مخرجات الاجتماع المباشر الأول بين روسيا وأوكرانيا منذ ثلاث سنوات
21-5-2025

مازن محمد
* باحث فى العلوم السياسية

في لحظة وصفت بالتاريخية، اجتمع لأول مرة منذ ثلاث سنوات وفدان من روسيا وأوكرانيا وجها لوجه لمناقشة سبل إنهاء الحرب التي اندلعت بين الطرفين في فبراير 2022، والتي خلفت آلاف الضحايا وأثرت بشكل بالغ علي الأمن الأوربي والعالمي، وقد جرت هذه المحادثات في بلد محايد وسط اهتمام دولي بالغ، حيث تمثل هذه الخطوة بارقة أمل جديدة بعد سلسلة من المحاولات الفاشلة للتوصل إلي تسوية سياسية سواء عبر وساطة أممية أو جهود دبلوماسية فردية من دول كبري، ذلك الاجتماع الذي جاء برعاية عدد من الوسطاء الدوليين وعلي رأسهم تركيا وسويسرا، وبدعم لوجيستي من الأمم المتحدة هدف إلي كسر الجمود القائم واستكشاف مدي إمكانية العودة إلي طاولة المفاوضات بجدية من جديد مرة أخرى وعلي الرغم من انخفاض سقف التوقعات، فإن مجرد قبول الطرفين بالجلوس والتحدث يعكس تحولا في الديناميكيات السياسية والعسكرية للصراع.

أولا- محاولات التوفيق بين المطالب الروسية والأوكرانية:

تميزت المحادثات بطابع بالغ الحساسية إذ دخل كل طرف الاجتماع متمسكا برأيه في ظل انعدام الثقة المتبادل، فمن الجهة الروسية كانت المطالب واضحة ومحددة وأبرزها :

أ- الاعتراف بالمكاسب الروسية الإقليمية:إصرار موسكو علي الاعتراف الدولي بسيطرتها علي المناطق التي أعلنت ضمها بما في ذلك دونيستك، ولوهانسك ،وزابوروجيا، وخيرسون بالإضافة إلي تأكيدها علي أن القرم أصبحت جزءا لا يتجزأ من روسيا.

ب- ضمانات أمنية استراتيجية : مطالبة روسيا بتعهدات مكتوبة من أوكرانيا والمجتمع الدولي بعدم انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي (الناتو) أو السماح بوجود أي قواعد أو قوات عسكرية أجنبية علي أراضيها.

ج- رفع العقوبات الغربية :اشترطت موسكو تخفيف أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها تدريجيا بالتزامن مع تحقيق تقدم ملموس في المحادثات.

د- تحييد أوكرانيا سياسيا وعسكريا :الدعوة إلى تعديل الوضع القانوني لأوكرانيا لتصبح دولة محايدة لا تنتمي إلي أي تكتل عسكري.

 

أما أوكرانيا، فقد جاءت بموقف دفاعي مصحوب بشروط أساسية لا يمكن التنازل عنها، من وجهة نظرها  أهمها:

أ- الانسحاب الكامل للقوات الروسية :مطالبة كييف بانسحاب غير مشروط للقوات الروسية من جميع الأراضي الأوكرانية، بما فيها شبه جزيرة القرم كخطوة أولى لتحقيق السلام.

 

ب- استعادة السيادة علي الحدود المعترف بها دوليا :رفض أي صيغة قد تسعي إلي التقسيم أو فرض أمر واقع من خلال احتلال الأراضى.

ج- تعويضات الحرب :طلبت أوكرانيا  تعويضات مالية ضخمة  من روسيا لإعادة إعمار ما دمرته الحرب، وإغاثة ملايين المتضررين.

محاسبة المسئولين عن جرائم الحرب: الإصرار علي آلية قانونية دولية تضمن محاسبة المسئولين عن الانتهاكات بما فيها استهداف المدنيين، وتدمير البنية التحتية وتهجير السكان.

د- ضمانات أمنية دولية:المطالبة بميثاق أمني جديد تلتزم فيه قوي كبرى( الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وتركيا )بحماية أوكرانيا في حال تعرضها لأي عدوان مستقبلي.

ثانيا- مخرجات الاجتماع:

رغم الأجواء الإيجابية نسبيا التي أحاطت الاجتماع فإن توقعات المحللين ظلت متحفظة ،فالأزمة باتت أعقد من أن يتم حلها بجولة محادثات واحدة، لاسيما في ظل وجود قوي داخلية في كل من روسيا وأوكرانيا لا تري مصلحة في تقديم تنازلات، ومن جانب آخر فإن المشهد العسكري لا يزال ملتهبا في بعض الجبهات، مما قد يضعف أي نتائج يتم الوصول إليها، مع ذلك، اعتُبر مجرد انعقاد الاجتماع خطوة كبيرة في حد ذاتها، إذ يُعد مؤشرًا على رغبة -ولو أولية- في اختبار مسار الحل السلمي. ويرى البعض أن الضغوط الدولية، وخاصة من الصين وتركيا، لعبت دورًا مهمًا في تليين مواقف الطرفين، لا سيما مع ما تمر به روسيا من تحديات اقتصادية بسبب العقوبات، وما تواجهه أوكرانيا من إرهاق داخلي ونقص في الموارد، وبناءً على ما تم تسريبه من داخل الاجتماع، فإن المرحلة المقبلة قد تشهد اجتماعات فنية أكثر تحديدًا، تركز على قضايا إنسانية، مثل تبادل الأسرى وفتح الممرات الآمنة، على أمل أن تؤسس هذه الخطوات لعقد اتفاق إطار سياسي لاحق.

 

ثالثا- ردود الأفعال الدولية:

 

تعددت ردود الأفعال الدولية على الاجتماع، فقد رحبت معظم العواصم الغربية، وعلى رأسها واشنطن، وباريس، وبرلين، بهذه الخطوة، ووصفتها بأنها "بداية ضرورية لكنها غير كافية"، داعية روسيا إلى إثبات حسن نيتها بالأفعال لا بالأقوال كما شدد الاتحاد الأوروبي على استمراره في دعم أوكرانيا، لكنه لم يُخفِ استعداده للمساهمة في أي ترتيبات سلام عادلة، من جهة أخرى، أبدت الصين ارتياحها لتقارب وجهات النظر، مؤكدة مجددًا دعمها لحل سياسي يراعي مصالح الطرفين، أما تركيا، فتبنّت نغمة أكثر تفاؤلاً، إذ وصف الرئيس التركي الاجتماع بأنه "خطوة جادة نحو وقف دائم لإطلاق النار"، مشيرًا إلى استعداد بلاده لمواصلة دور الوسيط. في المقابل، التزمت بعض الدول مثل إيران وكوريا الشمالية الصمت، بينما أكدت بعض دول أمريكا اللاتينية وإفريقيا على أهمية احترام سيادة الدول وحل النزاعات عبر الحوار.

 

ختاما:

 

لا شك أن انعقاد أول اجتماع مباشر بين روسيا وأوكرانيا بعد ثلاث سنوات يمثل لحظة فاصلة في مسار الصراع، قد لا تنهي الحرب فورًا، لكنها بالتأكيد تعيد إحياء الأمل في إمكانية الحل السلمي. ويتوقف نجاح هذا المسار على عدة عوامل، منها

مدى جدية الأطراف، وحيادية الوسطاء، وضغط المجتمع الدولي لدفع الأطراف نحو تقديم تنازلات واقعية، وفي عالم تتشابك فيه المصالح والتهديدات، لا يمكن فصل هذا الصراع عن التوازنات الدولية الكبرى. وبالتالي، فإن إنهاء الحرب لن يكون مجرد اتفاق ثنائي، بل تسوية إقليمية ودولية شاملة وحتى ذلك الحين، يبقى الأمل معلقًا على استمرار الحوار وتغليب صوت العقل على ضجيج السلاح.

المصادر:

https://www.reuters.com/world/russia-ukraine-hold- first-direct-peace-talks-over-3-years-2025-05-16/

 

https://www.cnn.com/2025/05/15/europe/analysis-russia-ukraine-peace-process-intl-latam

 

https://www.theguardian.com/world/2025/may/16/russia-ukraine-meet-first-direct-talks-since-2022-instanbul

 

https://www.reuters.com/world/europe/istanbul-peace-talks-laid-bare-chasm-between-ukraine-russia-2025-05-17/

 

https://understandingwar.org/backgrounder/russian-offensive-campaign-assessment-may-17-2025

 

 


 

 


رابط دائم: