منذ نشوب الأزمة الإنسانية الحالية في قطاع غزة، حرصت الدولة المصرية بالتعاون مع العديد من الحكومات والمنظمات الدولية على القيام بدورها المحوري في تسهيل وصول المساعدات إلى القطاع، مما يعكس قوة التضامن المصري مع الأشقاء الفلسطينيين، ويؤكد على أهمية العمل الإنساني في تخفيف المعاناة، فضلا عن دور مصر الاستراتيجي في الميدان السياسي مع جميع الأطراف.
جهود مصر في إدخال المساعدات الإنسانية:
يستقبل مطار العريش العديد من المساعدات الإنسانية من الدول الشقيقة، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة، والكويت، وقطر والسعودية، حيث تشمل هذه المساعدات المواد الغذائية والطبية وغيرها من الاحتياجات الأساسية.
تعد طائرة الإغاثة القادمة من السعودية من أبرز ما استقبل مطار العريش مؤخرا من إغاثات، حيث حملت العديد من سبل المعيشة والعلاج لأهالي القطاع، وقد صرح مصدر مسئول في إدارة المطار بأن الشحنة مقدمة من مركز الملك سلمان للعمل الإنساني وأنشطة الإغاثة. الجدير بالذكر أن طائرات الإغاثة السعودية التي هبطت في مطار العريش الدولي منذ بداية الأزمة قد وصل عددها إلى 64 طائرة، مما يعزز دور المملكة التاريخي الداعم دائما وأبدا للشعب الفلسطيني في مختلف الأزمات التي يواجهونها.
يظهر دور مصر في تفريغ شحنات طائرات الإغاثة التي تهبط في مطار العريش، ومن ثم نقلها إلى مخازن مجهزة بمدينة العريش، استعدادا لعبور منفذ رفح، وذلك بالتنسيق مع القائمين على لجنة الهلال الأحمر المصري. يذكر أن عدد هذه الطائرات قد بلغ 1033 طائرة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع، ولا تقتصر المساعدات على الدول العربي فقط وإنما تمتد إلى العديد من دول العالم التي انتصرت مبادئها للإنسانية دون أي اعتبارات سياسية تدعم الاحتلال، علاوة على الدور الكبير الذي تلعبه المنظمات الإقليمية والدولية.
تعمل مصر على تسهيل عبور المساعدات الإنسانية من خلال المعابر الحدودية، في مواجهة التحديات التي تفرضها قوات الاحتلال الإسرائيلي، وعلى الرغم من فتح المعبر من الجهة المصرية، إلا أنه يظل مغلقا من جانب قوات الاحتلال لعرقلة الحملات الإنسانية. وتساهم مؤسسات المجتمع المدني المصرية، مثل التحالف الوطني للعمل التنموي، ومؤسستي حياة كريمة وصناع الحياة الخيريتين، في إرسال القوافل الإنسانية الإغاثية إلى القطاع في ظل المجاعة والحصار، وهو ما يعكس مدى قوة التضامن المصري مع الشعب الفلسطيني، والدور الإنساني الذي تلعبه هذه المؤسسات.
من أبرز ما تم إنجازه مؤخرا من الجانب المصري على صعيد الإغاثات الإنسانية، إرسال القافلة الخامسة والأربعين إلى القطاع، تحت مظلة زاد العزة تحت إشراف الهلال الأحمر المصري، وقد انطلقت من البوابة الفرعية لميناء رفح إلى جنوب شرق القطاع. يحمل هذا الموكب الإنساني آلاف الأطنان من المواد الغذائية والطبية، ومن المتوقع أن تواجه العديد من المعوقات الإسرائيلية، خاصة أن جميع الشاحنات تخضع لتفتيش صارم من قبل قوات الاحتلال، كما أن الكثير من الإغاثات تتم إعادتها إلى المعبر المصري دون الإعلان عن أسباب واضحة.
يبُرز العمل الإنساني الذي قامت به مؤسسات المجتمع المدني، تحت إشراف الحكومة المصرية مدى الإصرار على التضامن مع أهل غزة، في واحدة من أكثر اللحظات صعوبة في التاريخ العربي، وأمام إحدى أعنف الأزمات الإنسانية التي شهدها العالم. ففي ظل ما يواجه شعب غزة من سبل الإبادة والتجويع والتهجير على مرأى ومسمع من المجتمع الدولى، أثبتت منظمات المجتمع المدنى المصرى أنها قادرة على تلبية نداءات الاستغاثة التي لا تنقطع، حيث يظهر ذلك جليا في جهود التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموي بالتعاون مع لجنة الهلال الأحمر، وتحت مظلة الدعم المباشر من وزارة التضامن الاجتماعى.
تتكاتف كافة هذه الجهود لتصب في القطاع في صورة أغذية ومستلزمات طبية عبر رافد الإغاثة الأول (معبر رفح)، وفي سياق متصل شارك آلاف المتطوعين فى حملات التعبئة والتجهيز، لتكوين مشهد إنساني معبر عن قيم التكافل والتضامن الراسخة في وجدان الشخصية المصرية، لا سيما مع الإخوة الأشقاء في غزة.
على الصعيد السياسي رفضت الحكومة المصرية كافة صور التهجير القسري على الرغم من الضغوط المستمرة، وبدلا من ذلك استمرت في إرسال وتمرير جميع أنواع المساعدات عبر معبر رفح، لاستقبال المزيد من شحنات الإغاثة عبر مطار العريش، وهو ما يؤكد على الدور الوطني والإقليمي الذي لا تعوضه أي دولة أخرى.
دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر:
منذ بداية الأزمة الفلسطينية والتي تركزت في قطاع غزة بوجه خاص، دعمت اللجنة الدولية للصليب الأحمر العديد من مشاريع الإغاثة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فضلا عن تكثيف المساعدات لسكان غزة لتعزيز إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية، مثل المياه والكهرباء، إلى جانب الأغذية والأدوية وغيرها من سبل المعيشة. وتهدف لجنة الصليب الأحمر إلى الدفاع عن المتضررين من الصراع بصورة حيادية، كما تصبو إلى الحفاظ على حقوقهم وكرامتهم، إلى جانب دور اللجنة في تقديم الرعاية الطبية اللازمة من خلال المستشفى الميدانية التابعة لها.
يتعرض سكان غزة كل يوم إلى القتل والنزوح القسري والتجويع، الأمر الذي يعد خرقا لجميع مبادئ حقوق الإنسان، حسب ما جاء في تصريحات الناطق الرسمي باسم "الصليب الأحمر"، وقد عملت فرق الاستجابة الأولية، بالتعاون مع الهلال الأحمر الفلسطيني والدفاع المدني، لتوفير سبل الإغاثة الملائمة، إلا أن القدرة على الوصول الآمن إلى المحتاجين مقيدة بشدة من قبل قوات الاحتلال. ويذكر أن القائمين على اللجنة الدولية للصليب الأحمر لا يزالون على القدر نفسه من الإصرار على تقديم الدعم المناسب من خلال المقرات الموجودة في دير البلح ورفح، والتي لا تزال تعمل بكامل طاقتها، وذلك في ظل تلقي الدعم من مصر والعديد من الدول العربية والأوروبية الأخرى.
مبادئ حقوق الإنسان في اتفاقية جنيف:
تتمثل هذه المبادئ في أربع اتفاقيات دولية تختص بحماية حقوق الإنسان الأساسية في أوقات النزاعات المسلحة، وتشمل حماية الجرحى والمرضى وحصولهم على الرعاية الطبية الملائمة، كما تناقش هذه المبادئ وضع أسرى الحرب ومعاملتهم، وحماية المدنيين وقت الحرب بوجه عام. تختص الاتفاقية الأولى بأحوال الجرحى والمرضى من القوات المسلحة في الميدان، وتشمل حمايتهم من الأذى والاعتداء، بينما تهدف الثانية إلى حماية المصابين، والمرضى، والجرحى، والغرقى من القوات المسلحة، وتضمن معاملتهم بصورة آدمية.
بالحديث عن القوانين الدولية والاتفاقيات ودورها في حفظ حقوق الإنسان نجد أن الاتفاقية الثالثة تعزز هذه المفاهيم، من خلال وضع قواعد تنظيمية للتعامل مع أسرى الحرب، كما أن الاتفاقية الرابعة والتي عرفت تاريخيا باسم اتفاقية جنيف المدنية، لأنها معنية بحماية المدنيين الواقعين تحت وطأة الحكم الأجنبي خلال فترات النزاع المسلح. وتهدف كافة المبادئ الدولية إلى احترام الإنسانية بكافة صورها، كما ترفع شعار لا للتجويع والحصار ومنع الإغاثات خلال الفترات العصيبة، مثل التي يمر بها سكان القطاع، وهذا ما تسعى القيادة المصرية إلى إرسائه، لا سيما في ظل تراجع الدور التنفيذي للقانون الدولي.
هناك مجموعة من المبادئ الأساسية في الاتفاقيات التي تتعلق بحقوق الإنسان، يجب التوعية بها، للتنديد بانتهاكات جيش الاحتلال، وترسيخ الرفض الدائم لاستهداف المدنيين والمستشفيات، فضلا عن المبادئ الخاصة بلجنة الصليب الأحمر.
من أبرز هذه المبادئ حظر العقوبات الجماعية وكافة سبل الترهيب التي تتنافى مع مبدأ المسئولية الفردية، الذي يهدف إلى التأكيد على عدم الأحقية في معاقبة أي شخص على مخالفة لم يرتكبها بنفسه، مع ضرورة توفير المعاملة الآدمية في جميع الأحوال، فضلا عن حظر أعمال العنف أو التهديد بها. كذلك من أبرز المبادئ التي ضربت بها قوات الاحتلال الإسرائيلي عرض الحائط، مبادئ احترام حقوق الإنسان الشخصية، والعائلية، والعقائدية، على الرغم من أن بنود القانون الدولي المعنية بحقوق الإنسان، قد أكدت على هذه القيم، مع تجريم التجويع والحصار بشكل قاطع.
دور الهلال الأحمر المصري:
يقوم الهلال الأحمر المصري بدور مهم في إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة ، حيث يقوم المتطوعون بجهود كبيرة لضمان وصول الإغاثات إلى المتضررين، كما حرصت الدكتورة آمال إمام -المدير التنفيذي للهلال الأحمر المصري- بالتعاون مع القائمين على الصليب الأحمر على تقديم الدعم الإنساني اللازم للشعب الفلسطيني في غزة. ويلعب الهلال الأحمر المصري دورا مهما في إغاثة المتضررين من أهل القطاع كآلية وطنية لتنسيق المساعدات الإنسانية بشتى أنواعها، حيث يقوم القائمون عليه مع المتطوعين بتجهيز كميات ضخمة من المواد الغذائية، والأدوية، والمستلزمات الطبية، ومستلزمات النظافة.
على الرغم من وجود تعقيدات وعراقيل مفتعلة من قبل الجانب الإسرائيلي، تستمر جهود الهلال الأحمر بلا كلل، لتخطي هذه التحديات، والتأكد من وصول المساعدات إلى سكان غزة، ومن أبرز السبل لتحقيق ذلك التنسيق مع الجهات المختلفة، مثل الهلال الأحمر الفلسطيني، والهيئات الأممية العاملة في القطاع، والسلطات المصرية المعنية، لتيسير وصول المساعدات للمستحقين. ولا يمكن تجاهل الدور الإنساني العظيم الذي يؤديه 35 ألف متطوع منتمين للجمعية بشكل مستمر، حيث يدوم عملهم على مدار الساعة في المراكز اللوجستية والمراكز الحدودية لتجهيز ونقل وتوزيع المساعدات، وكانت آخر هذه الجهود قافلة "زاد العزة.. من مصر إلى غزة" والتي تقوم على إرسال المساعدات الإنسانية بشكل دوري.
تؤكد الجهود المصرية في إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة على أهمية العمل الإنساني في تخفيف المعاناة على أهالي القطاع، كما أن الدور المصري في هذا السياق يعكس التزاما قويا بتقديم الدعم للشعب الفلسطيني في أوقات الأزمات، ويعزز مبدأ الإنسانية أولا، فوق جميع الاتفاقيات والمعاهدات والاعتبارات السياسية الأخرى.
على الرغم من تفاقم الكارثة الإنسانية التي يشهدها القطاع، والضغوط الثقيلة التي تعرضت لها الإدارة المصرية منذ بداية الأزمة، تظل المبادئ الإنسانية والقومية فوق كل اعتبار، حيث يرفع الجانب المصري دائما شعار "لا للحروب وتبقى الإنسانية هي اللغة العالمية التي تفرض نفسها في النهاية، دون النظر إلى عرقٍ أو دين" وهذا ما نشهده الآن من تكاتف دولي لإنهاء الأزمة.