دبلوماسية الثقافة الشعبية: استخدام اليابان الاستراتيجي للقوة الناعمة في السياسة الإقليمية – دراسة حالة لثقافة "Kawaii"
19-10-2025

عرض- محمود بصيله
* باحث فى العلوم السياسية

تمتلك اليابان العديد من الأصول الثقافية، محبو الطعام ينجذبون لعملية صنع السوشي التقليدية، ولاعبو ألعاب الفيديو يسافرون إلى "شيبويا" للحصول على آخر التحديثات من المطورين، والموضة اليابانية أصبحت رائدة على ساحة صناعة الموضة العالمية. لدي اليابان الكثير من السلع الثقافية التى تجعل التغاضي عن الممارسات السياسية الدقيقة التي تؤديها اليابان في المجتمع العالمي أمرا سهلا. مما يثير تساؤلا حول إذا كانت وسائل الترفيه تلك محاولة من قبل اليابان لاستخدام القوة الناعمة لترسيخ تأثيرها العالمي.

بدأت ثقافة "الأشياء شديدة اللطافة" (الكاوي، kawaii) في الحصول على شعبية كبيرة في اليابان بعد الستينيات كنتيجة للحرب العالمية الثانية. حيث إن الشباب الياباني يئس من النشاط السياسي. وفي السبعينيات تم تقديم شخصيات، مثل "هيلو كيتي" (hello kitty)، و"هيكونيان" (hikonyan)، و"مونتشيشي" (monchichi)، كما أنها كانت بداية صناعة "الأنمي" (الرسوم المتحركة اليابانية). ومع زيادة الدخل المتاح عقب الحرب العالمية الثانية في اليابان شهدت الدولة تعلقا أكبر بثقافة اللطافة ومنحها مكانة عالمية.

المفهوم:

لا يعني مفهوم اللطافة الظرف أو الجمال بشكل مبسطا بل ينطوي على أكثر من ذلك حاملا معاني، مثل الوداعة والسلبية، وعند مقارنة اللطافة بالمفهوم الغربي للطافة نجد أنه في تصميم الأشياء اللطيفة فإنه يجب أن تحتوي على عيون دائرية، وخدود كبيرة، وألوان زاهية. بعد أن ذاعت شعبية ثقافة اللطافة أصبحت تتخلل نواحي عديدة في المجتمع داخل اليابان وشرق آسيا، بغض النظر عن استقطاب السياح، أصبحت العلامات التجارية ذات الطابع اللطيف مهمة للصناعات الرئيسية. بعد أن أصبحت اللطافة مترسخة في الثقافة الشعبية أدركت الحكومة اليابانية أن هناك إمكانية لاستخدامها سياسيا.

منذ الثمانينيات استخدمت اليابان التمائم في العديد من القطاعات الحكومية، السبب وراء ذلك هو جعل الحكومة أكثر جاذبية وقبولا لدي عامة الناس.تكريس اليابان القوة الناعمة كأداة لتغيير صورتها العالمية ونجاحها في ذلك هو أمر مثير للإعجاب. حيث تمكنت بشكل كبير من تقليل سمعتها العنيفة والإمبريالية بأخري ذات طابع طفولي لطيف. بينما الجيل الأكبر من غير اليابانيين يربطون اليابان بتاريخها الاستعماري الطويل، والهجوم على "بيرل هاربر" والاعتداءات على النساء من شرق وجنوب شرق آسيا، فإن الجيل الأصغر يركزون أكثر على "الأنمي"، وألعاب الفيديو، والطعام الياباني. هذا الفرق الكبير بين نسختين من الدولة نفسها ناتج عن القوة الناعمة.

القضايا الشاملة:

هذا يجعلنا نتساءل ما هي الوسائل التي تستخدمها اليابان للترويج للثقافة الشعبية بطريقة استراتيجية كأداة للقوة الناعمة. بتعزيز صورتها الودودة، تتمكن اليابان من المشاركة في المجالين الثقافي والسياسي للدول المجاورة، بالإضافة إلى ذلك لاحظ العديد من الفنانين وعلماء السياسة اليابانيين حدوث إعادة صياغة للهوية الثقافية اليابانية بعد الحرب العالمية الثانية، مؤدية إلى تلاعب في صورة اليابان في الخارج، هذا النجاح يعود بشكل كبير إلى ثقافة اللطافة. وعلاوة على ذلك فإن اليابان لا تروج لثقافتها على أنها يابانية فقط أو أنها موجه إلى شعب معين مما يسهل على الآخرين تقبل تلك الثقافة.

نظرية القوة الناعمة:

يصف جوزيف ناي القوة الناعمة بأنها الانجذاب إلى القيم المشتركة، والإيمان بعدالتها ووجوب المساهمة في تحقيقها.هذا النوع بالتحديد من الدبلوماسية يلعب دورا محوريا في السياسة العالمية، حيث إنه يحفز التعاون بين الدول عن طريق الإقناع. بالإضافة إلى ذلك فإن الدبلوماسية الناعمة تزيد من تبادل الأفكار والسلع والموارد، وتسعي إلى علاقات طويلة الأمد تعتمد على الرأي العام والتعاون.

على الرغم من استخدام اليابان المستمر لثقافة اللطافة إلا أنها مكبوحة بسبب ماضيها العسكري، لهذا السبب يجب على أي دولة قبل البدء في الاستثمار في القوة الناعمة أن تحدد ثلاثة أشياء هل أهداف السياسة محددة أم عامة، وهل النتيجة المرجوة قصيرة الأمد أم طويلة الأمد، ومن يوصل الرسالة. في حالة اليابان آلاف من الشخصيات اللطيفة هم من ينشرون ثقافة وقيم الدولة، والهدف هو تحسين السياحة وصورة الدولة على المدى الطويل. ونظرا لافتقار اليابان إلى قوة عسكرية رسمية، تمثل القوة الناعمة واحدة من أهم أدواتها الدبلوماسية، وتشكل جزءًا كبيرًا من شهرتها وتأثيرها في الخارج.

تاريخ القوة الناعمة في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية:

نظرا لطبيعة القوة الناعمة الهشة، يفضل العديد من الناس في القطاعات السياسية والدبلوماسية استخدامها وقت الضرورة فقط. في حالة اليابان القوة الصلبة تمتلك بعض المشكلات أهمها أنها لا تمتلك قوة عسكرية كبيرة، قد يبدو الأمر أنها استبدلت قدراتها العسكرية والاقتصادية مقابل قوة أكثر نعومة.

نجحت اليابان في تحويل نفسها من تهديد عسكري إلى الغرب إلى وجهة سياحية شعبية لدرجة كونها الدولة رقم 11 في ترتيب أكثر الدول زيارة في عام 2024. بعد وصول وسائل الإعلام اليابانية إلى الغرب، الدولة التي كانت موصومة بالبعد والغموض أصبحت مع مرور الوقت أقل غموضا بفضل ترويجها "للأنمي" و"المانجا" والأهم من ذلك الشخصيات الظريفة.

دراسات حالة تاريخية مقارنة:

الحالة الأولي- التأثير على تايوان:

لم تشهد تايوان أي مظهر من مظاهر الديمقراطية إلا بعد رفع الأحكام العرفية في عام 1987. بسبب هذا العصر من التحول السياسي والاجتماعي، الشعب التايواني كان لهوفا للحصول على هوية خاصة به، ونظرًا لحالة العداء التي كانت تكنها الجزيرة تجاه الصين الخاضعة لحكم حزب الكومينتانج، تايوان حصلت على إلهامها من اليابان في محاولة منها لإبعاد نفسها عن هيمنة الصين، تايوان تبنت العديد من نواحي الثقافة اليابانية متضمنة حبها لثقافة اللطافة. خلال انتخابات البلدية في تايبيه عام 1998، ظهرت دمية "آي-بيان" (A-Bian) كشخصية عامة غير متوقعة، مثلت الدمية بعض التشابه مع المرشح الديمقراطي "تشن شوي بيان" بعيون كبيرة وقميص أخضر خاص بكرة القاعدة وابتسامة، لتصبح واحدة من أكثر القطع الدعائية تميزا في تاريخ الحملات الانتخابية في الجزيرة.على الرغم من خسارة "تشن" تلك الانتخابات، إلا أنه فاز في انتخابات عام 2000، وعام 2004، مع تلك الدمية بجانبه، ومنذ فوزه ثقافة اللطافة أصبحت مألوفة في المشهد السياسي في تايوان، بسبب تلك الدمية شهدت تايوان ظهور تمائم جديدة في كل المجالات.

تلك الدمية رغم مظهرها البريء، في الواقع كانت خطوة سياسية استراتيجية للغاية من جانب "تشن شوي" وفريقه. الدمية سميت بكنية "تشن شوي" أثناء طفولته الأمر الذي أضفى عليها طابع الحنين إلى الماضي، بالإضافة إلى ذلك قرر "تشن شوي" ملء فريق حملته الانتخابية وفريق إدارته للبلدية بالشباب ليهيمن على الدعاية تجاه الناخب الأصغر سنا، خلال فترتي رئاسته، ظل هذا النهج سمة بارزة، إذ مكنه دعم مساعديه الشباب من فهم كيفية كسب تأييد الشباب في تايوان والحفاظ عليه بمساعدة دمية "آي-بيان".لقد أسهم استخدام ثقافة اللطافة في السياسة التايوانية بشكل خاص في ترسيخ دور هذه الثقافة ووظيفتها ضمن الجهود الحكومية، كما برز كإحدى الوسائل المهمة لتعزيز مسار التحول الديمقراطي.

على غرار تجربة "اليورو-كيارا"yuru-kyara) ) في اليابان، أدت التمائم في تايوان دورا في تلطيف صورة الحكومة وإضفاء البعد الإنساني على السياسيين، مما يسهم في إنشاء بيئة أكثر ترحيبا تسمح بتفاعل أكبر بين المواطنين وممثليهم. ومن خلال تعزيز الهوية التايوانية في إطار يتسم بـاللطافة، تمكنت الحكومة الديمقراطية من ترسيخ نفسها ككيان تايواني خالص قائم على القرب من المواطنين والتفاعل معهم.بالإضافة إلى ذلك، فإن تركيز "شوي بيان" حملاته الانتخابية على فئة الشباب أتاح له إظهار نفسه بصورة جذبت الناخبين الشباب المتطلعين إلى زعيم يتمحور اهتمامه حول تايوان، الأمر الذي ساعده على البقاء في السلطة لمدة اثني عشر عاما.

الحالة الثانية- حملة اليابان الرائعة:

مبادرة حكومية تعود جذورها إلى عقود مضت، وتم تنفيذها رسميا في عام 2013.أطلقت الحكومة حملة "اليابان الرائعة"ليس فقط لربط اليابان بالثقافة الشعبية المعاصرة، بل أيضا لتحفيز الشباب على الانخراط بشكل أكبر في جوانب الثقافة اليابانية التقليدية. ضمن حملة اليابان الرائعة، يوجد ملصقات تظهر شخصيات "أنمي" مرتدية "اليوكاتا" (زي ياباني تقليدي)، وعارضات أزياء، وتمائم "يورو-كيرا" تروج للسياحة والثقافة اليابانية التقليدية. على الرغم من أن الحملة طرحت لأول مرة في الثمانينيات، فإن العديد من الجهود الدبلوماسية المرتبطة بها اليوم تعود إلى مبادرات أطلقت في أوائل الألفية الجديدة. ففي تلك الفترة بدأ المجتمع الدولي يدرك تصاعد النفوذ الثقافي لليابان، على الرغم من ضعف اقتصادها وحالة عدم الاستقرار السياسي التي أعقبت العقد الضائع.أدى ذلك إلى إنشاء مكتب تعزيز الصناعات الإبداعية عام 2010، في محاولة من الحكومة اليابانية لتنمية هذه السلعة الثقافية. في الواقع سرعان ما بدأت وزارة الخارجية في دمج عناصر من حملة اليابان الرائعة ضمن استراتيجياتها في الدبلوماسية العامة.

اتخذت الحملة أشكالا متعددة، وتم نشرها عالميا بفضل استثمارات حكومية بلغت نحو 1.3 مليار دولار. وقد برزت الجهود الترويجية بشكل خاص في شرق آسيا، خاصة في الصين، وماليزيا، وتايوان، وكوريا الجنوبية، ويرجع ذلك إلى الشعبية الكبيرة للمسلسل التلفزيوني "أوشين" الذي عرض في 68 دولة. وقد بدأ بث أوشين خارج اليابان عام 1984، مما أتاح للجمهور العالمي التعرف على الثقافة الشعبية اليابانية بعد الحرب العالمية الثانية. كان هذا نقطة تحول في دبلوماسية الثقافة حيث أتاح أوشين للناس حول العالم رؤية يابانيين حقيقيين في حياتهم اليومية عوضا عن الرسوم المتحركة التي كانت مشهورة في ذلك الوقت، مما أتاح له تغيير كيف تري الشعوب الأخرى اليابان، مغيرا من نظرتهم السلبية تجاه اليابان. أدي تزامن صعود الطبقة المتوسطة في آسيا بعد العقد الضائع مع التطورات في تكنولوجيا البث إلى تكوين صورة رومانسية عن اليابان في أذهان الناس، مما ساهم في نهاية المطاف إلى ازدهار سوق السلع اليابانية والسياحة.

لقد أدت تلك الجهود المتنوعة في بناء الهوية الوطنية اليابانية، سواء من خلال المنتجات اليابانية المباعة في "طوكيو الصغيرة" بكاليفورنيا، أو المطاعم اليابانية المنتشرة في البرتغال، أو معارض "الأنمي" المقامة في سريلانكا. وقد أدى ذلك لإعادة تشكيل الصورة العالمية لليابان محققة الهدف المنشود خلال ما يقارب أربعة عقود. ويمكن تفسير الفجوة الزمنية التي امتدت نحو عشرين عاما بين نهاية الحرب العالمية الثانية وشيوع ثقافة "اللطافة" في اليابان بالعوامل الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية التي برزت في مرحلة ما بعد الحرب.على سبيل المثال، مع مرور الوقت، بدأ الشباب في الابتعاد عن النشاط السياسي والمشاركة في القضايا العامة، متجهين بدلا من ذلك نحو مظاهر البراءة والمرح الطفولي البريء. أما بالنسبة للبالغين فقد جلبت السنوات التي تلت نهاية الحرب الاستقرار الاقتصادي وزيادة الدخل، مما أتاح للأسر المشاركة في ثقافة اللطافة. بسبب هذه العوامل، حققت ثقافة اللطافة شعبية عالمية. ويتجلى هذا النجاح بوضوح في إحصائيات السياحة في اليابان قبل وبعد تنفيذ حملة اليابان الرائعة. ففي الفترة ما بين عامي 2008 و2012، بلغ عدد السياح الوافدين إلى اليابان في ذروته نحو عشرة ملايين زائر. وبعد الإطلاق الرسمي للحملة بداية من 2013 حتى 2023 (باستثناء 2020-2022 نظرا لجائحة كوفيد-19) ارتفع عدد الزوار السنوي إلى ما يقارب 37 مليونًا.

مقارنة بين الحالتين:

أوجه الشبه:

ثقافة اللطافة هي بالتأكيد الشبه الأوضح بين الحالتين، كل من اليابان وتايوان استخدمتا أداة القوة الناعمة تلك من أجل تحقيق غرض سياسي، مؤكدتين على مدي فاعلية القوة الناعمة. كل من الدولتين استخدمتا ثقافة اللطافة كوسيلة للخطاب السياسي بغرض بسط النفوذ. تعتبر ثقافة اللطافة أداة دبلوماسية فعالة، حيث تخفي جاذبيتها الفطرية وطابعها البريء خلفها مقاصد استراتيجية ضمنية، تهدف إلى تجنب اندلاع النزاعات المسلحة.بالإضافة إلى ذلك فإن كلا من اليابان وتايوان دول شرق آسيوية بالقرب من بعضهما البعض مما يساهم في سهولة التبادل الثقافي، بالرغم من الاختلاف بين مجتمع الدولتين إلا أن كلاهما أدرك إمكانية استخدام ثقافة اللطافة كأداة للقوة الناعمة.

أوجه الاختلاف:

في حالة تايوان كان التأثير مقتصرا على دولة واحدة أما في حالة اليابان فإن التأثير امتد عالميا. محاولة "تشن شوي" الأولي في استخدام الدمية في حملاته الانتخابية كان على مستوي البلدية فقط وبعد خسارته لمنصب العمدة ترشح لمنصب الرئاسة ونجح. إن التطبيق المحدود النطاق لثقافة اللطافة في تايوان يختلف كثيرا عن الظاهرة العالمية لما يعرف باللطافة. وبالتالي، فإن سياسات الهوية الكامنة وراء ثقافة اللطافة في كل حالة تتعارض بصورة جوهرية. فالنسخة المقتبسة من ثقافة اللطافة في تايوان تستند بدرجة كبيرة إلى القيم والمثل التايوانية، كما يتضح في مثال دمية "آي-بيان". وغالبا ما تسوق ثقافة اللطافة التايوانية للجمهور التايواني نفسه. على النقيض تستفيد اليابان بصورة أكبر من دبلوماسية الثقافة الشعبية عندما تنتشر عالميا. تستخدم تايوان هذه الثقافة كرمز للهوية الوطنية. ونتيجة لذلك سرعان ما تبنى المجتمع التايواني ثقافة اللطافة.على عكس الصين وكوريا الجنوبية حيث قابلتا ثقافة اللطافة بتحفظ بسبب فترات الاحتلال الياباني لهما. لقد كان تقبل ثقافة اللطافة في كوريا الجنوبية أكثر نجاحا، بفضل اتفاق شامل مع اليابان استند إلى القيم الديمقراطية المشتركة والأهداف الرأسمالية المتقاربة

العقبات:

على الرغم من تعدد استخدامات دبلوماسية الثقافة الشعبية. فإن العديد من الباحثين يرون أن هذا النوع من الدبلوماسية محدود في قدرته على تعزيز الحوار الدولي الحقيقي، إذ يركز غالبا على الجوانب الجمالية والربحية للمنتجات الثقافية أكثر من تركيزه على التواصل الدبلوماسي الفعال. علاوة على ذلك فإن العديد من الصادرات الثقافية يتم توجيهها بقوى السوق لا بالنية السياسية الواعية، مما يحد من فعاليتها كأدوات للقوة الناعمة. غالبًا ما يؤدي الأسلوب غير المباشر لدبلوماسية الثقافة الشعبية إلى نتائج محدودة ولا تحدث تغييرات سياسية ملموسة بشكل مباشر. فعلى سبيل المثال، رغم أن تبادل السلع الثقافية مثل "الكيبوب" (موسيقي البوب الكورية) و"الأنمي" والموجة الكورية قد ساهم إلى حد ما في تحسين الروابط الشعبية بين اليابان وكوريا الجنوبية، إلا أنه لم يؤد إلى أي تحسن في السياسات أو العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ عام 1998. ومن ناحية أخرى يمكن القول إن القوة الناعمة لم يقصد بها من الأساس تحقيق نتائج سياسية فورية، بل تعمل كآلية تدريجية وهادئة تعزز النفوذ والتفاهم على المدى الطويل.

يرتبط ذلك بالنقاش الدائر حول ما إذا كانت القوة الناعمة أكثر فعالية عند استخدامها بشكل مستقل أم عند دمجها مع القوة الصلبة لتشكّل ما أشار إليه جوزيف ناي بالقوة الذكية. في حالة حملة "تشن شوي" وحملة اليابان الرائعة، استخدمت دبلوماسية الثقافة الشعبية لأنها كانت ودية تجاه ديمقراطية تايوان الجديدة. وفي ظل فترة من الاضطراب السياسي وعدم الاستقرار، شكل تبني تميمة جذابة تجسد تطلعات تايوان نحو المستقبل وسيلة استراتيجية لكسب دعم الرأي العام.قد يؤدي استخدام القوة الصلبة بعد انتقال حزب الكومينتانج إلى تايوان إلى تدمير أي شعور متبق بالتضامن داخل الحزب. حيث هرب الأعضاء والمؤيدون من الصين هربا من القمع والعنف، واستمرار تلك الأساليب في تايوان كان سيضعف شرعية الحزب. يفسر هذا السياق التاريخى سبب فعالية القوة الناعمة في تايوان.

وعلى النقيض يعد استمرار حالة عدم الثقة الصينية تجاه اليابان، مثالا على حدود فعالية القوة الناعمة. فرغم الانتشار الواسع لثقافة اللطافة في الصين، إلا أن ذلك لم يسهم كثيرا في تحسين العلاقات المتوترة بين الدولتين. ومثل تايوان لن تكون القوة الصلبة ذات فائدة استراتيجية لليابان حيث إن العلاقات بين البلدين تضررت بشدة نتيجة الاحتلالات والحروب التي خاضتها اليابان في الماضي.نجحت ثقافة اللطافة في تحسين صورة اليابان لدى الولايات المتحدة على الرغم من الهجوم على بيرل هاربر، إلا أن الدول الأقرب جغرافيا والتي عانت مباشرة من الإمبريالية اليابانية لا تزال تتعامل مع اليابان بحذر. تايوان، والصين، وكوريا الجنوبية تبين حدود القوة الناعمة، فضلا عن التحديات المرتبطة باستخدام القوتين الناعمة والصلبة معا، حيث تتوقف فاعليتهما بدرجة كبيرة على السياق التاريخي والجيوسياسي.

ختاما، تتناول آيلا كليبر في هذا البحث بعنوان "دبلوماسية الثقافة الشعبية: استخدام اليابان الاستراتيجي للقوة الناعمة في السياسة الإقليمية – دراسة حالة لثقافة اللطافة" كيف استطاعت اليابان استخدام الثقافة الشعبية، كأداة استراتيجية في ممارسة القوة الناعمة إقليميا وعالميا. وتظهر دراستها تأثير ثقافة اللطافة كقوة ناعمة داخل تايوان، وكيف استخدمتها اليابان لتحسين صورتها العالمية بعد الحرب العالمية الثانية ورفع معدل السياحة.

على الرغم من الجدال حول فعالية استخدام القوة الناعمة وحدها دون مساندة من القوة الصلبة، والتعقيدات العديدة في استخدام القوة الناعمة بشكل فعال، فقد أظهرت اليابان وتايوان أنه يمكن استخدامها بنجاح وتحقيق نتائج كبيرة بشرط إيجاد السياق المناسب لها.

المصدر:

Ella Clipper, Pop-Culture Diplomacy: Japan's Strategic Use of Soft Power in Regional Politics -A Case Study Analysis of Kawaii Culture, University of Kent Canterbury, April 2025.


رابط دائم: