دروس بكين:|النموذج الصيني لمواجهة الأزمة المالية العالمية
21-2-2012

إكسياوكسي لي وبيليانج هو‮
* خبيران اقتصاديان

الجمعة: 17 -2-2012

عرض : جيهان الحديدي
مدرس مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية،‮ ‬جامعة القاهرة

 

Xiaoxi Li and, Biliang Hu (Editors) China's New Deal :Economic Development Under International Financial Crisis kNew York: Nova Science Publishers, 2011

مع الصعود الصيني كقوة كبرى على المسرح الدولي،‮ ‬معتمدة في ذلك على قوتها الاقتصادية بصورة رئيسية، لاسيما مع الأزمة المالية العالمية التي ضربت الاقتصاد العالمي،‮ ‬ولا تزال آثارها مستمرة إلي يومنا هذا، اهتمت كتابات‮ - ‬منها الكتاب الذي نعرضه‮ - ‬بما تطرحه التجربة الصينية من أساليب للتعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية،‮ ‬من خلال اعتمادها خططا تتمركز حول تنمية المناطق الريفية،‮ ‬والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية، والحرص على استدامة التنمية، وهي قضايا مركزية تعرض لها كتاب "صفقة الصين الجديدة‮..التنمية الاقتصادية في ظل الأزمة المالية العالمية" بالتفصيل‮.‬

نجاحات اقتصادية

استطاعت الصين تحقيق نجاحات اقتصادية كبري،‮ ‬خلال العقود الثلاثة الأخيرة، حيث تمكن الصينيون من مضاعفة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ستين مرة خلال الفترة من عام‮ ‬1978‮ ‬حتي عام 2008. ‬ووفقا لبول وولفويتز،‮ ‬المدير السابق للبنك الدولي، فإن الصين مسئولة عن‮ ‬67 ٪‮ ‬من الإنجاز العالمي في خفض الفقر خلال ربع القرن الأخير‮.

وبناء على عديد من المؤشرات،‮ ‬بدأ المتابعون للشأن الصيني الحديث عما يسمي بـ"توافق بكين‮"‬، والذي يشير إلي ذلك النموذج الاقتصادي الخاص بالصين القائم على العمل الجاد، والابتكار، والمبادرات الجريئة، والممارسة المستقلة بعيدا عن المحاكاة الحرفية للنماذج الغربية‮.‬

ويشير الكتاب إلى صلابة وكفاءة الصين في مواجهة الأزمة المالية العالمية،‮ ‬ويرجع ذلك إلى الرقابة الصارمة على النظام المالي الصيني، ومن ثم توفير القدرة على حماية النظام الاقتصادي من الاختراق والخضوع للتأثيرات الخارجية، وكذلك نظام الحكم القائم على تركيز القوة من أجل السيطرة على مجالات الحياة المختلفة‮.

ولكن حدوث الأزمة المالية العالمية على خلفية من عدم التوازن في النظام الاقتصادي العالمي، تحديدا بين الولايات المتحدة والصين،‮ ‬في ظل ما تتسم به الأولى من ارتفاع الاستهلاك،‮ ‬مقابل ما تشهده الثانية من ارتفاع معدلات الادخار، والاستثمار، والصادرات، يجعل النموذج الصيني‮ ‬غير مستديم على المدي الطويل‮.

لكن وعلى الرغم من إنكار البعض لوجود هذا النموذج كنمط مستقل ومتميز في التنمية، فإن محرري الكتاب يؤكدان وجود هذا النموذج المتفرد المعروف بـ‮ "‬اقتصاد السوق الاشتراكي‮" ‬الذي بدأت الصين في اتباعه منذ تطبيق سياسة الإصلاح الاقتصادي والانفتاح بمحاولة تعظيم إيجابيات الفكر الاشتراكي التقليدي،‮ ‬وتحجيم ما به من سلبيات‮. ‬

ويقوم هذا النظام على الجمع بين الاشتراكية واقتصاد السوق،‮ ‬من خلال التفاعل بين يد السوق الخفية ويد الحكومة الظاهرة في سياسات الاقتصاد الكلي‮.
‬واستطاعت الصين من خلال هذا النموذج الفريد تحقيق التناغم الاجتماعي،‮ ‬وتوزيع المنافع بين النظم الاجتماعية المختلفة،‮ ‬والمشاركة في الوقت ذاته في حركة العولمة الاقتصادية عالميا‮.‬

الاقتصاد الأخضر‮..‬ هل من مخرج؟‮:‬

يشير اصطلاح‮ "‬الاقتصاد الأخضر‮" ‬إلى مراعاة الأبعاد الاجتماعية والبيئية في برامج التنمية الاقتصادية،‮ ‬وبالتالي تحقيق التوازن بين الاقتصاد والبيئة، من خلال طرق عدة،‮ ‬أهمها استخدام مصادر الطاقة المتجددة صديقة البيئة التي قد تؤدي إلى توفير‮ ‬80 ٪‮ ‬من استهلاك الطاقة الحالي في معظم المنشآت، فضلا عن توفير الملايين من فرص العمل‮.

ويرى البعض أن النظرة التكاملية التي تجمع المناخ، والاقتصاد، والنظام المالي في إطار واحد،‮ ‬تشير إلى أزمة ثلاثية الأبعاد يعانيها النظام الاقتصادي العالمي،‮ ‬في ظل التغيرات المناخية، وارتفاع أسعار الوقود، ومشكلات الائتمان التي تعانيها الحكومات والبنوك وأسواق المال العالمية‮. ‬وبناء على ذلك،‮ ‬تم تضمين سياسات الاقتصاد الأخضر في خطط التحفيز الاقتصادي التي وضعت في الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، ونيوزيلندا، واليابان تحت مسمي‮ "‬الصفقة الخضراء الجديدة‮".‬

ولا يعد ذلك الاتجاه التنموي مجرد وسيلة للتغلب على الأزمة الاقتصادية العالمية،‮ ‬ولكنه استراتيجية طويلة الأمد لإنقاذ كوكب الأرض مما تعرض له من استنزاف وتدمير للطبيعة ولصحة الإنسان، وهو بمثابة الثورة الصناعية الرابعة التي ستنقل العالم من الحضارة الصناعية إلى حضارة النظم الطبيعية‮. ‬
وقد اعتمدت الصين ذلك المسار الأخضر في خططها التنموية بوضع استراتيجية متكاملة لاستخدام مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة على المديين المتوسط والبعيد منذ عام ‮5002. ‬وبالرغم من أن تلك الخطط تواجه بعض العوائق الفنية والمؤسسية، فإن الصين تعمل على قيادة ثورة خضراء في مجالات النقل والكهرباء والصناعة‮.‬

ريف جديد لمواجهة الأزمة المالية‮:‬

لا يعد مفهوم الاقتصاد الأخضر مفهوما اقتصاديا أو بيئيا بحتا،‮ ‬ولكنه مفهوم سياسي أيضا ينهض على أسس من السلام الاجتماعي،‮ ‬والتعايش بين الجماعات العرقية المختلفة داخل المجتمع الواحد،‮ ‬وعدم التنازع بينها على الثروات أو النفوذ‮.

وتعد مناطق تركز الأقليات في الصين من أكثر المناطق ثراء في الموارد الطبيعية،‮ ‬ومن ثم تلعب دورا محوريا في النمو الإجمالي،‮ ‬خاصة في ظل استراتيجية الاقتصاد الأخضر التي تتبعها الدولة الصينية‮.‬وقد طرحت الحكومة الصينية عام‮ ‬2006‮ ‬خطة جديدة لتنمية الريف تقوم على أسس محددة،‮ ‬أبرزها‮: ‬تحسين مستويات المعيشة والحفاظ على القيم الحضارية المحلية، القرية النظيفة، والإدارة الديمقراطية للريف، ليس فقط بهدف زيادة دخول المزارعين،‮ ‬ولكن لتحسين مظهر المناطق الريفية،‮ ‬والحفاظ على النظم البيئية والجمالية بها، وكذلك تعظيم الإنتاجية الاقتصادية لتلك المناطق بإدخال بعض آليات اقتصاد السوق،‮ ‬مع إعطاء الأولوية للمزارعين الأكثر فقرا‮. ‬

وفي ظل الأزمة المالية العالمية،‮ ‬اعتمدت الحكومة الصينية سياسة تحفيز الاستهلاك في المناطق الريفية‮.‬ وبالفعل،‮ ‬تجاوزت معدلات الاستهلاك في المناطق الريفية مثيلاتها في المناطق الحضرية عام ‮9002 . ‬كما قامت البنوك الزراعية في الصين بدعم مشروعات البنية الأساسية في المناطق الريفية،‮ ‬وقامت بتطوير منتجات ائتمانية جديدة خاصة بقطاع الزراعة‮.‬


رابط دائم: