قبل أن نتنازل عن إسرائيل
10-1-2012

ألكسندر يعقوبسون
*

يقول "أ. ب يهوشع" ( كاتب وأديب إسرائيلي مشهور) أنه ربما لم يعد عمليا تقسيم البلاد (أي أرض فلسطين التاريخية) الى دولتين، وأن خيار دولة ثنائية القومية قد يكون حتميا.

لا غرابة في ان يثير استمرار مشروع الاستيطان افكارا كهذه. فهذا بالضبط هو هدفه، أي منع تقسيم البلاد من خلال انشاء كتلة حرجة من المستوطنين لا يمكن نقلهم لاحقا. والهدف من ذلك هو دفن احتمال تقسيم البلاد الى الأبد، ولا يتعلق هذا الامر أبدا بسؤال هل يوجد اليوم احتمال عملي للتوصل الى تسوية؟ لكن لماذا يجب علينا ان ندع مؤيدي مشروع الاستيطان يحققون هدفهم؟ حتى لو لم يحدث اخلاء للمستوطنات فلا يعني هذا أنه لا يوجد تقسيم للبلاد. لماذا نوافق على ان تحدد المستوطنات مصير البلاد ومصير الشعبين؟ ولماذا لا نقول بأن اليهود يستطيعون البقاء في الجانب الفلسطيني من الحدود التي ستُحدد، باعتبارهم أقلية يهودية في الدولة الفلسطينية؟ ان حل دولتين للشعبين مع أقليتين قوميتين عن جانبي الحدود هو الحل المناسب من جهة مبدئية. وهذا الخيار يثير صعوبات مختلفة من جهة عملية. لكن جميع الخيارات الاخرى تُعد أكثر إشكالية أيضا؟.

بالنسبة إلى خيار "دولة واحدة" أي أساس لافتراض انه اذا نشأت دولة واحدة من البحر الى النهر فستكون ثنائية القومية ولن تكون بساطة عربية مسلمة؟ هل لأنه سيكون هذا مكتوبا في دستورها؟ ألم نر من قبل دساتير مختلفة الأنواع. كي تكون هذه الدولة ثنائية القومية حقا لا يكفي ان يتنازل اليهود الإسرائيليون عن دولة يهودية بل يجب ان يتنازل العرب الفلسطينيون ايضا عن دولة عربية. وحتى الآن لم يقم أي عربي بهذا التنازل.

ستكون "الدولة الواحدة" دولة ذات أكثرية عربية في قلب العالم العربي الذي تُعرف كل دوله رسميا بأنها دول عربية. وستنشأ الأكثرية العربية فيها سريعا ولو كان ذلك بسبب عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين لن يُمكن منعهم. وفي تسوية الدولتين يمكن ويجب ان يُقرر بأن يعود اللاجئون الفلسطينيون الى الدولة الفلسطينية لكن اذا كانت "دولة واحدة" فهل يمكن ان نفترض بجدية ألا يعود اللاجئون اليها؟ هل من المحتمل ان يوافق الشعب الفلسطيني زمنا طويلا على ان يكون الوحيد بين جميع الشعوب العربية الذي لا تُعرف دولته رسميا بأنها دولة عربية وأنها جزء من العالم العربي؟ هل سيتخلى طوعا عن عروبة فلسطين لا لمصلحة أكراد أو بربر بل لمصلحة الصهاينة؟.

ان العروبة المعلنة لجميع دول المنطقة تعبر عن اجماع هو الأوسع. وليس هذا مسألة تصور سياسي فحسب بل تعريف هوية لا تنكرها أية مجموعة ذات شأن من الرأي العام العربي، وليس الحديث بالضرورة عن اضطهاد أقليات غير عربية وغير مسلمة. فلا يوجد اجماع عربي عام يؤيد اضطهاد الأقليات. لكنه يوجد اجماع عربي عام على عروبة كل دولة فيها أكثرية عربية. وبعبارة اخرى فان التخلي عن الصبغة العربية لـ "الدولة الواحدة" وعن انتمائها المعلن للعالم العربي سيعتبر غير شرعي في البلاد وفي المنطقة، ولن يصمد زمنا طويلا. قال عزمي بشارة في المدة الاخيرة ان "الدولة الواحدة" في فلسطين يجب ان تكون جزءا من العالم العربي. وهي في الحقيقة لا تستطيع ان تكون جزءا من عالم آخر.

ان الحل وجود أقلية يهودية في دولة فلسطينية يثير مصاعب ومعضلات، لكنه في الوضع الذي نشأ في هذا المجال، وبمسؤولية كاملة من حكومات إسرائيل لا اليمين وحده، فان هذا هو الحل الأقل سوءا بين جميع الحلول التي تؤخذ في الحسبان فهو أقل سوءا من احتلال عسكري لا ينتهي، فهذا الخيار الذي سينتهي الى تمييز عنصري يرتدي زي الاحتلال مرفوض ومعيب. وهو غير قابل للبقاء من جهة سياسية ايضا على المدى البعيد .

ان حل القائم على اساس وجود أقلية يهودية في دولة فلسطينية أفضل ايضا من دولة عربية مسلمة في البلاد كلها تتنكر بلباس دولة ثنائية القومية (في بدايتها). وهو أفضل من إخلاء جموع المستوطنين بالقوة من بيوتهم اذا كان هذا أمرا ممكنا أصلا. يجدر الأقل دراسة هذا الحل بجدية قبل ان نتنازل عن دولة إسرائيل

---------------------
* نقلا عن المستقبل - الثلاثاء 10 يناير 2012.


رابط دائم: