطور القدرات اللوجستية. كما يجب على مراكز الدراسات إصدار تقارير تحليلية تقارن الخيارات الروسية ببدائل أخرى، ودعم إنشاء آليات مساءلة داخل الجيوش الإفريقية لتقليل مخاطر الانتهاكات وتعزيز الثقة الإقليمية.

ج- التوصيات الموجهة لصانعي السياسات في شرق إفريقيا.. إدارة التوازن الإقليمي:

تحتاج دول شرق إفريقيا إلى إطار تفاهم مشترك ضمنEAC أو IGADلضمان أن تعزيز قدرات أوغندا لا يُفهم كتهديد من دول، مثل رواندا أو الكونغو الديمقراطية. ويشمل ذلك إنشاء آلية حوار تُحدد تأثير التعاون العسكري الجديد، وتطوير بروتوكولات مشتركة للصيانة والهندسة العسكرية في بعثات حفظ السلام، مع تبادل المعلومات اللوجستية لتجنب سوء الفهم أو التصعيد غير المقصود.

د- التوصيات الموجهة لروسيا.. تحسين الاستدامة وتجنب الاحتكاك الجيوسياسي:

ينبغي لروسيا اعتماد نموذج شراكة طويل الأمد يوفر قطع غيار موثوقة وخدمات صيانة حقيقية، مع تجنب تقديم وعود تفوق قدراتها في ظل العقوبات. كما يجب ألا تحول أوغندا إلى ساحة تنافس مع الصين أو الولايات المتحدة، بل تركز على نقل المهارات وبناء قدرات محلية، وهو ما يعزز بقاءها في المنطقة دون اصطدام مع القوى الدولية الأخرى.

ه-التوصيات الموجهة للاتحاد الإفريقي.. تأطير التعاون داخل منظومة الأمن الجماعي:

يمكن للاتحاد الإفريقي صياغة مدونة سلوك تنظم التعاون العسكري بين إفريقيا والدول الكبرى، بما يحافظ على استقلال القرار الوطني ويمنع التبعية التقنية. كما يمكنه دعم إنشاء منظومة صيانة إقليمية تقلل تكاليف التشغيل بنسبة حتى 25% خلال خمس سنوات، وتوسيع برامج التدريب المشترك لضمان الاستخدام الدفاعي للمعدات.

و-التوصيات الموجهة لبرلمان أوغندا..الرقابة القانونية والمالية:

يحتاج البرلمان إلى مراقبة دورية للعقود العسكرية الروسية، ونشر تقارير سنوية توضح الالتزام الروسي وتكلفة الصيانة، بما يحمي الموازنة الدفاعية من التضخم غير المبرر ويمنع الانزلاق نحو ديون عسكرية مرتفعة. وتضمن الرقابة البرلمانية وضوح الأطر القانونية واستدامة التعاون دون تجاوزات أو أعباء مالية زائدة.

ختاما يبين التعاون العسكري الروسي-الأوغندي أنه ليس صفقة تقنية فحسب، بل خطوة تعكس اتساع التنافس الدولي على شرق إفريقيا، وسعي موسكو لترسيخ نفوذ طويل المدى في منطقة شديدة الحساسية. وفي المقابل تتعامل أوغندا مع هذا التعاون بمنطق براجماتي، هدفه تعزيز قدراتها اللوجستية وتوفير بدائل مستقرة للصيانة وقطع الغيار، مع محاولة الحفاظ على توازن علاقاتها مع شركاء دوليين آخرين، كما توضح السيناريوهات المستقبلية أن هذا التعاون قد يتحول إلى فرصة لتعزيز الدور الإقليمي لأوغندا، أو إلى عبء لوجستي إذا تعثرت الإمدادات الروسية أو تصاعدت الضغوط الدولية. وتظل استدامة هذا المسار مرهونة بمدى قدرة البلدين على الالتزام بنقل التكنولوجيا، وضمان الشفافية، وتحقيق توازن بين المصالح الأمنية والاعتبارات السياسية الإقليمية.

وبذلك يبقى التعاون الروسي-الأوغندي نموذجا مهما لفهم كيفية تشكل شبكات نفوذ جديدة في إفريقيا، وتحديد اتجاهات المنافسة الدولية خلال السنوات المقبلة.

المراجع:

1. Re-imagining African–Nordic Relations in a Changing Global Order —  CMI (Chr. Michelsen Institute)

https://www.cmi.no/publications/file/8405-re-imagining-africannordic-relations-in-a-changing-global-order.pdf

2. International Journal of Social Sciences and Management Review, Vol. 08, Issue 03 (May–June 2025) .

https://ijssmr.org/uploads2025/ijssmr08_46.pdf

3. Journal of Namibian Studies, No. 36 S2 (2023)

https://namibian-studies.com/index.php/JNS/article/download/4846/3405/9934

4. BOHR International Journal of Social Science and Humanities Research.

https://www.bohrpub.com/article/BIJSSHR-Article-5.pdf

5. Uganda Reaffirms Commitment to Strengthening Defence Ties With Russia.

https://www.defence.go.ug/2025/02/22/uganda-reaffirms-commitment-to-strengthening-defence-ties-with-russia-2/

6. Russia Provides Uganda with Military Equipment Worth $53 Million.

https://afrinz.ru/en/2025/10/russia-provides-uganda-with-military-equipment-worth-53-million/

7. President Museveni Receives $53m Military Equipment from Russia, UBC.

https://ubc.go.ug/2025/10/27/president-museveni-receives-53m-military-equipment-from-russia/

8. President Museveni Hails Russia For USD 53 Million Military Donation — UPDF

https://www.updf.go.ug/diplomatic-partnership/president-museveni-hails-russia-for-usd-53-million-military-donation/

9. Uganda, Russia Strengthen Strategic Ties At 3rd Intergovernmental Commission —AllAfrica , 2025.

https://allafrica.com/stories/202510100584.html

10. War and Peace: The Peculiarities of Ukrainian-Russian Scientific Cooperation.

https://arxiv.org/abs/1711.05251

11. Trends in International Arms Transfers, 2024 — SIPRI (factsheet / PDF)

https://www.sipri.org/sites/default/files/2025-03/fs_2503_at_2024_0.pdf.

12. SIPRI Yearbook 2025 — summary (PDF)

https://www.sipri.org/sites/default/files/2025-06/yb25_summary_en.pdf.

13. Russia in Africa: An atlas — European Parliamentary Research Service (EPRS) briefing (PDF, Feb 2024)

https://www.europarl.europa.eu/RegData/etudes/BRIE/2024/757654/EPRS_BRI%282024%29757654_EN.pdf.

14. AFRICA CORPS — A new iteration of Russia's old playbook (PISM Report, May 2024) (PDF)

https://www.pism.pl/webroot/upload/files/Raport/PISM%20Report%20Africa%20Corps_.pdf.

15. Russia-Africa Cooperation: Outlook and Objectives — Valdai Discussion / Paper (PDF)

https://valdaiclub.com/files/45111/.

16. Russia skirts Western sanctions to ramp up its military footprint in Africa — Associated Press (investigative, Jun 2025)

https://apnews.com/article/f3383b5bbc8120b445d3df9062bf7f14. .

17. Great Lakes Region: Briefing and Consultations — Security Council Report / What’s in Blue (Oct 2025)

https://www.securitycouncilreport.org/whatsinblue/2025/10/great-lakes-region-briefing-and-consultations-9.php.

18. Leaders of the Great Lakes Region Convene in Kampala — UN Office for the Great Lakes (Jun 2025)

https://ungreatlakes.unmissions.org/leaders-great-lakes-region-convene-kampala-review-political-and-security-situation-eastern-drc

19. Unveiling Russia's strategy in Africa and its impact on global peace — Security &Defence (2025 paper, PDF).

https://securityanddefence.pl/pdf-206969-129477?filename=Moscow_s+African.pdf.

20. 'Putin's Offset' — Institute for the Study of War / strategic analysis (PDF)

https://understandingwar.org/wp-content/uploads/2023/07/Putin27s20Offset20The20Kremlin27s20Geopolitical20Adaptations20Since202014.pdf.

 


رابط دائم: