قمة جوهانسبرج كلحظة مفصلية في تاريخ الحوكمة العالمية:
يمر النظام الدولي في عام 2025 بمرحلة انتقالية شديدة التعقيد، تتسم بتآكل الهياكل التقليدية للهيمنة الغربية وصعود متسارع لقوى "الجنوب العالمي" التي تسعى لإعادة صياغة قواعد اللعبة الدولية. في هذا السياق، تكتسب قمة مجموعة العشرين (G20) المزمع عقدها في جوهانسبرج، جنوب إفريقيا، في نوفمبر 2025، أهمية استثنائية تتجاوز كونها مجرد منتدى اقتصادي سنوي. إنها القمة الأولى التي تُعقد على الأراضي الإفريقية، مما يحمل رمزية جيوسياسية عميقة تشير إلى انتقال ثقل القرار الدولي نحو القارة السمراء والاقتصادات الصاعدة.
تنعقد هذه القمة تحت شعار "التضامن، المساواة، الاستدامة"، مستلهمةً فلسفة "أوبونتو" الإفريقية التي تؤكد على الترابط الإنساني العميق، في وقت يشهد فيه العالم استقطابًا حادًا غير مسبوق. يبرز هذا الاستقطاب في أوضح صوره من خلال القرار الأمريكي بمقاطعة القمة، وهو حدث يمثل سابقة خطيرة في تاريخ المجموعة منذ تأسيس قمتها للقادة في عام 2008. هذا الغياب الأمريكي، المقترن بتوترات جيوسياسية حول غزة وأوكرانيا، يضع مستقبل التعددية القطبية على المحك، ويطرح تساؤلات وجودية حول قدرة المؤسسات الدولية على العمل بفعالية في غياب "المهيمن" التقليدي.
في خضم هذه المتغيرات، تبرز مصر كفاعل استراتيجي محوري. فمن موقعها كعضو جديد في تكتل "بريكس+"، وكدولة مؤثرة ومدعوة بانتظام في مجموعة العشرين، وكممثل لصوت إفريقيا والعالم العربي، تتحرك الدبلوماسية المصرية لتقديم نماذج مبتكرة في التمويل التنموي والأمن الغذائي.
المقاطعة الأمريكية..الأسباب، السياقات، والتداعيات:
سردية "الاضطهاد" واستراتيجية "أمريكا أولاً":
يمثل قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمقاطعة قمة جوهانسبرج محطة في مسار متنامٍ من التوتر الدبلوماسي والأيديولوجي بين واشنطن وبريتوريا. اعتمدت الإدارة الأمريكية في تبرير قرارها على سردية مثيرة للجدل تتعلق بوضع المزارعين البيض في جنوب إفريقيا. ففي تصريحات عبر منصة "تروث سوشيال"، انتقد ترامب استضافة جنوب إفريقيا للقمة، مُشيراً إلى مزاعم حول أوضاع تلك الفئة.
تطورت هذه السردية لتنعكس في سياسات تنفيذية، منها إعلان الإدارة الأمريكية عن تقييد عدد اللاجئين السنوي وإعطاء الأولوية لفئة معينة من جنوب إفريقيا، وذلك بناءً على ادعاءات بوجود تمييز وعنف منهجي. يبرز هذا التوجه تجسيداً لمبدأ "أمريكا أولاً" في صورته التي تستخدم السياسة الخارجية لخدمة أهداف داخلية، حتى وإن أثر ذلك على دور المؤسسات الدولية كبرى.
الرد الجنوب إفريقي والحقائق على الأرض:
واجهت حكومة جنوب إفريقيا هذه الاتهامات برفض قاطع، واصفةً إياها بأنها "مؤسفة" و"غير مدعومة بالحقائق". أكدت وزارة الخارجية الجنوب إفريقية والرئيس سيريل رامافوزا أن توصيف الأفارقة كمجموعة مضطهدة هو "تزوير للتاريخ"، مُشيرين إلى أن البيض في جنوب إفريقيا لا يزالون يتمتعون بمستويات معيشية ونفوذ اقتصادي يفوق بكثير الأغلبية السوداء، حتى بعد مرور ثلاثة عقود على نهاية نظام الفصل العنصري. وأوضح الخبراء أن جرائم القتل في المزارع، التي يستشهد بها ترامب، هي جزء من معدلات الجريمة المرتفعة عمومًا في البلاد، وليست استهدافًا عرقيًا ممنهجًا، حيث يقع المزارعون السود والعمال ضحايا لهذه الجرائم أيضًا.
وتشير التحليلات السياسية إلى أن التوتر لا يقف عند حدود قضية المزارعين، بل يمتد ليشمل تباينات استراتيجية عميقة. فموقف جنوب إفريقيا الجريء في محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل (حليف الولايات المتحدة الوثيق)، واتهامها بارتكاب إبادة جماعية في غزة، شكّل نقطة احتكاك رئيسية. يضاف إلى ذلك مقاطعة سابقة لوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو لاجتماع وزراء الخارجية بسبب تركيزه على قضايا "التنوع والمناخ"، مما يكشف عن هوة واسعة في الأولويات بين الإدارة الأمريكية وأجندة الجنوب العالمي.
مستقبل المجموعة.. نظرية "أكبر من أن تفشل":
أمام هذا التحدي الوجودي، تبنت الدبلوماسية الجنوب إفريقية، مدعومة بشركائها في "الترويكا" (البرازيل والهند) وبقية دول الجنوب، استراتيجية "احتواء الضرر" والمُضي قدمًا. وفي هذا السياق،صك السفير الجنوب إفريقي أنيل سوكلال مصطلح "المجموعة أكبر من أن تفشل" (Too Big to Fail)، مُؤكدًا أن غياب الولايات المتحدة، رغم تأثيره السلبي المؤكد نظرًا لوزنها الاقتصادي، لم يعد قادرًا على شل عمل المجموعة كما كان الحال في الماضي.
وتشير البيانات إلى أن القمة ستمضي قدمًا بمشاركة 65 وفدًا(باستثناء الولايات المتحدة)، بما في ذلك الدول الأعضاء الاتحاد الإفريقي، والاتحاد الأوروبي، ودول محورية في كضيف مثل مصر. هذا الإصرار يعكس تحولًا هيكليًا في النظام الدولي؛ إذ لم تعد واشنطن تمتلك"فيتو" فعليًا على التجمعات الدولية، خاصةً مع وجود بدائل اقتصادية وسياسية تتمثل في صعود الصين وتكتل بريكس.
الدور المصري الاستراتيجي..من "ضيف شرف" إلى "مهندس سياسات":
تطور الانخراط المصري في مجموعة العشرين:
شهدت المشاركة المصرية في مجموعة العشرين تطورًا نوعيًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة. فبعد مشاركتها كدولة ضيف في قمم الصين (2016)، اليابان (2019)، الهند (2023)، والبرازيل (2024)، تلقت مصر دعوة مفتوحة من الرئاسة الجنوب إفريقية للمشاركة في كافة مسارات العمل والاجتماعات الوزارية طوال عام 2025. هذا الحضور المستمر لا يعكس فقط العلاقات الثنائية المتينة بين القاهرة وبريتوريا، بل يكرس اعترافًا دوليًا بمصر كقوة إقليمية لا غنى عنها في معادلات الشرق الأوسط وإفريقيا، وكصوت عقلاني قادر على جسر الهوة بين الشمال والجنوب.
كما تستفيد مصر من عضويتها الحديثة في تجمّع "بريكس+" لتعزيز هذا الدور، حيث تنسق مواقفها مع القوى الناشئة للدفع بأجندة تنموية تركز على قضايا الديون والمناخ والأمن الغذائي. وقد أكدت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، أن مصر مُلتزمة بالتنسيق الكامل مع جنوب إفريقيا لدفع جهود إعادة هيكلة النظام المالي العالمي.
مصر صانعة الحلول.. "اجتماع القاهرة":
في تطور غير مسبوق منذ تأسيس المجموعة عام 1999، استضافت مصر، وهي دولة غير عضو، اجتماعًا رسميًا لمجموعة العشرين على أراضيها. عُقد الاجتماع الثالث لـ "فريق عمل الأمن الغذائي" (Food Security Task Force) في القاهرة خلال الفترة من 1 إلى 3 سبتمبر 2025، بمشاركة واسعة من الدول الأعضاء والمنظمات الدولية.
ويمثل هذا الحدث تطوراً دبلوماسيًا يعكس الثقة العالية التي توليها الرئاسة الجنوب إفريقية لمصر.وقد ترأس الاجتماع من الجانب المصري السيد أحمد كجوك، وزير المالية، والسفير راجي الإتربي (الممثل الشخصي لفخامة الرئيس المصري لدى المجموعة)، وتمحورت النقاشات حول صياغة "البيان الوزاري العالمي للأمن الغذائي". فلم تكن القاهرة مُجرد مستضيف لوجستي، بل كانت المحرك الفكري للمناقشات، حيث طُرحت رؤية متكاملة تربط بين الأمن الغذائي والتمويل المناخي.
مخرجات القاهرة.. "مبادئ أوبونتو" والأمن الغذائي:
أسفرت اجتماعات القاهرة، وما تلاها من اجتماعات وزارية في جنوب إفريقيا، عن وثيقة مرجعية بالغة الأهمية عُرفت بـ "مبادئ أوبونتو للأمن الغذائي والتغذية" (Ubuntu Approaches on Food Security and Nutrition). حيث تم اعتماد هذه الوثيقة رسميًا في اجتماع وزراء الزراعة في كيب تاون في 19 سبتمبر 2025، لتصبح إحدى الركائز الأساسية لإعلان القمة النهائي.
وقد تتضمن هذه المبادئ، التي ساهمت مصر بفاعلية في صياغتها، عدد من النقاط الجوهرية:
· مواجهة تقلبات الأسعار: الإقرار بأن تذبذب أسعار الغذاء والتضخم المستمر يمثلان تهديدًا وجوديًا للدول منخفضة الدخل، وضرورة اتخاذ تدابير جماعية لضبط الأسواق.
· التجارة العادلة: التأكيد على أهمية نظام تجاري متعدد الأطراف، شفاف، وقائم على القواعد، لضمان تدفق السلع الغذائية دون عوائق سياسية.
· الزراعة المرنة مناخيًا: تعزيز الاستثمار في البذور المقاومة للجفاف وتقنيات الري الحديثة، وهو مجال عرضت فيه مصر خبراتها الوطنية كنموذج قابل للتطبيق في إفريقيا.
· الكرامة الإنسانية وشبكات الأمان: ربط الأمن الغذائي بالكرامة الإنسانية عبر التوسع في برامج الحماية الاجتماعية والتغذية المدرسية، مستلهمة روح "أوبونتو" التضامنية.
الأجندة الاقتصادية.. هندسة النظام المالي الجديد:
برنامج "نُوَفِّي" (NWFE): النموذج المصري للمنصات القُطرية:
استثمرت مصر منبر مجموعة العشرين لتقديم برنامجها الوطني "نُوَفِّي" (محور الارتباط بين المياه والغذاء والطاقة) كنموذج عالمي رائد لـ "المنصات القُطرية". ففي اجتماعات "مجموعة عمل التنمية" (DWG)، استعرضت الدكتورة رانيا المشاط نجاح هذا البرنامج في حشد تمويلات بقيمة 15.6 مليار دولار، منها 4 مليارات دولار استثمارات من القطاع الخاص، عبر آليات التمويل المختلط (Blended Finance).
وقد حظي هذا النموذج بإشادة دولية واسعة، حيث أشار تقرير "فريق الخبراء المستقل رفيع المستوى" (IHLEG) التابع للمجموعة إلى برنامج "نُوَفِّي" كخارطة طريق عملية لتوسيع نطاق تمويل المناخ في الدول النامية. وتدفع القاهرة حاليًا نحو "مأسسة" هذا النموذج واعتماده كآلية قياسية داخل مجموعة العشرين لمساعدة الدول النامية الأخرى، مثل تنزانيا ومقدونيا الشمالية، التي طلبت دعمًا فنيًا مصريًا لتكرار التجربة.
ثورة "مبادلة الديون".. تحويل الأزمة إلى فرصة:
في مواجهة أزمة الديون الخانقة التي تعصف بدول الجنوب، قادت مصر وجنوب إفريقيا حراكًا داخل المجموعة لإصلاح "الإطار المشترك لمعالجة الديون". وقد انتقدت القاهرة الجمود والبطء في الآليات الحالية، وطرحت بدائل مبتكرة مثل "مبادلة الديون بالتنمية" و"مبادلة الديون بالعمل المناخي". وكمثال على نجاح هذه الآلية، قدمت مصر تجربتها العملية، مُشيرةً إلى اتفاقيات مبادلة الديون مع ألمانيا وإيطاليا (لتمويل مشاريع الطاقة المتجددة ونقل الكهرباء). وكشفت التقارير عن مفاوضات مصرية مُتقدمة لتوقيع اتفاق جديد لمبادلة الديون مع الصين وتكتل من الشركاء الأوروبيين بحلول نهاية عام 2025، الأمر الذي سيخلق حيزًا ماليًا يسمح بضخ استثمارات في التنمية البشرية بدلاً من استنزاف الموارد في خدمة الدين.
إصلاح مؤسسات "بريتون وودز":
تتوافق الرؤية المصرية تمامًا مع أولويات الرئاسة الجنوب إفريقية إزاء ضرورة الإصلاح الجذري للمؤسسات المالية الدولية (صندوق النقد والبنك الدوليين). فمصر، مدعومة بتكتل بريكس، طالبت بتحديث منهجيات "تحليل استدامة الديون" (DSA) لتكون أكثر واقعية وعدالة، إلى جانب زيادة تمثيل الدول النامية في هياكل الحوكمة لهذه المؤسسات. كما شددت القاهرة على أهمية توفير تمويلات ميسرة وطويلة الأجل لدعم التحول الأخضر، مُحذرة من أن شروط التمويل الراهنة قد تفاقم أزمات الديون بدلاً من حلها.
السياق الإقليمي.. غزة-إفريقيا، وتحدي السلام:
غزة في قلب المناقشات.. الغذاء كسلاح:
لم تكن النقاشات الفنية والاقتصادية بمعزل عن الواقع الجيوسياسي المُشتعل في الشرق الأوسط. ففي اجتماع القاهرة، تم توجيه انتقادات لاذعة لسياسات "التجويع الممنهج" في غزة، واستخدام الغذاء سلاحًا لكسر إرادة الشعوب. هذا الموقف المصري الحازم وضع قضية غزة في صلب أجندة الأمن الغذائي للمجموعة، مؤكداً أن الحلول الفنية لا يمكن أن تنجح دون معالجة الجذور السياسية للأزمات. يتناغم هذا الموقف تماماً مع التوجه العام لجنوب إفريقيا، التي تقود حراكًا قانونيًا دوليًا ضد إسرائيل. وفي ظل غياب الولايات المتحدة، الداعم الرئيسي لإسرائيل، عن القمة، تجد الأخيرة نفسها في عزلة دولية متزايدة داخل أروقة المجموعة، مما يمنح مصر وجنوب إفريقيا مساحة أكبر لحشد الدعم لقضيتهما الأخلاقية والسياسية.
العلاقات المصرية-الأمريكية.. توازن دقيق في زمن الاضطراب:
تدير القاهرة علاقاتها مع واشنطن بحذر وبراغماتية عالية، فتحافظ على شراكة استراتيجية قوية مع الاحتفاظ الكامل بالسيادة واستقلالية القرار الوطني. وفي هذا الإطار، ترى التحليلات أن مصر تستخدم "تنويع التحالفات" (كالانضمام لبريكس وتعزيز العلاقات مع الصين وروسيا) أداةً لتعظيم استقلاليتها الاستراتيجية دون الإضرار بعلاقتها مع الغرب. فالمشاركة القوية لمصر في قمة تقاطعها واشنطن تحمل رسالة واضحة مفادها أن المصالح الوطنية المصرية والإفريقية لها الأولوية، وأن القاهرة ليست رهينة للاستقطابات الثنائية، بل هي فاعل استراتيجي محوري وقادر على إدارة علاقات معقدة ومتعددة الأطراف بتوازن دقيق.
مستقبل المجموعة وتكتل "بريكس+".. إعادة هندسة النظام الدولي:
التنسيق داخل "بريكس" كرافعة للنفوذ:
أدى توسع مجموعة بريكس، لتضم مصر وإثيوبيا والإمارات وإيران، إلى خلق كتلة تفاوضية وازنة داخل مجموعة العشرين. ويرى الخبراء أن هذه الدول الناشئة تتبنى استراتيجية "ذكية": فبينما تستخدم منصة بريكس لبناء بدائل للنظام المالي الغربي (كالتبادل بالعملات المحلية)، فإنها تستفيد من منصة العشرين للضغط من أجل إصلاح النظام القائم. كما يمثل هذا التوجه نحو زيادة الاعتماد على العملات المحلية في التجارة البينية يمثل هدفاً استراتيجياً لمصر لتخفيف الضغوط على احتياطياتها من النقد الأجنبي وتقليل الهيمنة الدولارية.
سيناريو "G19" أو أقل:
تطرح المقاطعة الأمريكية، واحتمالية انسحاب أو تجميد مشاركة دول أخرى حليفة لواشنطن (مثل الأرجنتين)، سيناريو تحول المجموعة فعليًا إلى "G19" أو أقل. ورغم أن هذا السيناريو قد يضعف من إلزامية القرارات، فإن المحللين يرون أنه قد يسرع من عملية انتقال مركز الثقل العالمي نحو الشرق والجنوب. من المرجح أن تكون الصين المستفيد الأكبر من هذا الفراغ، إذ ستسعى لتقديم نفسها كشريك موثوق ومدافع عن التعددية في مواجهة الانعزالية الأمريكية. بالنسبة لمصر وإفريقيا، يمثل هذا الوضع فرصة وتحديًا في آن واحد: فرصة لتمرير أجندات تنموية كانت واشنطن تعرقلها سابقًا (مثل تمويل الخسائر والأضرار المناخية)، وتحديًا لضمان عدم تحول المجموعة إلى ساحة صراع صيني-غربي تشل فاعليتها.
الخاتمة.. نحو نظام مُتعدد الأقطاب "بحكم الواقع":
تمثل قمة مجموعة العشرين 2025 نقطة تحول تاريخية تؤكد أن النظام الدولي الأحادي القطب قد انتهى فعليًا، وأننا بصدد نظام متعدد الأقطاب يتشكل "بحكم الواقع". إن قرار الولايات المتحدة بالمقاطعة، بدلاً من أن يعزل جنوب إفريقيا، قد يؤدي إلى عزل واشنطن نفسها عن الحوار العالمي المتصاعد حول مستقبل التنمية والحوكمة.
لقد أثبتت مصر ومعها الكتلة الإفريقية، قدرة فائقة على الصمود الدبلوماسي وتقديم بدائل فكرية وعملية مثل فلسفة "أوبونتو" ومنصة "نُوَفِّي" تتجاوز الشعارات السياسية. إن نجاح مصر في استضافة اجتماعات رسمية للمجموعة، وقيادتها لملفات شائكة مثل الأمن الغذائي والديون، يكرس مكانتها كلاعب لا غنى عنه في هذا النظام الدولي الجديد.
في النهاية المطاف، ترسل قمة جوهانسبرج رسالة واضحة: حلول تحديات القرن الحادي والعشرين - من المناخ إلى الديون إلى الجوع - لا يمكن أن تُصاغ في عاصمة واحدة، بل تتطلب طاولة مستديرة يجلس عليها الجميع؛وإذا غاب أحد المقاعد الكبرى، فإن بقية العالم سيمضي قدمًا، مدفوعًا بضرورة البقاء ومنطق "أوبونتو": أنا موجود لأننا جميعًا موجودون.