إيران: الانتخابات والسياسة الخارجية
28-2-2012

عبد الله إسكندر
*

تشهد إيران بعد أسبوع انتخابات برلمانية في منافسة يغيب عنها أي صوت معارض أو الحركة الخضراء. بما يعني أن مجلس الشورى المقبل سيتوزع بين أركان التيار المحافظ وحده، وليتوحد الحكم الإيراني حول لون سياسي واحد. وليصبح الحكم الإيراني حكم فريق (حزب) واحد تحت رعاية المرشد الأعلى. بما يعيد إلى الذاكرة اكثر النظم توتاليتارية، من نازية وشيوعية وبعثية. ولتسقط نهائياً ورقة الادعاء بالسماح بالتنوع والتعددية والتعبير الشعبي.

لقد تمكن الحكم الإيراني، مدعوماً بـ «الحرس الثوري» (القوة الأساسية في البلاد) وفروعه، أن يقضي على الحركة الإصلاحية التي رفعت برأسها لمناسبة الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وتتالت عملية تقييد الحرية والاعتقالات والمحاكمات والاغتيالات لرموز هذه الحركة المعارضة لمنعها من التعبير وتشتيتها والقضاء عليها. وكانت النتيجة غيابها عن هذه الانتخابات التي لم تقاطعها إلا لانعدام أي فرصة أمام رموزها للفوز. ومن لم تطله من هذه الرموز إجراءات القمع والتقييد، منعته لجنة خبراء الدستور من الترشح بحجج عدة.

هكذا، تصبح الانتخابات الإيرانية مجرد إعادة توزيع للسلطة ومنافعها بين أعضاء الفريق الواحد، وعلى أساس الولاء المطلق للمؤسسة الحاكمة.

هذا الواقع الجديد لا ينسف الادعاء حول السماح بالخيارات الشعبية واحترام الحريات العامة فحسب، وإنما يؤسس لمرحلة «فاشية» شبه متكاملة، ستكون الانتخابات البرلمانية المقبلة من مظاهرها الأكثر وضوحاً.

ولا تنعكس خطورة اكتمال النظام الفاشي في إيران في تشديد القبضة الداخلية وقمع الحريات العامة والسياسية، وإنما أيضاً بالنزوع إلى المغامرة الخارجية من دون أي محاسبة داخلية. وهذا هو الهدف من ضرب الحركة الإصلاحية التي كانت تدعو إلى التعقل في معالجة الملفات الخارجية والحفاظ على علاقة جيدة مع الجوار والامتناع عن التدخل في شؤونه.

لقد تزامن تقريباً ضرب المعارضة الداخلية الإصلاحية وتصفيتها مع التصعيد الرسمي الإيراني في الملفات الخارجية كلها ومع زيادة وتيرة التعبئة العسكرية والمناورات والتهديدات لـ»الأعداء» البعيدين والمجاورين.

ولم تخف هذا التصعيد محاولات ديبلوماسية ملتبسة في هذا الملف أو ذاك، أو التصريحات المتناقضة في هذا الشأن أو ذاك. لأن الوقائع على الأرض تظهر خطاً متصاعداً في التمسك بالبرنامج النووي المشكوك في أهدافه من دون أن تقدم طهران أية أدلة على سلميته. وتظهر الوقائع أيضاً استمرار التحريض والتدخل في شؤون الجوار، خصوصاً حيث تملك إيران مرتكزات تنظيمية ومذهبية. وتظهر أيضاً أن طهران تعتبر نفسها القوة الوحيدة المسؤولة عن أمن في المنطقة يناسب مصالحها فقط.

وفي تبرير كل هذا التصعيد، تعمد أصوات الحكم إلى التشديد على القوة الإيرانية والتفوق السياسي والعلمي والعسكري. وكذلك على «مظلومية» مفترضة تبرر انتهاج القوة من اجل انتزاع حق مفترض.

وبذلك تتجمع كل العوامل التي قد تدفع في لحظة ما إلى انفجار تسعى إليه إيران، انطلاقاً من اعتبار أن أي اختبار للقوى في المنطقة سيكون لمصلحتها، سواء في مواجهة مع الغرب أو مع دول الجوار. وستكون بعدها قادرة على فرض سطوتها وهيمنتها في الإقليم، كقوة كبيرة كما تقول هي عن نفسها.

لقد «وحّد» الحكم الإيراني الداخل تحت لواء المرشد وأداته «الحرس الثوري» ومتفرعاته. وقد لا يطول الوقت حتى يحاول فرض ميزان قوى مماثل في المنطقة، استناداً إلى سيطرته الكاملة على الوضع الداخلي وقوته العسكرية المتعاظمة. وقد يكمن هنا معنى هذه الانتخابات البرلمانية التي، وإن بدت باهتة وبين أنصار الفريق الواحد، تظهر أن الحكم لم يعد مضطراً إلى مراعاة توازنات داخلية في سياسته الخارجية.

------------------
* نقلا عن الحياة اللندنية الأحد 26/2/2012.


رابط دائم: