تحركات مكثفة.. دوافع التقارب المصري التركي
13-2-2024

كرم سعيد
* مساعد رئيس تحرير مجلة الديمقراطية
تشهد العلاقات المصرية التركية تطورًا لافتًا خلال المرحلة الماضية، تتوج غدًا 14 فبراير بزيارة الرئيس التركي للقاهرة، والتي تكشف عن تحولات مهمة في السياسة الخارجية للبلدين في سياق إعادة ترتيب المشهد الإقليمي، من خلال العودة إلى سياسة تصفير المشاكل، وتوسيع التحالفات مع القوى المحورية في المنطقة. وقد سبق هذه الزيارة توصل البلدين إلى تفاهمات واسعة فيما يخص إدارة الصراعات في الإقليم، والتعاون الايجابي في مواجهة التغيرات الجيوسياسية التي أفرزتها جائحة كورونا والأزمة الأوكرانية بالإضافة إلى الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
 
تحركات لافتة:
 
شهدت العلاقات تطورًا كبيرًا منذ عودة العلاقات الدبلوماسية في يوليو 2023 على مستوى السفراء، بيد أن هذه الخطوة قد سبقها الدعم الذى قدمته مصر لأنقرة وقت وقوع زلزال 6 فبراير 2023، حيث جاءت تحركات القاهرة سريعة ولافتة، وظهر ذلك في زيارة وزير الخارجية المصرية لتركيا في 27 فبراير 2023 لإظهار التضامن مع تركيا، كما أرسلت مصر طائرتي مساعدات إغاثة فضلاً عن رسو السفينة التابعة للقوات البحرية المصرية "حلايب" في ميناء مرسين الدولي جنوبي تركيا، محملةً بـ650 طنا من المساعدات الإنسانية.
 
بالتوازي، شهدت العلاقات المصرية التركية زخماً غير مسبوق، بعد اللقاء الذى جمع الرئيس المصري ونظيره التركي على هامش مونديال قطر في أواخر العام 2022، وكذلك في أعقاب اللقاء بين الرئيسين في سبتمبر الماضي على هامش افتتاح قمة العشرين في نيودلهي.
 
على صعيد متصل، زاد النشاط الدبلوماسي والسياسي بين البلدين خلال الآونة الأخيرة، وخاصة في ظل تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، حيث زار وزير الخارجية التركي القاهرة في أكتوبر الماضي، لمناقشة الجهود المشتركة بين البلدين حيال الأوضاع في غزة، وتعزيز التوافق حيال القضايا المشتركة. ويقف خلف كل ما سبق، حرصًا لافتًا متبادلًا طوال الفترة الماضية على دعم العلاقات بين البلدين في العديد من المجالات، وفي الصدارة منها تعزيز التعاون العسكري، وهو ما تجلى في إعلان وزير الخارجية التركي في فبراير الحالي عن الاتفاق بين البلدين لتوريد مسيرات تركية إلى القاهرة.
 
اعتبارات متنوعة:
 
ثمة العديد من الاعتبارات والدوافع التي وفرت بيئة خصبة لدفع التقارب المصري التركي، وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي:
 
التطورات في تفاعلات القضية الفلسطينية: تمثل مصر الفاعل الرئيسي في إدارة ملف إدارة الأزمة في تفاعلات القضية الفلسطينية، وهو ما يفسر حرص تركيا على أهمية التكامل مع مصر لحل الأوضاع المتوترة بين فلسطين وإسرائيل. وثمة مواقف مشتركة بين البلدين حيال القضية الفلسطينية، فقد أدانت القاهرة وأنقرة العمليات العسكرية الإسرائيلية، ووصفتها بأنها تطور خطير في التأثير على حالة الاستقرار في الإقليم، كما دعت الدولتان إلى ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 (حل الدولتين).
 
على صعيد ذي شأن، فإن القاهرة سعت طوال الشهور التي خلت إلى تحشيد المواقف الإقليمية لتعزيز حالة السلام في المنطقة، ومن هنا، يمكن فهم أهمية التعاون المصري التركي في معالجة التوترات الراهنة داخل الأراضي الفلسطينية. وتجدر الإشارة إلى أن ثمة قناعة بأن التعاون بين القاهرة وأنقرة في هذا التوقيت، قد يحمل ارتدادات ايجابية فيما يخص معالجة مجمل تطورات الأوضاع في الداخل الفلسطيني، وبخاصة في غزة. وهنا، يمكن فهم الدعم التركي للتحركات المصرية بشأن جهود الوساطة في المفاوضات في سبيل تحقيق التهدئة بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية.
 
مشاريع الطاقة: يمثل متغير الغاز أحد العوامل المحفزة للتحرك التركي تجاه القاهرة، خاصة أن تركيا تعاني من افتقار في مصادر الطاقة، وتعتمد بصورة لافتة في تلبية احتياجاتها النفطية على روسيا وإيران وأذربيجان. غير أن استمرار العقوبات الغربية على قطاع النفط الروسي، واستمرار التوترات في العلاقات الإإيرانية الغربية وانعكاساتها على صادرات طهران النفطية، أثرت بصورة كبيرة على واردات تركيا. في هذا السياق، تمثل القاهرة أولوية استراتيجية لتركيا في قطاع الغاز، حيث حلت تركيا في صدارة مستوردي الغاز الطبيعي المصري بقيمة 722.67 مليون دولار بنهاية العام الماضي.
 
إدارة التفاعلات الإقليمية: تمكنت مصر وتركيا خلال الآونة الأخيرة من إدارة التفاعلات التي شهدتها المنطقة، وبخاصة في ليبيا وشرق المتوسط، بالإضافة إلى تطورات الأوضاع في سوريا والعراق، من خلال أليات تضمن معالجة التوترات في هذه المناطق، وبما يخدم مصالح البلدين، وظهر ذلك في تأكيد البلدين على دعم العملية السياسية في ليبيا، والحفاظ على وحدة اراضيها، ناهيك عن أهمية تعزيز الاستفادة من مكامن الطاقة في شرق المتوسط، وذلك وفقاً للاعتبارات القانونية الدولية. كما دعمت القاهرة ومن خلفها تركيا أهمية معالجة تطورات الأوضاع في سوريا، ضمن سياقات تدعم الحفاظ على الدولة المركزية.
 
 العلاقات الاقتصادية: يعد الاقتصاد أحد النقاط التي يمكن أن تكون ركيزة لعلاقات استراتيجية مصرية-تركية، إذ تبلغ قيمة التبادل التجاري بين البلدين نحو 10 مليار دولار، وتوافق البلدان خلال زيارة وزير الخارجية المصري لتركيا في أغسطس 2023 على ضرورة العمل لرفع مستوى التبادل التجاري إلى 15 مليار دولار خلال المرحلة المقبلة. كما تجدر الإشارة إلى قطع مصر وتركيا شوطًا كبيرًا على صعيد إقامة تعاون مشترك لتوفير التسهيلات اللازمة للمستثمرين بهدف زيادة الاستثمارات المتبادلة.
 
وتمثل القاهرة بيئة محفزة وجاذبة للاسثمارات التركية، بالنظر إلى القدرات التنافسية التي تتمتع بها بيئة الأعمال في مصر، بالإضافة إلى أن المشاريع المشتركة بين البلدين يمكن أن تمثل أساسًا لدعم وتطوير اقتصاديات البلدين. ووصلت الاستثمارات التركية في مصر وفقاً لتصريحات وزير التجارة المصري في 13 فبراير الجاري، إلى ما يقرب من 2.5 مليار دولار حتى نهاية إبريل الماضي، ويتركز أغلبها في المجال الصناعي وخاصة قطاعات الغزل والمنسوجات والملابس الجاهزة، والمنتجات الكيماوية، والمنتجات الزجاجية، وإعادة التدوير، هذا بخلاف استثمارات كبيرة في مجال السياحة والمطورين الصناعيين.
 
دفع التعاون العسكري: تمثل العلاقات العسكرية بعدًا مهمًا في التنسيق المصري التركي، حيث تشير العديد من التقديرات إلى انفتاح البلدين على بناء مشاريع دفاعية مشتركة، منها مشروع لإنتاج الذخيرة الحية خلال المرحلة المقبلة، ناهيك عن تعزيز التعاون في مجال صناعة المسيرات. وبينما قطعت تركيا شوطًا واسعًا في مجال إنتاج الطائرات المسيرة، فقد تمكنت مصر خلال الآونة الأخيرة من تعزيز وتطوير صناعاتها الدفاعية. 
 
تعزيز التعاون الإقليمي: يمثل التعاون الإقليمي أحد المحاور الهامة في العلاقات المصرية التركية، خاصة في ظل نقاط التماس المشتركة، وأولويات مصالح البلدين في مناطق متنوعة، في الصدارة منها أن القاهرة المفتاح الرئيسي للقارة الإفريقية. ويمثل التعاون المصري التركي في الوقت الحالي فرصة لتعزيز النفوذ في القارة الإفريقية التي تشهد تطورات لافتة على خلفية انهيار النفوذ الفرنسي في شمال إفريقيا ودول الساحل والصحراء، بالإضافة إلى تراجع الحضور الأمريكي.
 
والأرجح أن ثمة بيئة خصبة تحفز البلدين لتطوير تعاونهما في إفريقيا، وظهر ذلك على سبيل المثال في رفضهما التحركات الإثيوبية الأخيرة لانتزاع أراضي بحرية في أرض الصومال. كما أن ثمة رؤية مشتركة للبلدين في شرق أفريقيا، ومنطقة البحر الأحمر، وكان بارزًا هنا، دعم البلدين للصومال في مواجهة جماعات العنف ناهيك عن تعاونهما لمعالجة الاضطرابات في البحر الأحمر.
 
وتعي تركيا، أن مصر، بما تملكه من رصيد وافر في القارة الإفريقية، فضلًا عن نفوذها داخل الاتحاد الأفريقي، تمثل دولة مفتاحية، ومركزاً استراتيجياً لتعظيم المصالح المشتركة.
 
ختامًا، يمكن القول أن زيارة الرئيس التركي للقاهرة جاءت كاشفة عن عمق العلاقات التاريخية والثقافية والاجتماعية بين القاهرة وأنقرة، ناهيك عن أن التحولات الجيوسياسية في المنطقة، والتي أدت إلى تراجع مناعة أنقرة إقليميًا ودوليًا، باتت تفرض على تركيا تعزيز تعاونها مع القوى الرئيسية في الإقليم، وفي الصدارة منها القاهرة، إذ أن التعاون مع مصر يمثل أحد المداخل المهمة لتطوير الحضور التركي، وتعزيز صورته الذهنية في الإقليم. وهنا، يكمن حرص تركيا على توسيع تفاهماتها مع مصر حيال قضايا الإقليم، لا سيما وأن الرؤية الاستراتيجية المصرية حيال إدارة ملفات الإقليم تحظى بقبول وتقدير إقليمي ودولي، وحضور لافت ومتوازن. 
 

رابط دائم: