تحديات اقتصادية:|إشكالية الدولة العربية المعاصرة بين التفكك والاندماج
9-2-2012

د.سالم توفيق النجفي
* خبير اقتصادي

عرض:أحمد محمود مصطفي - باحث في العلوم السياسية

    تواجه الدول العربية نوعين من التحديات المتداخلة والمتشابكة من حيث أبعادها الزمنية، حيث تواجه الدولة القومية قدرا من التفكك في بنيانها التنظيمي،‮ ‬وأخذ أبعاده القصوي في حالات الاحتلال الأجنبي لإحدى الدول العربية،‮ ‬وإعادة إنتاج الدولة الطائفية والإثنية وتفكيكها وما ترتب عليه من إضاعة مواردها‮. ‬وانطلاقا من تلك التحديات،‮ ‬يقدم الكتاب تحليلا للأوضاع العربية الراهنة الاقتصادية والاجتماعية، والرؤي حول بنية الدولة القومية‮.

وتكمن أهمية كتاب " إشكالية الدولة العربية المعاصرة بين التفكك والاندماج.. التحديات اقتصادية والضرورات اجتماعية" الذي صدر في العام 2011 في مواكبته لربيع الثورات العربية،‮ ‬وسقوط بعض الحكومات الاستبدادية التي مثلت إشكالية وحجر عثرة أمام بناء الدولة العربية القومية‮.‬

يري الكاتب أن الإشكاليات التي تواجهها البلدان العربية هي نتيجة لرغبة الولايات المتحدة في تغيير بنية نظام الشرق الأوسط،‮ ‬منذ مطلع عقد السبعينيات من القرن العشرين،‮ ‬لربطه بقوة بالنظام الرأسمالي الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة،‮ ‬معتمدة في ذلك على استبعاد حركات التحرر الوطني بصورة مباشرة وغير مباشرة،‮ ‬وذلك من أجل التوسع الأمريكي،‮ ‬والتأثير في الاقتصاد العالمي، ولكنها واجهت العديد من القيود والتحديات من القوي القومية الفعالة خلال الفترة ذاتها‮.‬

تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية‮:‬

يشير الكاتب إلى أن تباين السياسات الاقتصادية في الدول العربية صاحبه اختلاف في البناء المؤسسي الاقتصادي لهذه الدول،‮ ‬وهو ما أدى إلى تدهور الحالة الاجتماعية،‮ ‬حيث تزايدت ظاهرة الفقر،‮ ‬نتيجة للسياسات المالية المؤثرة على مستوي الدخل، وهو ما أسهم بشكل مباشر في إعادة تقسيم المجتمع إلى طبقتين،‮ ‬أغنياء وفقراء،‮ ‬مع تلاشي الطبقة الوسطي التي كانت عماد المجتمع الغربي في مسار تطوره الاقتصادي والاجتماعي‮. ‬ويتلازم مع ظاهرة الفقر ظاهرة البطالة،‮ ‬والتي تعد تحديا جديا أمام الدول العربية‮.‬

ويخلص الكاتب إلى أنه في ظل‮ ‬غياب الديمقراطية،‮ ‬تنفق الحكومات الاستبدادية الفاسدة أموالا طائلة على متطلبات حماية أنظمتها السياسية واستدامتها،‮ ‬مما يؤثر في تعظيم إمكانيات إحداث التنمية البشرية في الدول العربية‮. ‬ويضيف أن التجزئة التي تعيشها الأنظمة العربية أدت إلى الانتقاص من سيادتها الوطنية التي تعززت بوجود قواعد عسكرية أجنبية على أراضيها،‮ ‬وما خلفته من حالة عدم توازن، فضلا عن التأثير في السياسات المحلية لبعض البلدان العربية،‮ ‬خاصة الريعية‮.‬

الدولة والسوق في المجتمع العربي‮:‬

عرض الكتاب للجدل الدائر حول العلاقة بين دور السوق والدولة في الشأن الاقتصادي،‮ ‬خاصة بعد فشل السوق في العقود الأخيرة والأزمة المالية وآثارها على الأسواق الحقيقية، فضلا عن صعوبة الوصول إلى صيغة توازنية بين السوق والدولة في مجتمع عربي حديث ورث تعقيداته من الصيغ‮ ‬القطرية‮.‬

ويري أن الاعتماد على نظام السوق يؤدي إلى زيادة معدلات الفقر،‮ ‬على الرغم من أنه قد يخفض معدلات البطالة، وهذا لغياب العدالة في توزيع الدخل على الصعيد العربي‮.‬ فالفقر ذو طبيعة خالدة في مجتمع السوق،‮ ‬وليس له علاقة بالكفاية، إن لم ترافقه عدالة في توزيع‮  ‬الدخل وثمار النمو‮. ‬لذا،‮ ‬ينصح الكاتب بضرورة مراجعة تكوين بنية الاقتصاد العربي في صورته التكاملية،‮ ‬بحيث يكون النظام الاقتصادي إحدي وظائف النظام الاجتماعي‮.‬

حال الدولة العربية وخياراتها‮:‬

ترتب على هيمنة الاقتصادات الرأسمالية على الدول العربية اتساع حالة التباين بين الدول الرأسمالية ونظيرتها العربية، وكذلك الدولة العربية الواحدة‮. ‬لذا،‮ ‬أصبحت وحدة الدولة في إطار فاعلية الأمة وقوميتها العربية من أكثر الإشكاليات المعاصرة تعقيدا على المستوي السياسي الذي تنبثق منه أبعاده الاقتصادية،‮ ‬أو على المستوي الأيديولوجي‮. ‬وفي هذا السياق،‮ ‬طرح‮ "‬النجفي‮" ‬الخيارات الثلاثة المتاحة أمام البلدان العربية وهي‮:‬

الخيار الأول‮- ‬استدامة الأوضاع الراهنة‮:‬

في ظل حالة عدم الاستقرار في الأوضاع السياسية التي أدت إلى تشوهات في المؤشرات الاقتصادية العربية،‮ ‬كارتفاع معدلات التضخم،‮ ‬وزيادة الأهمية النسبية للإنفاق على المتطلبات العسكرية والأمنية،‮ ‬وتبوؤ الأنشطة الاستهلاكية والخدمية مراتب متقدمة في مجال الإنفاق الاستثماري الخاص، فضلا عن العوامل الخارجية التي أخذت بالعمل على تغييب الهوية الوطنية واستبدال ثقافات‮ ‬غربية بالوعي القومي‮- ‬سيأخذ هذا التراجع الذي تشهده البلدان العربية بالاستمرار مع الزمن،‮ ‬وسيقود إلى فقدان السيادة على مستوي الدولة،‮ ‬وتراجع مؤشرات التنمية‮.‬

الخيار الثاني‮ - ‬اتجاهات الاندماج مع الاقتصاد العالمي‮:‬

شهد الربع الأخير من القرن المنصرم اتجاهات لتفكك الدولة القومية وإعادة دمجها بالاقتصادات الرأسمالية، إلا أنه يصعب الاندماج من دون إزالة وتغييب الهوية القومية ومكوناتها‮. ‬وقد بدأت هذه التحولات من منطلقات اقتصادية،‮ ‬وفقا لتوجهات برامج المؤسسات الدولية‮ (‬البنك والصندوق الدوليان‮)‬، إلاأنها واجهت صعوبة لاختلاف أنماطها السوقية والبني الاقتصادية للنظام الدولي الجديد‮.‬

الخيار الثالث‮ - ‬المشروع النهضوي العربي‮:‬

يقوم البعد الاقتصادي في المشروع النهضوي العربي على الصيغ‮ ‬التكاملية التي تعمل على تفوق المنافع الاقتصادية والاجتماعية على نظيرها من الأعباء لتوافر الوسائل التنسيقية على الصعيد العربي، وذلك لاقتناص الفرص الممكنة للإنفاق الاستثماري‮. ‬وفي السياق ذاته لابد أن تكون المؤسسات التنظيمية التي يقوم عليها بناء الدولة ذات أبعاد ومتضمنات اجتماعية تستمد وجودها من الشرعية الديمقراطية،‮ ‬في إطار مفهوم الحرية والعدالة‮.‬
 


رابط دائم: