الاتحاد الأوروبي والهجـرة غير الشرعيَّة: قضايا وتحديات
1-4-2024

خالد خميس السحاتي
* كاتب وباحث ليبي

تُعـاني قـارة أوروبا من تبعات مُشكلة "الهجرة غير الشرعيَّة"، المُتدفِّقة إليها عبر البحـر الأبيض المُتوسِّط، خُصُوصا بعـد الحراك الثوري الذي شهدته المنطقة العربية في عام 2011، وما نتج عنه من ظروف انتقالية وفوضى وصراعات مُسلحة، وما ترتب عليها من سقوط عدد من الأنظمة السياسية في هذه المنطقة، كل هذه المعطيات أُعْتُبِرَتْ بمثابة تحدِّياتٍ جسيمةٍ بالنسبة للقارة العجُوز، استلزمت ضرُورة القيام بخُطواتٍ عمليَّةٍ لمُواجهتها.

وعلى امتداد السنوات والأجيال عرفت الهجرة في كل أنحاء المعمورة خطا بيانيا تصاعديا لا يزال متواصـــلا حتى الآن، بل إنه مرشح للارتفاع اليوم أكثر من أي وقت مضى، كما تمثل إحدى أهم القضايا التي تحتل صدارة الاهتمامات الوطنية والدولية في الوقت الحالي بفعل العديد من المؤثرات والعوامل السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية والإنسانية، لا سيما في ظل التوجه العالمي نحو العولمة الاقتصادية وتحرير قـيــود التجارة التي تقضي بفتح الحدود وتخفيف القيود على السلع وحركة رءوس الأموال وما نتج عن ذلك من آثار اقتصادية على الدول النامية والفقيرة(1).وبالرغم من حداثة مشكلة الهجرة غير الشرعية فى إطار العلاقات الدولية، فإن الاهتمام بها من قبل السياسيين والأكاديميين والعامة قد زاد بشكل ملحوظ منذ عقد التسعينيات من القرن الماضي، حيث أصبح عشرات الآلاف من الأفارقة والعرب يهاجرون على متن ما يُعــرفُ بــ"قــوارب الموت"، من شواطئ البحر المتوسط إلى السواحل الأوروبية(2). وفي هذا الإطار، سنتناول في هذه المقالة موضوع: "الاتحاد الأوروبي والهجـرة غير الشرعيَّة: قضايا وتحدِّيات".

أوَّلا- مفهُومُ الهجرة غير الشَّرعيَّة:

تُعرَّفُ الهجرة غير الشَّرعيَّة بأنَّها: "خُرُوجُ الشَّخص من إقليم دولته أو دولةٍ أُخرى بطريقةٍ شرعيَّةٍ أو غير شرعيَّةٍ قاصدا دُخُول دولةٍ أُخرى دُون الحُصُول على مُوافقتها أو بالحُصُول على مُوافقتها لفترةٍ ما أو لغرضٍ ما واستمرار بقائه على إقليمها بغرض الإقامة الدَّائمة عقب انتهاء فترة السَّماحِ أو دُخُولِهِ إلى إقليم تلك الدَّولة) المُستقبلة (من منفذٍ غير شرعيٍّ حاملا مُستنداتٍ غير حقيقيَّةٍ للدُّخُول إلى المنطقة المُهاجر إليها مُخالفا بذلك لوائحها ونُظُمها الدَّاخليَّة والقواعد المُتعارف عليها دوليّا"(3).
وتُعرِّفُ مُنظمة الأمم المُتحدة الهجرة غير الشرعية بأنها: "دخولٌ غيرُ مُقنَّنٍ من دولةٍ إلى أخرى عن طريق البرِّ أو الجوِّ أو البحر، لا يحملُ هذا الدُّخُولُ أيَّ شكلٍ من تصاريح الإقامة الدَّائمة أو المُؤقتة، كما تعني عدم احترام المُتطلبات الضَّرُوريَّة لعُبُور حُـدُود الدولة"(4).

ووفقا لما جاء في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية فإنها تعني: "عبور الحدود دون التقيد بالشروط اللازمة للدخول المشروع إلى الدولة المستقبلة"(5). أما منظمة الهجرة الدولية فأشارت إلى أن المهاجر غير الشرعي هو: "المهاجر الذي لا تتوافر لديه الوثائق اللازمة والمنصوص عليها، بموجب لوائح الهجرة من أجل الدخول، والإقامة، والعمل في دولة ما"(6).
وتعرف المفوضية الأوروبية الهجرة السرية أو غير الشرعية: بأنها "ظاهرة متنوعة تشتمل على أفراد من جنسيات مختلفة يدخلون إقليم الدولة العضو بطريقة غير مشروعة عن طريق البري أو البحر أو الجو بما في ذلك مناطق العبور في المطارات، يتم ذلك عادة بوثائق مزورة أو بمساعدة شبكات الجريمة المنظمة من المهربين والتجار، وهناك الأشخاص الذين يدخلون بصورة قانونية وبتأشيرة صالحة ولكنهم يبقون أو يغيرون غرض الزيارة فيبقون بدون الحُصُول على مُوافقة السُّلطات، وأخيرا، هُناك مجمُوعةٌ من طالبي اللجوء السياسي الذين لا يحصلون على المُوافقة لكنهم يبقون في البلاد"(7).
إذا، خلاصة القول إن الهجرة غير الشرعية أو غير القانونية- المقصودة في هذه المقالة -هي مُغادرة الأفراد لدولهم (في قارة إفريقيا(، وركوبهم في قوارب مطاطية أو خشبية غير آمنة، وغير مهيأة للسفر في البحر مسافات طويلة؛ لغرض العبور إلى الضفة الأخرى، وهي الدول الأوروبية المطلة على البحر الأبيض المتوسط، وكثير من هؤلاء المهاجرين يموتون غرقا في البحر، والبعض منهم يصل إلى وجهته.

وقد رصدت الهيئة الأوروبية المختصة بمُراقبة حُدُود الاتِّحاد الأوروبي (فرونتكس) في مُنتصف مايو 2014، التدفق الأكبر وغير المسبوق في تاريخ القارة الأوروبية للمهاجرين غير الشرعيين صوب أوروبا في الشهور الأربعة الأخيرة فقط، فقد تم رصد دخول أكثر من 25 ألف مهاجر غير شرعي إلى إيطاليا ومالطا،) في الشهور الأربعة الأولى من 2014)، مقارنة بــ40 ألف مهاجر دخلوا أوروبا عام 2013. وفي اليوم نفسه، دعت وزيرة الدفاع الإيطالية إلى تدخل منظمة الأمم المتحدة في قضية الهجرة غير الشرعية التي تتدفق إلى إيطاليا، وتؤدي إلى سقوط ضحايا، باعتبارها مسألة إنسانية طارئة، وفي الوقت نفسه، طالبت بقية الدول الأوروبية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بتحمل جزء من المسئولية في مواجهة هذه القضية(8).ولذلك، كان على أوروبا، في السنوات الأخيرة، أن تستجيب لأخطر تحديات الهجرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.وقد تراجعت تدفقات الهجرة القياسية إلى الاتحاد الأوروبي الذي شهدها عامي 2015 و2016: وصل 120 ألف شخص إلى أوروبا عن طريق البحر في عام 2019، مقارنة بأكثر من مليون في عام 2015. ومع ذلك ، ظل معبر البحر الأبيض المتوسط مميتًا، حيث بلغ عدد القتلى أو المفقودين 1319 شخصًا في عام 2019، مقارنةً بـ 2277 في عام 2018، و3139 في عام 2017. أظهر تدفق المهاجرين وطالبي اللجوء إلى أوروبا الحاجة إلى سياسات لجوء وهجرة أوروبية أكثر عدلا وفعالية.

وقد ازدادت إجراءاتُ الحدِّ من ظاهـرة الهجرة غير الشَّرعيَّة مرَّةً أخرى بعد عام 1990، وهُو العامُ الذي شهد توسُّع الاتِّحاد الأوروبيِّ، ومنذ عام 1995 أخذت إجراءات الهجرة غير الشرعيَّة في الدُّول الأوروبيَّة تأخُذُ الطابع الأمنيَّ، وقد كان لهذه الإجراءات تأثيرٌ سلبيٌّ أدَّى إلى زيادة حركة الهجرة غير الشرعيَّة إلى القارة الأوروبيَّة بشكلٍ كبيرٍ، الأمرُ الذي جعل الدُّول الأوروبيَّة تُعْطِي أهمِّيَّةً كُبرى لظاهرة الهجرة غير الشَّرعيَّة فوضعت في عام  1999" برنامج ستوكهولم"، الـذي كـان يشمـلُ الأولويَّات التـاليـة(9):
•    إدارة ومُراقبة الحُدُود الخـارجيَّـة للاتحـاد الأوروبي بفعاليَّة.
•    مُحـاربـةُ الاتِّجـار بالبشـر و التَّهـريب.
•    تشجيعُ الأشخاص من غير مُواطني الاتِّحاد الأوروبيِّ غير المُصرَّح لهُم بالوجود في إحـدى دول الاتحاد على المُغـادرة طـواعيةً.
ولأن الأوروبيين يعطون أولوية للمشاريع المتصلة بالهجرة من الضفة الجنوبية للمتوسط إلى الضفة الشمالية، لذلك سارعوا إلى اعتماد "الميثاق الأوروبي للهجرة"، الذي شدد من إجراءات مكافحة الهجرة غير الشرعية، التي سيطلب من البلدان الجنوبية الالتزام بها، في مقابل تنفيس الانغلاق الأوروبي، والسماح بقناة للهجرة المنظمة في القطاعات التي يحتاج فيها الأوروبيون إلى خبرات دقيقة وعالية المستوى، وهو ما يجري بلورته جماعيا في إطار آلية "البطاقة الزرقاء"، التي ستمنح للعقول المهاجرة من الجنوب(10).
وبسبب مخاطر الهجرة غير القانونية أصبح الاتحاد الأوروبي ينظُرُ إلى ظاهرة تدفُّق المُهاجرين غير الشرعيين من الضفة الجنُوبيَّة إلى الشَّماليَّة للبحر المُتوسِّط على أنَّها مصدرُ كُلِّ المخاطر، وتُشكِّلُ تهديدا على الأمن الأوروبيِّ، وهذا يُؤدِّي إلى انتشار ظواهر أخرى، مثل: تجارة المُخدِّرات، والجريمة المُنظَّمة، ممَّا يُؤدِّي إلى انتشار حالات اللااستقـرار الأمنيِّ الاقتصـاديِّ لدُول الاتِّحـاد الأوروبيِّ.وهُو ما قـاد دول الاتحاد وخاصَّة بعد ثورات الربيع العربي إلى اتخاذ العديد من الآليَّات الأمنيَّة لمُكافحة هذه المشكلة.فأوروبا ترى أن الأولوية لمثل هذه التهديدات ذات الطابع الأمني، القادمة من الضفة الجنوبية للمتوسط، فركزت أوروبا على أهمية الحوارات مع المغرب العربي مثلا في المجال الأمني عبر مبادرة (5+5)، التي تهتم بكل القضايا الأمنية في المنطقة، وعلى رأسها الهجرة غير الشرعية(11).

ثانيا- آليَّاتُ الاتحاد الأوروبي في مُكافحة الهجرة غير الشـرعيَّة:

إنَّ أغلب دول الاتحاد الأوروبي لا تزال تتعاملُ مع قضية الهجرة غير الشرعية كمسألة أمنية بالدرجة الأولى، لذلك فإن الاتحاد الأوروبي يعتبر قضية الهجرة من أهم القضايا التي تشكل خطرا على الاستقرار الأمني والسياسي لدول الاتحاد؛ نظرا للعلاقة المُحتملة بين الإرهاب والمُهاجرين، حيثُ أصبح من الاحتمالات الواردة وُجُود أعضاء جماعات إرهابية بين المُهاجرين، ولذلك ركز الاتحاد الأوروبي اهتمامه بشكل أساسي على ضرورة وقف توافد المهاجرين غير الشرعيين إلى الشواطئ الأوروبية بآليات عديدة(12)، معظمها يركز على الجوانب الأمنية بالدرجة الأولى، ومن تلك الآليـات:

• إنشاء الهيئاتُ المُختصَّة (تشكيل قوات الأوروفـواس وإنشاء وكالة فرونتكس):
* تشكيل قوات الأوروفـواس: وهي عبارة عن قوة خاصة يُمكنها التدخُّل برًا وبحرا لاعتباراتٍ أمنيَّةٍ وإنسانيَّةٍ، تُقرِّرُها القيادةُ العامَّةُ لهذه القُوَّات التي تشكَّلت عام 1996 بقرار من الدول الأوروبية الأربع المُطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط: (فرنسا – إيطاليا – البرتغال – إسبانيا)، وهي تتشكَّلُ من قوَّاتٍ بريَّة (euro – force) ، وقوَّاتٍ بحريَّةٍ (euro – mar – force)، مُهِمَّتُها حماية أمن واستقرار الحُدُود الجنُوبيَّة الأوروبيَّة.وفي عام 2002 شكلت أوروبا قوات التدخل السريع(13).
 * إنشاء وكالة فرونتكس: هي هيئة مستقلة متخصصة مكلفة بتنسيق التعاون العملياتي بين الدول الأعضاء في ميدان حماية الحدود border security تعرف باسم  frontex، أنشأها الاتحاد الأوروبي في أكتوبر 2004 في إطار تشديد الحراسة على الحدود الأوروبية للحد من الهجرة غير الشرعية (14)، وقد ركزت الوكالة على تدفق المُهاجرين بين شمال إفريقيا وإيطاليا ومالطا(15).

• الإجراءات الأمنية الأوروبية لمكافحة الهجرة غير الشرعـيــة: اتخذ الاتحاد الأوروبي العديد من الإجراءات الأمنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية، منها: تشديد الحراسة الأمنية على الحدود الأوروبية، وبناء جدار حدودي يصل ارتفاعه إلى ستة أمتار مجهز بالكاميرات، والصور الحرارية، و رادارات للمسافات البعيدة، وأجهزة للرؤية في الظلام بالأشعة تحت الحمراء، وكذلك إطلاق قمر صناعي أطلق عليه اسم شبكة "فرس البحر" لمُراقبة عمليات الهجرة غير الشرعية، وهي شبكة سريعة لمُراقبة البحر تسمح بتوزيع المعلومات حول تدفق المُهاجرين(16).

• الجانب الاتفاقي في مكافحة الهجرة غير الشرعية: بالإضافة إلى الإجراءات الأمنية السابقة، فقد قام الاتحاد بإبرام وعقد اتفاقيات تتعلق بإعادة أي شخص دخل إلى أراضي دولة أخرى بطريقة غير قانونية، وأيضا تبنت دول الاتحاد الأوروبي سياسة التعاون المشترك مع دول الشمال الإفريقي، عبر إبرام اتفاقيات ثنائية وأخرى جماعية منها على سبيل المثال:
• الاتفاقية المبرمة بين ليبيا وإيطاليا: عقدت بطرابلس 2007 وبموجبها تقوم ليبيا وإيطاليا بتنظيم دوريات بحرية بعدد ست قطع بحرية إيطالية، ويوجد على متنها طواقم مشتركة من البلدين لغرض أعمال التدريب والتكوين والمساعدة الفنية على استخدام وصيانة هذه الوحدات البحرية على عمليات المراقبة والإنقاذ سواء في المياه الإقليمية الليبية أو الدولية.
• الاتفاقية المبرمة بين تونس وإيطاليا: تقضي بتزويد إيطاليا لتونس بالمعدات والأجهزة والزوارق السريعة، وعقد دورات تدريبية سنوية لأفراد الشرطة المتخصصين في مكافحة الهجرة غير الشرعية، مع وضع نظام تبادل للمعلومات بين البلدين.
• اتفاقية إسبانيا والمغرب: هي مذكرة تفاهم وقعت في عام 2003 للحد من الهجرة غير الشرعية، بموجب هذه الاتفاقية يسمح لـ 200 عامل موسمي من المغرب بالعمل في أسبانيا لمدة تزيد على تسعة أشهر، وهي تعد نموذجا للاتفاقيات الناجحة في إطار مكافحة الهجرة غير الشرعية(17).
وخلال السنوات الماضية واصل الاتحاد الأوروبي تعاونه مع الشركاء الخارجيين لإدارة ضغوط الهجرة من خلال نهج شامل متأصل في تعددية الأطراف. شملت أهداف الأنشطة المنفذة في إطار البعد الخارجي لسياسة الهجرة في الاتحاد الأوروبي منع الهجرة غير النظامية؛ وتعزيز التعاون مع البلدان المعنية في عمليات الإعادة، والسماح بدخول البلاد مجددًا؛ ومعالجة الأسباب الجذرية للهجرة من خلال تحسين الفرص في بلدان المنشأ، وزيادة الاستثمارات في البلدان الشريكة؛ وضمان مسارات قانونية إلى أوروبا لمن هم بحاجة إلى حماية دولية.(18)
ومع توقف إصلاح سياسة اللجوء المشتركة، في سبتمبر 2020، اقترحت المفوضية الأوروبية ميثاقًا جديدًا بشأن الهجرة واللجوء، والذي يحدد إجراءات أسرع في جميع أنحاء نظام اللجوء والهجرة في الاتحاد الأوروبي، ويتضمن مراجعة "لوائح دبلن"، ويُوفِّرُ خياراتٍ جديدة لكيفيَّة إظهار الدُّول الأعضاء التَّضامُن(19).
وفي هذا الجانب أيضا: دعت المفوضة الأوروبية للشئون الداخلية إيلفا جوهانسون في 20 نوفمبر2020، الدول الأوروبية إلى إعادة المزيد من الأجانب الموجودين في وضع غير قانوني إلى بلدانهم الأصلية تجنبا لتأجيج "الشعبوية".وأفادت جوهانسون خلال جلسة استماع أمام لجنة الشئون الأوروبية، أن عمليات الإعادة يجب أن تمر عبر مضاعفة "الاتفاقات حتى تستعيد بلدان المنشأ رعاياها الذين لا يعيشون في وضع قانوني" في الاتحاد الأوروبي.
كما أشارت المفوضة الأوروبية التي عرضت ميثاق الهجرة الجديد في بروكسل، إلى أنه يمكن للمفوضية أن تجعل شروط منح التأشيرات أكثر مرونة على مستوى "تعاون" الدول مع اتفاقات إعادة القبول(20).جديرٌ بالذِّكر أنَّ "الميثاق الأورُوبيَّ الجديد للهجرة واللجُوء"، كان مُنتظرا بشدَّةٍ، وأُرْجِئَ الإعلانُ عنهُ أكثر منْ مرَّةٍ.ويهدفُ هذا التَّعديلُ المُثيرُ للجدل على سياسة الهجرة، إلى وضع "آليَّة تضامُنٍ إلزاميَّةٍ" بين الدُّول الأورُوبيَّة في حال وُجُود عددٍ كبيرٍ من المُهاجرين، وإرسال منْ رُفضت طلباتُ لُجُوئهم إلى بُلدانهم الأصليَّة.وبانت أولى بوادر الإصلاح الذي استهدف سياسة الهجرة واللجوء في الاتحاد الأوروبي، وتجسَّدت بتشديد عمليَّات إعادة المُهاجرين غير القانونيين، وتعزيز المُراقبة على الحُدُود الخارجيَّة وتسريع آليَّات طلبات اللجُوء.وتلقَّت الدُّولُ المعنيَّةُ هذا الإصلاح بتحفُّظٍ، فيما رأت مُنظَّماتٌ غير حُكُوميَّة أنَّهُ تنازُلٌ للحُكُومات المُناهضة للهجـرة(21).

إنَّ كُلَّ هذه السِّياسات والمبادرات والاستراتيجيَّات الأورُوبيَّة التي تُوجَّهُ نحو مُشكلة الهجرة غير القانونية تدُلُّ على خُطُورة وحساسيَّة هذه المُشكلة بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وأنها تظل دائما في مقدمة المشكلات والقضايا التي تشكل هاجسا للتفكير الأوروبي في منطقة البحر المتوسط، ورغم كثرة مضامين هذه السياسات ومحاولة الحد من الهجرة غير الشرعية من خلالها، إلا أن هذه المشكلة لا تزال تشكل تحديا لدول الاتحاد برمته، وتتطلب بذل مزيد من الجهود الجماعية لمُجابتها.

ختـاما:
إن أوروبا اليوم أصبحت تعيش مأزقا حقيقيا؛ إزاء أفواج المهاجرين التي تأتي إليها بطرق غير شرعية، وخصوصا عبر البحر المتوسط، وهي محكومة في هذه المواجهة باعتبارات قد تكون متناقضة، فهي تحت الضغط الاقتصادي في حاجة إلى شرائح معينة من المهاجرين، وكذلك بسبب حاجتها إلى تجديد شبابها بعد ارتفاع نسبة المسنين، لكنها في الوقت نفسه تخشى لعدم رغبة هؤلاء المهاجرين في الاندماج– أن تتحول مناطق المهاجرين إلى بؤر للعنف والإرهاب وعدم الاستقـرار.
ولذلك، فإن غالبية المشروعات الأوروبية التي طرحت لمكافحة الهجرة غير الشرعية مرتبطة بالأمن الأوروبي، فالدول الأوروبية تسعى لإيقاف المد المُتزايد من المُهاجرين غير الشرعيين بوضع العديد من الاستراتيجيات والآليات الأمنية من أجل المُحافظة على أمنها، مما سبق يتضح أن الحلول التي يقدمها الاتحاد الأوروبي تقوم– بالدرجة الأولى- على الحلول الأمنية، وهذه الحلول غير عمليَّة؛ لكونها تُهملُ الأسباب والظروف المُحيطة بموضُوع الهجرة غير الشرعية، فالأسباب الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية وغيرها..، كلها أسباب قد تقـود إلى الهجرة غير الشرعية.

لذلك، فإن الحد من هذه المشكلة المعقدة يستلزم العمل في اتجاهين مُتوازيين، الأول: سياسات الاتحاد الأوروبي للحد من المشكلة في ضوء خبرته الطويلة في مواجهتها طيلة العقود الماضية، والثاني: عدم إغفال دول المصدر والمعبر فيما يتعلق برصد المعطيات الاقتصادية والسياسية فيها، ومحاولة العمل على دعم الإصلاحات الشاملة في هذه المجالات، بشكل مدروس، يكون هدفه الرئيسي هو توفير بيئة جيدة للعيش الإنساني في تلك الدول النامية، في سبيل التخفيف من خطورة مشكلة الهجرة غير الشرعية، وتخفيف الخسائر البشرية والمادية على الجميع.وهذه الإجراءات وغيرها ربما تساعد على تخفيف الهجرة من بلدان جنوب المتوسط إلى بلدان شماله.

 الهوامش:
 (1) ليلى الإدريسي العزوزي وإبراهيم آيت عبد، "الهجرة غير الشرعية بالجوار المغربي وإشكالية اللجوء"، مجلة: شـئون استراتيجية، المغرب، المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية، العدد: 13، يناير2023، ص ص106-107.
 (2) مصطفى عبد الله أب القاسم خشيم، "تأثير الهجرة غير الشرعية في العلاقات الإيطالية-الليبية"، مجلة: السياسة الدولية، القاهرة، مؤسسة الأهرام، العدد: 212، المجلد: 53، أبريل 2018، ص56.
(3)  عائشة بن النوي، "مصطلح الهجرة غير الشرعية: بحث في المفهوم والمعالم النظرية ضمن التوجهات الأكاديمية"، مجلة: الإبراهيمي للآداب والعلوم الإنسانية، الجزائر، جامعة برج بو عريريج، المجلد: الأول، العدد: الرابع، أكتوبر2020، ص193.
 (4) إيمان شريف، الشباب المصري والهجرة غير الشرعية، القاهرة، المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، قسم بحوث الجريمة، 2010، ص 40.
(5)  الجمعية العامة للأمم المتحدة، "اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية"، قرار الجمعية العامة: (25)، الدورة: الخامسة والخمسون، المؤرخ في: 15 تشرين الثاني/نوفمبر2000، مكتبة: حقوق الإنسان، جامعة منيسوتا، الرابط التالي:http://hrlibrary.umn.edu/arab/CorgCRIME.html
(6)  فـريجـة لـدميــة، "الهجرة غير الشرعية: دراسة في الحركيات السببية المنتجة للظاهرة"، مجلة: الاجتهاد القضائي، الجزائر، جامعة محمد خيضر بسكرة، العدد: الثامن، يناير2013، ص68.
(7)  عائشة بن النوي، "مصطلح الهجرة غير الشرعية: بحث في المفهوم والمعالم النظرية.."، مرجع سابق، ص ص193-194.
(8)  محمد مطاوع، "الاتحاد الأوروبي وقضايا الهجرة: الإشكاليات الكبرى والاستراتيجيات والمستجدات"، (الجزء الأول)، موقع: مركز دراسات الوحدة العربية، على الرابط المختصر التالي: https://cutt.us/47o3z
(9)  "المبادئ التوجيهية لسياسة الاتحاد الأوروبي للهجرة"، هيكل السياسة لإدارة الهجرة غير النظامية، بتاريخ: 2 ديسمبر 2016، المفوضية الأوروبية، على الرابط التالي:
http://ec.europa.eu/immigration/tab3.do?subSec=14&language=24$ar
 (10) رضوان فاروقي، "أداء الحكومات العربية في مجال حقوق الإنسان في إطار الشراكة والجوار الأورومتوسطية"، مجلة: المستقبـل العـربي، بيروت، العدد: 391، السنة: 34، سبتمبر/أيلول 2011، ص36.
(
11) محمد سي بشير، "المغرب العربي وأوروبا: جوار جغرافي وتنافر استراتيجي"، مجلة: المستقبل العربي، بيروت، العـدد: 396، السنة: 34، شباط/ فبراير2012، ص ص154-157.
(
12)  للمزيد أنظر: آسية بن بوعزيز، "سياسة الاتحاد الأوروبي في مُواجهة الهجرة غير الشرعية"، مجلة: دراسات وأبحاث، الجزائر، جامعة الجلفة، العدد: 18، 2015، ص ص28-41. وكذلك: خالد خميس السحاتي وخالد صالح الدرسي، السياسات الأوروبية تجاه الهجرة غير الشرعية من دول حوض المتوسط: (2011-2020)، مجلة: جامعة بنغازي الحديثة للعلوم والدراسات الإنسانية، بنغازي، العدد: العاشر، أغسطس 2020، ص ص16-21.
(13)  آسية بن بوعزيز، "سياسة الاتحاد الأوروبي في مواجهة الهجرة غير الشرعية"، مرجع سبق ذكره، ص34.
(14) وكالة حراسة الحدود الأوروبية، على الموقع التالي: http://frontex.europa.eu/
(15)  بديعة شايفة، "أزمة الهجرة غير الشرعية ودول الاتحاد الأوروبي"، مجلة: القانون والأعمال، المغرب، جامعة الحسن الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، العدد: الثاني، فبراير 2016م، ص19.
 (16) انظر: فادية إيهاب، "تعرف على أبرز الدول التي شرعت قوانين للحد من الهجرة غير الشرعية"، موقع: الوطن، بتاريخ: 7/9/2015،على الرابط التالي: http://www.elwatannews.com/news/details/800131
(17)خالد خميس السحاتي وخالد صالح الدرسي، مـرجـع سبــق ذكــره، ص ص17-18.
(18) تقرير اللجوء لعام: 2020، (ملخص تنفيذي)، إيطاليا: المكتب الأوروبي لدعم اللجوء، 2020، ص ص9-11.
(19) "Europe’s migration crisis", Date: 30\October\2020, On the following link:
https://www.europarl.europa.eu/news/en/headlines/society/20170629STO78631/europe-s-migration-crisis
(20) الاتحاد الأوروبي يدعو إلى إعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى بلدانهم تجنبا لتأجيج "الشعبوية"، موقع: فرانس 24، بتاريخ:  6 نوفمبر 2020، على الرابط المختصر التالي: https://cutt.us/EGKO5
 (21) شريف بيبي، "الميثاق الأوروبي الجديد للهجرة واللجوء: انطلاقة ضعيفة وآراء متباينة"، موقع: مهاجر نيوز، بتاريخ: 24 سبتمبر 2020، متاح على الرابط التالي: https://cutt.us/h14PU


رابط دائم: