العلاقات الأفغانية - الباكستانية: ديناميكيات الأمن ومناورات النفوذ الإقليمي
10-11-2025

د. محمد إبراهيم حسن فرج
* دكتوراه العلوم السياسية- كلية الاقتصاد والعلوم السياسية،جامعة القاهرة

في قلب جنوب آسيا، وعلى مفترق طرق الحضارات القديمة والممرات التجارية الكبرى، تتقاطع الجغرافيا بالسياسة في واحدة من أكثر العلاقات تعقيدًا وتشابكًا في العالم المعاصر: العلاقات الأفغانية - الباكستانية. فهي علاقة لا يمكن قراءتها بمعزل عن الجبال التي تفصل وتربط، ولا عن القبائل التي تتنقل على جانبي الحدود، ولا عن القوى الكبرى التي جعلت من هذه المنطقة مسرحًا دائمًا لتوازنات النفوذ وصراعات المصالح. تتبدّل الأنظمة، وتتغير التحالفات، لكن السؤال يظل قائمًا منذ عقود: هل هي علاقة جيرةٍ قسريةٍ محكومةٍ بالتوجس، أم شراكة اضطرارية يفرضها منطق البقاء في بيئة إقليمية شديدة الاضطراب؟ بين واقع هشٍّ تصنعه الجغرافيا، وحساباتٍ صلبة تمليها السياسة، تتأرجح كابول وإسلام آباد على حافة توازنٍ دقيقٍ بين الأمن والتهديد، بين التاريخ والمستقبل، في معادلةٍ لا تزال مفتوحة على كل الاحتمالات.

تقوم العلاقات الأفغانية - الباكستانية على تاريخ معقّد من التفاعل الجغرافي - السياسي، حيث تتقاطع فيها اعتبارات الهوية والمصالح الأمنية والحدود المتنازع عليها والارتباطات القَبلية، مع طموحات النفوذ الإقليمي، والتنافس الدولي على قلب آسيا. فمنذ رسم خط دوراند عام 1893، لم تهدأ الهواجس المتبادلة بين كابول وإسلام آباد، مفادها أن كل طرف يرى في الآخر مصدر تهديد وجودي أو بوابة لفرص استراتيجية. وامتد هذا الإرث التاريخي ليشكّل بنية ثابتة للعلاقات الثنائية، تتجدد فيها أنماط التعاون والصدام تبعًا لامتداد المصالح وتغيّر موازين القوى.

وقد اكتسبت هذه العلاقات بُعدًا استثنائيًا بعد الحرب السوفيتية في أفغانستان، حين تحولت الأراضي الباكستانية إلى عمق لوجستي ودعم سياسي وعسكري للمجاهدين ثم لطالبان لاحقًا، في إطار رؤية إسلام آباد للأمن الإقليمي القائمة على مفهوم "العمق الاستراتيجي" في مواجهة الهند. ومع ذلك، لم تُترجم هذه الرؤية إلى نفوذ مستدام كما توقع صانع القرار الباكستاني، بل بدأت مظاهر التباين تظهر تدريجيًا، خصوصًا مع صعود أجنحة ذات توجهات وطنية داخل طالبان تسعى لبلورة قرارات مستقلة وإعادة تعريف علاقاتها الخارجية بعيدًا عن الهيمنة الباكستانية.

ومع الانسحاب الأميركي من أفغانستان في أغسطس 2021 وعودة طالبان إلى السلطة، تصاعدت الرهانات حول مستقبل العلاقة. توقع البعض أن باكستان ستكون المستفيد الأكبر من هذا الحدث، غير أن الواقع أظهر مزيجًا معقدًا من التقارب والاصطدام. فبينما تنظر إسلام آباد إلى الحكومة الأفغانية بوصفها فرصة لإعادة تشكيل البيئة الاستراتيجية في المنطقة، تتعامل كابول مع مطالب باكستان الأمنية؛ خاصة المتعلقة بجماعة "تحريك طالبان باكستان"؛ بحساسيّة السيادة والشرعية. وباتت باكستان تواجه تحديات أمنية متصاعدة على طول الحدود، وارتفاعًا في هجمات المسلحين، مما وضع ملف أفغانستان مجددًا في قلب النقاش الأمني الباكستاني.

في الوقت ذاته، دخلت أطراف أخرى على خط التوازنات، أبرزها الصين التي تسعى لتأمين امتداد مبادرة "الحزام والطريق" وحماية مشروع "الممر الاقتصادي الصيني - الباكستاني"، إلى جانب روسيا وإيران والهند التي تحاول كل منها إعادة ترسيم مناطق نفوذها داخل أفغانستان، في ظل فراغ القوة الذي تركه الانسحاب الأميركي. كما تظل الولايات المتحدة؛ رغم الانسحاب؛ فاعلًا غير مباشر يسعى لإبقاء طالبان تحت ضغط سياسي واقتصادي لضمان عدم تحوّل أفغانستان إلى ساحة جديدة للتطرف الدولي.

ومن هنا، فإن العلاقات الأفغانية - الباكستانية اليوم ليست مجرد علاقة ثنائية تقليدية، بل تمثّل عقدة استراتيجية تتداخل فيها رهانات الأمن الإقليمي، ونزاعات الهوية، واشتباكات مشاريع القوى الكبرى، وصعود الفاعلين المسلحين غير الدوليين. إن فهم هذه الديناميكيات ضرورة لتحليل مستقبل جنوب آسيا، وتقدير اتجاهات الاستقرار أو الانفجار الأمني في منطقة تُعدّ حجر زاوية في معادلات الأمن العالمي والطرق التجارية العابرة للقارات.

الخلفية التاريخية للعلاقات الأفغانية – الباكستانية:

تعود جذور التفاعلات بين أفغانستان وباكستان إلى حقبة ما قبل نشوء الدولة الباكستانية الحديثة، حين كانت أفغانستان تمثّل منطقة عازلة بين الإمبراطوريتين الروسية والبريطانية خلال القرن التاسع عشر. وفي سياق التنافس الإمبراطوري المعروف بـ"اللعبة الكبرى"، تم توقيع اتفاق خط دوراند عام 1893 بين الحكومة الأفغانية والإدارة البريطانية في الهند، لرسم حدود النفوذ. ورغم أن الاتفاق كان ذا صبغة سياسية - أمنية آنذاك، إلا أنه أصبح لاحقًا محورًا لنزاع حدودي مزمن، بعدما اعتبرت الحكومات الأفغانية المتعاقبة أن الخط فُرض قسريًا، بينما ورثت باكستان الالتزام البريطاني باعتباره حدودًا دوليًا ثابتة.

مع استقلال باكستان عام 1947، كانت أفغانستان الدولة الوحيدة التي عارضت انضمامها إلى الأمم المتحدة، تعبيرًا عن رفضها لترسيم الحدود وعن هواجس مرتبطة بالبعد القومي للبشتون المنتشرين على جانبي خط دوراند. وأدى ذلك إلى توتر مبكر تجلّى في دعم كابول لتحركات المطالبة بـ"بشتونستان"، وما رافقه من اعتقاد باكستان بأن أفغانستان تسعى لاقتطاع أراضٍ منها أو إضعاف تماسكها القومي.

خلال الحرب الباردة أصبحت أفغانستان ساحة لصراعات النفوذ الكبرى. فقد دعمت باكستان، بدافع موازنة الهند والاتحاد السوفيتي، القوى الإسلامية داخل أفغانستان، ثم لعبت دورًا مركزيًا في دعم المجاهدين الأفغان بعد الغزو السوفيتي عام 1979، بغطاء أميركي - خليجي، وهو ما عزز نفوذها داخل الساحة الأفغانية وأوجد شبكات مشتركة من المصالح الأمنية والدينية والاستخباراتية.

وفي تسعينيات القرن الماضي، ومع اندلاع الحرب الأهلية الأفغانية، دعمت باكستان صعود حركة طالبان عام 1996 اعتقادًا بأنها القوة الأكثر قدرة على تحقيق الاستقرار ومنع تمدد النفوذ الهندي والإيراني في أفغانستان. وقد وفّر ذلك لباكستان نفوذًا واسعًا، لكنّه أوجد تبعية سياسية وأمنية معقدة، كما عزّز حضور الفاعلين المسلحين غير الدوليين داخل المنطقة الحدودية.

أحداث 11سبتمبر 2001 شكّلت نقطة تحول مفصلية. إذ وجدت باكستان نفسها مضطرة؛ في ظل ضغوط دولية شديدة؛ إلى دعم الحملة الأميركية ضد طالبان، بينما لجأت قيادات وعناصر الحركة إلى مناطق القبائل الباكستانية. هذا الوضع خلق حالة من الازدواجية الأمنية؛ فمن جهة دعمت باكستان رسميًا الحرب على الإرهاب، ومن جهة أخرى واجهت اتهامات باستمرار توفير ملاذات لعناصر طالبان وشبكات حقاني.

مع تأسيس حكومة أفغانية جديدة بدعم غربي، سعت كابول لبناء جيش ومؤسسات أمنية مستقلّة، بينما واجهت باكستان تصاعدًا في التهديدات من تحريك طالبان باكستان (TTP)، وبدأت الحدود تشهد عمليات عسكرية متبادلة وزيادة في الشكوك السياسية والأمنية، رغم التنسيق الاستخباراتي في بعض الفترات.

عودة طالبان إلى الحكم في أغسطس 2021 مثّلت لحظة مفصلية جديدة؛ اعتقدت باكستان أنها ستعود لموقع الشريك المهيمن، لكن سرعان ما ظهرت ملامح خلافات استراتيجية، خصوصًا مع تمسك طالبان بموقفها من خط دوراند، ورفضها اتخاذ خطوات صارمة ضد نشاط(TTP)، ورغبتها في تأكيد استقلال قرارها السياسي والسعي لشرعية دولية، ما جعل العلاقة تتجه نحو نموذج التنافس الحذر بدل التبعية السابقة.

الإطار النظري للعلاقات الأفغانية – الباكستانية:

يمكن فهم العلاقات الأفغانية - الباكستانية من خلال دمج عدد من النظريات المحورية في حقل العلاقات الدولية، تأكيدًا على أن هذا الملف ليس نتاج تفاعلات ثنائية معزولة، بل هو مشهد معقد تتداخل فيه اعتبارات القوة والأمن والهشاشة البنيوية للدولة. فعلى مستوى التحليل البنيوي، تقدّم الواقعية البنيوية إطارًا تفسيرياً رئيسيًا يبرز سعي الدول لتعظيم أمنها في بيئة دولية لا مركزية يسودها منطق القوة. ومن هذا المنطلق، تنظر باكستان إلى أفغانستان بوصفها عمقًا استراتيجيًا حاسمًا في مواجهة الهند، حيث سعت عبر العقود إلى التأثير في مسار السلطة في كابول بما يحول دون تموضع منافسين إقليميين هناك، بينما تسعى طالبان اليوم لإعادة صياغة موقعها كفاعل سياسي مستقل لا يخضع بالكامل للنفوذ الباكستاني، الأمر الذي يعكس تحوّل الحركة من وكيل استراتيجي سابق إلى قوة تسعى لاكتساب استقلالية القرار وبناء شرعية داخلية وخارجية.

وفي إطار أوسع، تُظهر نظرية الأمن الإقليمي لباري بوزان أن جنوب آسيا تمثل نظامًا أمنيًا متداخلًا، حيث تتجاوز التهديدات الحدود الجغرافية لتشكّل شبكة مترابطة من الفواعل الرسمية وغير الرسمية. وتؤكد هذه المقاربة أن الأمن في المنطقة لا يمكن فهمه بمعزل عن ديناميكيات الجوار القريب؛ فالتقارب أو التوتر بين كابول وإسلام آباد يتأثر مباشرةً بالتنافس الهندي - الباكستاني، وبطموحات الصين لتعزيز مشروع الممر الاقتصادي(CPEC)، وبمحاولات إيران وروسيا والولايات المتحدة ترسيخ أدوارها داخل المشهد الأفغاني. كما يعزز النشاط العابر للحدود لجماعات مثل "تحريك طالبان باكستان" و"داعش - خراسان" الطبيعة غير التقليدية للتهديدات، ويبرز الحاجة إلى مقاربة أمنية جماعية بدلًا من أدوات الصراع المستمر.

إلى جانب ذلك، توفر نظرية الدولة الهشّة إطارًا إضافيًا لفهم حدود الفاعلية السياسية والأمنية في أفغانستان، حيث ما تزال الدولة تعاني من ضعف مؤسسات الحكم، وتعدد مراكز القوى، وغياب الاحتكار الفعلي لاستخدام القوة، فضلًا عن التحديات الاقتصادية والاجتماعية العميقة. هذه الهشاشة لا تجعل أفغانستان فقط حساسة للتدخلات الخارجية، بل تخلق أيضًا فضاءً ملائمًا للفواعل المسلحة التي تمتلك القدرة على تحدي السلطة المركزية وتوظيف الجغرافيا الوعرة لصالح عمليات عابرة للحدود. ومن هذا المنظور، تتعامل باكستان مع أفغانستان كمصدر تهديد أمني محتمل إذا أصبحت ملاذًا آمنًا للجماعات التي تستهدف الداخل الباكستاني، وفي الوقت ذاته كمجال نفوذ ضروري للحفاظ على توازنات القوة الإقليمية.

وبناءً على ذلك، يتضح أن العلاقات بين البلدين تتشكل عند نقطة تقاطع بين متطلبات الأمن القومي، وضغوط البيئة الإقليمية، وقيود الدولة الهشة، في إطار دولي يشهد تنافسًا بين القوى الكبرى على قلب آسيا. ومن ثم، يصبح فهم هذه العلاقة رهينًا بمزج النظرة الواقعية لسلوك الدولة مع تحليل الهياكل الأمنية الإقليمية وإدراك السياق الداخلي الأفغاني بوصفه عاملًا محددًا في صياغة القرار السياسي، ما يجعل العلاقة مع باكستان تتراوح بين التعاون الاضطراري والتنافس النفعي والصدام المحدود.

معادلة الأمن والحدود:

تشكل الحدود الأفغانية - الباكستانية واحدة من أكثر الجبهات الجيوسياسية حساسية في جنوب آسيا، إذ تمتد على أكثر من 2,600 كيلومتر من التضاريس الجبلية الوعرة والممرات القبلية المفتوحة، ما يجعلها بيئة خصبة للتداخل الأمني والعمليات العابرة للحدود. ويظل خط دوراند، الذي رسمته الإدارة البريطانية عام 1893، محور الخلاف الأساسي في العلاقات الثنائية؛ فبينما تعتبره باكستان حدودًا دولية معترفًا بها، ترفض أفغانستان؛ بما في ذلك حركة طالبان في نسختها القديمة والجديدة؛ الاعتراف القانوني به، معتبرةً أن تقسيم الأراضي البشتونية كان قرارًا استعمارياً غير شرعي. هذا الخلاف الحدودي المزمن أسهم في تكريس حالة من اللاثقة الاستراتيجية بين الطرفين، حيث تتعامل إسلام آباد معه باعتباره مسألة سيادة وعمق أمني، بينما ترى كابول فيه رمزًا تاريخيًا لمسار سياسي مفروض عليها.

يتجاوز التوتر الحدودي البعد القانوني إلى بعد أمني مباشر، فالمناطق الحدودية تُعد معقلًا لعدد من الفواعل المسلحة، أهمها تحريك طالبان باكستان(TTP)وداعش - خراسان، وهي جماعات يُتهم بعضها بالعمل انطلاقًا من الأراضي الأفغانية أو الاستفادة من غياب الرقابة الرسمية، ما يضع طالبان في مواجهة إشكالية مركبة بين التزاماتها الداخلية ورغباتها في الحفاظ على استقلال قرارها تجاه باكستان. وتعتبر إسلام آباد صعود نشاط(TTP) تهديدًا استراتيجيًا، خاصة بعد تنفيذ الحركة هجمات متكررة داخل الأراضي الباكستانية، وهو ما دفع الجيش الباكستاني لشن عمليات أمنية مكثفة ومحاولات لتنسيق أمني مع كابول، وإن اتسمت تلك التنسيقات بالهشاشة وعدم الاستمرارية.

وفي محاولة لإدارة التهديدات، تبنت باكستان منذ عام 2017 سياسة تأمين الحدود عبر بناء سياج حدودي، وتوسيع نقاط المراقبة، وتقييد الحركة عبر المعابر الرسمية. إلا أن هذا النهج أثار توترات سياسية مع طالبان، التي رأت في الخطوة محاولة لفرض واقع حدودي نهائي. وتكرر ذلك في عدة حوادث شهدت اشتباكات وتبادل نيران عند مناطق حساسة مثل تورخم وسبين بولدك، مما يعكس التداخل بين الأمن والسيادة والرمزية السياسية للحدود في الوعي الاستراتيجي للجانبين. وفي المقابل، تحاول طالبان الحفاظ على توازن دقيق بين عدم الانجرار إلى صدام شامل مع باكستان، وبين الحفاظ على شرعية خطابها الوطني، خصوصاً في أوساط القواعد القبلية والبشتونية التي ترفض ترسيم الحدود الاستعماري.

كما أن ملف اللاجئين الأفغان يُمثل بعدًا أمنيًا وإنسانيًا إضافيًا، إذ تستضيف باكستان ملايين الأفغان منذ عقود، وقد استُخدم هذا الملف في بعض الفترات كورقة ضغط سياسية متبادلة. وتخشى إسلام آباد من أن أي تدهور داخلي في أفغانستان قد يفتح الباب أمام موجات نزوح جديدة، بما يحمله ذلك من أعباء اقتصادية وأمنية، إضافة إلى احتمال تسلل عناصر مسلحة ضمن موجات لجوء جماعية. وبذلك، يصبح أمن الحدود ليس مجرد مسألة عسكرية، بل جزءًا من معادلة أمن قومي شاملة تشمل الهوية، والسيادة، ومكافحة الإرهاب، واللاجئين، والتنافس الإقليمي.

وبناءً على ذلك، فإن معادلة الأمن والحدود بين أفغانستان وباكستان ليست صراعًا ثنائيًا حول خط جغرافي فحسب، بل إطارًا معقدًا تتشابك فيه اعتبارات السيادة، وشرعية الدولة، والأمن عبر الحدود، وتوازنات النفوذ الداخلية والإقليمية. وهو ما يجعل هذا الملف مرشحًا للبقاء في قلب التوترات بين الطرفين ما لم تتبلور آليات مؤسسية للتنسيق الأمني، أو يظهر نظام إقليمي قادر على إدارة التنافس في قلب آسيا.

طالبان بين الاستقلال والاعتماد على باكستان:

تمثل علاقة طالبان بباكستان واحدة من أكثر العلاقات تعقيدًا في المشهد الجيوسياسي لجنوب آسيا، إذ تتراوح بين إرث طويل من التعاون والروابط الأيديولوجية والتداخل القبلي من جهة، وبين رغبة طالبان المتجددة في التحرر من النفوذ الباكستاني واكتساب استقلال استراتيجي في إدارة الدولة الأفغانية من جهة أخرى. فخلال الحرب الأهلية الأفغانية في تسعينيات القرن الماضي، كانت باكستان الداعم الرئيس لصعود طالبان سياسيًا وأمنيًا، في إطار رؤيتها للعمق الاستراتيجي ومواجهة نفوذ الهند في المنطقة. غير أن عودة الحركة إلى الحكم في أغسطس 2021 كشفت عن مشهد مختلف، حيث لم تعد طالبان مستعدة للانصياع الكامل للسياسات الباكستانية كما كان الحال سابقًا، بل تسعى لترسيخ صورة دولة مستقلة تملك قرارها السيادي، خصوصًا في القضايا ذات الطابع الحدودي والأمني.

ورغم هذا الاتجاه نحو الاستقلال، لا يمكن تجاهل أن طالبان ما تزال تعتمد على باكستان في عدد من الملفات الحساسة، لاسيما في مجال الحركة التجارية عبر الموانئ، وملف الاعتراف الدولي الذي ترى إسلام آباد أنها قادرة على دعمه أو تعطيله ضمن حسابات إقليمية أوسع. ومع ذلك، أظهرت طالبان نزوعًا واضحًا نحو مقاومة الضغوط الباكستانية، خاصة في قضية خط دوراند، حيث تمسكت الحركة بموقفها الرافض لتأكيد الاعتراف الرسمي به، معتبرة ذلك مسألة سيادة وطنية لا يمكن التراجع عنها دون ثمن سياسي كبير. وقد أدى ذلك إلى احتكاكات متكررة على المعابر الحدودية، ترافقت مع تصريحات متبادلة تعكس اتساع فجوة التوقعات بين الطرفين.

العامل الأكثر حساسية في هذه المعادلة يتمثل في ملف تحريك طالبان باكستان (TTP)، إذ تتهم إسلام آباد طالبان الأفغانية بالتساهل مع الحركة وتوفير ملاذات آمنة لها، بينما تتذرع طالبان بأن الصراعات داخل الدولة الباكستانية شأن داخلي لا يمكنها التدخل المباشر فيه. هذا الموقف يبرز تناقضًا واضحًا: فمن جهة تحتاج طالبان إلى الحفاظ على بيئتها الداخلية المستقرة وإدارة علاقاتها مع الجماعات المسلحة التي كانت ركيزة تاريخية لوجودها، ومن جهة أخرى تحاول عدم تفجير علاقتها مع باكستان التي ما تزال بوابة أساسية لأفغانستان نحو العالم الخارجي.

وتظهر كذلك أبعاد الانقسام الداخلي داخل طالبان نفسها، وهو عامل إضافي يُعقّد العلاقة بين الجانبين؛ فبعض الأجنحة الأكثر تشددًا داخل الحركة تميل إلى خطاب استقلالي رافض لأي تبعية خارجية، بينما تبدي بعض المكونات الأخرى ميلًا واقعيًا نحو الحفاظ على مستوى من التنسيق مع باكستان تجنبًا لعزلة إقليمية ودولية خانقة. وهذا التوازن غير المستقر يعكس طبيعة طالبان كحركة سياسية - عقائدية تمر بمرحلة تحوّل من فاعل غير دولتي إلى سلطة تحاول تثبيت نفسها في نظام دولي شديد التعقيد.

في ضوء هذه الاعتبارات، تبدو علاقة طالبان بباكستان مزيجًا من الاعتماد المتبادل والتوتر الاستراتيجي، في إطار صراع صامت حول من يملك قيادة المعادلة الإقليمية في أفغانستان. وبينما تحاول إسلام آباد توظيف نفوذها التاريخي لإدارة المشهد الأفغاني، تسعى طالبان إلى كسر الصورة التقليدية عن كونها حليفًا تابعًا، والتحول بدلاً من ذلك إلى لاعب إقليمي مستقل قادر على إعادة تعريف التوازنات في منطقة شديدة الحساسية.

التنافس الإقليمي ودور القوى الكبرى:

يُعدّ المشهد الأفغاني إحدى أكثر الساحات حساسية في التوازنات الجيوسياسية لآسيا، حيث تتداخل مصالح قوى إقليمية ودولية تسعى كل منها لتأمين نفوذها أو منع خصومها من التقدم داخل الفضاء الاستراتيجي الممتد من آسيا الوسطى إلى شبه القارة الهندية. في هذا السياق، تمثل أفغانستان نقطة ارتكاز في تنافس عميق بين باكستان والهند؛ فإسلام آباد ترى في أي تمدد هندي داخل الأراضي الأفغانية تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، نظرًا لإمكانية تطويقها جيوسياسيًا من الشرق والغرب. بينما تسعى نيودلهي إلى بناء علاقات اقتصادية وسياسية أمنية مع كابول، معتبرة أن دورًا مؤثرًا في أفغانستان يشكل عامل تحوّل في ميزان القوى الإقليمي، ويمنحها عمقًا إضافيًا في مواجهة باكستان.

إلى جانب ذلك، تبرز الصين لاعبًا متقدمًا يسعى لتأمين مصالحه الاستراتيجية، خصوصًا عبر مشروع الممر الاقتصادي الصيني - الباكستاني(CPECالذي يمثل ركيزة رئيسية في مبادرة الحزام والطريق. وتدرك بكين أن استقرار أفغانستان شرط ضروري لنجاح مسارات الاتصال التجاري والاستثماري بين الصين وباكستان وآسيا الوسطى، كما تخشى من انتشار التطرف على حدودها الغربية بما قد يؤثر على الأمن في إقليم شينجيانغ. وقد حافظت الصين على قنوات تواصل مستمرة مع طالبان قبل وبعد سيطرتها على الحكم، في محاولة لصياغة صيغة تعامل مرنة تحافظ على مصالحها دون الانخراط في مغامرات عسكرية أو أمنية.

الولايات المتحدة، رغم انسحابها العسكري، لم تغادر المشهد الأفغاني سياسيًا واستراتيجيًا، إذ ما تزال تعمل على إبقاء طالبان تحت دائرة الضغط الدبلوماسي والاقتصادي، وتراقب توازنات القوى في المنطقة لمنع أي خصم استراتيجي؛ خصوصًا الصين أو روسيا؛ من ملء الفراغ بالكامل. وتعتمد واشنطن أدوات غير مباشرة مثل العقوبات وتجميد الأصول ومشروطية الاعتراف السياسي لتحجيم قدرة طالبان على الحركة الخارجية، مع الإبقاء على خيارات الضغط مستقبلاً في حال نشوء تهديد عابر للحدود.

في المقابل، تسعى روسيا وإيران إلى ترسيخ نفوذ هادئ في أفغانستان عبر بناء قنوات اتصال مع طالبان وتوظيف العلاقات التاريخية مع جماعات محلية داخل الساحة الأفغانية. فموسكو تنظر إلى أفغانستان باعتبارها خط تماس مع فضائها الأمني في آسيا الوسطى، وتخشى من انتشار عدم الاستقرار باتجاه جمهوريات آسيا الوسطى المتحالفة معها. أما طهران، فتعالج الملف الأفغاني من منظور أمني - أيديولوجي - اقتصادي، حيث تربطها مع أفغانستان علاقات معقدة تشمل قضايا الحدود والمياه والطوائف والهجرة، إضافة إلى رغبتها في كبح النفوذ الأميركي ومنع باكستان من الهيمنة الكاملة على مستقبل المشهد الأفغاني.

وبذلك، تتحول أفغانستان إلى مساحة التقاء وتنافس بين القوى الإقليمية والدولية، ما يجعل علاقتها بباكستان جزءًا من لوحة جيوسياسية أكبر تتجاوز الحسابات الثنائية الضيقة. إن هذا التعدد في الفاعلين يعزز الطابع المركّب للمشهد الأفغاني، ويجعل مستقبل الاستقرار مرهونًا بقدرة الأطراف المعنية على إدارة التوازنات، وتجنب الصدام المباشر، وصياغة نظام إقليمي قادر على دمج أفغانستان داخل ترتيبات الأمن والتعاون الاقتصادي في المنطقة.

الاقتصاد والروابط الاجتماعية:

رغم الطابع الأمني الطاغي على العلاقات الأفغانية - الباكستانية، يشكّل البعد الاقتصادي والاجتماعي أحد أعمدة التفاعل بين البلدين، إذ يرتبط الشعبان عبر شبكة معقدة من المصالح الاقتصادية، والأنماط التجارية، والعلاقات القبلية الممتدة عبر الحدود. ويعتمد الاقتصاد الأفغاني في جزء معتبر من حركته التجارية على المعابر الباكستانية والموانئ البحرية عبر كراتشي وغوادر، مما يجعل باكستان شريانًا تجاريًا رئيسيًا لأفغانستان، خصوصًا في ظل غياب منافذ بحرية لأفغانستان واعتمادها التاريخي على طرق الترانزيت الباكستانية للحصول على الغذاء والوقود والمواد الأساسية. وقد شهدت التجارة الثنائية مراحل من الانفتاح والتقييد، حيث استخدمت كل من كابول وإسلام آباد أدوات تجارية كجزء من أدوات الضغط السياسي، بما في ذلك قيود العبور أو تعليق الحركة عبر عدد من المنافذ الرسمية في أوقات التوتر.

وإلى جانب التجارة الرسمية، يلعب الاقتصاد غير النظامي دورًا جوهريًا في إدارة العلاقات اليومية بين المجتمعات على جانبي الحدود. فالمناطق القبلية المتداخلة؛ ولا سيما في حزام البشتون الممتد من قندهار إلى خيبر؛ تعتمد على حركة السلع والأشخاص عبر مسارات طبيعية عمرها قرون، ما يجعل التجارة غير الرسمية والتهريب والتبادل الحدودي جزءًا من منظومة اقتصادية اجتماعية يصعب فصلها بالقوة دون تكلفة اجتماعية وأمنية باهظة. وفي هذا السياق، تتداخل المعاملات الاقتصادية مع شبكات النفوذ المحلي والجماعات المسلحة وحتى سلطات الأمر الواقع، وهو ما يعقد قدرة الحكومتين على ضبط الحدود دون خلق توترات محلية أو تهديد الاستقرار المجتمعي.

من ناحية أخرى، يبرز ملف الهجرة واللاجئين باعتباره أحد أهم أبعاد العلاقة بين البلدين، إذ تستضيف باكستان منذ عقود واحدة من أكبر الجاليات الأفغانية في العالم، وهو عبء إنساني وأمني واقتصادي في آن واحد. وقد لعب اللاجئون دورًا محوريًا في تشكيل الروابط العابرة للحدود، من خلال العمالة والتعليم والتبادل الاجتماعي، كما شكلوا في بعض الأحيان مصدر حساسية سياسية، خصوصًا حين ارتبطت قضايا الأمن الداخلي الباكستاني بوجود مجموعات متطرفة أو تهريب أسلحة ضمن بعض التجمعات الحدودية. وتظل مسألة اللاجئين عاملًا مزدوجًا؛ فهي من جهة مساحة للتواصل الإنساني والاجتماعي، ومن جهة أخرى ورقة ضغط يمكن لكل طرف استخدامها في لحظات التوتر.

كما تُعد العلاقات القبلية والبنية الاجتماعية المشتركة عاملًا غير قابل للتجاهل في تفسير استمرار الروابط بين البلدين رغم الأزمات السياسية، إذ تشكل القبائل البشتونية امتدادًا سوسيولوجيًا وثقافيًا لا يعترف بحدود سياسية مرسومة. وتؤدي هذه الروابط دورًا متناقضًا؛ فهي من ناحية رافعة للتواصل الشعبي، ومن ناحية أخرى محرّك لمطالب قومية وهوياتية قد تتعارض مع التصورات الباكستانية للسيادة، لا سيما حين تبرز شعارات تتعلق بوحدة البشتون أو حق تقرير المصير.

بذلك، يتضح أن العلاقات الاقتصادية والاجتماعية لا تمثل عنصرًا ثانويًا في معادلة الأمن والسياسة، بل تشكل نسيجًا موازياً من الاعتماد المتبادل والتوتر الكامن، حيث لا يمكن لطرف تجاهل العمق الاجتماعي والاقتصادي للآخر، في ظل إدراك متزايد بأن إدارة هذه الروابط تتطلب مقاربة متوازنة تحفظ مصالح الطرفين، وتمنع تحول المصالح المتداخلة إلى نقاط احتكاك تؤجج الصراعات بدل احتوائها.

سيناريوهات مستقبل العلاقات بين البلدين:

تتوقف ملامح المستقبل بين أفغانستان وباكستان على جملة من المتغيرات المتداخلة، تشمل قدرة طالبان على تثبيت أركان حكمها داخليًا، واستجابة باكستان لتحدياتها الأمنية والاقتصادية، وتوازن القوى الإقليمي في ظل صعود الصين واحتدام المنافسة الأميركية - الهندية. بناءً على المعطيات الراهنة يمكن استشراف ثلاثة سيناريوهات رئيسية تتراوح بين التعاون الحذر، والتصعيد المتبادل، والتدويل التدريجي للملف الأفغاني.

السيناريو الأول: الشراكة الأمنية المرنة

يقوم هذا السيناريو على نجاح الطرفين في إدارة الخلافات الحدودية والتهديدات الأمنية عبر آليات مؤسسية ثنائية، مثل لجان التنسيق العسكري ومشروعات التجارة العابرة للحدود، مع الحفاظ على مستوى من التنسيق السياسي يضمن عدم انزلاق العلاقات إلى مواجهة مفتوحة. يتحقق هذا المسار إذا استطاعت طالبان تقييد نشاط الجماعات المعادية لباكستان داخل الأراضي الأفغانية، ونجحت إسلام آباد في دعم الاعتراف التدريجي بحكومة طالبان ضمن تفاهمات دولية تضمن لها نفوذًا محدودًا ولكن مستقرًا. في هذا الإطار، قد تشهد المنطقة بداية إعادة تفعيل لمشروعات التكامل الاقتصادي الإقليمي ضمن مبادرة "الحزام والطريق"، مع تحسن تدريجي في الثقة المتبادلة.

السيناريو الثاني: التصعيد والصدام الحدودي

يُعد هذا السيناريو الأكثر ترجيحًا على المدى القصير إذا فشلت طالبان في ضبط الجماعات المتشددة أو استمرت هجمات "تحريك طالبان باكستان" ضد الجيش الباكستاني. في هذه الحالة، ستتجه إسلام آباد إلى خيار الضغط العسكري أو تنفيذ ضربات محددة داخل الأراضي الأفغانية، وهو ما قد يثير ردود فعل قوية من طالبان التي تسعى لإثبات استقلالها. وقد تتدهور العلاقات إلى مستوى من القطيعة الدبلوماسية المؤقتة، يترافق مع حملات إعلامية متبادلة وموجات لجوء جديدة. هذا السيناريو يرسّخ منطق "الأمن الصفري" ويُضعف فرص الاستقرار في المنطقة الحدودية، مما يفتح الباب لتدخلات إقليمية ودولية أوسع.

السيناريو الثالث: تدويل الملف الأفغاني مجددًا

يقوم هذا السيناريو على دخول قوى إقليمية ودولية؛ مثل الصين وروسيا وإيران والولايات المتحدة؛ في إعادة صياغة التوازن داخل أفغانستان عبر أطر متعددة الأطراف، في ظل عجز الطرفين عن إدارة خلافاتهما ذاتيًا. قد تُطرح مبادرات أممية أو إقليمية جديدة لضبط الحدود ومكافحة الإرهاب وتنسيق المساعدات الإنسانية، مع احتمال بروز دور متزايد لمنظمة شنغهاي للتعاون أو الآليات الثلاثية (الصين - باكستان - أفغانستان). غير أن هذا المسار يحمل مخاطر تقليص استقلالية القرار لدى كل من كابول وإسلام آباد، وتحويل العلاقة الثنائية إلى ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى.

في ضوء هذه السيناريوهات، يبدو مستقبل العلاقات مرهونًا بمدى قدرة الطرفين على تجاوز إرث الشكوك المتبادلة وبناء صيغة "تعايش استراتيجي" تحافظ على المصالح الحيوية لكليهما. فكلما استطاع البلدان تحويل مسار العلاقة من منطق الصراع إلى منطق الاعتماد المتبادل المنظَّم، اقتربت المنطقة من حالة استقرار نسبي، أما استمرار التصعيد فسيبقي الحدود الأفغانية - الباكستانية بؤرة توتر تهدد الأمن الإقليمي برمته.

الخاتمة:

تُظهر العلاقات الأفغانية - الباكستانية عبر مسارها التاريخي والسياسي حالةً فريدة من التشابك الجيوسياسي، تجمع بين القرب الجغرافي والارتباط القبلي من جهة، وصراع المصالح والأجندات الأمنية من جهة أخرى. لقد تحوّل التفاعل بين البلدين من علاقة هيمنة غير متكافئة خلال تسعينيات القرن الماضي، حين كانت طالبان أداة نفوذ باكستاني في الداخل الأفغاني، إلى علاقة أكثر تعقيدًا بعد 2021، تتّسم بمحاولات طالبان لترسيخ استقلالها السياسي ومقاومة التأثير الخارجي، في مقابل سعي إسلام آباد لإعادة ضبط موازين القوة وضمان أمنها الداخلي.

تكشف الدراسة أن جوهر التوتر بين الجانبين لا يقتصر على الخلاف الحدودي أو ملف الجماعات المسلحة، بل يتجاوزهما إلى اختلاف في الرؤية للأمن والسيادة والشرعية. فباكستان تنظر إلى أفغانستان من منظور الأمن الوقائي والعمق الاستراتيجي، بينما ترى طالبان نفسها دولة ذات سيادة تسعى لإثبات استقلالها وإعادة تعريف موقعها في النظام الإقليمي. هذا التناقض البنيوي، المقترن بضعف الدولة الأفغانية وتعدد الفاعلين المحليين والإقليميين، يجعل العلاقة عرضة للتقلبات المستمرة وعدم الاستقرار البنيوي.

من منظور نظري، تؤكد الواقعية البنيوية ونظرية الأمن الإقليمي أن البلدين محكومان ببنية صراع يصعب تجاوزها دون تحول في إدراك التهديد والمصلحة. كما تُبرز نظرية الدولة الهشّة أن ضعف المؤسسات في أفغانستان يضاعف من هشاشة الأمن الإقليمي، إذ تتحول الحدود إلى منطقة تماس بين الدولة واللا - دولة. ومن هنا، فإن استقرار العلاقة بين كابول وإسلام آباد لن يتحقق عبر الضغوط أو الإملاءات، بل من خلال بناء آلية تفاعل مؤسسي دائم تقوم على إدارة المصالح المتعارضة داخل إطار من الحوار والاعتماد المتبادل المنظّم.

إن مستقبل المنطقة يتوقف على قدرة الطرفين على الانتقال من منطق التهديد المتبادل إلى منطق الأمن المشترك، وعلى استعداد القوى الإقليمية الكبرى؛ خاصة الصين وروسيا وإيران؛ لدعم ترتيبات أمنية واقتصادية جديدة تُدمج أفغانستان في النظام الإقليمي بدل إبقائها ساحة تنافس. وإلى أن يتحقق ذلك، ستظل العلاقات الأفغانية - الباكستانية تمثّل مركز الثقل في معادلة الاستقرار أو الفوضى في جنوب آسيا، بما يجعلها اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدول الضعيفة والمتوسطة على التكيّف مع بيئة إقليمية تتغير بسرعة وتحتدم فيها رهانات النفوذ.

المراجع:

Akram, M., Mohamad, D., & Arshad-Ayaz, A. (2024). How was the Taliban 2.0 in Afghanistan seen in Pakistan? Asian Journal of Comparative Politics9(2), 274-290.

Amable, D. S. (2022). Theorizing the emergence of security regions: An adaptation for the regional security complex theory. Global Studies Quarterly2(4), ksac065.

Bashir, S. (2023). Unraveling Pakistan-Afghanistan Strategic Relations in The Post-Us Withdrawal Era. Margalla Papers27(2), 102-114.

Buzan, B., & Waever, O. (2003). Regions and powers: The structure of international security (Vol. 91). Cambridge University Press.

Popalzay, A. W. (2024). The Evolving Dynamics of Afghanistan–Pakistan Relations: Implications of the Taliban’s Resurgence Post-2021. Chinese Journal of International Review6(02), 2450006.

Taye, S., & Ahmed, Z. S. (2021). Dynamics of trust and mistrust in the Afghanistan–Pakistan relationship. Asian Studies Review45(4), 557-575.

فرج، محمد إبراهيم حسن. (18 أغسطس 2025). التحولات الجيوسياسية في الشرق الأوسط: من صدام المحاور إلى توازن المصالح. مجلة السياسة الدولية. https://www.siyassa.org.eg/News/22084/تحليلات/التحولات-الجيوسياسية-في-الشرق-الأوسط-من-صدام-المحاور-إلى-توازن-المصالح.aspx

فرج، محمد إبراهيم حسن. (23 سبتمبر 2025). اتفاقية الدفاع السعودي–الباكستاني: السياق الإقليمي وانعكاساته على أمن الشرق الأوسط. مجلة السياسة الدولية. https://www.siyassa.org.eg/News/22113/تحليلات/اتفاقية-الدفاع-السعودي-الباكستانى-السياق-الإقليمي-وانعكاساته-على-أمن-الشرق-الأوسط.aspx


رابط دائم: