لقاء ترامب والشرع.. تفكيك الأمن العربي وبناء معادلة أمريكية جديدة في سوريا
13-11-2025

د. جوزيف مجدي
* كاتب مصرى

لا يمكن قراءة لقاء ترامب والشرع باعتباره مجرد حدث بروتوكولي أو ترتيب سياسي عابر، بل كان انعكاسًا لتحوّل أعمق يجري في خلفية المشهد الإقليمي. فالولايات المتحدة، في لحظة إعادة تشكيل لمعادلات القوة في الشرق الأوسط، تتحرك نحو تثبيت نفوذ كامل على المنطقة، فيما تتراجع أدوار القوى التقليدية وتتقدّم أخرى تحت المظلة الأمريكية.

هذا اللقاء، الذي بدا بسيطًا على السطح، كان في جوهره إعلانًا عن خريطة نفوذ جديدة تُصاغ بعيدًا عن مفهوم الأمن القومي العربي الذي ظل لعقود عنوانًا لنظام إقليمي يتداعى الآن.

وكانت صحيفة معاريف العبرية قد وصفت وهي تنقل خبر لقاء ترامب بالشرع أن ابتسامة الجولاني كانت إلي أذنيه وهو يُستقبل من الرئيس ترامب الذي وصفه بأنه قوي وذكي وذو ماضٍ صعب، وأضاف ترامب كلنا ذوو ماضٍ صعب. ترامب أكد أن الاتفاق بين سوريا وإسرائيل مسألة وقت فيما أسماه بدينامية السلام.

المعادلة التي دخل بها ترامب علي الشرع بدأت من المخابرات الأمريكية والإسرائيلية بتمرير أخبار عن محاولتي اغتيال داعش للشرع، لتمهيد الطريق لدخول سوريا حظيرة التحالف الدولي علي الإرهاب.

واشنطن لن تعمل علي قاعدة جوية في دمشق بل علي سماح سوريا لقوات التحالف الدولي بالعمل علي كل الأراضي السورية، وتسهيل دخول وخروج الطائرات الأمريكية من وإلي أي قاعدة جوية في سوريا.

وبالتالي لن يكون لأمريكا قاعدة في مقابل قاعدة إحميميم الروسية، بل سيكون هناك تعميم للوجود الأمريكي في كل سوريا علي طريقة النموذج العراقي.

وهنا يمكننا القول إن جمهوريتين من أهم جمهوريات النظام العربي أصبحتا في قبضة الأمريكان، وربما يبرر السوريون ذلك أن استدعاء الأمريكي هو لمواجهة الضربات الجوية الإسرائيلية ضد سوريا.

وقد وافق الشرع علي العمل الحر لقوات التحالف الدولي ضد داعش في الأجواء السورية دون دخول سوريا ضمن التحالف حتي لا يثير رفقاء سلاحه السابقين.

ومع رغبة الشرع في وقف النفوذ السوري داخل لبنان تكون سوريا قد خرجت تماما من التحالف السابق مع إيران بالإضافة لتجميد النفوذ الروسي داخل سوريا.

إذن بلقاء ترامب والشرع وما دار في الكواليس تكون أمريكا قد فرضت كامل نفوذها علي سوريا والعراق بالمكانيزمات والنفوذ نفسهما لتكون العاصمتان داخل المعادلة الأمريكية وخارج معادلة النفوذ العربي تماما.

وبالتالي لم يعد هناك معني للأمن القومي العربي الذي يتم تفتيته بالنفود الأمريكي، سوريا بالنسبة لترامب ليست أكثر من امتداد للنفوذ الأمريكي، وأي اتفاق قادم بين سوريا وإسرائيل ما هو إلا نتيجة للتفاهم علي أن يكون الإسرائيلي في جنوب سوريا مقابل أن يكون التركي في غزة.

نظام الأمن العربي يتفتت الآن لتنافس بين قوة إقليمية من داخل المنظومة الأمريكية، إيران تخرج من المعادلة في سوريا بينما تدخل إسرائيل وتركيا، أما الحصص فيتم توزيعها علي طاولة النفوذ الأمريكي.

كل اللعب يتم في غياب تام لمنظومة الأمن العربي وتحت السقف الأمريكي، وترامب هو من يوزع الحصص.

ترامب يريد أن يكون النصيب الأكبر في كعكة الإعمار في سوريا وغزة وفي الغاز والطاقة للشركات الأمريكية.

هذه هي المعادلة الجديدة، وإسرائيل ستبتعد عن المنطقة التي حاربتها علي عدة جبهات مفتوحة، ولن تواجه إيران مواجهة مباشرة بعد قطع أذرعها بالمنطقة، لكن الحرب المباشرة القادمة مع إيران نفسها ستكون بالوكالة عبر الاستدارة لبحر قزوين والتجهيز لحرب أذربيجانية-إيرانية بعد نقل كل التقنيات الحديثة الغربية والإسرائيلية لأذربيجان والتي أعلنت عن صاروخ استراتيجي بعيد المدي (كاسر الجليد) يصل مداه لـ ٣٠٠٠ كم في عرض عسكري لأذربيجان، وبالتالي نقل الصراع من المنطقة العربية نحو إعادة تنشيط الصراع المجمد في بحر قزوين لحصار النفوذ الروسي والصيني في آسيا الوسطي.

في خضم هذا التحوّل الأمريكي العميق في سوريا والعراق، تتجه الأنظار بطبيعة الحال إلى مصر، باعتبارها آخر ركيزة متماسكة في النظام العربي القديم، واللاعب الوحيد القادر -بحكم الجغرافيا والوزن السكاني والعسكري- على موازنة جزء من هذا الاندفاع نحو إعادة تشكيل المنطقة.

ومع تراجع النفوذ الإيراني وتجميد الدور الروسي في سوريا، تصبح مصر مطالبة بإعادة تقييم خطوط الأمن القومي التي لم تعد مرتبطة فقط بما يجري في الجبهة الشرقية، بل بما قد يمتد إلى البحر المتوسط، والبحر الأحمر، والحدود الليبية. فإعادة توزيع حصص النفوذ في سوريا لا تنفصل عن ملفات الغاز، وخطوط الطاقة، ومسارات التجارة الجديدة التي تُبنى على أنقاض خرائط ما بعد 2011.

وقد تدرك القاهرة أن غيابها عن ترتيبات ما بعد الحرب لن يكون خيارًا طويل المدى، وأن إعادة بناء سوريا لن تكون مجرد ملف اقتصادي، بل ساحة لتثبيت أوزان القوى الإقليمية. وفي الوقت نفسه، تستوعب مصر تمامًا أن قوة الدولة السورية -مهما تبدّلت قيادتها أو تحالفاتها- تظل جزءًا من معادلة التوازن العربي التي انهارت في العقد الأخير.

وبينما يتم إعادة تشكيل الشرق الأوسط على مقاس مصالح خارجية، تظل مصر اللاعب الوحيد الذي لا يزال يؤمن بفكرة الأمن القومي العربي كضرورة وجودية لا كشعار سياسي.


رابط دائم: