التوصيف القياسي للتعاون، هو يحدث عندما يقوم الفاعلون بتعديل سلوكهم حسب التفضيلات الفعلية أو المتوقعة للآخرين، وقد استخدم مفهوم التعاون الدولي بشكل خاص في الأدبيات حول العلاقات الدولية التي ناقشت كيفية ظهور التعاون واستمراره في نظام دولي فوضوي، وطبقا للتعريف السابق يصف التعاون (الدولي) التفاعلات لتحقيق أهداف مشتركة عندما تكون تفضيلات الجهات الفاعلة لا هي متطابقة (أي لا تمثل حالة تناغم) ولا هي غير قابلة للتوفيق بينها (أي لا تمثل حالة صراع)، وبالتالي فإنه مصطلح عام يغطي التفاعلات بين أنواع مختلفة من الجهات الفاعلة (أي ليس فقط الحكومية الدولية، ولكن أيضًا عبر الوطنية) وعلى مستويات مختلفة (ثنائية ومتعددة الأطراف، وإقليمية، وعالمية ... إلخ). كما يشير إطار التعاون الدولي هنا إلى هياكل وعمليات صنع السياسات خارج الدولة القومية ويستخدم بشكل مترادف مع الحوكمة العالمية. ولقد مارست الدول التعاون الدولي منذ وقت طويل قبل أن يناقش (ثوسيديديس) الدبلوماسية والمعاهدات والتحالفات قبل أكثر من ألفي عام. ومع ذلك فإن دراسة التعاون الدولي حديثة نوعا ما، إذ تبلور مفهوم التعاون، كما نفهمه حاليًا، في أوائل الثمانينيات من القرن العشرين (تايلور، 1976، أكسلرود، 1981، 1984) بعدّه سلوكا منسقا للجهات المستقلة وربما الأنانية التي تفيدها جميعًا، ولا تحتاج الأنانية الفردية إلى إعاقة التعاون في حالات الاعتماد المتبادل، حيث تعتمد رفاهية الفرد على سلوك الآخرين، كما لا يتطلب التعاون الإيثار ولا يحتاج الى حكومة، إن هذا التعريف للتعاون الدولي هو عام من حيث الفاعلين والقضايا. إذ لا يتم التعاون بين الأفراد فحسب، بل أيضًا بين الكيانات الجماعية، بما في ذلك الشركات، والأحزاب السياسية، والمنظمات العرقية، والجماعات الإرهابية، والدول القومية، وعلى الرغم من أن نظرية التعاون الدولي غالبًا ما تحدد التعاون الدولي من حيث الدول، إلا أنها يمكن أن تشمل أيضًا جهات فاعلة أخرى، ولا سيما المنظمات الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية. إذ تتعاون هذه الجهات الفاعلة المتنوعة لتحقيق أهداف مختلفة عبر مجموعة واسعة من القضايا، على سبيل المثال: تعمل المنظمات الحكومية الدولية مع الدول لمكافحة المشكلات البيئية العالمية. والذي عزز الحذو صوب ترسيخ وتعزيز التعاون الدولي، تقرير التنمية المستدامة في عام 2015، إذ ركز انتباه العالم على 17 "هدفًا عالميًا" يجب تحقيقها بحلول عام 2030. وهي في جوهرها تسلط الضوء على التحديات التنموية الكبيرة التي تنتظر العالم وترسم أهدافا يتوخى المجتمع الدولي تحقيقها، وقد اعترف الهدف السابع عشر من تلك الأهداف بأهمية التعاون الدولي في تحقيق أهداف الخطة برمتها، ودعا إلى "تعزيز وسائل التنفيذ وتنشيط الشراكة العالمية من أجل التنمية المستدامة"ُ، وبينما يصبح عالمنا أصغر وأصغر من خلال تكنولوجيا الاتصالات، والنقل الجوي السريع، والاقتصاد الدولي المعقد، ووتائر التفاعل السياسي، والاقتصادي، والحضاري، والثقافي المتسارعة بين شعوب الأرض، فإن قيمة العلاقات السلمية والتعاونية بين الدول تزداد أهمية، وأصبحت العلاقات الدولية تشكل جانبا مهما للغاية من المواطنة في المجتمع العالمي أكثر من أي وقت مضى. حيث يمثّل التعاون بين دول الجنوب واحدا من أهم مسارات العلاقات الدولية في عالم اليوم، إذ إنه اكتسب أهمية متزايدة من خلال النمو في الكم والنوع في العلاقات بين دول الجنوب على مدى العقود القليلة الماضية مما جعله يشغل مساحة كبيرة على المسرح الدولي، وعلى سبيل المثال فقد أصبح حجم التبادل التجاري بين دول الجنوب يمثل 29% من حجم التجارة العالمية في عام 2016. وعلى الرغم من التاريخ الطويل من التعاون والتضامن بين دول الجنوب إلا أن النقلة النوعية والكمية الكبيرة في التعاون الاقتصادي والتقني بين تلك الدول لم تحدث إلا خلال العقدين الأخيرين اللذين شهدا تطورا تقنيا مذهلا للكثير من دول الجنوب، صاحبه تحسنٌ ملموسٌ في القابليات المادية والبشرية، وصعودٌ كبيرٌ لأنشطة التعاون الاقتصادي بين البلدان النامية وخاصة من خلال التجارة. إذ كان التعاون التجاري بين دول الجنوب واحدا من المبادئ الأساسية وراء إنشاء الأونكتاد -مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية- منذ أكثر من نصف قرن إذ دعا راؤول بريبيش، الأمين العام الأول للأونكتاد والأب الروحي له، في تقريره إلى الدورة الأولى للمؤتمر في عام 1964، إلى زيادة التبادل التجاري بين دول الجنوب، بما في ذلك من خلال الترتيبات التجارية التفضيلية الإقليمية والعابرة للأقاليم بين مجموعات البلدان النامية.
وأصبحت اليوم مسألة توسيع الروابط التجارية والاستثمارية داخل عالم الجنوب جزءا من التيار الاقتصادي الدولي العام. وقد أكدت المؤتمرات والملتقيات الدولية المتعاقبة، مثل مؤتمر الأمم المتحدة التقني التعاون بين البلدان النامية في بوينس آيرس (1978)، والذي أسفر عن اتفاق بشأن خطة عمل بوينس آيرس لتعزيز وتنفيذ التعاون الفني بين البلدان النامية، ووثيقة نيروبي المعتمدة في عام 2009، كمخرجات لمؤتمر الأمم المتحدة الرفيع المستوى للتعاون فيما بين بلدان الجنوب، ذلك الأتجاه من خلال الاعتراف بأن الدعم الدولي للتعاون فيما بين بلدان الجنوب في التجارة والاستثمار يمكن أن يكون حافزا لتعزيز وتوحيد التكامل الإقليمي ودون الإقليمي.
وربطا مع ما تقدم يصنف العراق وتركيا من دول عالم الجنوب اللتين تنطبق عليهما أصول التعاون الدولي، واستنادا إلى ذلك يتطلب التعاطي مع القضايا التي يكون العراق وتركيا طرفان فيها أو تلك التي يستطيعان أن يؤديا دورا مها فيها ومناقشتها كل على حدة لإيجاد مقتربات تمكن كلتا الدولتين من تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب. وموضوعات المياه تعد الأبرز في حقل الملفات الثنائية بين الدولتين. ولعل الابتعاد عن المواجهة الدبلوماسية أو تدويل هذه المشكلة يصب في مصلحة الطرفين في المرحلة الراهنة، مع ضرورة تأكيد العراق في كل الاجتماعات مع الجانب التركي على أن العراق لا يرغب بالذهاب باتجاه القانون الدولي والمؤسسات الدولية، سيما أن تركيا تعي جيدا الأهمية الجيواقتصادية المتنامية للعراق، ناهيك عن الأهمية الاستراتيجية للعراق في الإدراك التركي، لذلك فإن سياسة تركيا المائية حيال العراق تتحدد في ضرورة توظيف ملف المياه لحماية مصالح تركيا بوصفه عامل ضاغط ومؤثرا، إذ كلما زادت تركيا في إنشاء مشروعاتها المائية على حوضي دجلة والفرات في ظل أزمة المياه العالمية سيؤدي ذلك بالضرورة إلى رفع سقف تركيا التفاوضي للحصول على أكبر قدر ممكن من الامتيازات. ومن هنا حري بالمفاوض العراقي الوقوف مليا عند هذه النقطة الأساسية ومعالجتها بشكل يعود بالفائدة المزدوجة لكلا البلدين وليس على حساب العراق فقط. مما يتوجب على العراق أن يتبع سياسة معتدلة مع تركيا من أجل توفير الموارد المائية الكافية للعراق، وأن يغلب لغة التعاون الثنائي مع تركيا ومن خلال الاستجابة لمطالب تركيا وبالقدر الذي يحفظ مصالح العراق ولا يعرض أمنه الاقتصادي والتنمية فيه لأية أضرار. وذلك يتم وفق آليات تعظيم التعاون والمصالح المشتركة عن طريق إنشاء مشروعات زراعية مشتركة مع تركيا داخل الأراضي العراقية وعلى ضفتي نهري دجلة والفرات، وهذا سيخدم البلدين فالعراق سيحقق الأمن الغذائي ويستفيد من تجربة الأتراك في هذا المجال ونقلها إلى العراق، وتركيا تحصل على أرباح مالية من هذه المشاريع. ومن الجدير الإشارة إليه، أن قيمة التبادل التجاري بين العراق وتركيا تجاوز 20 مليار دولار سنويا، اللعب بورقة زيادة الضرائب أو تخفيضها على بعض المواد المستوردة من تركيا التي تؤثر مباشرة على مصالح أصحاب القرار السيادي في تركيا عن طريق بسط النفوذ الكامل للحكومة الاتحادية على كافة المنافذ الحدودية، سيما تلك التي مع الجارة الشمالية تركيا.علاوة على ذلك من الواقعية بمكان أن يوظف العراق ورقة تقديم الحوافز النفطية التي تعد مهمة جدا بشكل تدريجي، سيما أنبوب النفط العراقي إلى جيهان، الذي يؤمن لتركيا نفطا مدعوما وأرباحا كبيرة، وصولا إلى مرحلة التعاون المشترك. أيضا منح تسهيلات للشركات التركية للاستثمار في مجال الطاقة الكهرومائية جنوبي العراق.
على أساس ما تقدم وقع العراق وتركيا الاتفاق المسمى "اتفاقية الإطار بشأن الآلية المالية لمشروعات التعاون المائي" خلال زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى بغداد في 2 نوفمبر 2025، حيث التقى وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين.وفي مؤتمر صحفي مشترك قال فيدان إن الاتفاق "سيمهد الطريق لإعادة تأهيل شبكات المياه في العراق بشكل دائم"، مضيفًا: "سيكون أكبر استثمار في البنية التحتية في تاريخ العراق". ووصف فؤاد حسين هذه الاتفاقية بأنها "أول تعاون من نوعه في مجال إدارة المياه" بين الجارتين.إذ مثل أول اتفاق للتعاون بين العراق وتركيا منذ عقود لمعالجة منصفة وبعيدة الأمد حول المياه.
رابط دائم: