تطورات حدود الصراعات التقليدية بين نيودلهى وإسلام آباد
14-5-2025

إيرينى سعيد
* صحفية وكاتبة مصرية - ماجستير العلوم السياسية

يتجه الصراع بين الهند وباكستان  الدائر بينهما منذ أكثر من أسبوعين إلى التسوية، عقب الحادث الإرهابي والذي وقع بالجانب الهندي من إقليم كشمير، وأسفر عما يقارب 26 قتيلا، حيث تصاعدت حدة التوترات بين إسلام آباد ونيودلهي، ما دفع بالهند إلى اتهام الجارة النووية باكستان، وإن عبرت إسلام آباد عن تضامنها وتقديم التعازى، لتتجه نيودلهى ناحية تصعيد الموقف عبر قطع العلاقات على عدد من المستويات الدبلوماسية، والاقتصادية، إلى جانب غلق المجالات الجوية، والأصعب انسحابها من اتفاقية نهر السند، ما يشكل 70% من احتياجات باكستان.

خلفيات المشهد:

تعود الخلافات بين الهند وباكستان إلي ما أبعد من تلك التطورات المعاصرة، وربما قبل أكثر من نحو سبعة عقود، تحديدا عام 1947، وعقب تقسيم الهند، لتستقر الغالبية المسلمة فى باكستان، والهندوسية تظل بالهند، ومن ثم يبقى مصير كشمير معلقا، ويصبح الإقليم محلا للتصارع والنزاعات بين الجارتين، غير أن نهايات الأربعينيات ومنتصف الستينيات سجلت بداية حقيقية للصراعات استدعت التدخل الأممى لوقف إطلاق النار، ومن ثم استولت الهند على ثلثى كشمير، وباكستان الثلث، بدايات السبعينيات يعاود القتال ثانية لتتفق الجارتان على احتفاظ كل منهما بالجزء الذى تسيطر عليه، ما لا قى القبول إلى حد ما من قبل البلدين،  على مدار العقود المتتالية توالت الهجمات المتبادلة عبر دعم باكستان لبعض الكشميريين المسلحين، ما أسهم فى تراجع معدلات الثقة بين الجانبين، حتى مع انخفاض حدة النزاعات فى العقود القريبة(1).

السياق التاريخى كفيل بالكشف عن طبيعة الصراعات المعاصرة بين نيودلهى وإسلام آباد، بل من وضعها فى أُطرها ومن ثم الوقوف على محدداتها والسيناريوهات والتى تحكم تجددها، غير أن تقليدية الصراعات وتجددها من وقت لآخر وضعها فى إطار الصراعات المدروسة من قبل الجانبين، والمحسوب تداعياتها(2).

حدود المواجهات بين البلدين:

التطرق إلى حدود الصراعات بين الدول أو حتى مجموعة من التحالفات يتطلب مجموعة من المحددات، لتوقع حجم وحدود هذه المواجهات، فى مقدمتها قدرات الدول المتصارعة وإمكاناتها العسكرية واللوجيستية، أيضا حجم العلاقات الدولية والتى تتمتع بها، سيما مع الكبار والفاعلين على المسرح الدولى، بخصوص الهند وباكستان تحديدا أبرزت تقارير المعاهد العسكرية أيضا معهد ستوكهولم الدولى لأبحاث السلام تقاربهما فى القدرات العسكرية، إلا أن حجم الترسانة النووية لدى الجارتين كشف عن تخوف دولى من احتمالية اللجوء إلى الأسلحة النووية، حيث  تمتلك الهند حاليا نحو 172 رأسا نوويا، وبخصوص  الترسانة النووية الباكستانية فقدرت  بـ170 رأسا(3)، غير أن اللجوء إلى الحل النووى تحكمه مجموعة من العوامل فى المقدمة العقيدة الخاصة بالدولة، حيث تقوم العقيدة النووية للهند على مفهوم يعرف بمفهوم " الانتقام فقط" أى اللجوء لمثل هذه النوعية من الأسلحة يبدو مقترنا بالرد النهائى دون ارتدادات، وإن أكدت العقيدة الهندية نفسها ضمان عدم البدء بالخيار النووى، هذا بعكس إسلام آباد والتى تقوم عقيدتها النووية على مجرد الردع دون التنفيذ الفعلى(4)، أيضا حجم الاتفاقيات بين الدول وما تنص عليه، فبالرغم من تراجع مؤشرات الثقة بين الهند وباكستان تحديدا ما يخص الالتزام بالاتفاقيات فيما بينهما، إلا أن بداية الألفينيات التزم الطرفان بإعلان لاهور، وبموجبه يتم اتخاذ التدابير الفورية للحد من اللجوء للسلاح النووى مع تقنين استخداماته(5).

ويبرز العامل الثانى والأهم فيما يتعلق بالخبرات الفنية لدى الجانبين، وتبدو من التلويح باللجوء للنووى ، كونها لا تزال بدائية، بدليل عدم توافر الخبرات الكافية فى كيفية استعمال هذه النوعية من الأسلحة، أو تحديد الأهداف وربما الردع هنا فى مجرد الامتلاك، دون توفر الخبرات اللازمة للتشغيل وتحديد النقاط المستهدفة، وهو ما يعد المحور الأهم فى حفظ الصراع عند نقطة من الاتزان أو فى حدود الردع، سيما أن أكثر من دولة تسعى لامتلاك النووى دون التخطيط المستقبلي حول كيفية إدارته واستعماله، حتى إن المعرفة المتوفرة من الكبار_ حال رغبوا فى الدعم النووى ونادرا ما يحدث_ أو حتى المؤسسات الأممية كالوكالة الدولية للطاقة النووية، معرفة تنحصر فى كيفية الاستخدامات السلمية والمدنية للطاقة النووية، ومن ثم يمكن الجزم بوضع المواجهة بين الجانبين فى إطار المواجهة المدروسة، حتى وإن تطورت تظل فى الإطار العسكرى.

اضطلاع الكبار:

تبرز الأقطاب الفاعلة على المسرح الدولى ضالعة فى الصراع ما بين "الجارتين" الهند وباكستان، سيما أن الأخيرة محسوبة على المعسكر الشرقى، حيث تبرز مجموعة من المصالح القوية ما بين بكين وإسلام آباد، بحسب البيانات الرسمية الصادرة عن الإعلام الرسمى للصين فإن " العلاقات الصينية الباكستانية لها أهمية استراتيجية، وأن أي محاولة لعرقلة أو تقويض التعاون الصيني الباكستاني محكوم عليها بالفشل، البيان نفسه أكد أن الصين وباكستان تجمعهما علاقة ممتازة وشاملة على كافة المستويات، وفيه أيضا جدد الجانب الصيني التأكيد على أن العلاقات الصينية الباكستانية لها أولوية في علاقاته الخارجية، وأنها حجر الأساس لسياسته الخارجية، بينما سلط الجانب الصيني الضوء على أن علاقته مع باكستان لها أهمية خاصة في السياسة الخارجية لبلاده" بالمقابل فإن نيودلهى يربطها وواشنطن مجموعة متنوعة من المصالح على رأسها التعاون الاقتصادى والعسكرى، أيضا الزخم الدبلوماسي عبر الزيارات المتتالية والمتعددة على المستوى الرفيع، ما برز فى زيارات رئيس الوزراء الهندى مودى، ناهيك عن أحدث زيارة منذ أكثر من شهرين، جمعت ترامب ومودى فى لقاء أبرز قبولا على المستوى الشخصى كذلك.

وهنا يمكن استنباط توجه قوى، يتعلق بانتواء حقيقي من قبل القوى الكبرى نحو تهدئة المشهد، على خلفية عدد من الدوافع سواء تعلقت بالولايات المتحدة والتى لا تحتمل تعددا لجبهات الصراع، خصوصا مع فشل ترامب فى إدارة اللعبة السياسية، إن كان فى حرب غزة أو وقف إطلاق النار ما بين روسيا وإكرانيا، أيضا المقاربات المتعلقة بالصراعات الآسيوية وحروبها فى فيتنام، أو أفغانستان، أو الصين والتى تنتهج استراتيجيات تتماشي وأطر النهضة والتنمية الاقتصادية، والتى تتعارض ومفاهيم النزاعات، وجميعها توجهات برزت فى الحراك الدبلوماسي المكثف سواء من واشنطن عبر إعلان ترامب بنفسه التوصل إلى وقف نار كامل وفورى بين نيودلهى وإسلام آباد، وبحسب ترامب  "بعد ليلة طويلة من المحادثات بوساطة الولايات المتحدة، يسرني أن أعلن أن الهند وباكستان اتفقتا على وقف إطلاق نار كامل وفوري،  أهنئ كلا البلدين على استخدام المنطق السليم والذكاء العالي، أشكركم على اهتمامكما بهذا الأمر"، أيضا أعلن  وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو في منشور منفصل على منصة "إكس"، تويتر سابقا، أن الحكومتين اتفقتا على "وقف إطلاق نار فوري وبدء محادثات حول مجموعة واسعة من القضايا في مكان محايد"، وفى تأكيد على ضلوع الجانب الأمريكى فى التسوية، أضاف بما يؤكد الجهود الأمريكية فى التوصل للاتفاق وبالتعان مع الجانب الباكستاني، أو الصين والتى حرصت على مطالبة الأطراف بضبط النفس، وإن اتجهت كافة التحليلات ناحية التركيز على مدى استفادة الكبار من استمرارية الحرب الدائرة، خصوصا فى ضوء أرباح مبيعات الأسلحة النوعية والتى أمدت بها الصين باكستان، أيضا رغبة واشنطن التقليدية فى التموضع ناحية أقصى الشرق فى مواجهة لنفوذ الآسيان.

سيناريوهات مستقبلية تحكم الصراع:

السيناريو الأول:

استمرار الصراعات بين نيودلهى وإسلام آباد الوتيرة التقليدية نفسها، وفى أطر عسكرية مدروسة، تحكمها توازنات القوى ومفاهيم الردع، وفى ضوء تواصل التسليح العسكرى والنووى من قبل الجانبين، مع دعم العلاقات الدولية والتحالفات، من أجل الدعم الدبلوماسي والعسكرى، إن لم يكن على كل المستويات، وهنا تمتد التخوفات تجاه توظيف الصراع بين الجانبين، كآلية للتدخل من قبل الكبار، قد تحكمها متغيرات، يصعب معها إجراء التسويات فيما بعد.

السيناريو الثانى:

اعتماد الطرفين تسوية دائمة للصراعات، مع الاتجاه ناحية التطبيع، سيما أنهما بحاجة إلى العلاقات فيما بينهما وفى ضوء تكامل الموارد والعلاقات، فطالما تعاونا واستفادا من بعضهما ولكن بشكل غير مباشر، كأن تتعاون الهند مع الصين وتتعاقد على استيراد منتجات وسلع معظم خاماتها من باكستان، والعكس، لكن التسوية الشاملة تتطلب بعض المحددات، فى مقدمتها موقف كشمير والسيطرة عليها(6)، فمنذ الاحتلال البريطانى ظلت الحدود الكشميرية ما بين الجانبين دون اتفاقية نافذة تذكر أو حتى توجيه أممى خضعت له الأطراف، ومن ثم وجب التحرك ناحية هذه النقاط الجوهرية، من أجل ضمان التسويات الشاملة.

الهوامش:

1-https://2h.ae/KAAB

2-https://2h.ae/PQBZ

3-https://2h.ae/IQTE

4-https://2h.ae/FajM

5-https://2h.ae/KHnB

6-https://2h.ae/NJRV

 


رابط دائم: